عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
ندرك جميعًا أن تاريخ الشعوب يشير إلى أن الحكومة الآيلة للسقوط والانهيار تلجأ إلى اتخاذ إجراءات لم تُقبل عليها من قبل للحفاظ على بقائها. وتُعتبر اتفاقية العار بين نظام الملالي الحاكم في إيران مع الصين دليلاً حديثًا على هذه الحقيقة التاريخية.
ولا يخفى على أحد أن نظام الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران يصارع أزمات جمَّة أخطرها أزمة الإطاحة. والحقيقة المؤكدة أن الإيرانيين لا يرغبون في هذا النظام الفاشي، وتُعتبر انتفاضتي يناير 2018 ونوفمبر 2019 الناجحتين نموذجين موضوعيين لهذه الرغبة المشروعة للإيرانيين. انتفاضة لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا بأشكال مختلفة.
واعتبر حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” وممثل خامنئي، الولي الفقيه الحاكم في إيران؛ في هذه الصحيفة، في تأييده لاتفاقية العار لمدة 25 عامًا المبرمة بين نظام الملالي والصين مبررًا هذه الاتفاقية الغادرة بمصالح الوطن بأنها مخرج لنظام الملالي من المأزق، وتحييد للعقوبات الأمريكية، حيث كتب: ” يمكننا بهذه الاتفاقية تحييد العقوبات الأمريكية” (صحيفة “مشرق نيوز”، 30 مارس 2021).
والجدير بالذكر أن لا أحد يعلم حتى الآن محتوى هذه الاتفاقة المخزية بالضبط سوى قادة نظام الملالي. بيد أنه نظرًا للطبيعة المناهضة للبشرية ولكل ما هو إيراني الموصوم بها النظام الديكتاتوري الإرهابي الحاكم في إيران، وسجله العار على مدى 42 عامًا، فإن الأسباب والصورة العامة لهذه الاتفاقية لا تخفى على أحد، ومن غير الممكن أن تكون بمنأى عن مساعي نظام الملالي للحفاظ على بقائة مهما كان الثمن مثلما اتخذ هذا النظام الفاشي من وباء كورونا تدعيمًا إلاهيًا خلال العامين الماضيين وترك أبناء الوطن يواجهون وحش كورونا العالمي بمفردهم ولم يقدم لهم يد العون، وهو ما أسفر عن وفاة أكثر من 250,000 إيراني بهذا الوباء الفتاك حتى الآن، في حين أنه إذا كان يحكم إيران نظام وطني شعبي ديمقراطي، لكان تقليص عدد المصابين والضحايا إلى حد كبير جدًا أمرًا مؤكدًا.
وكتبت صحيفة “فرهيختكان” الحكومية المقربة من على خامنئي، في عددها الصادر بتاريخ 7 أبريل 2021، على لسان أحمد توكلي، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، قوله: ” لم نكن دون هذا المستوى الحالي قط على مدى الـ 40 عامًا الماضية، إذ نعاني الآن من انعدام ثقة الشعب في الحكومة لأدنى درجة ممكنة”. وأضاف: ” يجب عليكم أن تتوقعوا اندلاع انتفاضة الفقراء، فالخطر كبير، بيد أن وباء كورونا يحول دون اندلاع الانتفاضة في الوقت الراهن”.
ولن يُطلع قادة نظام الملالي الشعب على محتوى اتفاقية العار مع الصين عن عمد ويختلقون الأعذار لتصرفهم هذا، لأنهم يعلمون جيدًا أن بنود هذه الاتفاقية أكثر كارثية مما يتخيله الرأي العام، حيث أن الإيرانيين يتذكرون الاتفاقيات المخزية التي أبرمتها الأنظمة الديكتاتورية السابقة، ومن بينها معاهدة تركمانجاي المبرمة مع روسيا التي تسببت في فصل جزء كبير من الأراضي الإيرانية عن إيران للأبد ولن تستردها إيران مرة أخرى.
والجدير بالذكر أن الإيرانيين انتفضوا للإطاحة بالنظام الفاشي الحاكم في بلادهم ودفعوا الثمن غاليًا ومصممون بكل قوة على المضي قدمًا في طريقهم حتى النهاية، ألا وهي الإطاحة بنظام الملالي، فهم لا يثقون في هذا النظام الفاشي فحسب، بل إنهم بادئ ذي بدء على علمٍ بالسجل المشین للدیکتاتوریة الدینیة الحاکمة في إیران، ويدركون جيدًا أن الهدف الوحيد مما يفعله نظام الملالي هو الحفاظ على بقاء ديكتاتوريتهم ليس إلا، ولا يولون أية أهمية للمصالح الوطنية والشعبية لإيران.
ويُقبل هذا النظام الفاشي في آخر فترة من حياته، على بيع الوطن جوًا وبرًا وبحرًا (وما بينهم) من أجل ترويع الإيرانيين والبقاء في السلطة. ولبس الملالي رداء الإسلام والشريعة لإضفاء الشرعية على أعمالهم المخزية بدءًا من بيع الأسماك والخيرات البحرية وصولاً إلى بيع الأرض والمعادن، … إلخ. فعلى سبيل المثال، يدَّعون استنادًا إلى إسلامهم المزيف أن لحوم الأسماك والخيرات البحرية محرَّمة، وهلم جرا. أو كما يزعم المتحدث باسم الحكومة أن نشر النص الكامل لاتفاقية التعاون المخزية مع الصين لمدة 25 عامًا مرهون بموافقة الطرفين”. (صحيفة “آرمان”، 30 مارس 2021).
وعلى الرغم من وجود اتفاقيات مخزية في تاريخ إيران، من قبيل اتفاقيات “كلستان” و “تركمانجاي” و “دارسي” و “غولدسميث”، بيد أن الاتفاقية الأخير بين نظام الملالي الديكتاتوري والصين لها دوافع ومغزى ومفهوم آخر. نشير إليها فيما يلي:
أولاً: إن نظام الملالي محتل سياسي وعسكري وأيديولوجي، ويريد إيران تحت الغطرسة الدينية العفنة، وينظر إلى إيران والإيرانيين من هذا المنظور، وتتماشى سياسته واستراتيجيته تمامًا مع الميكافيلية. وهذا هو السبب في أنه يضحي بجميع رؤوس أموال إيران البشرية والمعنوية والطبيعية والوطنية والمعدنية لتأمين مصالحه الحكومية.
ثانيًا: لم ينفق نظام الملالي جميع رؤوس الأموال المادية والمعنوية المتاحة في إيران من أجل الحفاظ على النظام الفاشي فحسب، بل من أجل إمبرياليته الدينية وإرهابه الأيديولوجي والسياسي في المنطقة وحتى في العالم. ولهذا يطلق عليه دوليًا اسم “مصرفي الإرهاب” و “راعي الإرهاب”، كما أن مشاريعه النووية تخدم هذا الاتجاه. ولو لم تتخذ المقاومة الإيرانية الخطوة الإولي في كشف النقاب عن المشاريع النووية لهذا النظام الفاشي وتدخلاته في شؤون البلدان الأخرى لكان مصير العالم الآن رهينة في يد هذا النظام اللاإنساني.
ثالثًا: يحتاج نظام الملالي الحاكم في إيران إلى دعم سياسي واقتصادي في مواجهة الانتفاضات الشعبية وعلى المستوى الدولي من أجل الحفاظ على حكمه الديكتاتوري. ويعترف المسؤولون في نظام الملالي في كلتا الزمرتين الحكوميتين بسقوط الشرعية السياسية لنظامهم من وجهة نظر الرأي العام الإيراني وتزداد وتيرة سقوط هذه الشرعية سرعةً يومًا بعد يوم. وظهر هذا السقوط كالكابوس عشية مسرحية انتخابات 2021.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الحكومية، تسعى من خلال نشر مجموعة من التساؤلات والغموض وحتى الاحتجاجات على هذه الاتفاقية المخزية إلى تقليص إلقائها بظلالها على مسرحية الانتخابات، نظرًا لأن مسرحية انتخابات نظام الملالي هذا العام أكثر عارًا من أي عام آخر، وتحولت إلى حبل مشنقة يطوق عنق هذا النظام المستبد، ويتحدث الإيرانيون مقدمًا عن مقاطعتهم للانتخابات وفشلها فشلاً ذريعًا.
وبناءً عليه، يدين الإيرانيون والمقاومة الإيرانية بشدة إبرام الاتفاقية المخزية لمدة 25 عامًا مع الصين وبيع الوطن ونهب نظام الملالي لمواردهم وممتلكاتهم. وكما أعلنت السيدة مريم رجوي في 9 يوليو 2020، فإن نظام الملالي لا يولي أدنى اهتمام لأرواح الإيرانيين وصحتهم ولا لمياه البلاد وأراضيها ولا للثقافة والمصالح الوطنية، وأن الشغل الشاغل للملالي هو الحفاظ على الديكتاتورية الدينية وبقائها، وهو ما يعتبره خامنئي أهم الفروض.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.