رقية جمعة
كتب للتاريخ، لكن هذا الهدف نما وتعملق وأخذ منحى آخر، فاخترق قلب كل كردي واستقر فيه. قلب الصغير قبل الكبير نساء وشيوخ، شبابا ورجال، حتى أرواح من غادرونا جسدا وهم الٱن تحت التراب لتطمئن في راحة أبدية.
كتابة أقوى من الرصاص بمصداقيتها، أشبه بقرص الشمس بشفافيتها، تشفي من كل داء سقيم. لقد كشفت الخفايا المستورة، وأظهرت الحقائق والجرائم وكل الإبادات والمظالم، وأنصفت العدالة بواقعيتها وصدق مطالبها.
كلمات دونت في كتاب، كتاب يستحق أن يكون له دار مكتبة خاص به، تلك المكتبة يجب أن تصبح متحفا تاريخيا يتقصده جميع مناشدي السلام في العالم.
نعم متحفا يضم كتابا واحدا ما أن تفتحه حتى تقرأ بين طياته تاريخ أمة، ثقافة أمة، ٱلام أمة، بطولات وثورات أمة، والعديد العديد من هياكل أمة.
“للتاريخ” هو الإسم الذي يحمله الكتاب الذي ألفه الرئيس مسعود البارزاني، والذي صدر في اربيل، نيسان ٢٠٢١ باللغة الكردية وتمت ترجمته إلى العربية.
قد أهدر حقوق ضحايا الكرد على مر التاريخ عندما أقول “تأليف” لما تحمله هذه الكلمة -مجردة- للكثير من الخيال والمبالغة وبعض من الحقائق. لكن كلا إطلاقا هو قد دون في هذا الكتاب لا بل وثق كل ما تعرض له الشعب الكردي من أشكال الظلم منذ القدم حتى يومنا هذا، ليبقى حقا للتاريخ، ويطلع عليه الكردي والعالم معا، كي يكون دليل إدانة على ظالميه ويرى العالم كم هو مظلوم هذا الشعب وكم هو بحاجة إلى التعاطف معه ومساندته لنيل حريته واكتساب حقوقه المشروعة كسائر شعوب الأرض. بعد أن كانت حلبة للصراع الصفوي العثماني إلى أن فاز الأخير ونال حصة الأسد من أراضينا …تخيلوا مالا يقبله العقل.
يحاول سيادته من خلال هذا الكتاب أن يسحب أحد الأجزاء الأربعة من كوردستان المقسمة ويضعها تحت الضوء ألا وهو الجزء الملحق بدولة العراق منذ اكثر من مئة عام و هو إقليم كوردستان حاليا. بعد أن تم تقسيم أرض كوردستان بموجب اتفاقية سميت بـ (سايكس بيكو) عام ١٩١٦م والتي تمت بين مارك سايكس الانكليزي وفرنسوا جورج بيكو الفرنسي بعد إنهاء الحكم العثماني، حيث اتفق هؤلاء الورثة غير الشرعيين للوارث غير الشرعي على كيفية توزيع ممتلكات الكرد فيما بينهم…تخيلوا هذا ايضا.
هذا الجزء الذي شهد أعنف وأشرس الصراعات فيما بعد من قبل الأنظمة المتعاقبة والتي لجأت إلى جميع أشكال الإبادات الجماعية للتسريع من عملية القضاء على الشعب الكردي وإنهاء وجوده متجاهلا حقوقهم بموجب دستور الدولة، ولكن هيهات لأمة تعشق الحياة أن تنتهي. لقد انتهكت الكثير من الوعود والاتفاقات التي أبرمت بينهم إثر الحركات التحررية وقتذاك كثورة الشيخ احمد البارزاني والملا مصطفى البارزاني وأشهر ثوراتها كانت ثورة ايلول عام ١٩٦١م والتي كان شعارها إنساني للغاية حيث نادوا ب”الديمقراطية للعراق و الحكم الذاتي لكردستان”.
أشار سيادته إلى كيفية تنفيذ خطط الإبادة والصهر بشكل أكثر وحشية، من تدمير القرى وترحيل أبنائها لاسيما في منطقة بارزان وبالك وحلبجة التي تم قصفها بالسلاح الكيماوي عام ١٩٨٨م والتي راح ضحيتها (٥٠٠٠) شهيد مدني، شاركتها المأساة في العام ذاته مناطق اخرى في أكبر عملية إبادة جماعية تحت إسم “الأنفال” حتى وصل عددهم أكثر من (١٨٢٠٠٠) شهيد، إضافة إلى تجريد الآلاف من الكرد الفيليين من هوياتهم وإرسالهم إلى ايران وما كان ذنبهم إلا أنهم كرد رافضون للظلم ورافضون للمظالم. لكن مايدعو للفخر بهم هو بقاء شعب كردستان محافظا على اصالته وأخلاقه العالية حين انتفض عام ١٩٩١م دون التفكير في الإنتقام إنما العكس تماما لقد استجابوا لدعوة الحوار والتفاوض مع السلطات العراقية الٱثمة الظالمة.
حقيقة ما ٱلمني بشدة هو قول الرئيس البارزاني بالحرف: “سار البارزاني والطالباني وسط نهر من الدماء إلى بغداد وصافحوا الأيادي الملطخة بدماء شعبهم رغبة منهم لتحقيق مرحلة السلام”. وهذا ما تم فيما بعد و تحققت الغاية المرجوة منه، وأصبحت كوردستان أرض السلام والأمان وأول من لجأ إليها هم أحرار العراق ومعارضيه بالإضافة إلى النازحين واللاجئين من العراق وسورية فيما بعد بسبب الحروب عندما أشار سيادته إلى الحكم الذاتي لمناطق الكرد وكيف تم ذلك بعد ان أسقط الهجوم الأمريكي النظام السابق والإعتراف بمظالم الكرد وجرائم إبادتهم، وكيف شاركوا في صياغة دستور الدولة لكسب حقوقهم واستطاعوا بجدارة نزع رئاسة الجمهورية لصالحهم.
تطرق الرئيس البارزاني والبيشمركة الأول في كتابه التاريخي هذا إلى أخطر منظمة إرهابية والتي تسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة اختصارا بـ “داعش”، حيث استغلت السياسات الخاطئة في جسم العراق الهزيل للتغلغل إلى وسطه متجها نحو كوردستان وسرعان ما تصدى لهم البشمركة الأبطال الذين قدموا دمائهم الطاهرة_ كما عرفناهم _ لحماية أرضهم وعرضهم من هؤلاء الإرهابيين، ساعدتهم في ذلك قوات التحالف الدولية بتغطية جوية.
ما دعا للحزن الشديد هو تمكن هؤلاء الارهابيين من إلحاق الأذى بالكثير من الكرد وبخاصة الأيزيديين منهم في شنكال الجريحة. المفارقة هنا كانت في قوة داعش بحصوله على أسلحة الجيشين العراقي والسوري بينما البيشمركة كانت أسلحتها خفيفة إضافة إلى منع امريكا للدول من بيع الأسلحة لهم، ومازادت المأساة حجما هو توسط قرى عربية بينهم وبين شنكال والذين بدورهم منعوا إيصال المساعدات إليها، كذلك الأمر ما قامت به الدولة العراقية. إلى أن تمكنوا من دخولها في اليوم المسمى بالأسود ٣/ٱب/٢٠١٤م. حينذاك حاول البيشمركة ما باستطاعتهم من حماية جبل شنكال واللاجئين إليه وحماية شرف الدين، وأخيرا استطاعوا تحطيم الخط الأمامي لإسطورة داعش و ثأروا لإخوتهم .
حاول الرئيس البارزاني أن يجول بنا بين صفحات الكتاب هذا حتى يوصلنا إلى خلاصة المآسي، حيث كان لابد من إيجاد حل جوهري لإنهائها، فلا هؤلاء يقبلون بالشراكة ولا الكرد يرضون بالهامشية ورفض الٱخر له، فكان لابد من رفع صوته المشروع عاليا كفى للظلم …كفى للمعاناة، إن لم نفلح كشركاء حقيقيين في الوطن فلنكن جيران جيدين إذا، واتخذوا قرارهم و نادوا بالإستقلال.
هنا ذكر سيادته كيف التقى السفراء والقناصل لأجل ذلك، وزيارته للعديد من الدول العربية والاوربية إضافة إلى زيارته للبرلمان الاوربي الذي ألقى فيه كلمته حول حق الكرد في في تقرير مصيرهم وفقا لدستور دولة العراق ومبادئ القانون الدولي، للاستفتاء على الإستقلال الذي شارفوا عليه ووصلوا إلى اللحظة الحاسمة و المفصلية في حياتهم، ففي ٢٥/ايلول/٢٠١٧ قال الكرد كلمتهم، نعم للاستقلال نعم لاستقلالنا، وتم الاستفتاء أخيرا، والذي سرعان ما جوبه بهجوم عسكري من الدولة العراقية على مناطق الكرد وردود ظالمة من دول الجوار والمجتمع المدني .
اغنى سيادته كتابه بالعديد من الملاحق التي اعتمدوا عليها لمطالبهم المشروعة وهي كالآتي: الأسس القانونية والدستورية لاستفتاء إقليم كوردستان العراق، ونص البيان الختامي لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن، الوثيقة السياسية لضمان حقوق المكونات القومية والدينية في كردستان، واعلان المبادئ الدستورية.
لقد كتب الرئيس مسعود البارزاني للتاريخ، فسجل بدورك أيها التاريخ، بأن هناك شعباً يستحق الحياة وأن له قائدا بحجم وطن.