د. محمود عباس
وطنٌ، يحكمه مجرم، ويعارضه مرتزق وانتهازي، ويفتي فيه منافق، لا بد وأن يكون مصيره التفتت، والدمار، والتخلف، والمآسي، والهروب منه إلى أطراف المعمورة. قوى دولية وإقليمية سخرت كل إمكانياتها لتنصيب الثلاثي الموبوء على المستنقع الآسن، يمثلهم: الائتلاف الوطني بحكومتها السورية المؤقتة وقادتها الانتهازيين المتناوبين على السلطة، والجيش الوطني، وهيئة تحرير الشام، وغيرهم من المنظمات الفاسدة بمفاهيمها أو قياداتها. وسلطة الجزار بشار الأسد. عينوا كأسياد، لا لينقذوا الوطن، بل ليعبثوا بجغرافيتها وقدر شعوبها وقيمهم وقادمهم. فأسيادهم، من القوى الإقليمية يتنوعون بين من يطمح بجزء منه، وأخر بخيراته، أو ببقعة لترسيخ استراتيجيته في المنطقة.
إنهم أدوات، يعملون لمصلحة الجميع إلا المصلحة الوطنية، ففي الوقت الذي يدمر فيه بشار الأسد وعرابيه درعا ثانية، ويقضون على أخر مخلفات الثورة، ويقصفون أرياف حماة وجنوب إدلب، ويحيون تسيير الهجرات الداخلية، تصعد المنظمات المسماة بالمعارضة، وبدعم وتخطيط تركي، انتهاكاتها بحق الشعب الكوردي، وتنجز مخططات التغيير الديمغرافي في عفرين، بتسريع بناء المستوطنات التعريبية من جهة، و توسيع حلقات التدمير الممنهج بحق الديمغرافية الكوردية من جهة أخرى، بعدما أنجزت تصفية أغلبية الديمغرافية الكوردية من مناطق الإعزاز والباب وجرابلس، مستخدمة عمليات الخطف والاعتقالات، والإتاوات، والاستيلاء على أملاك المواطنين، ومنع القادمين من المخيمات إلى بيوتهم، وتفعيل التفجيرات والقصف غير المعروف، فبها ينفذون مخططين:
1- عدم مساعدة المعارضة الوطنية في درعا، ومواجهة النظام الإجرامي وروسيا لئلا تتعرض العلاقات التركية الروسية إلى المسائلة.
2- تكوين مملكة إسلامية في عفرين وإدلب تحت الوصاية التركية، بعدما يتم تغيير ديمغرافيتها الكوردية.
لن يكون هناك تداول وحوارات ولا مساعدة لأبناء درعا المقاوم، أساليبهم المستخدمة، أو المفروضة عليهم استخدامها، ارتزاقهم ونسيانهم أو تناسيهم الوطن، والرسالة السماوية، وتغييبهم التاريخ والنص القرآني، وتقديس الرموز والإله الإنسان، وصراعهم الكارثي، وتخلفهم اللحاق بالزمن والتطور الحضاري، وتأخرهم عن معادلات القضية الوطنية، وتدميرهم لما بلغته الحركات الشبابية في بدايات الصراع من المفاهيم الرافضة للدكتاتورية والتكفير، دفعتنا إلى إعادة فتح هذه الصفحات القذرة، وعرض بعض أوجه التشابه، بين المتسلطين على معارضة كانت تضحي من أجل الوطن والإنسانية، فشلت، فتحولوا إلى مرتزقة وقادة منظمات انتهازية منافقة، وبين تكفيريين يعرضون ذاتهم كحماة للوطن والإسلام، فخلفوا الدمار والكوارث الإنسانية، ونجحوا ليس في نشر الدين، بل في تحريف وتشويه وتوسيع ساحات الإجرام والكراهية بين الأديان والشعوب، وبين الذين يحافظون على ديمومة نظام إجرامي ينوه على أنه سيعيد بناء سوريا على عظام أبناء الوطن ودمائهم.
هؤلاء أكثر السوريين صراخاً باسم الشعب، والأمة الإسلامية، يستخدمونهم كحطب في محارق صراعاتهم الداخلية أو الخارجية، يفرضون أراءهم ومفاهيمهم على المجتمع إما بالدعاية الإعلامية، أو بالنقل من النص الإلهي، إلى أن أصبحت سوريا الوطن في حكم العدم.
فلا الشعوب السورية، ستنقذها معارضته ونظامه، حيث الدماء والدمار والمآسي بلغت حد اللا عودة إلى منطق الوطن، ولا المكون السني ستنقذه الحركات التكفيرية، ممثلة المجازر والدمار والتخلف، منذ الهجرة إلى اللحظة. فهؤلاء تجاوزتهم الثقافة الحضارية، ومجريات الأحداث العالمية والإقليمية، وبسببهم ضاعت سوريا كوطن. أولئك تاهوا في غياهب الظلام، وهؤلاء في ساحات المجازر وأروقة الارتزاق. كلاهما، وقبلهم سلطة بشار الأسد، غرباء عن العصر ومفاهيمه، وعن الإسلام الليبرالي، ومتطلبات الشعوب السورية والإسلامية.
الجغرافية، المسماة بسوريا الوطن، حيث القوى المحتلة والمتحكمة بمصيرها. والأمة الإسلامية في الجغرافيات التي تهيمن عليها أمثال طالبان أو الحشد الشعبي، والمذاهب الراديكالية، وما أكثرهم. لا تعنيهم الفاقة والغلاء والبؤس والدمار، في عالم تحيط بهم التطور والرفاهية ورخاوة الحياة، ولا تؤثر فيهم مخلفات الهجرات المليونية إلى حيث الضياع في غياهب الغربة، بقدر ما تهمهم السلطة، ومنطقهم السياسي-الجهادي، وشرعهم المؤول من النص القرآني.
وللعدالة، المعارضة السورية عوامل فشلها، كانت خارج إرادتها، داخلية وخارجية، إنتهازيوها أسقطوها في أحضان المتربصين بسوريا، بعكس النظام الإجرامي الذي بحث في الآفاق ليجد السيد المنقذ، فباعهم الوطن والشعب مقابل البقاء. أما المنظمات الجهادية التكفيرية، الناجحة في كل الأحوال، إن كانت شهرة على ساحات الدماء ومنصات المجازر أو كسب دعاية إعلامية فاجرة لجهادهم، بدءً من ظهورها إلى زوالها، سخرت خدماتها كمنظمات إرهابية، صانعة للدمار، لكل القوى الإقليمية والدولية، تحت منطق التفسير المزاجي، والتأويل المحرف للنص، وتقديمه بما يلائم الإجرام، لتكوين سلطة ما.
ما أنتجه نظام بشار الأسد، والمعارضة من المفاهيم، حول الحلول الممكنة لقادم سوريا، ولمصير شعوبها، تجاوزهم العصر والعلاقات الدولية، رغم ذلك لا يزالون يعملون بمنطق مراحل السنوات العشر الماضية، أيام انهيار المطالب من أسقاط النظام إلى تغيير السلطة، ومن ثم تغيير السلطة إلى المناطق المحررة، ومن المناطق المحررة إلى تكوين دويلات ضمن سوريا الباقية جدلا كوطن، علما أن القضية السورية بلغت مرحلة ترعب القوى الإقليمية وحيث احتمالية تقسيمها، وهو وباء بالنسبة لهم، قد ينتشر على خلفية الصراعات القومية والمذهبية المماثلة لما عانته شعوبها ضمن جغرافيتها اللقيطة. .
فالخلافات ما بين القوى المعارضة والسلطة والحركات الجهادية، ما بين واقع التقسيم الجاري، والذين يمثلونها ويطبقونها على أرض الواقع، والمطالبة بأنظمة توحيدية، كالفيدرالية التي ستحافظ على وحدة جغرافية الوطن، أعمق من مجرد عدم القناعة، بل نابع من الطموح إلى إقامة دويلات تمثلهم، ولا يهم إن كانت تحت وصايات إقليمية أو شبه تابعة لها.
لا قدرة أو إمكانيات لأية منظمة عسكرية أو سياسية، في عفرين أو إدلب، تقديم مشروع منظم حول قادم سوريا كوطن موحد، تفكيرهم اضحل من أن تخطط لمثل هذا المستوى، فهم مجموعات مرتزقة، سميت بمنظمات للتغطية على حقيقتهم. غاية الموجودين في عفرين، تدميرها ونهبها، لخلق الرعب بين الأهالي، من أجل تهجيرهم، بعبثية، ومعظم قادة المجموعات في إدلب، لا قيم ومبادئ لها إلا الارتزاق، تتلقى الأوامر وتنفذها دون ضمير، أو إحساس بالمجتمع أو بالشارع السوري، وإلا لما سكتت على ما يجري في درعا من التدمير.
فالقوى المتحكمة بمصيرهم، ومصير سلطة بشار الأسد، لا تسمح أن تبلغ نشاطاتهم السياسية والعسكرية والدبلوماسية إلى مستوى حل القضية السورية، بل تحصرها بين جدران الصراع القومي والمذهبي، ما بين الهدنة المؤقتة والمعارك الجانبية، وستظل مشغولة على تلك السوية، إلى أن تبلغ القوى المعنية بالقضية السورية مراميها. والأغرب هي نشاطات الحركات الجهادية والتي أصبحت تظن أنها تواجه قوى إمبراطورية، متناسية أن الدول الكبرى، تتحكم بمصيرها والعالم الإسلامي، وأن معظم قياداتها، على منطق الارتزاق، أو جهالة في طريقة الإيمان، يرفعون راية الجهاد المدرج عالميا كمفهوم يعكس الإرهاب، وكراهية الإنسانية، فيخلفون الدمار للأمة الإسلامية قبل أن تتعرض الشعوب الحضارية إلى المصائب وإن تمت فهي آنية. دفعت الشعوب والجغرافيات الراعية للإرهاب ثمن هذه الجهالة الكثير، مثلما دفع السوريون كل ما يملكون ثمناً للصراع على السلطة.
الولايات المتحدة الأمريكية
22/8/2021م