صلاح بدرالدين
الشعب الكردي عموما ، والكرد السورييون على وجه الخصوص ، هم من ضحايا الإرهاب واول نوع واجهوه من هذه الآفة في تاريخهم المعاصر هو إرهاب الدولة ، من جانب القوى العالمية التي قسمته شعبا ، ووطنا قسرا ، ومن دون ارادته ، والأنظمة السائدة ، والحكومات المتعاقبة المحلية التي سلبته حقوقه الأساسية ، وحاولت طمس وجوده عبر المخططات العنصرية المدروسة ، مما فرض ذلك على الحركة السياسية الوطنية الكردية السورية ومنذ نشوئها إيلاء استراتيجية الدفاع عن النفس ، ومواجهة مخططات التعريب ، والتهجير ، وتغيير التركيب الديموغرافي لمناطقها ، الأولوية ، وقد يكون ذلك سببا في تأخر الحصول على الحقوق القومية ، وليس غريبا ان تكون الأنظمة الحاكمة رسمت هذه المعادلة بشكل مدروس لاشغال الحركة كجزء من سياستها الكردية .
لذلك يمكن القول أن الكرد السوريين كانوا ومازالوا معنييون مباشرة بمخاطر ، وتبعات ، ونتائج ” إرهاب الدولة ” الذي مورس خصيصا كما ذكرنا ضد وجودهم ، وحاضرهم ، ومستقبلهم ، حسب مخططات مدروسة معروفة ، واذا كان الكرد يعانون ذلك بصورة مزدوجة ( قوميا واجتماعيا ) فانه شمل أيضا وباشكال متعددة ومختلفة ، غالبية السوريين ، والحركة الديموقراطية ، وذلك عبر الاستبداد ، والقهر ، ومصادرة الحريات ،وهكذا فان نصيب الكرد من المعاناة يبلغ الضعف على الصعيد الوطني ، وبكل اسف هناك مازال من يتجاهل هذه الحقيقة من بعض شركائنا السوريين ، عندما يرددون (ان كل الشعب السوري يعاني بشكل متساو ) .
انواع أخرى من الارهاب
اذا كان ” إرهاب الدولة ” يشكل خطرا وجوديا علىى الكرد ، فهناك ظواهر إرهابية أخرى لم تنشأ خصيصا من اجل الكرد ، بل تعم المنطقة جمعاء ، بل العالم في مختلف القارات ، وهي عابرة للبلدان ، والقوميات ، والأديان ، والاجناس ، ومنها ( إرهاب الإسلام السياسي ) بشقيه السني وعلى راسه القاعدة وداعش ، واصولهما ، ومتفرعاتهما ، والشيعي وفي مقدمته نظام طهران واذرعه بالمنطقة ، من دون اغفال تفشيها المتسارع في الدول التي تقتسم الكرد ووطنهم التاريخي ( سوريا – العراق – تركيا – ايران ) وجوارها أيضا ، حيث تجد فيها بيئة حاضنة لاسباب تاريخية ، ودينية ، ومذهبية ، حيث من الواضح ان معظم تلك البلدان لم تحل فيها بعد القضايا الوطنية ، والاجتماعية ، وتفتقر الى النظام السياسي الديموقراطي العادل .
من جهة أخرى في بعض الحالات وفي معظم تلك البلدان ، يمكن ملاحظة التداخل العضوي ، او المصلحي ، بين كل من ” إرهاب الدولة ” وإرهاب الجماعات ، والمنظمات الإرهابية ، من خلال التعاون ، والتنسيق ، وتبادل الأدوار ، فقد لاحظنا على سبيل المثال حصول ذلك بين – داعش – وحكومة نوري المالكي ، بالموصل عام ٢٠١٥ وباشراف الحرس الثوري الإيراني وقائده قاسم سليماني ، وقبل ذلك ماحصل مع نظام الأسد عندما أخرج إرهابيين إسلاميين من سجونه ، واطلاقهم لتشكيل فصائل مسلحة ، مقابل الثوار السوريين الوطنيين العلمانيين ، وحصل امر مماثل عندما اطلق – البغدادي – سراح القنصل التركي في الموصل بموجب تفاهمات معينة .
وعلينا ان لا نتجاهل ابدا نمو مظاهر إرهابية داخل اطر بعض الحركات المحسوبة على الكرد حيث صنفت الولايات المتحدة الامريكية ، ودول أوروبية ( حزب العمال الكردستاني ب ك ك ) كمنظمة إرهابية ، وكان لذلك الوقع السلبي على سمعة الكرد في كل مكان ، وعلى مجمل نضالهم السلمي المشروع ، ودفاعهم عن النفس ، وليس خافيا أن مسألة علاقة – ب ي د – الفكرية ، والتنظيمية بالحزب الام – ب ك ك – مازالت تشغل الراي العام الكردي ، والإقليمي ، حتى الطرف الأمريكي الداعم لادارة – ب ي د – و – قسد – مستمر في البحث عن إيجاد حل لهذه الإشكالية ، التي تنعكس سلبا أيضا على الكرد السوريين ، ومستقبل حركتهم الوطنية ، ووحدة وسائلهم النضالية .
سبل مواجهة مختلف أنواع الإرهاب
صراعنا كشعب ، وقضية مع ” إرهاب الدولة ” في حالة النظام السوري ، يتمركز حول جملة من المسائل منها : مواجهة مخططاته في التعريب ، والتهجير ، وتغيير التركيب الديموغرافي ، والعمل سوية مع الحركة الوطنية الديموقراطية السورية من اجل اسقاط نظام الاستبداد ، وهذا مستمر منذ الانتداب وحتى الان ، واجراء التغيير الديموقراطي ، وتحقيق نظام حكم ديموقراطي ، تعددي ، تشاركي ، وإقرار دستور يضمن حقوق كل المكونات السورية ، ويتضمن الاعتراف بوجود ، وحقوق الكرد ، وتحقيق المصالحة بين السوريين ، وإرساء حكم القانون .
اما بخصوص مظاهر الإرهاب الأخرى المتفشية في طول الجغرافيا السورية وعرضها ، فلاشك ان القضاء على نظام الاستبداد وإرساء النظام الديموقراطي يعتبران اجتيازا لثلاثة ارباع الطريق لتحقيق ذلك ، والان والى مابعد انجاز إزالة إرهاب الدولة ، ستتم مواصلة مواجهة إرهاب المنظمات ، والحركات ، ليس بالطرق العسكرية فحسب بل بالفكر ، والوعي ، والثقافة أيضا ، وكذلك بحل المشاكل الاقتصادية ، والاجتماعية، واطلاق الحريات العامة ، وتوفير الحلول لحاجات المواطن المعاشية ، والصحية ، والحياتية .
مواجهة الإرهاب لاتتجزأ
في الظروف الراهنة وامام حصول الهجرة ، والنزوح ، وافراغ المناطق ، وانتهاك سلطة الامر الواقع للحقوق ، والحريات ، وتفكك الحركة الكردية السورية ، وغياب الاجماع القومي ، وتعدد ولاءات الأحزاب الكردية ، والانشطار الحاصل على الصعيد الوطني ، ليس هناك قوة كردية سورية تستطيع لوحدها محاربة الإرهاب على الصعيد الوطني ، والمناطقي ، والانتصار عليه بالقوة العسكرية ، خاصة اذا كانت غير مقبولة وغير مخولة ، بل غير مهيأة فكريا ، وسياسيا ، فاية قوة كردية او باسم الكرد ان لم تواجه ” إرهاب الدولة ” أولا ، لن تكون صالحة لمواجهة إرهاب التنظيمات ، واية قوة كردية سورية مهما نالت المساعدات من الأجنبي ، لن تنجح في استئصال إرهاب المنظمات، من دون التسلح بالفكر القومي الديموقراطي الحر ، ومن دون التفاف الجماهير الكردية حولها ، ومن دون التنسيق مع العمق الكردستناني العراقي كموقع متقدم في الحركة القومية الكردية.
ببالغ الأسف نقول ان تعامل سلطة الامر الواقع ومختلف مسمياتها ، مع مسالة محاربة داعش ، الى جانب خلوه من الابعاد القومية ، والوطنية ، والديموقراطية ، وافتقاره الى الاحتضان الشعبي، فانه يقتصر على الدعاية الحزبية فقط بهدف تحسين الوضع الذاتي ، وخدمة اجندة الحزب الام في مركز قنديل.
خلاصة القول ، وبمنتهىى الوضوح، فان الكرد السوريين سيعانون من محنتهم المستدامة ، ومن حرمانهم من الحقوق ، ومن تشرذمهم ، ومن غياب أي دور لهم على الصعيد الوطني ، وفشلهم في تحقيق اية انتصارات حاسمة تعود بالخير عليهم وعلى وطنهم ، مالم تتحقق استعادة الأداة النضالية الحاسمة ، بإعادة بناء حركتهم القومية – الوطنية ، وتوحيدها ،وشرعنتها عبر المؤتمر الكردي السوري الجامع ، وبالسبل المدنية الديموقراطية ، حينذاك سيتم الاستحواز على شروط تحقيق استقلالية القرار ، والاجماع القومي ، والتوافق الوطني ، وتوفير محاور يعبر عن إرادة ، وطموحات، ومصالح الشعب الكردي السوري.