زاكروس عثمان
بالنسبة لبناء التنظيم الاسلاموي فان التكتيك القديم لم يتغير كونه ناجح في اغلب المرات ويعتمد على قاعدة بسيطة وهي الدعوة، ويُظهر التنظيم نفسه في مرحلة التأسيس بمظهر المستضعف (يتمسكن حتى يتمكن) كي لا يثير الريبة او الشبهة حول نفسه فيكون عرضة للملاحقة والفشل، حيث يتجنب الدعاة الكشف عن حقيقة دعوتهم واهدافهم بل يعملون على نشرها بطريقة مُوَارَبَة بالتركيز على العموميات، إلى ان يقوى عود الحركة لتقوم بالكشف عن اهدافها ونواياها، بهذه الطريقة قامت حركات الاسلام السياسي في العصر الاسلامي، إذ انطلقت الدعوة العباسية بمنطقة نائية ومن الصفر وانتهت بأسقاط الدولة الاموية، وكذا الامر بالنسبة للدعوة الفاطمية وغيرها العشرات التي نجحت في اسقاط دول او اصبحت حركات تمرد عجزت الممالك الاسلامية عن القضاء عليها.
وهذا ما يحدث في اقليم كوردستان الجنوب حيث قطعت التنظيمات الاسلاموية شوطا مهما وبات بمقدورها الافصاح علانية عن نفسها واهدافها، ويعمل عدد من الكورد الموالين لتنظيم الاخوان المسلمين المتخفين تحت عباءة القومية على تسريب الاسلام السياسي إلى كوردستان روزئافا ايضا، وما يثير الاسف بل القلق ان هؤلاء الدعاة (المزيفين) اخذوا يقدمون انفسهم كمنتسبين إلى مؤسسات تحمل اسم بارزاني، حيث نجحوا في التسلل إلى هذه المؤسسات بتوصيات من اطراف كوردية روزئافاوية على علاقة جيدة مع هولير، ولكنها ايضا تابعة لتركيا ومتحالفة مع الاخوان المسلمين، والسؤال كيف سمحت الجهات المعنية بمؤسسات بارزاني لأشخاص موالين لتنظيمات اسلاموية بالتسلل إلى هذه المؤسسات واستخدام اسم رمز قومي في نشر پروپوگندا سلفية ـ اصولية، لا اظن ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني بتجربته النضالية الكبيرة يجهل خطورة استخدام اسم قادة الحزب ورموزه في نشرة دعوة تشكل خطرا على الاقليم وشعبه، وكذلك لا اظن ان الحزب بغافل عن هؤلاء الاشخاص الذين يستغلون اسم بارزاني في اجندة اجنبية معادية للكورد.
وما يثير الشكوك هو ان يكون هناك غطاء حماية توفر للكورد المدافعين عن الاسلام السياسي، حيث باتت اصواتهم المواربة تروج للفكر السلفي بصلافة وعنجهية، بل انها اخذت تسخر من الاحزاب القومية والعلمانية، حيث اقام احدهم الدنيا ولم يقعدها على نشطاء انتقدوا تنظيم اسلاموي شجع اكثر من 1000 فتاة كوردية في حلبجة على وضع الحجاب، ورفض ان يكون الحجاب سببا في تحويل حلبجة إلى وكر للدواعش، لا اعرف ماذا اسمي مثل هذا الطرح التبسيطي لمسألة تهدد أمن الاقليم وشعبه، هل هو ابتذال ام سذاجة ام سخرية، ام التهوين من شر السلفية كي تغض السلطات النظر عن نشاط الارهابيين ريثما يستفحل امرهم ويخرجون عن السيطرة، وتراه يقلل من شأن الحجاب على انه زي مثل جميع الازياء والمرأة حرة في اختيار الازياء التي ترتديها، ويرد على الذين يجدون الحجاب غريبا عن الثقافة الكوردية بالسؤال عن نساء الكورد “يُقلدن النساء الغربيات في التبرج والسفور ويمشين وهن كاسياتٌ عاريات” فهل الازياء الغربية قريبة من الثقافة الكوردية، ويغفل حقيقة ان الازياء السلفية ليست مجرد ازياء بل هي جزء من الفكر والشريعة الاصولية، وان الـ 1000 فتاة اللواتي وضعن الحجاب في حلبجة اصبحن نواة لجيش من النساء السلفيات سوف يتم تكليفهن ليس بنشر الحجاب بين الاهالي فحسب بل بنشر شريعة داعش ايضا، اي نشر الفكر الظلامي في حلبجة وعموم الاقليم، لينتهي الامر إلى تبني الفكر السلفي ووضع النقاب من اعلى الرأس إلى اسفل القدم ومعاقبة النساء اللواتي يرفضن الحجاب بالقتل، فهل الانسان الاوروبي يقتل امرأة ان امتنعت عن ارتداء لباس ما.
علينا ان نكون واقعيين هناك مناطق عدة في الاقليم مستعدة ان تكون حواضن سلفية، اما من يقول أن “وجود 500 مجنون من حلبجة في صفوف داعش لا يعني ان سكانها كلهم دواعش” فانه اكبر مخادع لان الـ 500 مجنون الذين يتحدث عنهم هم من عتاة دعاة السلفيين ممن يملكون المعرفة والادوات في نشر الدعوة الداعشية وكسب الوف الانصار إليها وتجنيد الكثير الكثير من 500 في صفوف الارهابيين، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان 500 داعشي يكفي لتهديد امن واستقرار دولة بحجم وقدرات فرنسا، فلماذا يتم الاستخفاف بوجود سلفيين كورد وتهوين الامر، ويأتي من يقول لماذا تسكتون على نشاط حزب علماني وتعارضون نشاط حزب اسلاموي، والجواب بسيط جدا وهو ان الاحزاب العلمانية لن تصنع دعامات للتزمت الفكري والعقيدة الارهابية، ولن تكون اضرارها بحجم اخطار التنظيمات الاسلاموية، نحن لا نخاصم الاسلام او اية ديانة، ولكن نجد ان الكورد في كل مكان لا يحتاحون مؤسسات دينية تغلق الدماغ وتبقي المجتمع في كهوف الجهل والتخلف، بل نحتاج مزيدا من المدارس الجامعات النوادي الرياضية والثقافية والمكتبات وإلى كل ما يساعد على تنوير العقل الجمعي الكوردي كي نخرج من هذا النفق المظلم، ومتى ما امتلكنا حقوقنا اسوة بكل شعوب الارض خاصة المسلمين؟؟ حينها سوف نفكر كيف نتعامل مع الاديان.