د. محمود عباس
عرضت قبل يومين جملة من الأسئلة المتنوعة، درجت ما بين الواقع الجاري ونظرية الاحتمالات، اختلفت الآراء والأحكام، حصرت بين الإيمان بالوطن أو تناسيه عند حضور الحزب، وكانت غايتنا خلق نوع من الحوار المنطقي المبني على الوعي المعرفي-القومي، والذي تجلى بأبهى صوره في مناسبتي 12 آذار وعيد نوروز، لتبيان رأي الشارع الكوردي للأطراف الحزبية، على أن خلافاتهم لا تمثل الشعب، بل تعكس ضيق أفق شريحة من قياداتهما أو مطامحهم الفكرية، إلى جانب رضوخ البعض للإملاءات الخارجية.
ولا شك المقارنة بين الأطراف الحزبية المهيمنة على الساحة أو المعزولة، غير منطقية، لكن في الواقع الجاري يجب ألا تؤثر الأحكام على التقارب أو في الأقل على المهادنة. قفي ظل المرحلة الحساسة وحيث الفراغ الديمغرافي الكوردي، والهجرة المعاكسة، وحيث الأسباب متعددة ومعروفة والتاريخ سيتكلم، إلى جانب الخوف من تذبذب مصالح الدول الكبرى، والأخطار المحيطة بنا وبحراكنا وبمنطقتنا، كنا وأغلبية المجتمع الكوردي نأمل أن تدفع مثل هذه الأسئلة إلى تضيق الشرخ بين الأطراف الحزبية، بغض النظر فيما إذا كانت مقبولة من الشعب أو مرفوضة.
نعيد هنا كتابة الأسئلة، لا للحكم عليها، بل علها تخلق حوار داخلي مع الذات.
سؤال #1:
أيهما تفضل لإدارة المنطقة الكوردية:
1 أحزاب الإدارة الذاتية، وعلى رأسهم الـ ب ي د؟
2 أحزاب المجلس الوطني الكوردي؟
3 الائتلاف الوطني السوري، وبمشاركة المجلس الوطني الكوردي؟
4 أحزاب الإدارة الذاتية وبمشاركة أحزاب المجلس الوطني الكوردي؟
سؤال# 2
1 هل ستتفق أحزاب الوحدة الوطنية الكوردية وأحزاب المجلس الوطني الكوردي، أو مختصرا، الـ ب ي د والأنكسي، على إدارة المنطقة الكوردية؟
2 هل توافق على إزاحة الـ ب ي د من إدارة المنطقة الكوردية؟
3 هل ستتمكن أحزاب المجلس الوطني الكوردي من ملئ الفراغ الذي سيحصل؟
4 في حال إزاحة أحزاب الإدارة الذاتية، هل تجدون بديلا عن الإحلال مكانهم غير الائتلاف الوطني السوري، مثلما حدثت في عفرين؟ أو سلطة بشار الأسد….. والسؤال أي من هؤلاء الثلاث تفضلون؟
سؤال # 3:
1 ماذا كانت ستحصل للمنطقة الكوردية، فيما لو لم يتم استلام وتسليم ما بين الـ ب ي د وسلطة بشار الأسد؟
2 كيف ترون حاضر المنطقة الكوردية فيما لو استلمتها أحزاب المجلس الوطني الكوردي من البدايات بدل الـ ب ي د؟
3 هل كان المجلس الوطني الكوردي سيدير المنطقة بذاته، أم إنها كانت ستشارك المعارضة السورية؟
4 ماذا كان سيحصل لو تم رفع العلم الكوردستاني على كل المنطقة، وتم إزالة كل مخلفات السلطة من المربعات الأمنية إلى مستعمرات الغمريين؟
5 ألم يكن من بين الأخطاء الكبرى التي وقعت فيها ألـ ب ي د الحفاظ على ركائز السلطة وأدواتها، بعدما تمكنت من دحر داعش والدخول الأمريكي؟
السؤال # 4:
1 هل كان بالإمكان تفادي الاحتلال التركي والمعارضة السورية وهجوم داعش على المنطقة الكوردية، مع غياب الـ ب ي د، وحضور أطراف أخرى من الحراك الكوردي، كالمجلس الوطن الكوردي على سبيل المثال؟
2 هل بالإمكان إزالة احتمالية عدم قصف المدن الكوردية مثلما تمت في غيرها من المدن السورية، في حال كان أحزاب المجلس الوطني الكوردي ومعها المعارضة السورية مكان الـ ب ي د في إدارة المنطقة؟
3 هل كانت ستقل الهجرة الكوردية مع سيطرة المجلس الوطني الكوردي والمعارضة السورية، واحتمالية دخول المنطقة في معارك مشابهة لما جرت في الداخل السوري؟
4 هل كان بإمكان المنطقة الكوردية، الحفاظ على الحيادية مثلما حصلت عليها محافظة السويداء؟
للأسف، جاءت النتائج كالعادة، وبالتأكيد ليس هذه ولا غيرها ستغير قريبا في الواقع الكارثي المعروف، لأن الشرخ تجاوز الأحزاب، وبلغ مفاصل المجتمع الكوردي، والأجوبة على مثل هذه الأسئلة تبرز بشكل يومي على صفحات التواصل الاجتماعي وفي كتابات بعض الكتاب، وتصريحات الحزبيين؛ وبشكل يومي.
يقول سقراط، أن الفضيلة هي المعرفة، بما فيها الفضيلة السياسية. والسياسي الذي لا يمتاز بالعقل المعرفي، تنقصه الفضيلة، وبالتالي فالمصلحة الذاتية والأنانية سيغلبان المصلحة العامة إن كانت القومية أو مصلحة الشعب. ولغياب هذا الجانب عند معظم قيادات الحراك الحزبي الكوردي، والبعض الثقافي وللأسف، نجد هذا الكم الكارثي من الخلافات المبنية على النزعات الحزبية، ومن الغرابة أن البعض من قادتها ولثقتهم بذاتهم وقدراتهم بعكس الأسلوب السقراطي في المعرفة، القائل: “كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئاً” يجدون ذاتهم مالكي المنهجية المثلى لتحرير كوردستان، ودونها خيانة أو سقوط في الضحالة الفكرية.
وكلما نتمعن في مجريات الأحداث الجارية في مجتمعنا الكوردي المنقسم على بعضه والتي تعكس منهجية الأحزاب وصراعاتها الكارثية، على مستوى الشعب والقضية، نتذكر ما قاله أفلاطون قبل 24 قرنا من الزمن في جمهوريته ” أنعمت النظر في معترك الحياة السياسية فراعني تلاحق الأحداث فيها وأخذ بعضها برقاب بعض، فأحسست بدوار، وانتهى بي المطاف إلى أن أتبين بوضوح أن جميع أنظمة الحكم الموجودة الآن وبدون استثناء أنظمة فاسدة، فدساتيرها جميعاُ أدنى إلى أن تكون مستعصية الإصلاح ما لم تجتمع لإصلاحها معجزة من المعجزات القديمة مصحوبة بالتوفيق الحسن.” المقولة التي تضع لوحة دراماتيكية عن واقعنا الحزبي الكوردي والكوردستاني، والتي هي بدورها نسخة عن أنظمة الشرق الأوسط الكارثية والتي جرفت بشعوبها إلى شبه هلاك، وهو ما تقوم به أحزابنا لمجتمعنا بدراية أو عدمه، وإلا فماذا يمكن أن نسمي الواقع الحزبي الجاري والمسمى جدلاً بالسياسي، حيث الخلافات تجاوزت جغرافيات التخوين والعمالة وتوزيع الهويات الوطنية الكوردستانية أو سحبه، أو حيث الأممية الخارقة في أعلى مراحلها.
جمعينا متفقون على أننا في كارثة، وأن الشرخ بلغ حد الدمار، لكن أثناء محولات التأويل والبحث عن الحلول، تظهر الاتهامات في أبهى صورها، وتصل إلى حد الطعن في أعلى السويات، من القيادات الكوردستانية، إلى العائلة، إلى الأفراد، وبما أننا جميعا نعرف بعضنا، وننتمي إلى البيئة ذاتها، ونعيش التقوقع بشكل جماعي، داخل سجن خلقناه لذاتنا، إلى حد نسيان العالم الخارجي المتربص بنا، نقوم بالبحث عن أدق الخفايا الشخصية للتشهير ببعضنا، علما أننا جميعا مقتنعون نظريا، أن الحوارات في مجملها حالة صحية فيما لو أسندت بالمعرفة وبنيت على مبدأ.
حتى ولو كانت الحجج لدى كل الأطراف، منطقية وعلى درجة عالية من القناعة، لكن ما نحن عليه الأن تعكس الهشاشة في الوعي، لأننا بها نكرر التاريخ، أي أننا نجتر تجارب ماضينا الغارق في الأخطاء.
فهل من مخرج لإنقاذ أمتنا من هذا الدمار الفكري؟ وهل المخرج سيكون بإزالة طرف حزبي بدون بديل، وبه نكون قد أزلنا نصف الحراك الحزبي، فيما لو تم بسلام ودون قتال.
وعليه نكرر السؤال المعنون به المقال: هل سنحرر كوردستان ونحن على هذا الشقاق؟
هل علينا أن نترك الأمور على ما هي عليه من الخلافات، والتي هي بين بعض الأطراف الحزبية بلغت سوية الصراع؟
لننتظر من سينجح؟ وهل سيتم دون أن نخسر كل ما كسبناه، وإلى قرن أخر من الزمن.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
20/3/2021م