التناقض والصراع والتخلف سيهدر حقوق الشعب الكوردي

دلكش مرعي

من يلقي نظرة تحليلية إلى الواقع الكردي في في غربي كوردستان فلن يرى في المشهد السياسي سوى التناقض والصراع والتشرذم والتعامل العفوي أو السطحي مع قضايا هذا الواقع ومع الأحداث الجارية فيه فبدلاً من تقييم هذه القضايا تحليلا ونقد  للوصول إلى استراتجية واضحة وممنهجة للتمكّن من الإحاطة الواعية بما يجري على هذه الساحة  فأنك  لا تجد سوى الفوضى السياسية والصراعات الحزبية وحالة من الاغتراب بمجمل ما يجري من أحداث في هذا المشهد فمن المؤسف أن نقول بأن الفكر الكوردي في غربي كوردستان لم يثبت وجوده السياسي الفاعل في الماضي ويبدو بأنه لن يثبت هذا الوجود في هذه الأحداث أيضاً – وسيخرج الشعب الكوردي من من هذه الفرصة التاريخية في البلد إذا بقي على ماهو عليه الآن سيخرج بخفي حنين – فالمتتبع لتاريخ هذه الأحزاب بشقيه العقائدي والكلاسيكي لن يرى إلا سلسلة من حلقات الفشل المتوالية هنا وهناك فلا رؤية واضحة وموحدة ولا خارطة طريق أو منهجية فاعلة تحدد مسار هذه القوى فكأنك أمام عطل عام في حركة العقل ووظيفته العليا  . 
فالعفوية والسطحية والشعارات الثورجية هي السائدة على هذا المشهد فلا القومي هو قومي بالمفهوم الواسع والشامل لهذه الكلمة وكذلك هو حال الوطني والديني وكذلك العقائدي بشعاراته الثورجية الطنانة الغير واقعية وحتى العشيرة  الكردية هي شبه خالية من أصالة العشيرة وقيمها وأعرافها المعروفة طبعاً مع بعض الاستثناآت الطفيفة في هذا المفهوم أو ذاك  فالمجتمعات تطورت في هذا العصر كما هو معروف عبر  خاصية أساسية هي التفكيرالعلمي المغلف بالقيم الإنسانية ولا نبغي هنا الاسترسال في الحديث عن هذا المفهوم ولكن اختصاراً نقول بأن التفكير العلمي هو الذي أنتج كبرى النظريات الفكرية عبر منهجية فائقة الحيوية في التحليل والنقد وتفسير خفايا الظواهر الاجتماعية والكونية تفسيراً علمياً وهو الذي انتج العلوم الإنسانية في السياسة والاجتماع والاقتصاد والتاريخ وغيرها من العلوم  التي انتج كل هذا التطور الهائل والمذهل .. أما السائد من التفكير في الشارع الكوردي فلا تجد سوى فكر وقيم الأجداد المغلف بفكر السلف من الأموات الذي يتحكم بسلوك الأحياء تحليلاً وتحريماً وتوجيهاً عبر قيم التراث الضحل وعصبياته المتهالكة والمترهلة وعبر سلطة رجال الدين وفتاويهم  واعتبار تلك القيم والعقائد حقيقة كلية مطلقة ممنوعة من الجدل  وخارجة عن التساؤل والنقاش  .. أي أن جملة هذه القيم والعقائد والأفكار المتخلفة أفقد العقل الكردي وظيفته في السيطرة على الذات وعلى الواقع الكردي والتمكن من استيعابهما … ما نود قوله  هو بأن لكل فكر نتاج ولكل تراث نتاج والواقع الكردي هو نتاج قيم وفكر وعقيدة هذا الشعب .. فحالات الهزيمة والانحطاط  والغبن الوجودي وفقدان المكانة والاعتبار لدى الشعوب هو نتاج فكر وقيم تلك الشعوب فالفكر المتخلف المأزوم لا ينتج إلا المأزومين والمتخلفين أي عندما يظهر خلل في أداء المثقف أو السياسي الكردي فالخلل سيكون دون أدنى شك في بنيته الفكرية وقيمه التربوية . زد على ذلك لدينا عادات سيئة وغير مفهومة السبب مثل جعل جسد المرأة ناموس وشرفاً للرجل وهي إنسانة لها شرفها وناموسها فلو جعل من  كردستان على سبيل المثال  ناموساً وشرفاً للكرد بدلاً من جسد المرأة وبنفس الحساسية لما تجرأ أي انسان من تجاوز حدود كردستان ومحاولة احتلالها … ولو جعل من المعرفة العلمية والعلم ناموساً وشرفاً وقيمة ومعيار تحدد مكانة الإنسان الكردي لكان لدى هذا الشعب آلاف العلماء والمفكرين ولو جعل من جبال كردستان وسفينة نوح قبلة مقدسة للكرد بدل الحجر الأسود لكانت هذه الجبال حرة شامخة.. 
  كلمة أخيرة نقول بأن أزمة هذا الشعب هي نتاج خلل بنيوي كامن في القيم والفكر والعقائد والعادات المترهلة لهذا الشعب وعدم التحرر من جملة هذه الأمور سيدور هذا الشعب في حلقة مفرغة وربما الأنقراض

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في لحظات التحولات الكبرى، لا يرحم التاريخ أولئك الذين عجزوا عن رؤية الإشارات حين كان بإمكانهم أن يتداركوا المسار، وعلى مفترق المصائر، لا يُقاس القادة بما كانوا يلوّحون به من شعارات، بل بما أنجزوه أو فرّطوا فيه عند الامتحان. اليوم، تقف حكومة أحمد الشرع عند منعطف مصيري خطير، وإلى الآن لا تزال أمامها فرصة حقيقية…

نظام مير محمدي * الجدية والحسم، مطلبان غربيان صارا يفرضان نفسهما على أي حوار أو تفاوض مع النظام الإيراني بشأن برنامجه النووي، ذلك إن هذا الموضوع قد إستغرق وقتا أطول بکثير من ذلك الذي يستحقه ويتطلبه. منذ أن بدأ الغرب بالتفاوض مع النظام الإيراني من أجل معالجة سلمية تضع حدا لظلال الشك المخيمة على برنامجه النووي، فإن الضبابية والغموض کانتا…

ألبيرتو نيغري النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود ” تاريخ نشر المقال يرجع إلى ست سنوات، لكن محتواه يظهِر إلى أي مدى يعاصرنا، ككرد، أي ما أشبه اليوم بالأمس، إذا كان المعنيون الكرد ” الكرد ” لديهم حس بالزمن، ووعي بمستجداته، ليحسنوا التحرك بين أمسهم وغدهم، والنظر في صورتهم في حاضرهم ” المترجم   يتغير العالم من وقت لآخر: في…

شادي حاجي مبارك نجاح كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روژآڤاي كردستان في قامشلو ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ الذي جاء نتيجة اتفاقية بين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) واتحاد الأحزاب الوطنية (PYNK) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد مفاوضات طويلة ومضنية على مدى سنوات بمبادرات وضغوط كردستانية واقليمية ودولية وشعبية كثيرة بتصديق وإقرار الحركة الكردية في سوريا بمعظم أحزابها ومنظماتها الثقافية…