صلاح بدرالدين
تابعت اليوم البيانات، والتصريحات، الصادرة من رئيس، ومسؤولي ( الاتحاد الوطني الكردستاني ) بمناسبة الذكرى الخمسين لميلاد حزبهم الذي يصادف الأول من حزيران عام ١٩٧٥، من دون الإشارة الى مكان المولود الذي يعلم الجميع انه دمشق في عهد الدكتاتور حافظ الأسد.
بداية لست بصدد نفي دور هذا الحزب في العمل السياسي، والعسكري، بكردستان العراق، او تجاهل دماء شهدائه في صفوف البيشمةركة بمواجهة النظام الدكتاتوري العراقي في عدة مراحل، او دور زعيمه المرحوم جلال الطالباني في الحياة السياسية بالعراق، وكردستان، كما انني احترم الكثيرين من أعضاء هذا الحزب واحتفظ بصداقة البعض منهم حتى اليوم، ومااحاول التصدي له يتجاوز الأشخاص، والصراعات الحزبية .
الرمزية الجيوسياسية وأثمانها
سبق الإعلان عن ميلاد – الاتحاد الوطني الكردستاني – حصول صراعات ومواجهات دامية، في صفوف الثورة الكردية – ثورة أيلول – والحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان يتراسه الزعيم الراحل مصطفى بارزاني، والتي أدت الى انشقاق مجموعات من قيادة الحزب، والثورة ومن ضمنها الشخصيتان البارزتان – إبراهيم احمد، وجلال الطالباني – حيث اطلقت عليهم – جماعة ٦٦ – التي أعلنت عن وجود خلافات فكرية وسياسية، وانها تمثل الجناح ( التقدمي !) ضد الطرف المقابل الذي اوصموه بشتى النعوت، والتعاون مع إسرائيل وما الى هنالك من اتهامات، ثم انشأوا تحالفات جديدة لم تدم طويلا بعضها مع نظام بغداد، وأخرى مع نظام الشاه من اجل تعزيز قدراتهم لمواجهة القيادة الشرعية للثورة والحزب .
كما قام المرحوم الطالباني ومساعديه بجولات في عدد من البلدان العربية، واتصالات مع بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، ورفعوا اليهم مذكرات تتضمن اتهام الزعيم البارزاني بالتعاون مع إسرائيل، ومعاداة العرب، والقضية الفلسطينية، وانهم من يمثلون شعب كردستان العراق، وقد سمعت شخصيا من الراحل ياسر عرفات هذه الاتهامات التي تضمنتها المذكرة المرفوعة اليهم، وذلك في معرض سؤاله لي عن الوضع الكردستاني، وماهي الحقيقة في تلك الاتهامات، وباعتباري كنت زرت المناطق المحررة والتقيت بالراحل البارزاني، وعلى اطلاع بما جرى هناك ومايجري لاحقا، وضعته امام الصورة الحقيقية، وحينها وبعد عدة لقاءات اقتنع بكلامي وبدا يردد : ( الملا مصطفى قائد عظيم وقد ظلموه )، كما اننا وبحكم تواجدنا بتلك المرحلة في لبنان فقد ناقشنا مرارا هذا الموضوع مع الأصدقاء في الحركة الوطنية اللبنانية، وفي فصائل ومنظمات المقاومة الفلسطينية آنذاك .
وعلى الجبهة السورية وبحكم علاقات الطالباني مع أصحاب القرار في السلطة السورية، وخصوصا مع اللواء علي دوبا رئيس المخابرات العسكرية، فقد وضعهم بالصورة ذاتها، وفي تلك المرحلة كان حافظ الأسد يطمح الى تحقيق تقارب مع جهات كردية في العراق وتركيا من اجل استخدامها في صراعاته مع نظامي البلدين، واختار – زعيم الاتحاد الوطني – ولاحقا – زعيم ب ك ك -، ومن الواضح ان الشرط الأساسي الذي فرضه الأسد على الطرفين هو : لاوجود لشعب كردي سوري، ولاقضية كردية سورية، لذلك كان الكرد السوريون وقضيتهم القومية الضحية الأولى لتلك العلاقات، وكنت شخصيا وحزبنا – سابقا – في الصف الأول المواجه للعاصفة، وفي غضون الخمسين عاما الأخيرة ظهرت الكثير من المسائل، وتتالت الاحداث والتطورات التي الحقت الأذى بالكرد السوريين وقضيتهم، وهي لم تعد خافية، وموثقة، وليس الان الوقت المناسب لسردها مفصلا .
هل يمكن التعاون بين أنظمة دكتاتورية شوفينية وبين حركات التحرر
بحسب تجربتنا، واطلاعنا، لم تحقق اية حركة تحرر في منطقتنا أهدافها كاملة عبر الاعتماد على النظم الدكتاتورية المعادية لشعوبها من الناحية المادية، والتسليحية، والرعاية الأمنية، فكيف اذا تعلق الامر باحزاب تدعي انها بصدد انجاز مهام التحرر القومي وتتعاون مع نظم تضطهد الكرد ببلدانها، ولاتعترف بوجودهم، ومن الملاحظ ان الحزبين ( اوك. و ب ك ك ) تورطا مع النظام السوري في هذا المجال، ويتجنبان الخوض في مسالة تحديد مكان الميلاد، واوجه التعاون، وقاعدة النشاط منذ البدايات، لان المكان بهاتين الحالتين لايشرف الحزبين.
من الواضح ان هناك أحزابا كردية أخرى من العراق وتركيا لم تكن بريئة في عملية نسج العلاقات مع نظام الأسد الاب والابن، ولكنها لم تصل الى درجة ما الحقه الحزبان ( الاتحاد الوطني و ب ك ك) من اضرار بقضية شعبنا الكردي السوري .
دروس وعبر
نعود أحيانا الى الماضي البعيد وهذا لابد منه من اجل معرفة الحاضر واستشراف المستقبل، ومايهمني بهذه العجالة هو اظهار الحقيقة لمن لم يعاصروا تلك الاحداث الماضية، والتاكيد على جملة من الأمور من اجل الجميع ومنها:
١ – ان الأنظمة المقسمة للكرد، والتي تمارس الاضطهاد تجاههم، وتحرمهم من ابسط الحقوق في بلدانها، لن تكون عونا لكرد الأجزاء الأخرى، او صديقة لهذا الحزب او ذاك، وكنا قد نشانا على هذا المبدأ منذ باكورة نضالنا .
٢ – نشر غسيل الأمور الداخلية، وتقديم التقارير حولها للأنظمة المعنية حول اتهامات لانهاية لها امر بغاية الخطورة، ويخالف المبادئ القومية والوطنية والأخلاقية .
٣ – ماكان متبعا في العلاقات الكردية – الكردية بداخل كل جزء، والانحياز للحزبية الضيقة على حساب فضاء الكردايتي الواسع لن يؤسس لترتيب البيت الكردي او الكردستاني .
٤ – التقاليد المفروضة منذ عدة عقود على سير العلاقات القومية بين الحركات السياسية في أجزاء كردستان، والمبنية على التبعية، ورضوخ الضعيف للقوي يجب ان تتبدل، وتبنى تلك العلاقات على قاعدة المساواة، والحوار الديموقراطي، والتنسيق في العمل المشترك، واحترام خصوصية الأطراف.
٥ – منذ اكثر من ستين عاما والكرد السورييون يدفعون الثمن على حساب شخصيتهم القومية والوطنية، وتقسيم وتفكك حركتهم السياسية، وفرض الولاءات الى درجة بدأ الكرد السورييون يفقدون هويتهم لمصلحة المحاور الحزبية الكردستانية ( قنديل – السليمانية – أربيل )، فلابد امام ذلك من وضع ميثاق قومي يلتزم به الجميع لاعادة بناء علاقات سليمة، واخوية، وتحريم استغلال الكرد السوريين بعد الان، وهذا لن يتحقق من دون – الصحوة – المنتظرة بإعادة بناء حركتنا الكردية السورية، وتوحيدها، واستعادة شرعيتها، والالتزام بالمشروع القومي – الوطني، عبر المؤتمر الكردي السوري الجامع .