عبداللطيف محمدأمين موسى
يلاحظ المتتبع لجملة الأحداث والتطورات المتسارعة التي تشهدها مساعي التقارب أو ما تسمى عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة التي تقودها دول عدة وفي مقدمتها روسيا تحاول من خلالها تحقيق أجندات معينة تخص مصالحها من وراء الدفع بهذه المساعي لأحداث أي تقارب من شانه يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. إن الحديث عن الدوافع الحقيقية من وراء التقارب هذا الذي تقودها دول عديدة تتجلى في استعراض الأسباب الكامنة لفشل تلك المساعي، ومن أهم تلك الأسباب هي أن هذه المساعي هي خاضعة للمناخ الجيوسياسي الذي تمر به المنطقة بشكل عام وسوريا على وجه الخصوص أو بشكل أدق يمكن القول بأن مساعي التقارب تلك خاضعة لما تمسى سياسية رد الفعل أو ناتجة عن سلسلة الأحداث والتطورات المتسارعة التي تمر بها سورية، والتي تعبر عنها مخرجات استانا بشأن تفعيل مناطق خفض التصعيد في سوريا ، والمحافظة عليها والدفع باستمرارية تلك الهدوء التي أحدثتها تلك الاتفاقيات،
وكما أن الأمر الأكثر أهمية لتأخير مساعي التوصل إلى أتفاق مصالحة بين دمشق وأنقرة هي خصوصية العلاقات بين الدول الرئيسية المتحكمة باستمرارية الأزمة السورية، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة ورسيا وسعي تلك الدول الى استغلال الأمور والأحداث في المنطقة وسوريا على وجه الخصوص لخدمة مصالحها ،ولاسيما اعتماد الولايات المتحدة على الحزب العمال الكردستاني من أجل محاربة الدولة الاسلامية في سورية، وهذا التحالف الذي يعبر عن استغلال واستخدام الولايات المتحدة للحزب المذكور عسكريا دون اتفاق سياسي مما يعرض هذا الحزب الى عدم الحصول على أي مكاسب أو أي شرعية يحاول الوصل إليه من خلال مشاركته في الأزمة السورية من خلال سعيه لإخراجه من العقوبات الدولية ولاسيما مسائل الإرهاب وحظره في الكثير من الدول العالمية ،ولعل من أهم الأمور التي تعرقل مساعي التقارب السوري التركي هي الصراع المتمثل على الأجندات في سوريا، ولاسيما الصراع الخفي بين إيران وتركيا من خلال تصفية الكثير من الأمور والمسائل والصراعات الخاصة بهما في مناطق عديدة ودول أخرى وتصفية حسابتهما في المسائلة السورية الأمر الذي يستشفه ويمكن ملاحظته من قبل كافة المتابعين للشؤون ومستجدات الأزمة السورية ،وهي تحكم إيران الكامل بالقرار السوري وصراعها مع روسيا في المشاركة على الهيمنة وإدارة الأمور المتعلقة بهذه الأزمة ولاسيما المتعلقة في السياسة الخارجية لدمشق، وكذلك من أهم المسائل المعرقلة لهذا التقارب السوري التركي هي دخول الدول العربية على خط الأزمة السوري بعد تجنبها للأزمة عبر تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية، وهذا التقارب العربي للأزمة السورية بقيادة السعودية ،وبمباركة الولايات المتحدة من أجل السعي لتقليل الهيمنة الإيرانية على قرار دمشق ،واعتمد هذا التقارب على مبدا الخطوة مقابل خطوة ،والذي برأي لم تتقدم دمشق بأي خطوة إلى الأمام بشأن هذه المسائلة ،وهذا التقارب العربي من الدخول في الأزمة السورية مثل نوعاً من الصراع الخفي بين السعودية وإيران وتجلى ذلك في محاولات السعودية الدخول بقوة من خلال أتخاذ خطوة جريئة في فتح سفارتها في دمشق وسعيها لتقيل النفوذ الإيراني الأمر الذي استشعرت إيران به في الآونة الأخيرة ،والكثير من المسائل والأمور التي عرقلت كل المحاولات السابقة في أحداث أي تقارب يؤدي الى التطبيع بين دمشق وأنقرة .بكل تأكيد السؤال الذي يراود مخيلة القارئ الكريم هل ستفضي ومساعي التقارب الجديدة بشأن التطبيع بين دمشق وأنقرة الى شيء جديد في الأيام المقبلة، ولاسيما بعد تسريبات عديدة من وسائل ومصادر غير مباشرة ومقربة من دمشق وانقرة بشأن تأكيد ورفض حصول لقاءات أمنية بين الجانبين في قاعدة حميميم السورية ،واللقاءات المترقبة في العراق عبر مبادرتها والمدعومة بقوة من قبل إيران لأحداث نوع من التقارب السوري التركي على مقاس المصالح الإيرانية، وبكل بساطة يمكن القول بأن ثما أمور ومستجدات ومسائل تعيق التوصل القريب لأي أتفاق تطبيع بين دمشق وأنقرة رغم الوساطة العراقية والضغط الروسي المتكرر على أنقرة للقبول بأي تقارب .إن أهم معوقات التوصل لأي اتفاق تطبيع قريب بين دمشق أنقرة هي تمسك كل طرف بشروط مسبقة، والتي يعتبر تنازل أي طرف عنها هي بمثابة تجاوز للخطوط حمر ونسف لمصالحها على سبيل المثال تمسك أنقرة الشديد بمسائلة أنهاء ملف الحزب العمال في سوريا الأمر الذي باعتقادي مسائلة إنهاء ملف الحزب المذكور في سوريا هي قرار أكبر دمشق، وكما معلوم فأن مشاركة الحزب المذكور في الأزمة السورية في الشمال والشمال الشرقي السوري جاء نتيجة توافقات إقليمية ودولية، ولاسيما باتفاق غير معلن بين أمريكا وإيران الأمر الذي المح له ترامب مرات عديدة نتيجة الانتقادات التي عرض لها بشأن الانسحاب من سوريا، ودفاعه عن قراره ذلك بأنه يسعى لتصحيح سياسات أدارة اوباما بشان التعامل مع الحزب العمال الكردستاني وإعطاء الضوء الأخضر له للمشاركة في الأزمة السورية بالتوافق مع إيران من أجل تحقيق مصالح مشتركة لكل دولة منهما . حيث سعت إيران إلى حماية نظام دمشق والدفاع عنه عبر إسناد هذه المهمة للحزب المذكور ولاسيما في الشمال والشمال الشرقي في سوريا ،وكذلك أمريكا التي سعت للاستفادة من الحزب المذكور لمقاتلة داعش وبعض التنظيمات المتطرفة التي تعرقل المصالح الأمريكية في سوريا ،لذلك مسائلة أنهاء ملف الحزب العمال الكردستاني واخراجه من سوريا قرار لابد من أنقرة مباحثه مع إيران والولايات المتحدة .برأي هذا القرار أكبر من أن يتم اتخاذه في دمشق، لذا لا جدوى من الاستحالة للتوصل لأي أتفاق تطبيع بين دمشق أنقرة دون تسوية هذه المسالة مع الدول الإقليمية والدولية. الأمر الأخر الذي يعيق التوصل إلى إي تطبيع هي تمسك دمشق المبسق للانسحاب من كافة الأراضي السوري من قبل تركيا ،طبعاً مسائلة الانسحاب التركي من سوريا هي أيضاً خاضعة للتوافقات الدولية وتدخل ضمن الصراع التركي على النفوذ مع الدول الإقليمية والعالمية، ولاسيما صراعها مع إيران وتمدد النفوذ الشيعي من حدودها والفصائل الإيرانية المتمركزة في قرى ومناطق الفوعة وكفريا ومناطق كثيرة قريبة من الحدود التركيا ،الأمر الذي تستشعر تركيا خطره ،ولابد من حسم هذه المسائلة الشائكة مع الروس والإيرانيين والولايات المتحدة قبل الحديث عنها على طاولة إي مفاوضات للتقارب التركي السوري. الأمر الأخر الذي يستحال تطبيقه من قبل دمشق والذي تصر عليه تركيا بشدة قبل الدخول بأي مفاوضات للتطبيع وهي مطالبة تركيا لدمشق بتنفيذ القرار الأممي 2254 وتحقيق انتقال سياسي في سوريا مما يمهد الطريق لعودة اللاجئين وأعاده أعمار سوريا ،وبالطبع هذا القرار ومسائلة تطبيقه تحتاج الى توافقات وحلول دولية يصعب على دمشق تنفيذه من دون تلك الدول ولاسيما المفاوضات والمباحثات بشأن تنفيذ ذلك القرار متوقف في جنيف بسبب التعنت الروسي ،واستغلال تنفيذ ذلك القرار بما يناسب مصالحها وهيمنتها في سوريا، وكما أن هنالك الكثير من المسائل والأمور الأخرى التي تمنع تحقيق أي تقارب يؤدي الى التطبيع بين دمشق وأنقرة في الوقت الحالي وهي الحرب في غزة وتبعتها على ما يسمى محور المقاومة التابع لإيران ،وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية وتبعتها على الأزمة السورية ،وتورط الكثير من الدول فيها منها أيران والغرب ودعم الأمريكي للصراع ،وهنالك الكثير من المسائل والأمور التي تعيق تحقيق أي تقارب يفضي للتطبيع بين دمشق وأنقرة. في المحصلة، يمكن القول بأن مساعي التقارب والتطبيع بين دمشق وأنقرة التي تقودها الكثير من الدول لا يمكن تحقيقها في الوقت القريب كون هذه المساعي نابعة من أجل تحقيق المصالح ومعبرة عن صراع الأجندات ، ولا يمكن تحقيق أي تقدم أو التوصل لأي أتفاق يفضي إلى تحقيق التطبيع في الوقت الحالي بسبب تعنت كلاً من دمشق وأنقرة بشروط مسبقة يعتبر التنازل عن أي منها بمثابة التجاوز للخطوط الحمر.