تشجيع الأصوات المعتدلة (سميرة المسالمة* انموذجاً)


صبري رسول


بدأت تظهر أصوات معتدلة في الخطاب السياسي لشخصيات معارضة خارج قيادات الأطر السياسية المعروفة، وعوّدتنا مواقف قيادات تلك الأطر على غياب الموضوعية، والميل إلى التطرف السياسي والقومي، ومنهم من تجاوز الخطاب السياسي للنظام.
تشجيع هذه الأصوات ستعيد للخريطة السورية المهشّمة وحدتها، فالتطرف القومي، والتشدد الديني عاملان كبيران في تمزيق المجتمع وخلق صراعات سياسية وفكرية بين أبناء شعبٍ واحد، سرعان ما تقفز تلك الصراعات السياسية من الفكر إلى الخريطة الجغرافية وتقسّمها، وفات هذا الأمر من قيادات المعارضة، ومن غالبية القوى على الأض.
من الأصوات التي أخذت تحظى باحترام في الشارع السوري، الصحفية سميرة المسالمة ، لمّا تتميّز بالموضوعية والاعتدال في مواقفها السياسية وتجسيدها النّبض الحقيقي للثورة التي انفجرت قويةً في وجه النظام، مطالبةً بالحرية والكرامة. ويلمس القارئ في نصّها المنشور في صفحتها على “الفيس بوك” اليوم بعنوان: توضيح عربي- كردي، أنّها تُدرك بوعيٍّ سياسيّ عالٍ ماتعترف به، «غياب مفهوم الديمقراطية مقترن بغياب حق المواطنة والحرية السياسية، وعندما كتبت بالأمس بوست أعترف فيه أننا في كيانات المعارضة لم نجر أي انتخابات ديمقراطية فهذه حقيقة«.
المسالمة لا تقف هنا فقط، بل تدفعها الجرأة إلى مغامرة إسقاط صفة “تمثيل الثورة” ممن لايرى أنّ التهجير القسري جريمة، وهذا يعني بأنها ضد التهجير القسري في كل سوريا، وبهذا الموقف يرى الكُرد بأنهم اكتسبوا صوتاً عربياً، إلى جانب عفرينهم. وهذه ليست المرة الأولى التي «تغامر» فيها السيدة المسالمة، فقد سبق لها أن وقفت مع الشعب السوري وثورته ودفعت ثمن مواقفها بإقالتها من رئاسة تحرير جريدة تشرين. وجاء في نصّها: «وأعيد وأقول أن كيانات المعارضة التي لا ترى بعينين واسعتين أن التهجير القسري جريمة سواء ارتكبها النظام السوري، أو فصائل مسلحة، فهذه الكيانات لا تمثل ثورة  الحرية والكرامة»
   لم يَعتد الكرد على تضامن الآخرين مع حقوقهم لا الصغيرة ولا الكبيرة، حتى في مخفر الشرطة في القرية، فالمرء (رئيس المخفر، مدير الدئرة، المحافظ، رئيس الائتلاف، رئيس الجمهورية…) يجد الحقّ حقّاً، لكن ما أن يعرف أنّ صاحبه كرديٌّ حتى يشيح بوجهه ويتنكّر لهذا الحقّ. 
فالائتلاف السوري يتجاهل اتفاقيته مع المجلس الوطني الكردي، فلم يطبّق أيّ بندٍ منها إلا ما يتعلق بالجانب التنظيمي، (قد تكون المصلحة تتطلب ذلك) بل ارتفعت أصوات كثيرة تحقّر الشعب الكردي، وعملياً قامت فصائل تابعة له بجرائم على الأرض، (اغتصاب النساء، قتل، تهجير قسري…) حتى اقتنعت غالبية الكرد أنّ التعايش السلمي مع هذه العقلية لإلغائية أمر صعب وقد يكون مستحيلاً.  
أمس احتفلت عدة صفحات بالترحاب لموقف السيدة المسالمة، ورفضها لما يجري في عفرين كما جرى في مناطق سورية أخرى، واليوم أتحفتنا بموقف مماثل: «أهالي الغوطة وريف دمشق ودرعا ومناطق الشمال وقبلهم حمص ومعظم المدن السورية دمرت مدنهم وبيوتهم وتهجروا وكذلك أهالي عفرين تهجروا وسرق زيتونهم وبيوتهم». هذه الرؤية تبشّر بوجود نخبةٍ عربية مثقفة وإن كانت ضعيفة تستطيع الحفاظ على الخريطة الجغرافية من خلال الحفاظ على حقوق الناس. 
————————–    
  *(رئيس تحرير جريدة تشرين 2008- 2011م، وتمّت إقالتها، وبلّغها معاون وزير الإعلام السّوري: «ببالغ الأسف، أنا مضطر لإبلاغك بإنهاء تكليفك من رئاسة التحرير»).

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…