عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
سواء أراد النظام الدكتاتوري للملالي أم أبى فهو في طريقه للإطاحة به، وانتفاضة الشعب الإيراني تمضي قدمًا. لأن الشعب الإيراني يرفض هذا النظام رفضاً باتاً. ولا يمكن لأي قوة أو حكومة أن تسهم في إنقاذ أو إفلات نظام ولاية الفقه الحاكم من هذا “المصير المرير”.
ولعلّنا نستطيع القول بشكل عام أن السبب وراء الوصول إلى هذه النقطة هو أنّ الثورة الشعبية الإيرانية ضدّ ديكتاتورية محمد رضا شاه بهلوي التي نجحت في عام 1979 قد تمّ استبدالها بديكتاتورية دينية، وهي أسوأ أنواع الدكتاتوريات التي فرضت نفسها على الشعب الإيراني
وهذا الاستبدال متجذر في فجوة عميقة يعاني منها المجتمع الإيراني. وسرعان ما بادر التيار الرجعي الحاكم بقيادة خميني بقمع القوى الواعية والسياسية في المجتمع، والتي كان بإمكانها حماية إنجازات هذه الثورة وتوجيهها نحو إحداث تغيير جذري في المجتمع! وهذه هي بداية “الحقيقة المُرّة” في المشهد السياسي الإيراني. هذه القوى، التي كانت منظمة مجاهدي خلق هي القوة المحورية فيها؛ قد تم قمعها بواسطة دكتاتورية الشاه وتعرضت لضربات مميتة!
لذلك، في بداية حكم النظام الديني الحاكم، كان التهديد الرئيسي للمجتمع هو الاستهانة بهذا النظام الرجعي، الذي انتشر من خلال استغلال عنصر “الدين”. وهو التيار الذي لا يزال يستولى على السلطة عنوة في إيران!
بداية إرهاب الدولة
بما أن خميني وتياره الرجعي الذي أصبح الآن حاكماً في إيران، وجذب الاهتمام الدولي إليه؛ لم يكن لديه أي حلول لمشاكل المجتمع، فإنه جعل من قتل المعارضين على رأس أولوياته. وهكذا بدأ الإرهاب، الذي كان وجهاً من وجوه توسعية الدكتاتورية الدينية؛ يترسخ بالتدريج ويتجاوز كل الحدود المعروفة، وتتزايد أبعاده وأساليبه كل يوم!
أضفى هذا التيار اليميني الرجعي، الذي وصل إلى السلطة في إيران من خلال استغلال المشاعر الدينية، ودائماً ما كان يتعاون وينسق مع الدكتاتورية؛ على قتل المعارضين شكلاً “حكومياً” مما يجعله أكثر “خطورة” من أنواع الإرهاب الأخرى. ولم يُطلق على هذا النظام لقب “الراعي الرسمي للإرهاب في العالم” من فراغ.
بدأت تصفية المعارضين جسدياً في إيران من داخل البلاد. ثم تجاوزت الحدود الدولية ووصلت إلى بلدان أخرى. كان اغتيال المعارضين الإيرانيين مدرجاً في الملف الأول لأهداف النظام الديني الحاكم. ولكن في السنوات التالية، أضيفت إليه ملفات أخرى. وكانت المحاولة السرية للنظام الإيراني هي الحصول على “القنبلة الذرية” امتداداً لإرهاب الدولة، حتى يمكن من خلال تسليحه التحكم في مصير المجتمع الدولي، ولو لم تكشف مقاومة الشعب الإيراني عن هذه الخطة السرية لكانت الأمور مختلفةً تمامًا!
أحدث عمل إرهابي كبير
رغم أن المجتمع الدولي يتجاهل حتى الآن “قضية إرهاب النظام الإيراني”، وشهدنا في الأشهر الأخيرة نماذج مريرة لهذا الإرهاب في الدول الأوروبية، إلا أن محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها دونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة، في بنسلفانيا يوم السبت 14 يوليو 2024 ؛ حوَّلت الأنظار مرة أخرى إلى الإرهاب الذي يتبناه النظام الإيراني.
على الرغم من أن هناك العديد من الملفات غير المفتوحة للإرهاب الحكومي للنظام الحاكم في إيران خارج حدودها، والسبب الرئيسي في ذلك هو ” سياسة التواطؤ مع هذا النظام الديكتاتوري”، إلا أنه بلا شك سيأتي يوم تُفتح فيه هذه الملفات وسيكشف النقاب عن أسرار هذه الأحداث الإرهابية. وهو يوم انتصار الشعب الإيراني على الدكتاتورية الدينية!
أمثلة على هذا الإجراء
من الواضح أن الإرهاب هو علامة على ضعف أي حكومة، لا على قوتها. كلما كان الإرهاب أكبر، كلما كان ذلك يعني ضعفًا وهشاشة أكبر! وستكون لمحاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق، المرشح الآن لرئاسة الجمهورية؛ تأثيراً مباشراً على المعادلات المستقبلية. وكتبت صحيفة نيويورك تايمز في هذا الصدد: “تسببت التقارير التي تشير إلى تهديدات النظام الإيراني ضد مسؤولين في إدارة ترامب، من أمثال وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون؛ في أن يُنظر في توفير الحماية الحكومية لهم حتى بعد مغادرتهم الحكومة”.
قال جون بولتون في مقابلة مع شبكة سي إن إن، حول مؤامرة الولي الفقيه لاغتيال ترامب: ” إن النظام الإيراني متعطش للانتقام منذُ أنْ قضى ترامب على قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لقوات حرس نظام الملالي”.
تغيير أسلوب الاغتيال!
على الرغم من أن النظام الإرهابي الحاكم في إيران كان ينفذ أعماله الإرهابية في السنوات الأولى من خلال إرسال الإرهابيين من داخل إيران، إلا أننا نشهد في السنوات الأخيرة أن هذا النظام يسعى لتحقيق أهدافه من خلال إرهابييه في الخارج. وهذا شكل معقد من أشكال الإرهاب الذي يتبناه نظام ولاية الفقيه.
كتبت صحيفة “لوموند” الفرنسية في عددها الصادر في 14 يوليو 2024: نجا ألخو فيدال كوادراس، الزعيم السياسي الإسباني والنائب السابق للبرلمان الأوروبي، في 9 نوفمبر من العام الماضي؛ من محاولة اغتيال في وضح النهار في مدريد. واتهم السيد ألجو فيدال النظام الإيراني على الفور”. لم يكن الفريق الإرهابي إيرانياً، ولكن كان يتم توجيههم بواسطة النظام الإيراني!
وكتبت صحيفة “فرانكفورتر ألجماينه” الألمانية في عددها الصادر في 16 يوليو 2024: “النظام الإيراني يستخدم عصاباته الإجرامية لتنفيذ خططه الإرهابية لإنكار أي مسؤولية وتجنب العواقب الدبلوماسية”.
إن الأعمال الإرهابية التي يقوم بها النظام الإيراني لا تعرف حدوداً، وهي تحدث على جانبي حدود إيران منذ البداية. كتب اثنان من أعضاء البرلمان الأرجنتيني في مقال مشترك في صحيفة “إنفوباي” في عددها الصادر في 18 يوليو 2024 بمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين للتفجير الإرهابي في آميا: “كما تظهر الأدلة التي تم جمعها في القضية، فإن الهجوم على آميا كان عملاً إرهابياً نظمه وأخرجه النظام الإيراني. ومما لا شك فيه هو أن الوقت قد حان لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب”. تتصدر الأخبار والمواقف المتعلقة بإرهاب نظام الملالي الصحف في أمريكا اللاتينية والأرجنتين، هذه الأيام، بمناسبة الذكرى السنوية للتفجير الإرهابي في بوينس آيرس.
تكتيكات نظام الملالي في الإرهاب!
إن النظام الإرهابي الحاكم في إيران مرعوب تمامًا من وصول دونالد ترامب إلى السلطة. إن أحد أساليب إرهاب الدولة هو أنه “يرتكب اغتيالات” لكنه “ينفي تورطه” أو حتى “يدين ما حدث”. وهذه صيغة مجربة للنظام الإيراني. ونجد في تصرفات وتصريحات قادة نظام الملالي، بما في ذلك تصريحات خامنئي نفسه، أدلة كثيرة على تورط هذا النظام الفاشي، لا يمكن إنكارها أو التستر عليها. ففي يناير2022، أغلقت شركة تويتر (X) حساب خامنئي نهائياً لنشره فيلم رسوم متحركة عن اغتيال ترامب وبومبيو.
الكلمة الأخيرة!
إن الإرهاب سجية فطرية في نظام ولاية الفقيه للملالي، نظراً لأن هذا النظام لا ينتمي إلى المجتمع البشري. والجدير بالذكر أن محاولات إعادة الإرهابيين المعروفين إلى إيران؛ من بين الوثائق التي تؤكد هذه الحقيقة. ففي هذا العام، أعيد الدبلوماسي الإرهابي أسد الله أسدي، الذي أدين في المحكمة البلجيكية، إلى إيران. ثم في آلية متكررة، أُعيد الجلاد حميد نوري، إلى إيران من السويد! وتعتبر إيران في ظل حكم الولي الفقيه مركزاً لتربية وتجمع الإرهابيين. إن ما قيل حتى الآن عن إرهاب النظام الإيراني ما هو إلا غيض من فيض. والحقيقة هي أن كل من المؤامرات، واحتجاز الرهائن، والتدخل في شؤون الدول، وإشعال الحروب، ومحاولة إنتاج القنبلة الذرية؛ يمثل قضية من قضايا هذا الإرهاب. وتفيد المعلومات التي تم جمعها بأن سفارات هذا النظام متورطة في التخطيط للعمليات الإرهابية التي يمارسها هذا النظام. ولذلك فإن الدعم العملي للشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية أمر ضروري. ولا تدعوا إرهاب الدولة ينال من منازلكم.
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني