مروان عثمان: السياسة الكردية والقراءة الخاطئة

هيفي قجو 
 
الكرد شغوفون بفن “النقد الإلغائي”. ان الأمر لا يحتاج إلى كثير من الجهد، فقط حاول/ي أن تؤيد/ي محوراً سياسياً فسترى/ين وابلاً من الانتقادات التي ستتجه إليك، هذه الانتقادات التي إذا قمنا بتحليلها، بعضها تنال من شخصية الفرد وعائلته ووسطه الاجتماعي، فالانتقادات هنا تخرج عن مسارها وتسلك مسارات متنوعة، تؤدي في النهاية إلى الإلغاء والتخوين. ليس من السهولة بمكان أن يفصل الكردي حياة الفرد الشخصية عن حياته السياسية؛ فالعقلية الكردية السياسية عقلية بعيدة كل البعد عن المنطق: فإن لم تكن متفقاً معي في الرأي فأنت ضدي، جواب قاطع لا يحتمل النقاش! هذه العقلية التي أثرت بشكل كبير في الوضع الراهن للكرد، عقلية جعلت من قراءة القادة والسياسيين والأكاديميين الكرد للواقع وللتاريخ الكرديين قراءة خاطئة بمجملها ، الأمر الذي جعل الحركات القومية الكردية تعيد إنتاج خيباتها بشكل دائم، ولم تتم الاستفادة من أخطاء التجارب والانكسارات السابقة  قط، منذ بداية ظهور الوعي القومي الكردي وحتى اللحظة الراهنة.
في لقاء مع السياسي الكردي مروان عثمان على قناة Stûna Kurd أداره الصحفي “إبراهيم بركات” كان الموضوع الأساسي للحوار هو القراءة الكردية الخاطئة للمرحلة السياسية الراهنة. 
قدم السيد عثمان تحليلاً دقيقاً للمعضلة والتي تعتبرها مجمل القوى السياسية، وحتى الثقافية الكردية، المنشأ الأساسي لمشكلات الكرد كافة، وقد تطرق الأستاذ مروان إلى نقطتين أساسيتين ينسب إليهما الكرد مشاكلهم الجمة وعدم قدرتهم على تحقيق مطالبهم، وهما:
الأولى: هي نظرية المؤامرة. 
والثانية: هي نظرية الخيانة.
فكلّ ما يحصل للكرد من وجهة نظر قارئي/ات الوضع الكردي هو محصور في ثنائية المؤامرة على الوجود الكردي و/أو الخيانة العظمى بحقه منذ القدم. المؤامرة تنسب من قبل قادة الكرد وخاصة ممن قادوا ثورات أو انتفاضات أوحراكات غير منتصرة ومن قبل مواليهم/ن، ليس فقط إلى الدول الإقليمية، التي لها مصلحة حقيقية في عدم انتصار أي حراك قومي كردي، وإنما إلى كل دول العالم. بالإضافة الى المؤامرة، يعزى إلى الخيانة أيضا الفشل التاريخي المتكرر للكرد في تحقيق ما يصبون إليه. نعم هناك خيانة ومؤامرة على مرّ التاريخ، لكن لا يتم تفسير التاريخ بالتحصيل النهائي بهما، رغم وجودهما، وانما بالشروط والظروف الموضوعية والذاتية. هل من المعقول أنهما السبب الرئيسي لفشل الكرد في تحقيق ذاتهم وكينوتهم القومية؟ 
السيد مروان عثمان ربط ما يحصل من فشل متكرر ومستدام للكرد بالخطأ في قراءة الوضع الكردي بالنسبة للمنطقة وللعالم، فالعقلية التي تدير القضايا الكردية هي تلك العقلية التي لا تملك القدرة السياسية ولا تقوم بالتحليل الموضوعي للتجارب السّابقة، ولا بالقراءة الموضوعية لممكنات وشروط الواقع المعاش كردياً وإقليمياً وعالمياً، ليكون بمقدورها استشراف مواضع الخلل وبناه وأسبابه في السياسة الكردية، ولكي تكون قادرة على تدارك مواضع الخلل والقصور تلك في الراهن المعاش. 
كما أنّ المحلل السياسي عثمان وضع يده على الجرح  الذي بات يؤرّق الكرد ويطاردهم حتى في أحلامهم، الجرح الذي إن لم يجد الكرد له دواءً سيستفحل ويؤدي إلى عفونة كل الجسد الكردي. وهو يقصد بذلك هنا الممارسات والسياسيات الارتجالية والخلافات المتجذّرة في الجسد الكردي التي خيّبت آمال الكرد وحالت دون الوصول إلى اتفاق بين الأطراف كلّها، فأيّ طرف يتبع الأساليب القديمة، التي كانت وراء معظم الانتكاسات التاريخية الكردية، سيصل إلى أفق مسدود. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الكرد بقواهم الذاتية البحتة  لن يحققوا ما يصبون إليه،على الأقل في ظل المعطيات الحالية، إنهم بحاجة إلى دعم خارجي، لكن أي دعم سيكون، حين لا يكون هناك تشخيص ما للممكنات وحين تكون الأطراف الكردية غارقة حتى العظم في الخلافات، غارقة في عدم قبول الفكر و/أو الآخر المختلف؟ أي دعم سيكون عندما لا تلتمس القوى الداعمة مرونة وحنكة سياسية لدى الأطراف الكردية المهيمنة؟ 
إنّ القضية الكردية قضية عادلة ومن حق الشعب الكردي تقرير مصيره كيفما يشاء لكن ليحقّق الكرد ما يريدونه يتطلب ذلك تحقيق شرطين في رأي عثمان، اللذين وجدهما مهمين جداً في الظرف الراهن: توفّر القراءة السياسية الدقيقة للأوضاع الراهنة، إقليميا ودوليا، والبناء عليها أولا  والشرط الثاني التغيير الجذري في الأساليب السياسية المتوائمة مع تلك الأوضاع ومن ثم استثمار كل ممكنات القوة في الداخل وبالتي القدرة على تقبّل الآخر المختلف، فهذان الشرطان ضروريان على الأقل للحفاظ على المكتسبات التي حققها الكرد ضمن معطيات الظروف الرهنة في سيرورة مطالبتهم بقضيتهم العادلة. هنا ربما لن تجد الدول الداعمة ثغرات أو تناقض المصالح والتوجهات، وبالتالي تكون عوناً للكرد في قضيتهم، هذه القضية التي لربما تأخذ منحى خطيراً وخصوصاً في ظل الهجرة والتهجير الكبيرين، واللذين قد يؤديان مع مرور الوقت إلى تغيير ديموغرافي للمناطق الكردية، وإذا حصل ذلك ستكون لهما نتائج كارثية على مجمل القضية الكردية!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…