في الأخطاء المنهجية لتناول القضايا المصيرية

صلاح بدرالدين
العجز في التحليل
بداية أؤكد بكل اعتزاز عن وجود طاقات هائلة ومبدعة في صفوف الجيل الناشئ من  بنات وأبناء شعبنا في مجالات الفكر النقدي ، والرؤا السياسية ، والثقافة الملتزمة بقضايا الشعب والوطن ، وانني شخصيا اتابع نتاجهم بشكل منظم ، ولااريد الان الإشارة اليهم بالاسم ، وقد أقوم بذلك في الوقت المناسب .
  ولكن بكل اسف هناك  بعض آخر يعجز عن مواجهة الحاضر بشجاعة ، ويشخص مكامن الخطأ لدى أحزاب طرفي الاستقطاب لاسبابه الخاصة ، ويفتقر الى المقومات الفكرية ، والذهنية لوضع تصور مترابط لحل الازمة الراهنة ، وطرح مشروع للانقاذ والخلاص ، وإعادة البناء ، او دعم مثل هذه المشاريع ، والمبادرات المطروحة من جانب آخرين ، فترى هؤلاء يبدون ولاءهم لمتنفذي هذا الطرف الحزبي او ذاك ، بل ينشرون مواد ، ومقالات في منابرهم الحزبية ثم يكتبون بوستات تتضمن مواقف متلونة ، غيرمفهومة ، وغير حاسمة .
  كما هو ملاحظ اكتفيت بل ركزت بشكل أساسي على مسألة الموقف من أحزاب طرفي الاستقطاب ، انطلاقا من مسلمة أولوية إعادة بناء حركتنا او اداتنا النضالية الوحيدة ، وترميم ماتفكك وانقسم من اجسام الحركة ، ولم اذهب ابعد في تشخيص انجاز مهامنا الأساسية الأخرى القومية منها والوطنية لانها بعيدة المنال بسبب افتقارنا الى اداتنا السياسية النضالية واقصد حركتنا السياسية الموحدة صاحبة المشروع والبرنامج ، والاليات التي ننشد تحقيقها عبر المؤتمر الكردي السوري الجامع .
تخطئة الماضي
   ترى – هذا البعض –  يسلك  اسهل الطرق ( الهروب الى الوراء ) ليحمل الرواد الأوائل ، وسائر مناضلي  العقود الخمسة الأولى المسؤولية الكاملة من دون ان يكون معاصرا لهم ، ومن دون اية معرفة بتاريخهم ، واحوالهم ، وظروفهم ، ليس هذا فحسب بل يعطي الحق لنفسه ليس عن ماحصل قبل خمسين او ستين عاما في عهدهم بل حول مايجري الان من تراجعات ، وجمود ، خصوصا في العشرة أعوام الأخيرة ( المليئة بالتراجعات القاتلة ) ، ويحاول ان يتناسى بكل سهولة  تضحيات ، ومعاناة ، وابداعات ، وانجازات  لاتعد ولاتحصى ، ولاشك كانت مترافقة باخطاء ، واخفاقات أيضا  ، مع الاعتراف ببروز تيارات سياسية أيضا حاولت تحريف مسار الحركة ، ولكنهم وبالغالب وبشكل عام  وضعوا أرضية صلبة ، واسسا راسخة باصعب الظروف ، وبالاعتماد على الذات لمواصلة النضال من جانب الأجيال القادمة ، وقاموا بتحقيق خطوات لايمكن تجاهلها .
إضاعة بوصلة اختيار الاولويات
  لقد كشفت الأشهر والاعوام الأخيرة ان هذا البعض – عن جهل – ربما او بدفع من متنفذي طرفي الاستقطاب ، او جهة ما لاتريد الخير والوئام للكرد السوريين  ، تجد ان اولوياتهم ليست مجابهة انحرافات ، واخطاء ، وممارسات ، وسياسات أحزاب الطرفين ، وتقويم الاعوجاج الحاصل ، والبحث عن حلول للازمة ، والمشاركة في جهود إعادة البناء ، بل صب كل جهودهم – عبر وسائل التواصل الاجتماعي – ضد من يسعى الى توفير شروط عقد مؤتمر كردي سوري جامع لاعادة بناء الحركة ، واستعادة شرعيتها ، ووحدتها ، وهذا امر ملفت بهذا الوقت بالذات حيث مشروع حراك ” بزاف ” بات المحاولة الجادة الوحيدة في ساحتنا ، ومحط انظار غالبية الوطنيين الكرد المستقلين وموضع احترامهم ، ومصدر قلق لمتنفذي أحزاب الطرفين الذين يخشون من فقدان مواقعهم ، وتهديد مصالحهم الذاتية .
ماذا يعني متابعة القضايا المصيرية كمراقب ؟
  من الغريب وغير المنطقي ان تجد هذا البعض يتعامل مع قضايا شعبنا المصيرية من أبراج عاجية ، ومن موقع المراقب و ليس المشارك ، ومن مفهوم زائف باحقيته في توجيه ليس النقد فحسب بل اللوم ، والاتهام ،  والتقريع واحيانا التخوين للاخر من دون أي تخويل شعبي او تكليف ، معتبرا نفسه ( هذا البعض ) فوق كل شيئ ، من تاريخ ، ومقدسات ، ومسلمات ، ومنطق ، وقوانين صراع الاضداد .
قراءة الحدث من منطلق المواقف المسبقة
  تجد بين هذا البعض من يحمل مواقف مسبقة عن الحزب الفلاني ، والشخص الفلاني ، والجماعة الفلانية ، ويتم استخدام ذلك في كل ما يكتب ، وهذا امر منافي للعقل السليم ، والمنطق ، والتحليل العلمي الموضوعي ، فليس كل مايسمع الانسان خلال نموه العمري صحيحا ، وليس دقيقا حتى ماتتناقله اخبار – الشارع – او ما تعممه وسائل اعلام حكومية ، او حزبية ، لانه يجب ان نعترف باننا جميعا وبسبب تدني الوعي بالغنا أحيانا في مراحل سابقة با التهجم على البعض الاخر حتى لو كان ذلك بنيات سليمة ، واهداف سامية .
عندما يتم شخصنة النقاش حول قضايا الخلاف
  طريقة تعاطي هذا البعض في أمور النقاش حول القضايا المصيرية خاطئة ، وغير مجدية ، فلدى التعامل مع نص مكتوب مثلا لايتم قراءته واستيعابه ثم مناقشته بهدوء وحرية كاملة ، بل تتوجه الأنظار الى كاتب النص مباشرة وفقط ثم ( يحاكم ) انطلاقا من موقف مسبق استوطن الذاكرة ، وترسخ فيها .
  تجربتي في هذا المجال ( مجال شخصنة القضايا ) تحمل الكثير من العبر ، وعلى سبيل المثال ومن دون الذهاب بعيدا ومنذ الإعلان عن حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، كنت قد أعلنت وكتبت مرارا عن انحيازي لهذا الحراك ، وايماني بمشروعه ، ويقيني انه سيكون الحل النهائي لازمة الحركة الكردية السورية ، وابديت مرارا اعجابي بجميع نشطاء هذا الحراك ، وبصدق نواياهم ، وتفانيهم ، واستقلاليتهم ، كما حرصت على التأكيد مرارا انني لست ابحث – وانا بهذا العمر – عن مواقع ، وزعامات لان تاريخي النضالي لاكثر من ستة عقود يكفيني ، كما انني انسحبت طوعا من رئاسة اهم حزب لافساح المجال للدماء الجديدة ، وأعلنت انني اضع كل خبرتي تحت تصرف نشطاء الحراك ، ولست مرشحا لقيادة احد ، ولم اطرح نفسي بديلا لاحد ، او منقذا ، ومع ذلك يصر هذا البعض وفي كل مناسبة على تناسي مشروع ” بزاف ” وعدم الادلاء بمواقفهم حوله وما هو الخطا والصواب بمواد المشروع ، فقط الإشارة الى اسمي ثم رفضي كمنقذ ، وقائد وهذا لم ادعيه ابدا في كل حياتي السياسية ، انصح هؤلاء اما ان يساهموا إيجابيا ، ويطرحوا مواقفهم حول المشروع او يسكتوا .
  نعم ازعم بتوفر جزء متواضع من الكفاءة على الصعد الفكرية والثقافية ، والسياسية ، واستخدمتها سابقا مع رفاقي الثلاثة والثلاثين في كونفرانس الخامس من اب ١٩٦٥ ، في عملية التحول ، وتصحيح المسار ، وإعادة تعريف الشعب والحقوق ، والقضية ، والعلاقات الوطنية ، والقومية والاممية ، والان اقدم مالدي من خبرة ومعرفة من اجل إعادة بناء الحركة من جديد ، وعاهدت نفسي وشعبي ووطني ان اقف دائما مع التغيير الديموقراطي المدني  ، والتطوير ، واستقلالية القرار ،  والوحدة في اطار الاختلاف ، وقبول المقابل المختلف ، واتخاذ الحوار السلمي سبيلا للتفاهم ، والتعاون المثمر ، والتلاحم الكفاحي مع شركاء الوطن لتحقيق سوريا ديموقراطية تعددية ، بنظام سياسي يختاره الشعب ، ويكفل مشاركة الجميع ، ويضمن حقوق الجميع في الدستور الجديد ، بمافي ذلك الحقوق المشروعة لشعبنا الكردي حسب ارادته في تقرير مصيره السياسي والإداري ضمن سوريا الجديدة الموحدة .
  نعود لموضوعنا الرئيسي لنقول : لاشك ان هناك المزيد من مكامن الخطأ في تناول قضايانا الاستراتيجية ، والزمن كفيل بتصحيح الأخطاء ، وسلامة المسار .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…