صلاح بدرالدين
التهرب من مواجهة الحقيقة ، والتضخيم الإعلامي الحزبي ، وتوجيه الأنظار اما الى الخارج ، او الى الأمور الهامشية ، ومواصلة تضليل الشعب ، واخفاء الحقائق عنه ، ولان الأحزاب ، والكيانات التي تدعي المعارضة زورا اصبحت وسيلة – تجارية – لاغتناء المتنفذين فيها فبات الحزب أولا ، وقضايا ومصائر الشعب بالدرجات الأخيرة ، ماهو سائد ، ومتحكم خارج نفوذ نظام الاستبداد ، دفع الناس الى التفكير بعودته بكل اجرامه الفظيع ، ثقة المواطنين العادين ، ومختلف أطياف جمهور الوسط الوطني الكردي ، وفي البيئة الوطنية الحاضنة لمعارضي النظام ، تزعزعت ان لم تكن انعدمت كليا بكل الأحزاب ، والتنظيمات ، والميليشيات ، والكيانات ، وسلطات الامر الواقع .
هذا هو المشهد ( المحزن ) على ارض الواقع ، وهذا هو عنوان المرحلة المخفي عن الناس في بلادنا ، ولكن لماذا ؟
أولا – في الوسط الكردي
١ – تستمر احزاب طرفي الاستقطاب ( ب ي د – انكسي ) ومن يلف لفهما في السير قدما حسب القواعد التفاهمية المرسومة ، بالحفاظ على الامر الواقع من دون أي تبديل ، وعدم التساهل مع اية محاولات ترمي الى اصلاح الوضع الكردي ، وإعادة بناء ما تفكك من الحركة السياسية الكردية السورية ، وعرقلة ظهور أي مشروع قومي – وطني وبرنامج عملي لعقد المؤتمر الكردي السوري الجامع .
٢ – سد الطريق على إمكانية أي حوار كردي – كردي سوري ، للإبقاء على الحوار الجاري بين المحاور الكردستانية بشان مصير الكرد السوريين ( بالنيابة ! ) منذ اكثر من عقد من الزمن ، تكريسا للتبعية ، ومصادرة للقرار الكردي السوري الوطني المستقل ، وهذا التوجه ( الحزبوي الآيديولوجي الانتهازي ) اللاقومي ، واللاوطني ، واللاديموقراطي من اخطر مايواجه شعبنا وقضيتنا في هذه المرحلة .
٣ – أحزاب الطرفين وتوابعها قررت عن سابق إصرار حرمان الكرد السوريين من واجب الدفاع عن قضاياهم ، بعد افتقارهم الى الأداة السياسية الديموقراطية المدنية الموحدة ، والوسيلة النضالية المركزية الشرعية المنتخبة ، وتغييب دورهم الوطني على مستوى البلاد ، وعدم إيجاد موقع لهم في النضال الثوري عبر التواصل والتفاعل ، والتضامن مع كل بؤرة ثورية سلمية لاحياء الثورة السورية المغدورة بشكل جديد كما هو حاصل الان في السويداء على سبيل المثال .
٤ – مازالت أحزاب طرفي الاستقطاب وتوابعها تمضي في طريق تضليل الكرد والسوريين عموما عندما تزعم انها تعادي النظام ، وتعمل من اجل التغيير ، وإيجاد البديل الديموقراطي ، فاحزاب سلطة الامر الواقع – ب ي د – وقسد ،وكل مسمياتها ظهرت عبر التسليم والاستلام ، ومحاربة الثورة السورية ، ومازالت الأقرب الى النظام وكذلك الى نظام ايران ، اما أحزاب – الانكسي – التي تدعي انها مع اسقاط النظام في حين انها تابعة على المستوى الوطني للائتلاف ومشاركة في مؤسساته ، ولكن الائتلاف ليس مع اسقاط النظام بل يتحاور مع وفوده، ويسعى الى الشراكة معه مستقبلا هذا اذا قبل النظام ذلك .
٥ – من ذيول ونتائج الأداء الكارثي لاحزاب طرفي الاستقطاب ، ابتلاء المجتمعات الكردية بظواهر مرضية سياسية واجتماعية ، اضافة الى مخاطر احتلالات الدول والميليشيات المسلحة لبعض المناطق ، استفحال العشائرية ، والمناطقية ، وازياد وتيرة الهجرة – الانتحارية – وتكاليفها المادية الباهظة ، وانتشار الانتهازية بين متزعمي بعض المجموعات والحزيبات ، وتعمق الروح الانتقامية المشبعة بثقافة الانشقاق ، والمصبوغة باللون المناطقي الواحد ، وخطاب المبالغة المفرطة فمثلا تجد – حزيبا – لايتعدى أعضاؤه أصابع اليدين ينشر بلاغات عن ( موضوعات ) مؤتمره المرتقب حيث يذكرنا ( بموضوعات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الذي كان يبلغ أعضاؤه الملايين ، ويقرر مصير السلم والحرب بالعالم ، ) وفي حقيقة الامر فان ( موضوعاته ! ) لاتتعدى كيفية زيادة مخصصاته لدى احد اطراف الاستقطاب او الطرفين معا ، ولان أحزاب الطرفين واتباعها لايمتلكون قضايا نضالية لمناقشتها يتوجهون الى الخارج حيث تحول معظم مسؤوليهم الى خبراء في مسائل كركوك ، والمناطق المتنازعة عليها ؟؟؟؟؟ .
٦ – اما المتعلمون الكرد السورييون من أصحاب الشهادات ، والحرف ، والادباء ، والكتاب ، والطلاب فهم اخواتنا واخوتنا وابناؤنا ، حيث يطلق البعض على كل هؤلاء صفة المثقفين ، والبعض الاخر يشترط توفر مزايا مثل الالتزام بقضايا الشعب والوطن ، في كل الأحوال هناك من انطلق من قلب المعاناة ، وتثقف في اطار الحركة النضالية الكردية ، وبالتالي كان جزء من الحالة القومية ، وحمل مبادئها بطريقته الخاصة ، واسلوبه الذاتي ، ويستحق هذا بجدارة صفة المثقف ، وهناك من ظهر من خارج ( السور ) كمايقال ، بعضهم أصاب ، واكثرهم اخطأ ، وهؤلاء الأخيرون بسبب افتقارهم الى الحصانة القومية والوطنية ، والتربية النضالية والثورية ، شكلوا عبئا إضافيا على كاهل الحركة ، وفاقوا المسؤولين الحزبيين تبعية ، وفسادا .
ثانيا – على المستوى الوطني
١ – البقعة المضيئة الوحيدة الان في مشهد بلادنا المظلم هي – حراك أهلنا بالسويداء – هذا الحراك الذي مازال يحتاج من اجل ان يستمر ، ويحقق الإنجازات ، وينجح في تحقيق أهدافه ، وشعاراته ، الى تحويله من ثورة سلمية مدنية في محافظة واحدة الى ثورة وطنية شاملة ، وهذا واجب يتحمله كل الوطنيين السوريين ، وليس فقط ثوار السويداء .
٢ – شركاؤنا من معارضي النظام ، وبدلا من اجراء مراجعة بالعمق حول نكسة الثورة السورية والغدر بها ، وتصحيح المسار ، والعمل على توفير شروط المؤتمر الوطني السوري الجامع ، والالتفاف حول – حراك السويداء – دعما واسنادا ، نراهم بكل اسف كما كانوا عليه قبل عشرة أعوام ، بعضهم مازال اسيرا لثقافة العنف ، ومرض التسلح ليس من اجل التحرير بل في سبيل الاعتداء على الاخر ، ورهن البندقية للايجار ، والتبعية لاوامر الخارج من المانحين .
٢ – استمرار البعض الاخر في افتتاح الدكاكين الجديدة تحت اسم ( تجمعات – مجالس – جمعيات – أحزاب – كروبات …) من دون التحاور الجاد مع البعض الاخر ، فترى مجموعة مثلا تدعوك الى مؤتمرها كضيف ، وكانك غريب وطارئ ، في حين انها المضيف ، واللجنة التحضيرية ، وعليك ان تبصم على بيانها الختامي الذي لايعبر عن مواقفك ، من دون أي اعتبار لمبدا الشراكة الديموقراطية ، والعيش المشترك بوطن واحد يضمن حقوق الجميع ، فبماذا يختلف هؤلاء عن حزب البعث الحاكم ؟ .
٣ – بعض اعلاميي المعارضة وبينهم أصدقاء كفوؤون ، شغلهم الشاغل هو متابعة الاحداث الخارجية ، والدوران حول الفقاعات الإعلامية التي تتعلق بالشان السوري وكذلك بوضع المنطقة عموما ، بدلا من التركيز على قضايا السوريين ، وسبل إعادة بناء وإصلاح المعارضة ، وطرح – حراك السويداء – على بساط البحث والنقاش .
وماذا بعد ؟
ان طرح صورة المشهد السوري – كرديا ووطنيا – كما هو حق وواجب بالرغم من سوداويته ، وهو ليس من باب التوصيف فقط ، بل من اجل تذكير الجميع بواقع الحال المؤلم ، والدعوة الى تغييره عبر الجهود الجماعية التي لن تخلو من التضحيات ، والتغيير في الراهن السوري قد يبدو ضربا من المستحيل ، خاصة وان التركيبة الحالية في ( الكيانات المعارضة الرسمية ومؤسساتها ، والفصائل المسلحة ، والميليشيات ، وسلطات الامر الواقع ، ومسؤولي الأحزاب من المتنفذين ) تتشبث بمواقعها ، وتتمسك بمصالحها الذاتية ومصادر عيشها ، ولكن لا مستحيل في قضايا مصائر الشعوب ، وليس هناك من قوة على وجه الأرض تقف امام إرادة الشعوب خصوصا امام الشعب السوري بكل مكوناته الذي مر باخطر المراحل ، وكسب الخبرات التي تجعله اكثر صمودا وتحملا ، في سبيل استعادة الحرية والكرامة .