أزمة تراث أم أزمة المثقف والسياسي الكردي

دلكش مرعي
من أبرز الاشكاليات التي تعاني منها السياسة والثقافة الكردية هي في افتقارهما إلى المنهج العلمي في التفكير والتحليل والنقد  لسبر ومعالجة الواقع الكردي واشكالاته الاجتماعية والسياسية والوصول عبر هذا المنهج إلى حلول منطقية صحيحة… فالثقافة السائدة هي في إطارها العام هي ثقافة تراثية تقليدية قائمة على التفكير العاطفي الانفعالي بمعظمها… فهي لا تتعدى في معظمها ثقافة الرثاء والتأوه والشكوى إلى الله من ظلم الظالمين والبكاء على أطلال الموتى وإلقاء الفاتحة على أرواحهم الطاهرة… اختصاراً يمكن القول بأن الثقافة والسياسة الكردية هما مازالتا بعيدتين عن ثقافة الإنجاز والفعل المبادر أي مازالت هناك هوة واسعة بين الكرد وبين قيم ونهج العصر وتوجهاته العلمية  فقد أهدر الكرد تاريخياً الكثير عبر هذا السلوك والآن هناك من يكمل دائرة الهدر…
 فهل البكاء على الاطلال وحماسة الشعارات والخطبات الثورجية في المناسبات والمواقف الانفعالية هنا وهناك وكتابة البيانات على الورق سيحقق طموح ورغبات الكرد وحقهم في الحياة والحرية أم بالتوحد الميداني على الأرض تحسباً لأي طارئ قد يتمخض عن الحالة السورية الملتهبة والمأزومة ؟ .. فالمتتبع للواقع الكردي في هذه الأيام يكاد لا يرى إلا قال ناصر الحريري وتشدق شقفة وقال وقال … أليس هذا التوجه هو هروب من الواقع ومستحقاته واستسلاماً له وقصوراً في الحالة المعرفية ولماذا يعلقون مصيرهم بتصريح صدر من هذا الشخص أو ذاك وهل تراث وقيم هذه الأشخاص يختلف عن تراث وقيم الأنظمة التي اضطهدت الكرد عبر قرن من الزمن؟ والسؤال الآخر هو لماذا يرى الكرد أنفسهم  أقل شأن من مضطهديهم ومغتصبي حقوقهم ؟ أليسوا هم رجال ؟ وإذا كانوا كذلك فلماذ لا ينتزعون حقوقهم بنضالهم كبقية البشر من هؤلاء…
 الحقيقة أن العديد من الظواهر السائدة داخل المجتمع الكردي تحتقر حتى معطيات العلم  فبعض الظواهر تكاد لا تجد له تفسيراً لأنك لا تجد له مثيلاً  إلا داخل هذا المجتمع  فعلى سبيل المثال وعند مجيء // الغمر // هرع العديد من الكرد لقطع اللبن لبناء مستوطناتهم بدلاً من مقاومة هذا الاستيطان وعندما ظهر جمعيات المرتضى الذي أسسه // جميل الأسد // أنتسب إليه الآلاف من أبناء الشعب الكردي بالإضافة إلى انتساب الآلاف إلى حزب البعث بالرغم من مشاريعه العنصرية ضد هذا الشعب وعندما اندلع الثورة الكردية في جنوب كردستان وقف ضد هذه الثورة ثلاث مائة ألف جحش كردي أي ما يشبه الخيانة بالجملة وكذلك هو حال عشرات الآلاف من حماة القرى في شمال كردستان ناهيك عن ظاهرة الشقاق والتشرذم المعروفة التي رافقت مسيرة الكرد التاريخية وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من كيانهم والسؤال المطروح هنا هو هل بإمكان الكرد وسط هذا الكم الهائل من الحطام ومن القيل والقال والتحليلات القاصرة سياسياً أو لنقل المشوه علمياً سوف يتمكنون عبر هذا الوضع من حسم ما كان مستغلق ومأزوم تاريخياً ويدخلون العصر من أبوبه الواسعة أم إنهم  سينتظرون حدوث معجزة إلهية لقلب الواقع الكردي المتردي رأساً على عقب ليقدم لهم الملائكة حقوقهم على طبق من الذهب…. 
ما نود قوله هو إن المشكلة تكمن في الضحالة السياسية والثقافية بمرتكزاتها التقليدية لمعظم النخب الكردية وعبر هذه الحالة المأساوية يتلاشى حتى الحلم الكردي ويتلاشى قيمة النقد ويدور في حلقة مفرغة وتعيد هذه الحالة عبر القيم السائدة انتاج نفسها على الدوام فالمورث العاطفي المتخلف والمغلف بعباءة السلفية لا تنتج إلا وعياً مزيفاً بالواقع  تتجاوز وتحتقر حتى معطيات العلم ونتائجه في هذا العالم لتؤدي جملة  التوجهات السياسية والثقافية المبنية على هذا التراث المتخلف والمأزوم إلى هدر الحصانة الوجودية لكيان الكرد واجترار مشاعر الخيبة والألم لدى الإنسان الكردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين حول جواب ” اللاجواب ” من حزب الاتحاد الديمقراطي – ب ي د – كنت نشرت في الحلقة الثامنة نص كل من رسالتي حراك ” بزاف ” التي يدعو فيها – الاتحاد الديموقراطي – للموافقة على مشروع عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع بالقامشلي ، ومايستدعيه من شروط النجاح مثل – اللجنة التحضيرية – وتمثيل الوطنيين المستقلين ،…

مروان سليمان كان الهدف من المظاهرات في بداية ما كانت تعرف بالثورة السورية الوصول إلى الحرية و التخلص من النظام الإستبدادي و لم يتخلف الشعب الكردي عن الخروج مع باقي السوريين في المطالبة بتلك الحقوق لا بل لم يتوقفوا عن المطالبة ببناء دولة ديمقراطية يتمتع فيها المواطنون بالحرية و العدالة و المساواة و يحفظ حقوقهم و بعد الإنتقال…

بوتان زيباري سوريا… ذلك الجرح المفتوح في قلب التاريخ والجغرافيا، لوحة تتشابك فيها الألوان القاتمة بفعل حرب أرهقت الأرواح قبل الأبنية. كانت البداية صوتًا هادرًا من حناجر عطشى للحرية، حلمًا بسيطًا بدولة تُحترم فيها الكرامة الإنسانية. لكن سرعان ما تحوّل الحلم إلى كابوس معقّد، اختلطت فيه الأصوات النقية بزعيق الأسلحة، وامتزجت الثورة النبيلة بالفوضى المتوحشة. تسلّلت قوى الظلام من…

خالد إبراهيم تشهد سوريا تحولات جذرية في سياستها الداخلية والإقليمية، حيث يبدو أن الحل السياسي يتجه نحو نظام لامركزي يراعي تنوع المكونات والطوائف ويستجيب للضغوط الإقليمية والدولية. هذا الاتجاه لا يعكس فقط الواقع العسكري والسياسي على الأرض، بل يعبر أيضًا عن رغبة القوى الدولية في تحقيق توازن مستدام يمنع انهيار الدولة، مع ضمان مصالحها الاستراتيجية. اللامركزية: الحل الممكن للأزمة السورية…