المحامي عماد شيخ حسن
يخال البعض بأننا كقانونيين نتقاعس في بعض المناسبات عن أداء رسالتنا، كتلك المناسبة التي أخرجت من خلالها الفصائل في عفرين بإيعاز من أسيادهم الأتراك مسرحية المقبرة أو المجزرة السخيفة ونسبوها الى أهل الإدارة الذاتية بعديد مسمياتها.
ليعلم هؤلاء بأننا لا نصمت تقاعسا وإنما احتسابا ، فالحقيقة إما أن تقال كاملةً وإما فالصمت أنسب وأبلغ.
تعلمون رواية الأب الذي جمع أولاده، ليعطيهم درساً في أهمية الوفاق والإتفاق و قوته، حينما أعطى أحد أبنائه حزمة من العيدان ليكسرها، ليثبت أن العيدان مجتمعة يستحيل كسرها، ولكن الإبن استطاع كسر الحزمة، و بالتالي وضع والده في موقف حرج، فما كان من المسكين إلا القول لأولاده حينما طالبوه بالغاية والعبرة من طلب كسر العيدان (( ليش الحيوان اخوكم خلّى فيها عبرة ).
هذه هي حالنا و هذه تماماً حالتنا كقانونيين كرد وغير قانونيين في معرض الدفاع عن حقوقنا وقضايانا العادلة. فساستنا وأحزابنا، عوضاً من أن يدعموك أو أن يضعوك موقف القوي و المحقّ، كانوا على الدوام الخنجر بيد المعادين لك والمتربصين بك .
وللدلالة أكثر على ذلك و بالأمثلة أقول…
قانوني كردي مثلي وبإمكانياته المتواضعة ،وصل الليل بالنهار أياماً و أشهر و أذهب النور من عينيه دأباً في كتابة وإعداد التقارير و التوثيقات عن الظلم الذي يجري في عفرين و مرتكبيه، لإيصاله الى الجهات المعنية، فيخرج بالمقابل والنتيجة، ممثل المجلس الوطني الكردي وبجملة واحدة منه ينسف كل جهدي ومجهودي ذاك و غيري، ليصور للغير بأن عفرين ليست كما يصفون، وهنا بالتاكيد تدركون قيمة شهادتي و توثيقاتي انا العبد الفقير مقابل شهادة الممثل الفذّ عن القضية لدى الجهات الدولية .
لنأتي الآن بعد المجلس الى الوجه أو الواجهة الأخرى لمن يتصدرون تمثيل حقوقنا ككرد في سوريا، ألا وهي الادارة الذاتية بمختلف اصولها وتفرعاتها و مسمياتها، هذا الوجه الذي لن تجد تفسيرا لأعماله إلا بأنه يتقصد سحب البساط من تحت قدميك في كل موقف ومناسبة، ويأبى إلا أن ئخرسك رغم سطوع ووضوح مظلوميتك .
لن أكثر من الأمثلة حول هذا، ولن أخوض في تفاصيل صور اوجلان وماجنته، وإنما يكفي أن أجلب المثال من مسرحية المقبرة .
تركيا سعت من خلال فصائلها المجرمة في عفرين، الى اختلاق قصة اكتشاف مقبرة جماعية في قلب عفرين المدينة، لضرب عصفورين بل وأكثر بحجرٍ واحد، تنسيب الفعل الى الادارة الذاتية و تشويهها و تثبيت ممارستها للارهاب،و بالتالي شرعنة وجودها في عفرين، وبالمقابل أيضا، تبرئة نفسها من الإجرام الذي ارتكبته هي ذاتها أثناء معاركها على عفرين، أضيف الى ذلك أنها كانت فرصة للمجرمين لممارسة هواياتهم في التمثيل بالجثث وانتهاك حرمة الموتى،ولا سيما بأنهم مارسوا تلك الهواية البشعة في اكثر من موقع و مناسبة في عفرين وغيرها .
الآن إن قلت بأن الإدارة الذاتية ليست بريئة من الأفعال والممارسات ذاتها، حيث تتذكرون قبل سنوات مشهد اللودر المحمل بالجثث وسط عفرين، قد يظن البعض بأنني أبرر ما فعله مرتزقة تركيا في عفرين، بينما الحقيقة ليست كذلك على الاطلاق،وما الغاية الا قول الحق اولا وكاملا، و الاشارة والتأكيد أيضا على حجم الضرر الذي يلحقه الأوغاد ممثلينا بقضيتنا .
بمختصر العبارة ..الأعداء يسعون بشتى السبل لاختلاق الذرائع والحجج و المبررات لضربنا و ضرب قضيتنا و المجلس و الادارة مسخران لتقديم كل ذلك وبكل يسر وعلى طبق من ذهب.
ولكم ان تتصوروا أي حال ينتظرنا عندما يكون من يدعي خدمة القضية هو اكثر المسيئين للقضية!!!! يا إلهي .
أعود الآن لبعض من القانون بخصوص المقبرة واللودر …
اللجنة الدولية للصليب الاحمر وكذلك الكثير من قرارات مجلس الأمن، وصفت ما يحدث في سوريا بالنزاع، و أن هذا النزاع هو ذو طابع غير دولي، اي ليس نزاع مباشر بين دولتين، وسواء أكان النزاع دوليا او غير دوليا، فالمطلوب من جميع اطراف النزاع ( دول ، جماعات) الالتزام بقواعد القانون الدولي عموما و بالتالي وبالتأكيد الالتزام بقواعد القانون الدولي الانساني كفرع منه .
القانون الدولي الانساني يتمثل بصورة ابرز باتفاقيات جنيف الاربعة ١٩٤٩ و بروتوكوليها الملحقين ١٩٧٧، ولا يجب ان نسهو عن ذكر قواعد نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية ١٩٩٨ و التي أتت على أشد الجرائم خطورة، كجرائم الحرب و العدوان و الجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية.
وتبعاّ لوجوب احترام الجميع لقواعد القانون الدولي، فإن هذه القواعد الملزمة تتضمن وجوب احترام جثث الموتى، وضرورة دفنها بطرق لائقة تتفق من كرامة الانسان حيا كان ام ميتا، وتتفق مع شرائع دينه ودنياه ، وبحيث يجب تمييز قبور الموتى بصورة يمكن الاستدلال عليها في حال استحال تسليم تلك الجثث الى ذويها،كحالات اشتداد القتال والمعارك..
اذاً..اي انتهاك لتلك القواعد هو عمل غير مشروع ويستوجب المسؤولية القانونية وبالتالي العقاب .
المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الاربعة تنص على انه في حال قيام نزاع مسلح غير دولي، تلتزم الدول المتعاقدة بقواعد القانون الدولي الانساني.
تلتها المادة الرابعة لتؤكد ضرورة تطبيق تلك المبادىء بخصوص جثث الموتى.
وأكدت على ضرورة احترام جثث الموتى سواء من قبل الدول او الجماعات أثناء النزاعات المسلحة، قواعد القانون الدولي الانساني العرفي وفق القواعد ١١٤،١١٥،١١٦ التي أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
علما بأن قواعد القانون الدولي الانساني العرفية هي ايضا ملزمة.
في المقابل و بالنسبة لهذا الموضوع على صعيد القوانين الداخلية، وحيث ان عفرين هي جزء من ارض تتبع للسيادة السورية سندا للواقع الدولي، فإن تركيا كدولة احتلال والتابعين لها، ملزمون بتطبيق القانون السوري والالتزام به داخل عفرين .
وسندا لذلك..فإن قانون العقوبات السوري قد اعتبر التعدي على حرمة الأموات او ارتكاب اي فعل يخل بحرمة الدفن، وكذلك اتلاف الجثة او سرقتها، جريمة يعاقب عليها القانون ، كما اعتبر تدنيس القبور او هدمها او تشويهها، جرما جزائيا يعاقب عليه القانون .
تلك وباختصار شديد هي الرؤية القانونية لهذا الموضوع، ناهيكم عن الجانب الاخلاقي و الشرائعي والشعور العام لدى البشر .
جريمة انتهاك حرمة الموتى في النزاعات هي جريمة حرب .
ألمانيا ٢٦/٠٧/٢٠٢١