قراءة نقدية في النّسق المفاهيمي لمشروع الأمة الديمقراطية «1/3»

سعيد يوسف
مدخل :
لقد  تناولت المشروع المومأ إليه،  اعتماداً على كتاب واحد وهو المجلّد الثالث  المعنون ” بمانيفستو الحضارة الديمقراطية” سوسيولوجيا الحرية . قناعة مني بأنه قد أوفى بالغرض الذي سعيت  إليه إلى حدّ كبير, وهو تقديم رؤية واضحة عن جذور المشروع  وبنيته  وأهدافه.
كما لابد من التنويه أيضاً، بأنّ القراءة هنا تسعى لأن تكون قراءة  فكرية سياسية، ولكن ليس بالمعنى الضيق للسياسة…. أن صاحب المشروع يمارس النقد بكل جرأة وحرية، ويؤسس لمشروع فكري سياسي جديد، يمسّ حياة الشعوب والأفراد سواء بسواء، وما يهمنا بالأساس كونه يضع مستقبل الشعب الكوردي على المشرحة. من هنا الضرورة الملحة للقراءة، ومشروعية النقد والمساءلة . سيّما ونحن  أمام نصّ، والنص مساحة مشروعة لممارسة فعل النقد  والتحليل، والتفسير والتأويل. 
السيد أوجلان يقدم مشروعاً فكريّاً منجزاً برأيه وبحسب قناعة اتباعه، ويأخذ الصفة القطعية، لحل المسألة الكوردية، وكل قضايا العالم أيضاً، لأن المشروع  يُراهن  على أنه كليّ القدرة، والعمومية، مثل كل المذاهب الشمولية، كالماركسية والإسلامية. 
الدّراسة هنا سوف تقتصر على بعض المفاهيم، وبما يخدم هدف البحث. حقيقة أنّ متابعة وشرح كل المفاهيم سوف يفضي إلى تشكيل مجلّد جديد…. 
لذا سأكتفي  بالمسائل التالية تباعاً :
– مصادر فلسفة أوجلان. 
– مراحل التطور الاجتماعي عند أوجلان. 
– بين ماركس وأوجلان، مقارنة. 
– أوجلان والدولة القومية. 
– كلمة أخيرة. 
أولاً – المصادر المعرفية والنظرية لفلسفة أوجلان.
لابد من التنويه هنا، بأنّ المؤلّف المذيّل باسم السيد اوجلان، زاخر بالمفاهيم والمصطلحات، والأفكار والمعلومات. حتى يمكن القول بأنّه يشكل ترسانة مفاهيمية، وموسوعة معرفية، مما يكوّن انطباعاً لدى القارئ، بأنّه من المتعذّر أن يكون شخصاً واحداً بمفرده قد ألّف الكتاب، بل مجموعة أشخاص أو جهات. 
وبالرغم من ذلك تظهر ثغرات وجوانب ضعف وهشاشة هنا أوهناك. ذلك أنّه ما من نصّ إلا ويعاني شيئاً من النقص أوبعضاً من الخلل.
لا يوثّق اوجلان، مصادر معلوماته، ولا يحدّد صفحات اقتباساته، أو ممّن نقل عنهم مباشرة، من هنا صعوبة تحديد جذور الأفكار. لكنه يذكر أسماء كثيرة في سياق السّرد والشرح والنقد، منهم  سوسيولوجيين وفلاسفة، ومؤرخين وغيرهم كثر ومن مختلف الاختصاصات النظرية، وحتى العلمية الدقيقة، ولهذا تتبعت بعض  الاسماء التي يشيد بها اوجلان، أو تلك التي تنال اعجابه، مع أن أحدا لا يسلم من سهام انتقاداته.
وقد وجدت في المقطع التالي مادة دسمة، تحدّد شخصيات مفصلية في تشكيل .مشروعه  حيث يذكر بأن الفرصة قد سنحت له للبحث في النماذج السلوكية، لبعض علماء الاجتماع المهيمن وفي صدارتهم ” موراي بوكين، إيمانويل والرشتاين، و فرناند بروديل، علاوة على أني كنت مستوعباً لجوهر نيتشه وميشيل فوكوه، وبعض الفلاسفة الآخرين”. والأهم بالنسبة اليه 
آندريه غوندر فرانك.( مانيفستو. ص 19-20). 
ومع أنّ اوجلان لا يذكر اسم ماركس أو مديونيته  لفكره، ورأسماله الثقافي  والرمزي الا أنني سوف أبدأ بماركس كمصدر أوّلي  للاوجلانيزم . 
أوّلاً- الماركسية : أن المصدر الأول الذي يدين له اوجلان وحركته، هو الفلسفة الماركسية اللينينية. لسبب وجيه وهو أن الحركة اتخذت من الماركسية، فلسفة ومنهج عمل منذ بداية  تأسيسها ومسيرتها الايديولوجية، وعلى مدى عقود من الزمن
من هنا  مهما تنكر اوجلان، أو حاول القطيعة  مع ماضيه  فإنه يبقى تلميذاً ماركسياً، على الأقل في الظاهر المعلن وقتذاك. فلقد  كان من جملة أفكاره اعادة الماركسية إلى مسارها الصحيح، بعد أن طالها الانحراف… وبذلك ستكون كوردستان المحررة والموحدة مركز اشعاع فكري ماركسي أصيل وجديد في الشرق الأوسط والعالم، هذا ما كان مدرجاً في أدبيات الحركة عند نشأتها. 
استمر هذا الوضع حتى أواخر تسعينيات القرن المنصرم تقريباً، أي قبيل اعتقال اوجلان، لتبدأ بعدها مرحلة فكرية جديدة، هي مرحلة أيديولوجية الأمة الديمقراطية، وهي مرحلة ما بعد امرالي، و مرّة أخرى ستكون هذه الايديولوجية حلّا لكل مشاكل العالم. 
ثانياً – ايمانويل والرشتاين( 2019-1930).وهو عالم اجتماع امريكي متأثر بماركس وغرامشي…وهو واحد من أربعة أشخاص يُطلق عليهم اسم “مجموعة الشياطين الأربعة”. وهم ” اندريه غوندر فرانك، و سمير أمين، و جيوفاني أريفي”. 
يركّز والرشتاين في كتاباته، على تحليل أنظمة العالم، فهو ينظر إليها من حيث أنها تشكّل وحدة سياسية مترابطة، ومن أجل ذلك  فإنّ معالجة  أي مشكل ينبغي أن تتم ضمن سياق المشهد ككل، ودون تجزيء. 
يُوصف والرشتاين بأنّه ” جرّاح  النظام العالمي  وغريم الرأسمالية  المتأزمة”. والتي استنفذت امكاناتها، لذا لابد من بناء  نظام عالمي جديد، مبني على الديمقراطية والمساواة. 
ويبدو أنّه متابع للمسألة الكوردية، ولديه معلومات وافية بشأنها، فهو الذي وضع مقدمة كتاب اوجلان. ” خارطة الطريق” 
الذي يبين فيه اوجلان كيفية دمقرطة تركيا، والعمل على تغيير بنية وعقلية  النظام التركي من الداخل، والقائم على موروث الدولة القومية وعنفها وسطوتها. 
وهذه من جملة أفكار.. وما يذهب إليه والرشتاين…وهو أن المسألة الكوردية لا حلول لها إلا ضمن سياق النظام العالمي الرأسمالي وتغييره، وانعتاقه من الأفكار المضادة لمصالح وتطلعات الشعوب. 
ولهذا السبب يسعى أتباع مشروع الأمة  الديمقراطية، إلى تعميم مذهبهم على العالم ككل، على غرار المقولة  اللغوية الصورية التي قالها أنجلز عن مذهب ماركس بأنه ” صحيح لأنه كليّ القدرة”. 
( بعض المعلومات بخصوص والرشتاين مقتبسة من الموقع الكردي للدراسات. رشاد سورگل، وكذلك موقع : الترا صوت. عصام حمزة ). 
ثالثاً – أندريه غوندر فرانك.( 2005-1929). مؤرّخ واجتماعي، واقتصادي امريكي من أصل ألماني، ينتمي للتيار الماركسي، و واحد من أبرز مؤسّسي نظرية التبعية، وعالم النظام. ومعروف بتحليله للتخلف ، ونقده للرأسمالية. 
من مؤلفاته.( الرأسمالية والتخلف).يوضّح فيه أنّ النظام العالمي هوثمرة.(5000). عام أي منذ أن بدأت تظهر بؤر السلطة في ميزوبوتاميا، وسومر  قبل أن تنزلق في المرحلة الثانية، إلى أثينا وروما، وأخيراً إلى  لندن وأمستردام.. ففي سومر بدأ أوّل تكدس لرأس المال، الذي هو القوّة المحرّكة للتاريخ. وليس الاقتصاد مثلما  يقول  ماركس. والفكرتان أعلاه من أبرز مقوّمات فلسفة الأمة الديمقراطية، أقصد : بداية تكدّس رأس المال، وفكرة حركيته  للتاريخ الاجتماعي. 
رابعاً – جوردون تشايلد.( 1957-1892). أركيولوجي استرالي من جذور انكليزية، قضى معظم حياته في المملكة المتحدة. متخصص في دراسة عصور ما قبل التاريخ، وصف كأعظم مؤرخ وآثاري تبنى الفكر الماركسي. 
كتابه المعروف “ماذا حدث في التاريخ”. يعتبر مرجعاً مهماً لكل باحث. يسرد فيه نشاطات أركيولوجيا ميزوبوتاميا.( مانيفستو ص 20). ويتحدث عن أصول الحضارة وتطورها منذ العصر الحجري وحتى نهاية العصور القديمة، مع اضاءات عن حياة الجماعات البدائية. زار العراق عام( 1933).حيث جمع معلومات مهمة وقيمة عن جميع مناطق بلاد ما بين  النهرين، ولهذا شغل اهتمام اوجلان، وأثره واضح وبيّن في كتابه. 
خامساً – فرناند بروديل.( 1985-1902). أحد كبار المؤرخين الفرنسيين، والعالميين في القرن العشرين. من أشهر كتبه. “قواعد لغة الحضارات”. 
يعتبر بروديل أنّ الرأسمالية  منظومة اقتصادية، ولّدتها استراتيجيات البحث عن السلطة. فهي ليست ايديولوجيا كما قال عنها كارل ماركس. كما وبعكس ماركس الذي رأى أنّ الرأسمالية تعمق التفاوت بين البشر، يرى بروديل أنّ التفاوت كان أعمق قبل الرأسمالية.( عن مقال :” قواعد لغة الحضارات”. د. هيثم مزاحم. بيروت نيوز مارس. ٢٠١٦. مجلة التسامح- موقع الكتروني “).
كما يتحدّث بروديل  عن مجتمع الطوابق هذا التعبير الذي يتكرر في كتاب اوجلان، فالطابق الأرضي، والأول لا استغلال فيه 
بينما تشكل الرأسمالية الطابقين الثاني والثالث، حيث يبدأ فيه التراكم الرأسمالي ويبدأ الاحتكار والاستغلال. 
هذه الافكار أيضاً  مدرجة في كتاب  أوجلان  واستثمرها في مشروعه. 
سادساً – موراي بوكين.( 2006-1921).عالم اجتماع وسياسي ، وفيلسوف اشتراكي ايكولوجي. تبنى أفكار المدرسة اللاسلطوية .(اناركية)  في السياسة. مناهض للرأسمالية…. لا مركزي، ديمقراطي بيئي. كتب عن البلديات التحررية، وسلطة الشعب. انشق لاحقاً عن الاناركية،  ليؤسس فكره السياسي الخاص عن الكومونات  كشكل اجتماعي، لا سلطوي اشتراكي تحرري تقوم على افكار الجمعية الديمقراطية اللامركزية. ويعتبر ( الكومين). وإدارته  احدى أهم ركائز فلسفة سياسة  الأمة الديمقراطية أيضاً . علاوة على تبنّيه اللاسلطوية ورفض القانون، وكيان الدولة. 
هكذا نلاحظ أنّ اوجلان اقتبس أفكاره الرئيسة و المحورية   ممن سبق،  ويلاحظ وكما بيّنا أنّ الجميع قد تأثروا بماركس أو كانوا ماركسيين. 
……. يتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…