غزلان خليل وضحي
من دون شك لا يمكن التغاضي عن دور دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في الدول التي يتواجد فيها الشعب الكُردي. لذلك على التنظيمات السياسية الكُردية التعمق بشكل أكثر لمعرفة السياسة الخارجية لهذه الدولة، لكونها تشكل إحدى القوى الرئيسية التي تؤثر على المشروع القومي الكُردي وترسم ملامح المنطقة لكي يتم وضع إستراتيجية تضمن نجاح المشروع الكُردي.
لهذا السبب، فأنه من الأهمية بمكان أن يتم أخذ السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وتجاه القضية الكُردية بشكل خاص، بعين الإعتبار لما لها دور رئيسي في خلق مناخات سياسية تؤثر على القضية الكُردية حاضراً ومستقبلاً والتي قد تُساهم في تأسيس دولة كُردية أو تمتع الشعب الكُردي بِنظام حُكم فدرالي شبه مستقل.
من خلال تتبع السياسة الأمريكية، نرى أنه بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن بأسقاط نظام حُكم طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق من خلال التدخل العسكري المباشر الذي تسبّب في تقديم تضحيات أمريكية بشرية كبيرة وكلّف الخزينة الأمريكية مبالغ مالية طائلة، وفي نفس الوقت لم تُحقق الحربان المذكوران الأهداف المرجوة منهما، حيث كما نعرف أنه لِطالبان لا يزال هناك نفوذ كبير في أفغانستان، مما دفع الإدارة الأمريكية الى التفاوض مع حركة طالبان وسيتم إشراكها في حُكم أفغانستان. أما في العراق، بعد إسقاط نظام صدام حُسين، أصبح للنظام الإيراني نفوذ كبير في العراق والتي قامت بتشكيل ميليشيات مسلحة التي أصبحت تحكم العراق فعلياً. لذلك أخذت الإدارة الأمريكية العِبر والتجارب من تلك الحربَين وبدأت تعتمد على سياسة إيجاد حلفاء محليين في المنطقة لحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الحيوية في المنطقة، بدلاً من التدخل العسكري المباشر.
هكذا نرى أن السياسة الامريكية طرأ عليها تغيُّر جذري، وهذا ما يمكن ملاحظته في تعامل الولايات المتحدة مع الملفات الساخنة في المنطقة، مثل الحرب في سوريا واليمن وليبيا والسودان وسياستها مع العراق ومصر. لذلك على الكورد السوريين وضع إستراتيجية صائبة لتحقيق مآربهم وطموحاتهم في ظل السياسة الأمريكية الجديدة في التعامل مع الصراعات الشائكة الدائرة في المنطقة بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص.
تتواجد في كوردستان سوريا حالياً وفي مناطق شرق الفرات السورية، قوات عسكرية تُعرف بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تحظى بالدعم الأمريكي ويُشرف الخبراء العسكريون الأمريكيون على تدريبها وتمويلها وتعتبرها الولايات المتحدة الامريكية جزء من القوات الحليفة لها وتقوم أيضا ببناء قواعد عسكرية لها في العمق الكُردي بهدف تعزيز تواجدها هناك لتنفيذ مشاريع مستقبلية لها التي تريد القيام بها. من هنا يستوجب تمتين العلاقات الكُردية – الأمريكية وفق رؤية كُردية جامعة وواضحة وعودة قوات پيشمرگة روژآڤا لتصبح جزءا من المنظومة العسكرية هناك وذلك لتطوير هذا التعاون العسكري وجعله حلفاً سياسياً كُردستانياً – أمريكياً استراتيجياً، يتمتع بموجبه الشعب الكُردي بنوع من الاستقلالية وأن تصبح منطقة روژآڤا إقليماً ذا نظام ديمقراطي ضمن نظام فيدرالي سوري، ينص عليه الدستور السوري وتفرُّغ الكورد في الإقليم لتطوير نفسه في كافة المجالات وخاصة في مجال البنية التحتية التي تكاد تكون معدومة فيه وتقديم الخدمات وتمتع المواطنين بِحُرّية الرأي والمعتقد والتملك وتطوير اللغة والثقافة الكُردية وإحياء التراث الكُردي وتصحيح التاريخ الكُردي.
إنّ انتهاج سياسة الأقصاء المتبعة من قِبل حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) والاحزاب الحليفة له، للمجلس الوطني الكردي والاصرار على عدم عودة پيشمرگة روژآڤا، يعرقل أي استثمار في العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية وتتحكم عوامل عديدة في هذه السياسة الخاطئة لحزب الاتحاد الديمقراطي والتي أهمها، عدم استقلالية هذا الحزب في رسم سياسته واستراتيجيته وتحالفاته لارتباطه بحزب العمال الكُردستاني (pkk) ووقوف الدول المحتلة لكوردستان ضد أي تحالف كُردي – أمريكي في المنطقة وبالتالي العمل على عرقلة قيام أي حلف من هذا النوع.
على القوى السياسية الكُردية في روژآڤا الإطلاع الدقيق على السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة، التي هي مبنية على سياسة التحالف مع القوى المحلية وعدم التفريط بهذه الفرصة التاريخية، بل يجب استثمارها لصالح شعب كُردستان في الإقليم وذلك من خلال توافق كُردي – كُردي يمثل كُردستان سوريا وإنشاء جبهة كُردية موحدة ذات مرجعية سياسية موحدة وتأسيس جيش موحد لتمثيل الشعب الكُردي في سوريا ليصبح قوة سياسية وعسكرية بارزة لا يمكن الاستغناء عنها في التوازنات السياسية والعسكرية سواءَ في سوريا أو في منطقة الشرق الأوسط وحينذاك يكون كُرد روژآڤا مؤهلين في تشكيل حلف كُردي – أمريكي، له وزنه وقوته في رسم الخارطة السياسية السورية بشكل خاص ولعب دور هام في رسم التوازنات والتحالفات السياسية والعسكرية في المنطقة وإنهاء الحروب والقتل وسفك الدماء والإرهاب والكراهية والدمار والفقر وترسيخ السلم والسلام والمحبة والتسامح وقبول الآخر المختلف والرفاهية بعد المآسي والحروب والدمار التي عانوا منها. لذلك على كافة التنظيمات الكُردستانية تحمل المسؤولية التاريخية التي تتحملها في هذه الظروف العصيبة وإستثمار الفرص المتاحة لتحقيق الأهداف الكُردستانية في الحرية والرفاهية والعيش الكريم.