عن ثنائية الداخل /الخارج في الحركة الكردية السورية ؟

 

اكرم حسين 

 

بداية ، ليس الهدف من هذا المقال تأجيج الجدل  القائم حول ثنائية  الداخل/الخارج في الحركة السياسية الكردية، ولا الانتصار لفريق ضد آخر؛ لكنه محاولة لتقديم قراءة تستحضر معظم المعطيات الذاتية و الموضوعية، خصوصا، بعد ما يثار من لغط اعلامي واسع حول ثنائية الداخل/الخارج في الحركة السياسية الكردية السورية ، ولهذا نسارع القول : بان البنية التنظيمية لأحزاب الحركة الكردية  قد مرت بتطورات مختلفة ، لكنها احتفظت بمعطيين رئيسيين على طول الخط:
الأول: ارتكز الثقل التنظيمى في هذه الاحزاب قبل 2011 في الداخل باعتباره  ساحة العمل الرئيسية.
الثانى: استمر هذا الثقل التنظيمي، وتحول الى الخارج مع  تركيز الثقل القيادي في الداخل، نتيجة الظروف الموضوعية الخاصة بسوريا، مع الاخذ بالاعتبار  طبيعة الدور الذى اضطلع به الخارج في المراحل اللاحقة.
تطرح الان تساؤلات مشروعة حول طبيعة العلاقة بين القيادة في الداخل والقيادة فى الخارج، وما هي الجهة التي يجب تمكينها، وحظوظ المواقع الجغرافية المختلفة من حيث الأولوية في ترجيح القرار، وحسم مساراته ، وخياراته الاستراتيجية ، في ظل المرحلة الاستثنائية  التي تمر بها المنطقة الكردية بشكل عام وسوريا بشكل خاص، وهذا لا يعبّر عن الواقع الفعلي للحركة الكردية  بالمعنى السياسي، لكنه لا يعفي ايضاً بعض القيادات الخارجية التي لم تستطع تأمين الدعم الخارجي، وتبادل الخبرات مع المنظمات الدولية والانسانية.
الجدل بين الداخل والخارج في العمل السياسي والتنظيمي هو موضوع معقد وشائك، يثير الكثير من التساؤلات والتفاعلات في الساحة العامة والسياسية على حد سواء، ويتمحور هذا الجدل حول الاستراتيجيات والتكتيكات التي يستخدمها الناشطون والسياسيون في تحقيق أهدافهم السياسية أو النضالية كما تختلف وجهات النظر حول ما إذا كان يجب أن يكون التأثير والتغيير داخل النظام القائم أم خارجه؟ .
النقاش حول ما إذا كان يجب على النشطاء التركيز على العمل الداخلي أو الخارجي ليس مجرد نقاش حول الاستراتيجيات الفردية، بل يمكن أن يكون أيضًا نقاشًا حول النظرة الاستراتيجية والفلسفية للتغيير الاجتماعي والسياسي. حيث تؤمن الجماعات والحركات السياسية بأنه من خلال تغيير النظام من الداخل يمكن تحقيق التغييرات الجذرية والمستدامة، بينما ترى الحركات الخارجية أنه من خلال زعزعة النظام القائم وإجباره على الاستجابة للمطالب الشعبية يمكن تحقيق التغيرات الجوهرية .
على الرغم من وجود هذا الجدل، فإن العديد من الحركات والأحزاب السياسية يتبنون استراتيجيات تجمع بين العمل الداخلي والخارجي لتحقيق أهدافهم. فمثلاً، قد تقوم حركة برلمانية بالعمل داخل النظام لتقديم القوانين والسياسات المطلوبة، في حين تستخدم حركات احتجاجية اخرى خارج البرلمان لزيادة الضغط ورفع الوعي بالمسائل التي تعمل على تغييرها.
كما  يظل جدل العيش في داخل الوطن مقابل العيش في خارجه في العمل السياسي والنضالي ايضاً مسألة معقدة واشكالية، وتتطلب توازناً دقيقاً بين الاستراتيجيات الفردية والجماعية والظروف السياسية والاجتماعية المحيطة. لان الهدف الأساسي هو تحقيق التغيير الإيجابي والمستدام في المجتمع، سواء كان ذلك من خلال العمل داخل الوطن أو خارجه، وذلك بالتنسيق والتعاون بين مختلف الأطراف المهتمة بالتغيير الاجتماعي والسياسي.
من هنا فان تفاقم التناقضات التنظيمية بين الداخل والخارج في الاحزاب الكردية السورية هي بعض تمظهرات مسارات المأزق التاريخي الذي انوجدت فيه هذه الاحزاب في المراحل الاخيرة من عمرها الطويل نسبيا، وما نتج عنه في العلاقات داخل التنظيم الواحد من اختلاف في المصالح والرؤى ، وتصاعد في اشكال التوتر والصراع وصولا الى الانقسام الذي لا بد ان يحصل في نهاية المطاف، بسبب استسهال اتهام قيادات الداخل بالخضوع لتأثير السلطات الحاكمة ووسمها بالجبن والخوف من الاعتقال او التصفية، ومحاولة اظهار الخلاص وربطه بالخارج الذي هو بمنأى عن ذلك ؟ هذا الخارج الذي يهدف الى تهميش دور الداخل ، والحد من فعاليته او اخفاء بعض المسارات التي يرتبط بها البعض ممن ارتبطت مصالحه مع سرر الاخرين …!
ان هذا الجدل المرتبط بثنائية الداخل/ الخارج يعمل في اطار خطاب تحريضي يؤجج كافة اشكال الخلافات في الاحزاب دون ان يعي عواقبها ؟ او قد يكون البعض يعمل عن سابق قصد وتصميم ؟ فهل يدرك اصحاب هذا الرأي خطورة التحديات التي يواجهها  يومياً من في الداخل من عسف وهدر وانتهاك ؟ لكن اصحاب نظرية الخارج اولاً، يبررون ذلك بقصد واع عبر الافتراضات والاشتراطات والصور النمطية والموروث العام حتى ولو كان خطأ ؟
ان مجرد طرح الموضوع وايلاء الخارج الاهمية القصوى على حساب الداخل هو في حد ذاته نزوع سلبي يثير الشك والريبة، ويشير الى مصالح شخصية او فئوية ، ويظهر تميزا واضحا وتحريضا على الكراهية على مائدة السياسة الكردية السورية، رغم ان الكثير من هؤلاء يعلم ان ظروف العمل السياسي في الداخل، وفي ظل سلطات غير شرعية، وعدم وجود حريات و قانون احزاب هو غير مثالي ، ورغم ذلك يعمل الكثير من قادة الداخل،  وهم يحملون دمائهم في اكفهم ، ويتحدون الة القمع والاعتقال متحدين كل الظروف الصعبة التي تواجههم …!
تعتمد اشكالية الداخل/ الخارج في الحقيقة على افتراض مسبق مفاده تفسير واحد لا لبس فيه بان هناك فرقتين متناقضتين ان لم تكن  متصارعتين، وهذا يتماهى مع الخارج ،  لكن ، في حقيقة الامر ، انهما متكاملان، و السخرية و الخوف والجبن في هذا السياق  قول مشين يمكن ان يؤذي احدهما الاخر فكلاهما لا يستحوذ على الحقيقة…!
يعتقد اهل الخارج بانهم الصائبون سياسيا ومعرفيا لانهم بمنأى عن اية ضغوطات سياسية او امنية، لكنهم ينسون في الوقت ذاته بانهم محكومون بالمجتمعات التي يعيشون في ظلها ؟ وانهم لا يستطيعون ان يقدموا او يفعلوا شيئا اضافيا اكثر من اهل الداخل لعدم تملكمهم الوقت وضرورة تعلم اللغة، وصعوبة العمل والاندماج في بنية  تلك الدول ؟
ثمة مستوى يمكن ان يظهر فيه ارتباط الداخل بالخارج او العكس واظهاره ضروري اذا اردنا ان نخرج من الاقوال المجردة الخالية من الحياة ..!
يتسبب الاهتمام واعطاء الاولوية للداخل في ازعاج البعض من الاشخاص، والحد من تحركاتهم الخاصة ، ممن خرج بملء ارادته ويسعى للعب دور قيادي …؟ لكن ما اود توضحيه ، لماذا انعدام الثقة بالداخل من قبل هؤلاء ؟ فكل ما يقال عنهم غير صحيح، ولنأخذ المجلس الوطني الكردي كمثال: هل يعمل كمكافئ ندي  لادارة ب ي د رغم كل وسائل القمع والاعتقال والترهيب ام لا  ؟.
ان نقد قيادة الداخل ونعتها بالخوف والانتهازية هو مثير للسخرية في تفسيرات ابطال الخارج الذين يجب ان يحاولوا جذب الجمهور الكردي وتكوين مشهد جديد؟ وهنا يستحضرني السؤال التالي هل يستطيع اهل الخارج تجاهل نضالات ومواقف الاشخاص الذين يعانون يوميا على الجغرافيا الكردية في سوريا، اعتقد بان القضية لا تحتاج الى أي اكتشاف او دهاء لمعرفة ذلك؟
هناك حد فاصل ودقيق بين الذي يحدثه العيش في الداخل /الخارج لانه لا يمكن التماثل بينهما ” فلكل نمط من المعيشة نمط من التفكير” حسب التفكير الماركسي وهذه هي الاشكالية التي تولد الجدل المتجدد في التوجه الوطني العام فالإقامة الطويلة في الخارج ،  والعيش في الامان والاستقرار ،  والانغماس في الملذات، وعدم مواكبة التفاصيل،  والتفاعل معها عن قرب تجعل المرء يبتعد عن مشاكل الناس/ الكرد الحقيقية التي لا يتلمسها الا من يكون جزءا منها ؟؟!
هل يحاول دعاة ” ثورية “الخارج ان يتبنوا فكرة تفوقهم  وكفاحيتهم  على الداخل ؟ وهل تستخدم لتبرير تقاعسهم ،وتقويض الانتقادات الموجهة لهم ؟ من وجهة نظري ليس هناك اي تعارض في نهاية المطاف بين العمل في الداخل والخارج ،  فكل داخل يصبح خارجا وكل خارج يصبح داخلا بمعنى من المعاني في انعكاسه المباشر،  وهما يكملان بعضمهما البعض . فكلاهما جزء من العمل الكفاحي والسياسي الذي يخوضه الشعب الكردي في سبيل تحرره ، ونيل حقوقه القومية ، لكني مضطر للقول بان الاهمية يجب ان تكون للداخل لأنه الاكثر التصاقا بما يجري والاكثر مشقة وصعوبة ، لا بل الاكثر خطورة، وخاصة في ظل وجود سلطات استبدادية وقمعية وغياب القانون، وعدم احترام الحريات وحقوق الانسان ، وهذا ما ينبغي دعمه ومساندته بكافة الاشكال الممكنة لا وضع العصي في الدواليب …!
تلصق تهمة الخنوع والخضوع لسلطة ب ي د  لمعظم من يعارض سياسة الدولة التركية تجاه الكرد ، ويفضح انتهاكات مجموعاتها المسلحة في عفرين وسري كانيه ، وعدم قيامها بواجبها كدولة احتلال في ضبط الامن والاستقرار، وتحسين الوضع المعيشي والخدمي، وهي تهم غير صحيحة ،ليس دفاعا عن هؤلاء، بل لانهم لا يتوانون عن ادانة ممارسات ب ي د وسياسته المتبعة بشفافية  على طول الخط ، رغم كل المخاطر والاعتقالات، وفي هذا السياق فان الثكنة الاخيرة في وجه محاولات سحق القومية الكردية هم المتشبثون بالأرض واصحاب الجذور الذين تربطهم بالمكان  علاقات تاريخية ، رغم كل التقييدات الصارمة والمضايقات اليومية، وهكذا يحتاج نشاطهم وتحركهم الى دعم ومساندة واسعة من الخارج في مواجهة اعداء الكرد الاساسيين ومغتصبي حقوقه …!
في ظل هذا الاستنقاع والتعفن الحاصل في الشأن السوري وما يعانيه شعبنا في الداخل، نحتاج الى الثقة التي تمنح التنظيمات والقوى الكردية استقرارها وتوازنها، ودون ذلك ستنشأ المشكلات التي لا حل لها، وفي هذا ادعو الى توافق الطرفين من اجل تمثيل الخارج بشكل متوازن ومدروس، وبما يقع في الصالح العام …!  صحيح بان التوزع الكمي لكرد سوريا بين الداخل والخارج مهم، لكن المسألة الجوهرية في الاحزاب وبرامجها يرتبط بالداخل، وهو المستوى الذي تتحقق فيه هذه البرامج، وتتنافس على الانتخابات في حال حصولها لفرض سيطرتها على الاجهزة والمؤسسات التشريعية والتنفيذية ..!
من الواضح بان هناك خلل في تصدير الموضوع بالشكل الذي يتم، لأنه يؤدي الى اتساع الفجوة اتساعا كبيراَ، في الوقت الذي تتقوض فيه اهمية العمل الدبلوماسي في الخارج ، وتتضاءل فرصه وخير من يؤكد ذلك  اللقاءات التي تتم مع دول مثل امريكا وفرنسا وبريطانيا او عبر منصات التواصل الاجتماعي في مدن كالقامشلي والحسكة او غيرها من كردستان سوريا
لا يمكن للواقع العياني ان يتغير بعيدا عن معاناة الجماهير وهمومهم اليومية، وقد يبدو هذا القول راديكاليا بإفراط، ومستفزا للبعض، لكنه يعبر عن صيرورة النضال وافاقه المستقبلية
عود على بدء.
 اطلاق الاحكام لمن يدعو الى تعزيز سلطة الداخل في قيادة الاحزاب الكردية السورية واتهامها بالالتزام بالخطوط الحمر للسلطات المتنفذة، وفي هذا الوقت بالذات،  فيه بؤس شديد ، لأنها لم تساوم حتى الان على الاقل في مواجهة كافة الممارسات التي تحصل رغم كل المخاطر المحدقة بهذا العمل، في الوقت الذي لم يقدم الخارج الدعم المادي والاعلامي والمعنوي اللازم من اجل تقوية الجبهة الداخلية، وكأمثلة ، لماذا لا يتم تشديد العمل السياسي والدبلوماسي والاعلامي في الخارج ؟ اين دور الخارج في فضح الانتهاكات والجرائم التي تحصل بحق الشعب الكردي ؟ ما هي النشاطات التي يقوم بها الخارج ؟ اين هي الوقفات الاحتجاجية التي ينفذها في هذا السياق ؟ ما هو الدعم المقدم الى الداخل ؟ ما نسبة الكرد الملتزمين بالاحزاب في الخارج ؟ لماذا لا يتم تشكيل لوبي كردي في اوربا وامريكا وبريطانيا وتركيا وغيرها من الدول؟ هي اسئلة كثيرة معلقة برسم انصار الخارج ؟
كل الاتهامات التي توجه الى الداخل وتطالب بإعطاء الاولوية للخارج، واتهام الداخل بعدم القدرة على التعبير عن واقع الالم الذي يعانيه شعبنا الكردي، وتحمل الصعوبات والضغوطات غير دقيقة، وتنم عن عند جهل وعدم  معرفة بالواقع  او تحمل توجهات معينة تقع في دائرة المصلحة الشخصية. فالمشكلة ليست في ثنائية الداخل/الخارج، وايهما اكثر عددا او تمكيناً  بالقرار لان كلاهما ينتمي الى ذات التنظيم، وتحكمه سياسات ولوائح ناظمة سواء في حزب اوفي  اطار، بل في العقلية التي تمارس السياسة وتحررها من القوالب الكلاسيكية الجاهزة ، بما ينسجم مع روح العصر، ومتطلبات المرحلة التي فيها. لا بد من رجحان كفة الداخل ومرتكزاته مع عدم تغييب الخارج  وتمثيله تمثيلاً وازناً، وخاصة ممن لم يفقد صلاته وعلاقاته مع كردستان سوريا وهموم شعبها ، بعيداً عن الهيمنة السياسية او استلاب القرار او تحويلها الى عبء على كاهل الشعب الكردي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…