محمود عباس
جريدتنا (بينوسا نو) بنسختيها الكوردية والعربية، لسان حال اتحادنا العام، لقد بدأت تدخل عامها العاشر، وتعكس بموادها المتنوعة والغنية، جوانب من واقع حالتنا الثقافية المتخطية مراحل التآكل الداخلي، ومن الملاحظ أن هيئة تحريرها، برئاسة الكاتب خورشيد شوزي، وحكمة الهيئة التنفيذية للاتحاد لم يحصروها ضمن الجغرافية الكوردستانية، الثقافية والتنظيمية والإعلامية. فقد قدمت صفحات بينوسا نو-من بين ما قدمت- رؤى الاتحاد ومكتبه التنفيذي، في تقويم الحراك الكوردي بوجهيه الثقافي والسياسي، والسعي لإزالة الخلافات الحزبوية الداخلية وخلق البيئة المناسبة للتفاهم والتقارب، عبر تناولها من قبل الإعلام وعرضها للشارع الكوردي، وجاهدت ضمن جغرافية تقبل الآخر، والرأي المعاكس، والتعامل بالحوار الديمقراطي، والابتعاد عن التشخيص.
كما ومن خلالها إلى جانب أقنية أخرى، تعامل اتحادنا العام مع محاولة التفهم والحوار مع الانشقاقات ضمن الحراك الثقافي، خاصة مع الذين انقسموا عنها يوم كانت لا تزال رابطة، بوعي، وإدراك، بعد قراءة الظروف التي أدت إلى ذلك، ولم تقطع جسور التواصل مع من شكلوا فيما بعد منظمات ثقافية لا تختلف عن الرابطة-الاتحاد العام إلا في الانتماءات السياسية، لأننا حرصنا على وضع القضية التنويرية فوق الاختلافات الفكرية، أو البعد الجغرافي عن الوطن، وظلت مواقفنا مبنية على الأبعاد الوطنية قبل الحزبية، وعليه كانت مواد جريدتنا بهذا التنوع من حيث المواضيع ونوعية الكتاب والشعراء والمؤرخين.
رؤية الاتحاد العام من خلال صفحات بينوسا نو:
من خلال دراسة تاريخنا النضالي، وتجربة العقدين الماضيين، تأكدنا أنه من دون توافق جميع أطراف الحراك الثقافي لن نتمكن من ولوج مرحلة التنوير، والتعامل مع القوى الخارجية لن تجدي نفعاً، وسيظل تأثيرنا على الشارع الكوردي والحركة السياسية هزيلة ولن تأتي بالنتائج المروجة.
نبحث في هذا الموضوع، لأننا ومن ملاحظتنا لواقع أمتنا وحراكه، أصبحنا أمام مرحلة مصيرية، لم تعد تجدي نفعا، حصر أعمالنا ونشاطاتنا ضمن جغرافيتنا، أو معالجة الخلافات الداخلية مع الكوردي الآخر من خلال الأبواب الضيقة، والتي تؤدي إلى التآكل الداخلي، وتقزيم البعض، وتمهد الدروب لأعدائنا لاحتوائنا وإعادتنا إلى حيث السيادة والموالي، بعدما حصلنا على بعض المكتسبات.
المرحلة تتطلب منا الانتقال إلى الفضاء الأوسع، حيث الآخر، المثقف والسياسي العربي، الذي لا بد من إقناعه على أن الماضي الدكتاتوري همشهم بقدر ما عتم على القضية الكوردية في سوريا.
لا شك ستكون لنا مطباتنا، وأخطاؤنا، كجميع الحركات الثقافية التنويرية في العالم، وسنواجه صعوبات مع الأخوة في الطرف الآخر لربما أعمق وأخطر من الإشكاليات الداخلية، لذا يتطلب من جميعا تقبل النقد من كل أبوابه، خاصة تلك المبنية على التراكم المعرفي، وفيها من الحكمة التي تكشف أخطاءنا، وإقناعنا بضرورة تجاوزها، أو تبيان الدروب التي قد سهونا عنها وستأتي بنتائج أفضل لقادمنا وقادم شعبنا.
ما ينوه إليه بينوسا نو من على صفحاتها
في الواقع الداخلي لابد من النقد لتقويم الكوردي الآخر وليس لتصعيد العداوة أو القضاء عليه، ففي الحالتين، النجاح أو الفشل، بطريقة أو أخرى هي بداية الإتيان على الذات، وعليه ففي بداية المرحلة القادمة، والتي نحتاج فيها إلى النقلة النوعية، يجب الابتعاد عن جر النقد إلى مجال الاتهامات والتخوين، لأننا وبالطرق التي نقوم فيها بمهاجمة البعض نسقط ذاتنا قبل الآخر في المستنقع الآسن، وبالتالي سنكون معا ضحية الاتهامات والتخوين.
لا شك الانتقال من منطق التكتم على الأخطاء إلى النقد من أجل التصحيح والبناء، تحتاج ليس فقط إلى جرأة القول، بل إلى الحكمة، والمعرفة، وبعد الرؤية، فكثيرا ما يسقط نقادنا وكتابنا، خاصة أصحاب المقالة الواحدة، في هوة أهوائهم، ومواقفهم الذاتية، دون تحليل وتأويل واقع الأمة، والعلاقات السياسية الإقليمية والدولية، ويدخل في خلافات ساذجة يجر معه شرائح من المجتمع، وللأسف هذه من أحد الأسباب التي نراها اليوم في واقع شارعنا الكوردي.
ولهذا لا بد من العمل على التمييز بين المعرفة الإشكالية والإحاطة بجوانب القضايا الواجب تناولها وبين الظن والوهم، ويجب عدم النسيان، أننا قد نخطأ أو نصيب، وأعني الطرفين الناقد والمنقود، وما نعلمه هو أن الإقدام على المحاولة مع عدم الانزلاق إلى ساحة الصراعات الحزبية، أو الشخصية، نحتاج إلى ذهنية ديمقراطية حضارية، قبل الإقدام على الحوارات والنقاشات ويجب أن نبنيها على التراكم المعرفي والحكمة والصبر، كما وعلينا أن نفضل: قضايا أمتنا على التأويلات أو الانتقادات غير المجدية، ونرجح مصلحة شارعنا الكوردي على المصالح الحزبية.
ما يعرضه الاتحاد العام، من خلال نشاطاتها ومن على صفحات بينوسا نو:
محاولة الخروج من جغرافية الذات، إلى الفضاء الصعب، والتي نأمل أن يشاركنا فيها كل من لديه القدرة على الخوض في مسيرة احتماليات التنوير، تعني النأي عن التهجم أو التعتيم، وجدلية عداوة الآخر، والابتعاد عن منطقية المقالة الواحدة، لأن أعداءنا كثر، ومن المستحيل تصفية الداخل ما دام الخارج المتربص بنا ينتظر خلافاتنا للعبث بقضيتنا، فالبعض من كتابنا من كثرة الولوج في الصراعات الداخلية بدأت تغيب عنهم رؤية بعض خيوط المؤامرات الخارجية وبشاعة الأعداء.
على مدى القرون الماضية، كان صراعنا الداخلي المسبب الأساس في عدم قدرتنا على تشكيل كياننا السياسي، وحماية جغرافيتنا، وإقامة كوردستان الوطن كغيرها من الدول المجاورة المحتلة لنا، وبدراسة مستعجلة أو عميقة لتاريخنا نجد أن أجدادنا كانوا مثلنا الأن بالضبط، حاربوا البعض لتصفية الخيانة الداخلية، وأقدموا على التقويم، ووزعوا صكوك الوطني والخائن، دون التوقف عن النسبية في المنطق، وبها فصلوا المجتمع الكوردستاني إلى أقسام، خرجت متوازنة القوى، والغرابة هي أن جميع الأطراف كما هي حاليا كانت على قناعة تامة أنهم الأقرب إلى الحكمة وحماية الوطن.
وتكمن الكارثة، في توازن القوى بين المجتمع، واستمرارية الصراع على أثره كانت بدون نتيجة إيجابية، بل في معظم الحالات انتهت بالكوارث، وللأسف نحن اليوم نعيد التجارب ذاتها، بكل أبعادها، حتى ولو كانت بأغطية مختلفة. والنتيجة أن أستمرينا على ما نحن عليه ستكون النتيجة هي ذاتها، الفشل أو قريبه، علما أننا تلقينا عدة كوارث حتى اللحظة، والأغرب أن كل طرف يلوم وسيلوم الآخر.
لهذا فرسالتنا نحن في الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد:
ستكون موجهة لفتح بوابة التنوير، وحث الحراك السياسي والثقافي للاتفاق على موقف سياسي متقارب، وتأجيل الخلافات الداخلية، وستكون ذلك من خلال حواراتنا، ومن على صفحات جريدتنا بينوسا نو، والتي تجاوزت أعدادها المئة، ودخلت سنتها العاشرة، إلى جانب ما نقدمه من البرامج المتنوعة، الثقافية والفنية والأدبية والتعليمية وغيرها، من على قناة الإتحاد (Peyv TV) ومؤخراً الحوارات والنقاشات على برنامج (Zoom)، وذلك بعدما توقفت النشاطات الميدانية على أثر الوباء، لكننا ومن خلال الأنترنيت، المجال الافتراضي سنعمل على أن نشارك الأخوة الأخرين في التنظيمات الثقافية والإعلامية الأخرى لإنجاح الانتقال من المرحلة الحالية إلى الآملة أن تكون تنويرية.
قادمنا، كارثي أو مبهر، متعلق بقدرتنا على الحوار الديمقراطي، وحكمتنا في معالجة مشاكلنا. فإما أن نستمر في الصراع الداخلي والذي سيؤدي بشكل حتمي إلى دمارنا جميعا، أو أن نوقف خلافاتنا إلى حين ونتفق على أدنى نقاط التقاطع، أقله نوقف حملات التهجم والتخوين، ونركز على النقد البناء، وبها سنرفع احتماليات نجاحنا إلى شبه مؤكد. وللأسف هناك بيننا من يفضلون الكارثة على مشاركة الكوردي الآخر، أو حتى التعامل معه.
الولايات المتحدة الأمريكية
16/4/2021م
ملاحظة: نشرت المقالة في العدد 105 لجريدة بينوسا نو الناطقة باسم الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في سوريا.