الحقيقة المرة..

حسين جلبي

ترك أهل عفرين جنتهم وترك أهل سريه كانية بيوتهم، كُلٌّ لأسبابه وانضموا إلى أكراد العالم الافتراضي، بمن فيهم مثقفيهم ومناضليهم، وجلسوا معهم إلى منصات الفيسبوك؛ يشتمون هذا ويخوّنون ذاك، يسخرون من منظر هذا ويتوعدون ذاك بالهزيمة، ويتنافسون من خلال ذلك على جمع اللايكات والإعجابات وكومنتات الشتائم من أكرادهم لأعدائهم، والنتيجة على أرض الواقع هي ما نراه في الصورة: مصطفى سيجري وزميله الرائد خالد يجلسون مكانهم في عفرين، بينما الجنرال وعرابه المنتصرَين يحتفلون بالمكتسبات في قبو مظلم، ويتوعدون الأتراك بالهزيمة والعالم بغدٍ مشرق؛ تحت صورة اوجلان وراية الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب. 
فشل الكُرد عسكرياً لا بل هُزموا شر هزيمة، وفشلوا سياسياً لا بل تبخروا. 
لدى الكُرد الاستعداد النظري لحل أزمات العالم وكوارثه كلها، لما لا وهم لا يحتاجون في ذلك إلى شيء، لا علم، لا إعداد، لا خبراء ولا شيء سوى اللسان، و(الكلام ليس عليه جمرك). 
قبل أكثر من عام، في بداية جائحة كورونا، خرج كُردي من مهجري عفرين في الشهباء، يجلس أمام خيمته في معسكر تحرسه قوات سوريا الديمقراطية، يبشر العالم بوصفة للقضاء على فيروس كورونا، هي خليط من ملعقة كبيرة (ملعقة أكل) ملح مع ليمونة كما قال، وإذا لم تتوفر الليمونة بسبب الغلاء، يمكن برأيه الاستعاضة عنها بملعقة كبيرة من ملح الليمون، ثم خلط الملعقتين في كأس ماء وشرب المحلول دفعة واحدة. نسي الكُردي وهو يحل كارثة عالمية لازالت مستمرة، لأن أحداً لم يلتفت إلى وصفته كما يبدو، نسي حل مشكلته في العودة إلى بيته؛ الواقع على بعد عدة كيلومترات من خيمته. 
بعد ذلك، خرج كُرديين من عامودا في عز أزمة أجهزة التنفس المرتبطة بالجائحة، وقالا على قناة مصابة بجنون العظمة؛ بأنهما جمعا قطعاً مستعملة من أجهزة أو اشتروها، واخترعا بها أجهزة تنفس لم يسمع بها أحد في العالم، ولم يلتفت إليها حتى الكُرد. نسي مخترعا عامودا بسبب انشغالهما بالاختراع، حل مشكلة وقوفهما في طوابير الخبز والغاز في مدينتهما، والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم. 
في الأيام الأولى للجائحة أيضاً، خرج (وزير الصحة في الإدارة الذاتية الديمقراطية) يتحدث عن اختراعه جهاز كشف فيروس كورونا خلال ثلاثين ثانية. الآن، بعد عام ونصف على الجائحة، فإن أسرع جهاز لكشف الكورونا في أكثر دول العالم تقدماً، تتجاوز سرعته خمسة عشر دقيقة، بينما تفتك الفيروسات بمن تبقى من الكُرد فيما تبقى من مناطق للإدارة الذاتية، العاجزة عن توفير الماء والكهرباء والخبز والغاز والوقود والحفاظ على كرامة الناس. 
ألحق الكُردي الهزيمة بنفسه، كان النصر بحاجة إلى كلمة لكنه لم يقلها في وقتها، والآن أصبح الثمن أكبر بكثير، فأخذ يحاول الكلام.
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…