وليد حاج عبدالقادر / دبي
في البداية سأجتزئ مقاطع من مقالٍ للكاتب إيلي عبدو ، كان قد نشرها بجريدة الحياة تحت عنوان – إسقاط ماقبل النظام – وذلك في عدد يوم 19 / 10 /2013 ص 10 … / .. إنّ مهمة المعارضة .. ﻻ تبدو سهلة فإسقاط ماقبل النظام يعني التعامل مع مسألة المركزية الدمشقية… إضافةً إلى معضلة اأقليات ﻻ سيما المسألة العلوية والتباين الكُردي – العربي عدا الصراعات المناطقية والقبلية، هذه المسائل المعقدة تتطلّب عقلاً سياسياً مرناً ومنفتحاً على مختلف أنماط الحكم الفدرالية واللامركزية ،وليس عقلاً إيديولوجيا يتمسّك بوحدة سوريا ، من دون حلّ الخلافات بين مكوناتها ، إذ من الممكن أن نكون موحّدين جغرافياً ومنقسمين هوياتياً وطائفياً ….. وﻹيقاف هذه الدورة من ااستبداد وااستبداد المضاد، ﻻبدّ من إسقاط ما قبل النظام لمنع وجود نظام على شاكلته / .
وعليه وكإطار ما يسمّى بالبعد الوطني لدولةٍ كسوريا المتشكّلة وفق خرائط سايكس – بيكو ، سأختار نقطة البدء مما لخّصها الكاتب ايلي عبدو ، وسأستذكر الجولان – كمثالٍ ونقطة ارتكازٍ إنموذجي – والذي لعب الأسد الأب وتحت سقف البعث دوراً كبيراً في احتلالها من قبل إسرائيل ، واستخدمها البعث منذ عام 1967 شماعةً لأبشع نظام طوّق الأرض والبشر بالأحكام العرفية ، وحوّطها بمسلخٍ دموي بزعم إقامة توازنٍ استراتيجي مع ؟! العدو الأساسي ! .. وفي هذا السياق كُردياً ؟ ألا يحقّ لنا التساؤل هنا ( خاصةً بعد استجلاب P K K إلى مناطقنا وإخضاعها لها ؟ ) وليتراكم عليها استبداداً تجاوز عنفاً ومسلكاً ومساً بالوجود المصيري الكُردي، فاقت كلّ ممارسات ونتائج نظم الاستبداد المتعاقبة على سوريا ؟ .
وكمثالٍ بسيط : عفرين كانت جزءاً ملحقاً بصفة احتلال وأصبحت جزءاً أيضاً بذي صفة احتلال ، وكلنا سيعمل لتعود إلى أهلها وستعود ، وسيفشل اردوغان وكلّ جونتاه العسكرية كما فشلت كلّ نظم التعريب والتفريس والتتريك ولكن ؟ أوليس المهم في اللحظة المصيرية هذه بتاريخ عفرين الآن ، لابل وكصمام أمان الحفاظ عليها ، والذي يتمثّل في عدم تخوين أهلها العائدين ، وإلا فإننا سنتوجّه بصريح العبارة إلى منظومة حزب العمال الكُردستاني بسؤالٍ فيه من الإدانة كثيرها وهو : لماذا تصمت هي على بقاء أكثر من 20 مليون كُردستاني تركي ولا تطالبهم ان يخرجوا من دورهم ؟ فهل علينا أن نعدّهم اردوغانيين ؟ .. كفى العبث … كفى شعبوية لا تؤدّي سوى إلى فقدان الذاكرة والانتماء ، سيما أنّ تجارب البشرية أكّدت بأنّ التنظير وغوتا الآيديولوجية ليست سوى عبث في عبث ، وأنّ خطوة عملية واحدة هي أهم من مليون شعار ، والخطوة الأولى هنا تتمثّل في تشجيع ،كما وترسيخ عودة الناس إلى بيئاتها ..
إنّ ثقافة تقزيم الآخر وتمنهجها لا تخلق سوى ارتكاسات ذهنية في عقلية حاملها وتتعشعش في وعيه ، وعند أول ردة تكتونية تكون آثارها مزلزلة كانسياح الطبقات الجيولوجية ، وحينها ستنكشف مظاهر الهروب من مواجهة الحقيقة ورمي سهام الخطيئة خبط عشواء تصب أو لم تصب ، وهي لن تنهي الأزمة ، بقدر تتويه الحقيقة لفترة وإبقائها في دوامتها !! .
إنّ مَن يتقمّص عقلية الهيمنة والإقصاء ، سيستحيل عليه تقبّل فكرة وجود أية قوة لا متنافسة ، بل وحتى متوافقة معها إلا بالاستحواذ و .. من ثم الهيمنة ، وهي عينها القوة التي تصرف كلّ طاقاتها بجعل انكساراتها انتصارات و .. رمي العثرات والهزائم على مخالفيها ، تجسيداً لروحية نظرية المؤامرة !! ..
وهنا علينا أن نتذكّر : أنّ أولى خطوات تجاوز المصائب والأزمات هي وقفة نقدية ذاتية ، والإقرار بلاوحدانية أية قوة أو فصيل . وكمثالٍ حيوي ، وبالرغم من غياب أية دراساتٍ أو مراجعات في خاصية النظم المتعاقبة على سوريا ونجاحها في تنفيذ الغالبية العظمى من مشاريعها العنصرية بحق الشعب الكُردي ؟ هل حدثت هناك مراجعات نقدية وتثبيت برامج أو خطط ما للحدّ من الممارسات ؟ أم أنّ العكس تماماً قد حدث ؟ أي أنّ مجرد طرح فكرة أو مبادرة عملية كانت تستخدم كدريئة تخوينية يطلق عليها النار ! وكمثالٍ : كلنا يتذكّر مشروع طلب هلال ومخطط الحزام العربي ومعه الإحصاء وتجريد حق المواطنة والتملك، ولكن هنا ؟ أوليس من حقنا التساؤل وبجرأة عمّن أنجح كلّ تلك المشاريع ؟ نعم .. إنّ كلّ المعطيات تؤشّر إلى أمور ثلاثة لازمت مشروع الحزام العربي وسهّلت تمريرها بكلّ انسيابيةٍ، وهي : عطالة الحزب السياسي الكُردي الوحيد حينها وتهيئة الظروف المثلى لانشقاقها، ودفعها منهجياً إلى ذلك والثالثة كانت في استهداف جرارات الإصلاح الزراعي وإشكاليتها التي لم تتوضّح حتى الآن ، بين مَن يربطها بالنظام بتقصدٍ ، أو افتعالها وآخرون كردّات فعلٍ شخصية ، والضغط الممنهج بنيوياً – في البعد الكُردي – لتمريرها سلمياً ، وطبيعي أن يكون لموجة الاعتقالات المتتالية لشخصياتٍ ريادية وزجّهم في السجون ، وذلك بالترافق مع بدء لجنة ما سُميت بمزارع الدولة التابعة كانت للقيادة القطرية لحزب البعث و .. ليتتالى بعدها شعارات – هلهلات ( مرحباً بالأخوة الفلاحين العرب ) .
وهنا كنا سنتوقّف لو أنّ منسوب ما نُفذ في سبعينيات القرن الماضي إلى اللحظة قد توقّف ، ولكنه السوشيال ميديا وزمنه الذي تكفّل باستحضار الوقائع وكشفها مشفوعاً بالمواقف ؟ وهنا وكدعوةٍ صريحة لسرد الحقائق من جهة ، ومعها عدوى الاستحواذ الممنهج، سواءً من شخوص أو أطر تنظيمية على ايجابيات الحركة السياسية الكُردية ، ورمي الأخطاء المدمّرة بانتقائيةٍ فظّة على الآخر كُردياً ؟ أو ليست هي أسئلة متراكبة وحبلى بالمتناقضات ؟ إضافةً إلى الكمّ الكبير من الشعارات المبهمة حتى في المحتوى ومدى قابلية انسجامها العملي مع بنى ووعي مجتمعنا الكُردي حينها – خاصة – ؟ ولتصبح كلّ تلك الإيديولوجيات مجرد أغلفة تبدو مبهمة ، ومع ذلك تكتّلت كما صخرة سيزر ، وشعبنا الكُردي يدفعها صعوداً ومع عدة خطوات تعود بها إلى قاع الوديان .
وهنا يتشرعن سؤال مصيري ؟ أما كفى المتاجرة حتى بذرات تراب الشهداء ؟ وبدل جعلها وسيلة تمهّد لمصالحةٍ سياسية مجتمعية ؟ يبعثرها كثيرون لتزيد في منسوب فائض الكراهية التي ينشرونها والمفروضة عليهم ؟ والتي يبدو بأنها لم تفِ بعد بأغراضها ؟ .. كلّ الشعوب تتخذ من نكساتها عبراً ! وأول ما تفعله هي العودة إلى الذات الجمعية ، لا الاستمرار بعقلية التوحد كالقرصنة ؟ هل وقف واحدهم على يوميات نشره وحجم الوهم الذي زرعه وكمية الشقاق الذي رسّخه ، وهل تجرّأ ذات الشخص في الإقرار بما مارسه من مهزلة ؟ . وباختصار : جميعنا نحتاج الى صحوة ضمير وقليل من التأمل ، أجل ! نتكلّم جميعاً عن التدخل الكُردستاني في شؤوننا ؟ ولكن وبوقفة وتحكيم الضمير ؟ مَن هم الذين يحملوننا فوق طاقتنا ويستنزفوننا ؟.
مَن هم الذين يذكروننا بالقرداحييين والعثمانليين ؟ .. هل سنتجرّأ ونخوض هكذا نقاشات ؟ أم أنّ الأردوغانية ودماء الشهداء وآلاف الصور والحواديت الشعبوية ستمنعنا ومن خلفها فوهة رشاش ؟ .. نحن بأمس الحاجة إلى نقدٍ ذاتي يؤسّس لرؤيةٍ موضوعية، تستند برأيي إلى توضيحٍ وفهمٍ صريحين للبعد القومي والوطني ، والعودة الموضوعية إلى هذه الجدلية والتركيز بحدة على أفضلية الخصوصية ، والارتقاء منها إلى البعد الكُردستاني لا باستلابها لأية جهةٍ ؟. وذلك في نقدٍ فظيع لما كنا نعتبره مع المعتبرين ذات يومٍ في أولوية القضية الفلسطينية استراتيجياً كواحدةٍ من أساسيات النضال ضد الإمبريالية ، وعليه فلا حرج أن نصرخ في الزاعقين حتى الأمس الذين كانوا يدفعون شعبنا إلى الضد من أمرٍ بتوجّب ان يكون محسوماً ! هذا الأمر الذي يفترض أن تبقى كلّ القضايا التنظيرية مشاريع مؤجّلة وتؤسّس فقط بعد تحقيق الحقوق المشروعة للجميع ومن بينها الشعب الكُردي ، وكأمرٍ محسومٍ يتوجّب أن تكون في صميم الحاضنة الديمقراطية ، ولكن بشرط سأوجزه هنا كُردياً ومن جديد بالعودة إلى مقال الكاتب إيلي عبدو ومن خلاله سأطالب الحركة السياسية الكُردية في العودة إلى مرحلة ما قبل ممهدات الانشقاق الأول وارتداداتها المتزايدة .