غسان المفلح: للشعب الكردي الحق في تقرير مصيره في سوريا.. والفيدرالية تناسب السوريين

حاوره: عمر كوجري
محاور عديدة حاولت صحيفة «كوردستان» رصدها وإلقاء الضوء عليها مع الكاتب والصحفي والمعارض السوري المعروف ابن درعا غسان المفلح، على مستوى الحدث السوري، والموقف من الكرد كمثقف عربي، وسبب تأخر السوريين بفوزهم بالحرية رغم أنهار الدماء، وغيرها من الاسئلة التي وجدناها مهمة في هذا التوقيت السوري الصعب.
فيما يلي نص الحوار مع الأستاذ غسان المفلح:
*الحديث عن عالم السجن موجع، لكن لا بد منه، هل مازلت مقيماً في ذلك السجن؟ لو تحدثنا قليلاً عن عالم السجن.
السجن السياسي لفترة قصيرة في سوريا، يبقى حاضراً نتيجة لظروفه واسبابه. فما بالك عندما يكون لمدة 12 عاما؟ 12 عاماً ونيف وانت في شبابك تبدأ معتقلاً ثم تخرج وأنت في خريف العمر. من غير المعقول ألا يبقى السجن فيك ومعك.
اعتقلت في حلب، لاتزال تلك اللحظة حاضرة ليس فقط كلحظة اعتقال، انما لأنني حاولت الهروب من الدورية التي القت القبض علي، حيث تم “تعفيسي” بالمعنى الحرفي للكلمة على اسفلت الشارع امام مقهى امية. أكثر من خمس عناصر يضربون، يركلون بأقدامهم جسدي الملقى على اسفلت الشارع. الناس تتفرج كأننا في عرض هيوليوودي لفيلم رعب. مزقوا ثيابي أحدهم وضع حذاءه فوق عنقي. ثم رموني في السيارة، وغطوا عيني ببقايا قميصي بعدما مزقوه، الذي كان هدية من والدي. نعم ان السجن سياق يجعلك تندرج في عوالمه مجبرا. مهما حاولت ان تخرج من هذه العوالم. لكنك بشكل او بآخر تبقى اسيرها. الإفلات من السجن عنوانا تحمله بقية حياتك يشبه الإفلات من العقاب للسجان. هذا السجان الذي يحتفي به العالم، يجعل افلاتك من السجن صعبا، لا بل يكاد يكون مستحيلا. تفاصيل السجن احداثه كلها تصيغ روحك. لطالما حاولت التخلص منه لكنني حتى اللحظة لم أستطع، فما بالك عندما تنتقل للحديث عن انسانيتك المهدورة، عن مصادرة السنوات الأكثر عطاء في حياتك. لمجرد أنك قلت لا للأسد. هذه اللا لها ثمن مهول في ظل هذا النصف قرن الاسدي.  
* أنتم كنتم الجيل الذي دفع الكثير من حريته لأجل السوريين، هل كنت تتوقع أن يخرج السوريون للحرية بعد “تأديب وتكتيف” من النظام الأسدي وحزب البعث وأجهزة الاستخبارات لعقود؟ 
 لو لم يكن لدينا هذا الامل.. الحلم، ربما ما كنا استمررنا نقاوم. هذا الامل كان محايثاً وجودياً لنضالنا. بل لكينونتنا. هكذا أرى الامر. لكن الامل والحلم غير الحقيقة. عندما خرجت تظاهرات درعا، بكيت ورقص داخلي باللحظة نفسها. ثم تظاهرات حمص والقامشلي وحماة ودير الزور وغيرها. لا اخفيك سرا كنت ارتجف عندما اريد كتابة مقال عما يحدث في بلدي. بدأت معركتي الحقيقية مع الحقيقة، التي انتشرت في شوارع مدننا وقرانا. إنها الثورة. كيف تقول الحقيقة وانت لا تمتلك الكثير من عناصرها. أين كنا كقوى سياسية من هذا الحدث؟ كمثقفين كمهتمين بالشأن العام؟ الالتحاق بهذا الحدث نفسه كان إشكالية حقيقية. كيف نلتحق به او نلحق به معرفيا على الأقل؟ كانت بالنسبة لي تشبه حالة انقطاع عن واقع، اكتشفت مع الثورة انني كنت منقطعا عنه. رغم ادعائي المزعوم بمعرفته بالمعنى النسبي للعبارة. من جهتي لم أتوقع هذه الثورة. لكن كان هاجسي لحظتها لأول مرة اقولها هو: معرفة موقف الامريكان من هذا الحدث الثورة. تلمست بعضا من الموقف وسطرته في مقالاتي الأولى عن الثورة خلال الأشهر الثلاثة الأولى. وخلصت الى نتيجة كعنوان لمقال بإمكان القارئ الكريم العودة إليه” الثورة التي يراد الغدر بها”. بعد حصيلة من محاولتي فهم الموقف الأمريكي على مدار الستة الأشهر الأولى للثورة. ثم أعلنت موقفي داخل المجلس الوطني أنه لا سلما ولا عسكرة سيسقط الأسد دون قرار امريكي بالطبع إسرائيلي أيضا. هذا ما اعادني الى حالة من القهر والغضب عبرت عنها في انتقادي وهجومي الدائم على إدارة أوباما. حتى انني ركزت على مصطلح السورنة الذي حاولت اشتقاقه من مصطلح البلقنة والصوملة. وان التعفين وتزمين الوضع القاهر والابادي الاسدي الاحتلالي، سيكون قدر السوريين لعقود ربما. المفارقة هنا، ان الاسدية تاريخيا مستعدة لبيع كل سورية للخارج مهما تلون من اجل الا تنتصر المعارضة او مطالب الشعب السوري وهذا ما حدث.
* بلغت الأزمة السورية حوالي العقد من الزمن، وإلى الآن الدماء تسيل في شوارع سوريا، لماذا؟
  هذا ما يجب سؤال الامريكان عنه أولا وبقية الاحتلالات التي احتلت ثورتنا، واحتلت البلد لاحقا. كل القوى التي نتجت عن هذه الاحتلالات والاحتلال الاسدي معها، هي قوى لها مصلحة في تأبيد الوضع حتى درجة العفونة. هنا لابد لنا من النظر الى المسألة من زاوية ان سورية منذ تأسيسها هي مدولنة. هذه الدولنة نفسها مرت بمراحل تأسيسا على يد الإنكليز والفرنسيين، ثم أتت أمريكا والسوفييت لاحقا. لكن أيضا كان هنالك منظور إسرائيلي بعد تأسيس إسرائيل عامة، وبعد انقلاب البعث خاصة، هذا المنظور الذي بات جزءاً من هذه الدولنة. لإسرائيل دور في سورية. كل هذه القوى الدولية والإقليمية لها مصلحة بالا يفوز الشعب السوري بكل مكوناته بحقوقه وحريته وكرامته. لاحظ مثلا ان أوباما بعض مجزرة الكيماوي بالعودة منتصف اب 2012 أجرى صفقة مع الروس والأسد وإيران من اجل تسليم الكيماوي الاسدي. 
المثال الثاني عندما تمت عملية التوريث.. المهزلة للأسد الابن، اخذه جاك شيراك من يده ليعقد اجتماعا ثنائيا مع مادلين اولبرايت وزيرة خارجية أمريكا. بغير ذلك ما هي الدولنة إذا؟
* الظاهر ان النظام السوري قد صنع معارضة على مقاسه، بحيث كانت وبالاً حقيقياً على الشعب السوري المنكوب، من منح هذه المعارضة ختم تمثيل السوريين؟
في الواقع فتح ملف المعارضة السورية يأخذنا لاصطفافات ذات ابعاد متعددة. اصطفافات سياسية واثنية وطائفية. إضافة الى اصطفافات احتلالية متعددة المصالح والحضور. دون جدوى لأننا بالأساس ننطلق من ان المعارضة يجب ان تكون عبارة عن اشخاص ذوي اخلاق عالية رسولية، لأنها تحمل رسالة او من المفترض انها تحمل رسالة الحرية والكرامة للشعب السوري. هذا إنسانيا غير صحيح قبل أي بعد آخر عدا عن كونه يحجب حقائق على غاية من الأهمية في فهم قضيتنا السورية. تسفيل المعارضة ككل او عملية التسفيل المتبادل بين أطراف هذه المعارضة، او بين مثقفيها ورموزها. الحط من صورة المعارضة هكذا جملة وتفصيلا هو أسهل ما يقوم به الاسديون من جهة، والاسديون الملثمون داخل صفوف المعارضة، إضافة الى ملثمين من كل التيارات أحيانا تكون مواقفهم نفسها هي نتيجة لتنافس غير شريف. كي لا نبقى في إطار العموميات دعني اضرب امثلة من ثورات الربيع العربي. الثورة المصرية كانت أولها نتائجها ان مجلسا عسكريا من رموز نظام مبارك قاد مصر لمدة عامين تقريبا قبل ان تجري فيها الانتخابات، حتى في الانتخابات كاد ان ينجح مرشح ممن عملوا في نظام مبارك. لكن في الانتخابات الرئاسية فاز الاخوان المسلمين بوصفهم قوة معارضة لنظام مبارك، معارضة كانت اشبه بالعلنية، وكذلك الأمر في ليبيا وتونس.
ماأريد قوله ان سورية المدولنة وبقرار امريكي احتلت ثورتها واحتلت البلد برمتها. مما جعل ملف المعارضة ملفا شائكا. والتقييم فيه ملتبسا، والمعايير المستخدمة في الحكم على المعارضة، نتاج شرط الهزيمة الدولية للثورة. من انتصروا في الانتخابات في بلدان أخرى ليسوا أفضل حالا من المعارضة السورية التي تصدرت المشهد بعد الثورة. أين هي المجموعة من المعارضة التي تصدرت المشهد بعد الثورة الآن؟ غالبيتها الساحقة تم ازاحتها دوليا وإقليميا اقصد احتلاليا مباشر ام غير مباشر، ليس عن واجهة المشهد بل عن المشهد برمته. الوصول الى منصة موسكو كي تكون ضمن تشكيلة المعارضة الرسمية!! كان يحتاج لتكنيس كل الرموز السابقين. هذه المعارضة المتبقية في الصفوف الرسمية هي نتاج هزيمة الثورة دوليا وليست نتاج الأسد. مراجعة لتاريخ الثورة نجد ان التدخل الدولي والاقليمي العنيف وغير العنيف في مجريات الثورة قد حدث منذ اليوم الاول ورغم ذلك فشل هذا التدخل في اخماد الثورة، مما اضطر هذا التدخل الى رفع وتيرة تدخله إلى احتلال الثورة والبلد معا، وإنتاج حالة مزمنة من التعفين السياسي والاقتصادي وغيره.  
* منذ العام 2011 وحتى الآن ثمة عشرات المؤتمرات الدولية بخصوص المشكل السوري، من يستطيع إعلان إطفاء هذه النار؟
ببساطة هو الولايات المتحدة الامريكية. سورية مدولنة أمريكيا كما اسلفت. أمريكا تواطأت مع روسيا وإيران وتركيا في سورية. وقررت أحيانا لوحدها وأحياناً بالتشارك والتبادل المصلحي مع هذا الاحتلال او ذاك. عقدت صفقة نووية مع إيران على حساب الدم السوري، وقبلها صفقة الكيماوي مع الأسد وروسيا، تواطأت مع تدخل بوتين الاجرامي وسقوط حلب كما تواطأت مع تدخل حزب الله وإيران منذ اليوم الأول للثورة، وتواطأت مع احتلال تركيا لعفرين وتل ابيض وراس العين. بعد هذه الصورة لا يمكن فهم ما حدث في سورية بعد الثورة الا من خلال معرفة الموقف الأمريكي. هذا لا يعني ان أمريكا كلية القدرة، لكنها سيدة الملف بالقوة ام بالتشارك الناعم ام بالتفاوض الخشن كما هو الحال مع إيران في عهد ترامب إذا اخذنا بعين الاعتبار الحضور الإسرائيلي في هذا الملف والذي كان بالمجمل حضورا اسديا بامتياز. 
* لك مواقف متقدمة ومنذ زمن طويل فيما يخص المسألة الكردية في سوريا، لماذا يتوجس المثقف او السياسي السوري الرهبة من الموضوع الكردي في سوريا؟
 دعني اعترف بقضية ليست سرا، ما كان لموقفي ان يتطور في هذه القضية دون الاحتكاك بالأصدقاء الاكراد والحوارات والنقاشات البينية والمتابعات لما يكتبون ولهمومهم الصغيرة منها والكبيرة. المثقف السوري يتوجس لأنه قبل ذلك لا يعرف تفاصيل هذه القضية، لا يعني ان تقول مثقف انه ملم بكل تفصيل في سورية. هذا أولا ثانيا الأيديولوجيات المتراكمة على عرف عام فرضه الوضع الجيو سياسي بأنه لا يوجد هنالك قضية كردية في سورية يوجد قضية حرية لكل الشعب السوري. عندما اصطدم بالقضية الكردية وجد نفسه في مأزق. منهم من طور موقفه ومنهم من بقي معاندا للتاريخ، ومنهم اخذ وضع المزهرية. من جهة أخرى هذا الملمح ترافق مع شعارات الانفصالية وماشابه، ومع الخلاف مع منظومة حزب العمال الكردستاني التركي في سورية. إضافة الى الحضور التركي في الملف السوري. هذا خلق لدى بعض المثقفين هذه المسافة من الرهبة، لكن لو تعمقنا بالمشهد قليلا، سنجد ان تفهم ليس النخب السورية للقضية الكردية بل الشعب السوري كله، هذا التفهم لا يعني الموافقة على طموحات الشعب الكردي، لكننا قطعنا شوطا ليس قليلا في إمكانية نشوء حوار مجتمعي حول القضية الكردية وتأسيس حل مستدام. هذا أيضا لا يجب ان نحمل النخب العربية المسؤولية فقط، بل النخب الكردية واداراتها لقضيتها تتحمل مسؤولية أكبر.
مقارنة بين إدارة كرد العراق لملفهم وبين إدارة كرد سورية لقضيتهم.
* أكثر من نصف سوريا مهجرون إما داخل سوريا، أو في الشتات إلى الدول المجاورة والمهاجر الاوربية، ماذا بشأنهم؟  
بين المخيمات والطوابير للحصول على ربطة خبز او جرة غاز. هؤلاء نتاج الاحتلال الاسدي الدولي للبلد، المهجرون سيبقون جزءاً أصيلاً من تاريخ سورية ومستقبلها. ويجب العمل معهم على انشاء لوبيات داعمة لقضيتهم السورية في دول الغرب. لنلاحظ ان الوضع المأساوي هو وضع اللاجئين في لبنان فقط تقريبا. رغم ان اللجوء بحد ذاته والهروب من الموت يعد مأساة، لكن نسبيا ما يتعرض له اللاجئ السوري في لبنان لا يتعرض له في منطقة او دولة أخرى. هؤلاء يستحقون الاهتمام الدولي ومن النخب المعارضة السورية.
* إضافة الى مئات الآلاف من القتلى، ثمة مثلهم معتقلون للآن داخل سجون النظام السوري ومختلف التنظيمات المسلحة، كيف يمكن إنقاذ هؤلاء السوريين؟ 
قضية المعتقلين المركزية في سجون الأسد هي الأساس، وهي العدد الأكبر. لا يمكن حل قضيتهم الا بسقوط هذه الاسدية او الضغط عليها دوليا من اجل حل هذا الملف. اما من تبقى في سورية من فصائل مسلحة فكلها لديها معتقلون. ويجب ان يتم الافراج عنهم فورا دون قيد او شرط. ووقف اعتقال أي صاحب رأي او مواطن دون محاكمة مدنية عادلة. في ادلب وريف حلب السيادة لتركيا، في الجزيرة السورية السيادة لأمريكا في باقي سورية السيادة للأسد وإيران وروسيا. هذه السيادات تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن استمرار ملف المعتقلين دون حل.
* برأيك، كيف يمكن أن تحل المسألة الكردية في سوريا؟ إطار فيدرالي، كونفيدرالي، ادارة ذاتية؟
مـا يحـق لأي شـعب فـي تقريـر مصيـره يحـق للشـعب الكـردي تمامـاً. بـدون لـف ودوران ولعـب علـى المفاهيـم. عندمـا يكـون هـذا الحـق عنوانـاً، تصيـر القضايـا الإشـكالية أكثـر قابلـةً للحـل. مثـلاً القضيـة الكرديـة السـورية لهـا خصوصيتهـا التـي تختلـف عنهـا إيـران وتركيـا والعـراق. نقـاش هـذه الخصوصيـة سـورياً يكـون مفيـداً ومثمـرًاً وبنـاءً، عندمـا نضـع الحـق فـي تقريـر المصيـر لـكل المكونـات المتواجـدة فـي منطقـة الجزيـرة. هنالـك تداخـل تاريخـي مكانـي فـي غالبيـة المنطقـة، حيـث أن المـدن الرئيسـية برمتهـا مختلطـة بنسـب مـن الصعـب فصلهـا عـن محيطها. لكن بالمقابل مثلاً مدينة عفرين هي منطقة كردية خالصة. عندما نرى أن من حق كل المكونـات تقريـر مصيرهـا، نجـد أن الطـرح الفيدرالـي هـو الأنسـب لنـا كسـوريين. الفيدراليـة نظـام مـرن يمكـن تبيئتـه سـورياً، حتـى وجـود دولـة كرديـة فـي بقيـة الأجـزاء لا يمنع من قيام نظام فيدرالي في سورية، إذا كان هنالـك عناويـن الحريـة والديمقراطيـة ودولـة القانـون تحكـم الجميـع للتطبيـق ويجـب أن تكـون، عندهـا يمكـن إيجـاد حـل دسـتوري سـوري مسـتدام.
ارجو ان يسمح لي في هذا السياق من توضيح قضية بسيطة تثير الكثير من الإشكالات، والتي تتعلق بالقول ان حلا للقضية الكردية في سورية يتضمن لا مركزية سياسية. هذا كلام مضلل بكل ما تعني الكلمة من معنى. إما انفصال او اتصال، الاتصال يكون على المستويين الأمني الخارجي والسياسي السيادة فيه لمركز واحد. الأصدقاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق تفهموا ملاحظتي سابقا هذه الملاحظة القديمة الجديدة، هي” إما اتصال بمعروف ان انفصال بإحسان”. اما “لا مركزية سياسية” فهي بؤرة دائمة للتوتر السياسي مع المركز وخلق مساحة جدالية مستمرة حول ابعاد هذه اللامركزية السياسية. واختصرتها بالقول: لا سلطة سياسية لبغداد على إقليم كوردستان العراق، وهولير والسليمانية تشاركا بغداد بالسلطة السياسية في بغداد، وممنوع على بغداد ان تشاركهما السلطة السياسية في الاقليم. مما يجعل الحقوق تضيع في هذه المسافة المتوترة دوما. ولنا في تجربتي كركوك والاستفتاء مثالين على ما تخلقه اللامركزية السياسية من إشكاليات تفسيرية ومصلحية. والمثال الأقرب هو دخول الحشد الشعبي لبعض المناطق الكردية. مع ذلك ما يصلح في العراق لا يصلح في سورية. إلا إذا وافقت كل المكونات السورية في الجزيرة على لا مركزية سياسية، عندها يمكن لنا مناقشة الامر لأنه مطلب اهل المنطقة. لأوضح أكثر الم تسمح أمريكا والإدارة الذاتية لبقاء إدارات الاسدية في المربعات الأمنية في مدن الجزيرة؟ اعتقد ان هذه القطبة المخفية، هي موقف امريكي وموقف قيادة ال ب ك ك  في سورية من ان السيادة يجب ان تكون لدمشق في أي حل سياسي قادم. فهل يوجد مربعات امنية في كوردستان العراق؟ رغم ان هذا الموقف لا يعجب أطرافا كردية اخرى. الم تسمح أمريكا ونفس القيادة الكردية بإقامة قواعد روسية في المنطقة؟ هل القواعد الروسية تعمل من اجل لامركزية سياسية في الجزيرة؟
* في بعض المناطق من غرب كوردستان ” شمال شرق سوريا” ثمة إدارة ذاتية، محكومة من طرف سياسي بعينه، كيف ترى هذه التجربة؟
 هذه التجربة في الواقع بعد الدخول الامريكي خلقت إحساسا لدى كرد سورية، ان تجربة العراق يمكن ان تتكرر في سورية. كما خلقت إحساسا بحضور الذات الكردية الحرة المقموعة اسديا في سورية كبقية الشعب السوري. لكن سرعان ما اتضح ان الهدف السياسي الأساسي للقائمين على الإدارة الذاتية، هو بقاء كردستان سورية قاعدة لوجستية للنضال الكردي المسلح في تركيا. هذا الهدف يتطلب التالي: إما موافقة أمريكية او دعما من المركز في دمشق كما كانت الحالة قبل الثورة. لكن الإشكالية ان أمريكا لا تريد نضالا كرديا مسلحا ينطلق من سورية نحو تركيا، ولا النظام في دمشق بات قادرا على دعم هذا الهدف. بهذه المناسبة وجهت نصيحة سابقا لقيادات البي كي كي، بالتخلي عن السلاح كليا في النضال داخل تركيا والالتحاق بتجربة حزب الشعوب المدعوم من العمال الكردستاني. مما يسمح بترك كرد سورية يقررون هم مصيرهم مع السوريين من أبناء المنطقة ومع الشعب السوري كله. ملاحظة أخيرة أرى ان الوضع في الجزيرة ليس مستقرا، في كثير من المجالات يسير من سيء لأسوأ. اعتقد انتقادات المجلس الوطني الكردي غطت وتغطي هذا الجانب بدرجة كبيرة.
   
* كمثقف سوري، وكاتب صحفي ما رأيك بالحوارات الكردية حالياً بين المجلس الوطني الكردي واحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د ؟ 
هنالك معضلة يجب فك الارتباط بين البي كي كي وكرد سورية، بدون حل هذه المعضلة لا أرى افقا للحوار، إلا إذا أمريكا فرضت اجندة ما. مع ذلك انا مع استمرار الحوار عله يفتح ثغرة ما في هذا الجدار خاصة ان أمريكا ترعاه. ملاحظة أخرى المجلس الوطني الكردي في سورية، نشاطه محدود جدا لا سباب موضوعية وذاتية لا يتناسب مع طموحات الكرد، اقله يجب تلافي أسباب تراجع نشاطه الذاتية إذا كانت الأسباب الموضوعية خارج يده. مع استمرار الحوار كما قلت عسى ولعل. لكن يجب ان ينضم إلى هذا الحوار إذا كنا نبحث عن حلول مستدامة، كل أبناء المنطقة.
 * تركيا  استعانت بمرتزقة (سوريين)  مما يسمون بالجيش الوطني احتلت في العام 2018 عفرين، وفي العام 2019 سري كانييه ” رأس العين” و كري سبي” تل أبيض، ومؤخراً هناك تهديد مباشر لاحتلال عين عيسى، وروسيا على الخط لإقناع قسد بتسليم البلدة للنظام في دمشق، من يوقف تركيا عن عدوانها؟ 
يوقفها موقف امريكي واضح من جهة، وفشل أي صفقة بينها وبين روسيا بديلا عن عين عيسى. لكن روسيا والأسد نكاية بأمريكا يمكن ان يتركا عين عيسى للأتراك. طالما لا تطرح الإدارة الذاتية هذا السؤال على أمريكا، اقصد سؤال عن مستقبل عين عيسى، ولو اني ارجح انها طرحت لكن الجواب لم يكن يرضيها لهذا لا تأتي على ذكر الموقف الأمريكي من عين عيسى!
*هيئة التفاوض السورية، ممثلة بكردي وحيد عن المجلس الكردي، وهذا لا يتناسب مع نسبة الكرد في سوريا، برأيك لماذا؟ 
يجب زيادة التمثيل الكردي في الهيئة بدون لف ودوران. اعتقد هنالك تقصير من المجلس من جهة، وموقف من بعض تيارات المعارضة المحسوبة على تركيا ترى حدود التمثيل بشخص واحد فقط. لكن يجب تمثيل الكرد بما يستحقون. حتى انني لست ضد تمثيل مسد في الهيئة. 
* معظم المعارضة السورية تتسابق لرمي الكرد بحجارة التعصب القومي، ونعتهم بشتى النعوت المسيئة، ولم تسلم أسماء كبيرة من هذه ” السقطة” ماالسبب؟ 
 هذه كما سبق وقلت لك هذه الأسماء نفسها لا تنعت الكرد فقط بل تنعت كل من يختلف معها. سواء كان كرديا او عربيا. لكن في الواقع دعني أكون واضحا في هذه النقطة. العمال الكردستاني وقسد فيما بعد، تركوا اثارا واضحة في دعمهم للاسد منذ بدء الثورة وهذه تركت بصمتها السوداء على العلاقة بين الطرفين. لاحظ ان من يشتموا أحيانا يحترمون قيادة كردستان العراق!! لكن هؤلاء الشاتمين كم عددهم بين النخب السورية؟ حزب الاتحاد الديمقراطي ساهم بترسيخ العداء بين الثورة وبينه منذ اليوم الأول لانطلاقها. مسموح له ان يتحالف مع الأسد وإيران وامريكا وروسيا وممنوع على البقية التحالف مع تركيا او حتى مع أمريكا!! مدان كل من شتم ونعت الكرد بصفات سيئة. كما يدان من نعت العرب او أي مكون سورية آخر. الحوار وحده والتواصل ينقذنا جميعا لأننا كسوريين من كل المكونات في مركب واحد وامام عدو رئيسي واحد هو نظام الأسد. هو من استجلب كل هذه الاحتلالات فقط من أجل الا تنتصر الثورة لمطالب شعبنا السوري كله في الحرية.
* كيف يمكن للمكونات في سوريا أن تتعايش من جديد بعد هذه الحرب المجنونة؟
ليسقط الأسد وسترى السوريين يتعايشون في ظل دولة قانون وحريات ونظام ديمقراطي. سيجدون طريقهم نحو الحرية. كسوري في نهاية هذا الحوار المتعب حقيقة، لابد من شكر قيادة إقليم كردستان على مخالفتها لقرار حكومة بغداد الايرانية!! واستقبلت اللاجئين السوريين. كما اشكر صحيفتكم وكل العاملين فيها والشكر لك صديقي عمر.
غسان المفلح- بروفايل:
كاتب ومعارض سوري، ولد في درعا عام 1959 وعاش حياته كلها في دمشق ودرس فيها.
اعتقل مرتين.. والمرة الثانية كانت ١٢ عاما وشهر بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي.
 نشر في الحياة والقدس العربي والخليج والسياسة الكويتية وغيرها من الصحف والمواقع الاخبارية والثقافية.
————— 
صحيفة كوردستان العدد 648

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…