د. محمود عباس
سذاجتنا مستمرة، جلية من خلال ديمومة مطالبتنا طرفي الحوار المنوه إليهم سابقا، وعلى مدى سنة وأكثر، تشكيل مرجعية أو شراكة في إدارة المنطقة (بالمناسبة عندما نبحث عن إشكاليات الوحدة لا تشمل هذه الحوارات) مع إدراكنا أن معظمهم دون مستوى قيادة المجتمع والتعامل مع القوى الخارجية، وتوضحت مصداقيتهم وسويتنا يوم صدقنا أنهم أنجزوا خطوات في حواراتهم، واصدروا بيانا ادعوا فيه إنهم اتفقوا في الجانب السياسي، وفيها كانت طامة خداع المجتمع.
1- هل توحدت مواقفهم من المعارضة العربية والسلطة والأنظمة الإقليمية؟
2- وهل اتفقوا على ما يجب أن تكون عليه سوريا القادمة، والمنطقة الكوردية؟
3- هل اتفقوا على النظام الفيدرالي، أو الإدارة الذاتية؟ وإن كان، فهل هي قومية، أم جغرافية، أم مبنية على التنوع الديمغرافي.
في الواقع غابت الشفافية منذ السنة الأولى بعد اجتماع رؤساء الأحزاب في هلالية، مع غياب الحوارات، وعلى خلفية التصريحات العشوائية الفوضوية، (رغم أن الاجتماع القصير ذاك، كان بأوامر من المربع الأمني يوم كانت لا تزال مهيمنة، وليتهم استمروا في توافقات مماثلة، بعيداً عن طوباويات الوحدة بين أحزاب متقاربة أو منشقة عن بعضها، خاصة بعد ضمور السلطة الشمولية في منطقتنا) وبدأت الكارثة، ليس مع عدمية الاتفاق على بعض نقاط التقاطع أو بناء مرجعية كوردية بل الادعاء بنوع من الحوارات لخداع الشعب، وتصعيد خطاب وحدة الأحزاب المتشابهة في منهجياتها، أو التفاهم، بين المتعارضين، المرافق مع تهم التخوين.
تفاقمت المآسي عندما عمت الهجرة كلية الشعب الكوردي، وبدأت موجات ترهيب الشارع الكوردي دون العربي، وظهور الاختطافات والاغتيالات، وعمليات إسكات المجتمع بالعنف، مع ذلك ظلت مستمرة نداءات وحدة الأحزاب رغم وضوع عدميتها، وكانت الغاية امتصاص غضب الشعب عليهم، على خلفية خلافاتهم الحزبية الساذجة، وجر المجتمع معهم إلى المستنقع، وهنا لا نتحدث عن الأحزاب المشتتة والتي وجودها كعدمه.
والمؤلم لم يبحث أحد منا، لا في الحراك الثقافي ولا السياسي عن أساليب بديلة عن النداءات الطوباوية حول وحدة بعض الأطراف، ولم نخرج من الدائرة المغلقة والمرسومة لنا منذ عقود طويلة وبثقافة ضحلة، والأكثر ألما أننا ساهمنا إلى حد ما في الترويج لهذه الطوباوية وبها ساعدنا في تعمية المجتمع، وإدراجه إلى جهالة الخلافات الحزبية.
نحن أمة نعاني من النظريات الطوباوية، المتكررة كل نصف قرن وبلباس مختلف، ومن عدمية خبرة التعامل السياسي، وعبقرية الخلافات الحزبية. فطوال العقود التي تصاعدت فيها المطالب والنداءات من أجل الجلوس على طاولة الحوارات لترميم التشتت، نتهاوى نحو الحضيض مقارنة بمن يحتلونا من الأنظمة، تسارعت الكارثة بعد الانشقاق الأول في البارتي، يوم تخلى عن الساحة حملة الفكر الحضاري وأصحاب الخبرة، وقادها شباب كانوا في بداية العشرينات من العمر، سوياتهم الثقافية لم تتجاوز المرحلة الثانوية، وتراكمهم المعرفي دون عشرة كتب بسيطة، إلى أن بلغنا ما نحن عليه اليوم وحيث الحضور الأمريكي والروسي في أحضاننا ونتعامل كالخصوم والجهلاء.
نادراُ ما نوهنا ككتاب ومثقفين أو سياسيين، إلى أن الجهتين المتحاورين، على طرفي النقيض ليس فقط على الطاولة، بل في المصالح الذاتية والحزبية، وساحاتهم الحزبية تتحكم بها قوى خارجية أقوى من إمكانياتهم وإرادتهم، يراكمون فيها وفيهم كل عوامل التنافر وفشل الحوارات، إلى جانب اكتسابهما لصفات، حديثة العهد، جلها بدون إرادة، فاقمت العداوة ليس فقط بينهم، بل وبين المجتمع الكوردي المنقسم على ذاته، وقد يذكرنا البعض من الكتاب بأنهم كتبوا في النقد، وعملوا على تعريتهم، ومن الجهتين، لكن نود التنويه إلى أن نقد أي طرف من البعد الفكري الذاتي، وبالأساليب الكلاسيكية التي لا نتمكن من تجاوزها، نزيد من طامة الخلافات بين المجتمع الكوردي الواحد، وبها نعقد الإشكاليات، بل ونعدم احتماليات الحلول.
هل هناك أمل؟
تغيير الواقع المؤلم ونقل الأمل في النجاح إلى حقيقة، وتجاوز الخلافات لمرحلة ما، نحتاج إلى:
1 الوعي والتراكم المعرفي.
2 الحكمة السياسية.
3 قوتين، السيف والمال.
بوجود مواد البند الأخير سيتجهون إلى جادة الصواب، ومصادر هذين العاملين معظمها يجب أن تكون خارجية، لتتلاقى مصالحهم ونجاحنا، والولايات المتحدة الأمريكية تترأس قائمة القوى المعنية بالأمر، وإلا فأية قوة ذاتية وإقليمية وأموال داخلية ستزيد من الصراع الداخلي، وما يجري بيننا على المنطقة وفي الإدارة الذاتية خير مثال. ودونها فالخلافات ستظل، والتبريرات والاتهامات ستسيل جزافاً، وكل طرف سيعرض منطقه وحججه، بنفس المنهجية الكلاسيكية المهترئة، لإقناع الشارع الكوردي بوجهة نظره.
القوتين لن يكونا العصى السحرية، ولن يتمكنا من خلق شراكة في الإدارة أو مرجعية صلدة، وتجربة جنوب كوردستان خير مثال، إلا أنها ستفتح أبواب المكتسبات، وبدون وعي من السهل خسرانها، تاريخ حراكنا الكوردستاني تعكس هذه الحقيقة، خاصة وأن مبعوثي الدول الضالعة في القضية، باستثناء الأمريكية، لا يملكون القوة الكافية. وأمريكا حتى اللحظة لم تدرج القضية السورية وبالتالي الكوردية ضمن قائمة اهتماماتها الرئيسة، لكنها تملي وتنور وعلينا أن ندرك قبل فوات الأوان، خاصة ولا تزال هناك عدة مناطق ساخنة تجذب معظم اهتمامات إدارة جو بايدن، وهنا لا نعني ضياع الوقت على خلق مرجعية أو الاتفاق على شراكة، والتي نجدها شبه مستحيلة، بل يجب التنافس على النجاح والعمل على تطوير الذات كل من جهته، والخروج من حلقة الصراعات الحزبية إلى التعامل السياسي داخليا وخارجيا.
يتبع….
الولايات المتحدة الأمريكية
15/5/2021م