الاستمرار في الحديث .
لماذا ممنوع ..
للفكرة الإسلامية أن تحيا وتطبق في المجتمع الكردي “وعلى مسلميهم على وجه الخصوص ” لم كل هذه الصورة الأفيونية لتطبيقات الأخلاق الإسلامية على المجتمع , والتهمة أولاً وأخيراً تأتي لتبرر نفسها بأنَّ تطبيق الشعائر الدينية يمسح عن المجتمع الكردي لمسته الأصلية,(وكثيراً ما تتهم المحجبات على سبيل المثال) بأنَّهن خرجن عن الزي الكردي وتصنعن بزي نساءٍ عربياتٍ ( متخذين من ذلك ذريعةً للتفلت من حكم شرعي) ويأتي أحدهم ليقول أن هذه المرأة المحجبة ضحت بقوميتها في سبيل دينها, ( وكأنَّ الدين والقومية على كفتي ميزان وفي مجال مقارنة دائمة ونسوا أنَّ حب الوطن من الإيمان وأن أرض الإنسان مقدسةٌ كعرضه في الشريعة الإسلامية)أو بالمفهوم الرياضي فإنَّ الدين والقومية في مفهومهم هما خطان متوازيان مهما امتدَّا لا يلتقيان.
وصورة أخرى : عندما تجد امرأة متدينة ملتزمة بحدود الشريعة ترفض لوحدها استقبال رجل أجنبي عنها في منزلها حتى لو كان قريبها ولكنه ممن يجوز زواجها منه, مبررةً تصرفها بأنَّه تمسك بحدود الشرع وبقوله عليه الصلاة والسلام ( ما اجتمع رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ) ( طبعاً المقصود من الحديث النبوي هوخلوة الرجل بالمرأة التي يحل شرعاً له أن ينكحها والخلوة تعني في الاصطلاح الشرعي : أن يجتمع الرجل بالمرأة في مكان ما منفردين يأمنان دخول الغير عليهما).
ففي رأي الكثيرين هذا التصرف هو وأد للصبغة الكردية في المجتمع وتقليد أعمى لعادات العرب (على الرغم أن هذه العادات كانت عادات العرب أيضاً قبل الإسلام , والإسلام هو الذي أدخل هذه الضوابط على المجتمع العربي) وذلك بسبب الانفتاح الدائم بين الرجال والنساء الكرديات وعدم وجود مثل هذه الحواجز , لأنَّ الطابع العشائري هو المقدم أولاً في حياتهم.
تعالوا معاً لنعود إلى تاريخنا لأقوم معكم بمقارنة من خلال إيراد مقاطع من كتاب ( الأكراد للمستشرق باسيلي نيكتين) والذي ركزت في اختياري لها على حجاب المرأة , سواءٌ كان معنياً به غطاء المرأة فيما عدا الوجه والكفين (وعند الإمام أبي حنيفة القدمين أيضاً لأنهما ليسا عورة في مذهبه) أو كان المقصود بالحجاب هو وجود ضوابط تحكم طبيعة علا قة الرجال بالنساء , متناولين في دراستنا المجتمع في هذه اللحظة وفي هذا الزمن , حتى نكون دقيقين في أحكامنا ,وكي لا تختلط معنا الأوراق وتتشعب السبل .
يقول الكاتب في الصفحة 167:لا تضع النساء الكرد يات الحجاب على وجوههن ويختلطن أيضاً بالرجال عند عقد الاجتماعات ولهن الكلمة التي يستمع إليها رجالهن , ويقول سون في المرجع ذاته (في كثير من القرى كانت ربة البيت تستقبلني في غياب زوجها وتشاركني الحديث ببهجةٍ وسرور دون هذا الخجل والاحتشام والضعف المتصنِّع للنساء الفارسيات والتركيات ).
إذا كنا مصرين إلى هذا الحد على هذه العفوية في التعامل لنبين صدق انتمائنا إلى قوميتنا الكردية , فهل المرأة الكردية التي استقبلت سون في المنزل لا زالت مفعمة بتلك البراءة والعذوبة ؟؟ وهل لا تزال ترتدي ذلك الثوب الفلكلوري الواسع المحتشم ؟ وهل بقيت محتفظة بتراث جدتها وأمها في أسلوب التعامل مع الغير؟؟ ولم تتأثر البتَّة بمن تراهم من النساء اللواتي يحتلنَ شاشات التلفاز , قادماتٍ من كل حدبٍ وصوب ليعلمن نساءنا الأساليب المختلفة في فن التعري والتبذل والتميع , ولا يمكن لأحد أن ينكر القلبة النوعية في أسلوب وشكل الزي النسائي الكردي بشكل عام في السنوات الأخيرة , وكيف أصبح بلا هوية , فلا هو زي إسلامي يظهر ديانة أغلبية الكرد, تحفظ المرأة به نفسها وغيرها من الرجال من الوقوع في الحرام نظرياً وفعلياً , ولا هي ارتدت(الكراس والخفتان) الكردي لينادي مظهرها بكل فخر ويقول أنا كردية.
وللأسف الشديد نجد الكثير من بناتنا المراهقات والشابات أيضاً يتخذنَ من عاهرات التلفاز قدوةً لهن في الملبس والمأكل والكلام , وهذا منذر بالخطر, فإن لم يكن على عقيدتهم فعلى عقلهن , لأن المرأة هي الأساس الذي يقيم عليه المجتمع بناءه, فإذا ما أصبح همها الأول والأخير هوالتفنن في تقنية التعري , والوصول إلى آخر الصرعات في الموضة والمكياج , لا أظن أننا سنرى مجتمعاً معافى في المستقبل , حتى لو وصل إلى كامل حقوقه السياسية , لأنّ هذه الحقوق التي أريقت بسببها الكثير من الدماء ستكون إطاراً جميلاً للوحةٍ فاشلة, مشكلتنا الأساسية هي أننا لا ندرك حقاً الخطر القادم إلى مجتمعنا , وكيف أصبحت المقدسات تسقط في حياتنا الاجتماعية
وكيف أننا نحكم دائماً على الالتزام والحشمة والأدب بالاقتران مع التراجع الفكري والتخلف الحضاري على الرغم من كونها سمة تاريخية للمرأة الكردية.
يقول الكاتب: ( وليس من عادة الكرد الحد من حرية نسائهم , ذلك أنهن فاضلات مع تأنق وبشاشة , ولا وجود للبغاء بين الكرد , بل إنَّ كثيراً من الرذائل المنتشرة في الشرق تكاد تكون مجهولة لديهم ).
ولكن؟ هنا سؤالٌ يطرح نفسه ؟ هل ياترى لازال البغاء مختفياً بين الأكراد , وهل من استطلاعات تنفي وجوده,
الجواب حتماً ..لا ! لأننا لن ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعامة , ونقول بصراحة بأنَّه موجود بل هو في تزايد, لتغير ظروف الحياة , وكثرة تنقل الشباب والبنات بحرية وفي سن حساسة جداً , حيث باتت نسبة كبيرة منهم يعيشون في معزل عن رقابة الأهل بحكم الدراسة , أوالسفر من أجل العمل سواءٌ داخل القطر أو خارجه , ولا ندعو طبعاً إلى إيقاف الحركة والمنع من التعليم والعمل بل نشجعهما ولكن بوجود ضوابط وخطوط حمراء , لأنَّ ما نسمعه ونراه من تزايد في العلاقات غير المشروعة( والتي كانت شبه معدومة في مجتمعاتنا) بات مخيفاً ومنبئاً عن خطر هدّام لبنية المجتمع, نريد أن نحاصر البكتيريا حتى لا تجد فرصة الانتشار متحولةًً إلى وباء ينخر في كلي خلية, وحينها ستكون المقاومة أصعب بكثير.عندما أطرح كلاماً كهذا لا أشمل جميع الأفراد لأننا وبفضل الله نحمل بين طيات مجتمعنا طائفة لا يستهان بها من شبابنا وبناتنا الفاضلين ذوي الفكر المتقد الغيورعلى التراث الأخلاقي , بل أحاول فقط الإشارة إلى أمور
أخشى وجلَّ ما أخشاه أن تتحول إلى ظاهرات تُفقد المجتمع هويته , والعقار الذي لا بد لنا من التعامل معه في هذه المرحلة هو التمسك بزمام الشريعة الإسلامية.
فعاداتنا وتقاليدنا عندما كانت تطبق , كان حقل تطبيقها هو مجتمع كردي صاف ِ , أما الآن بالنظر إلى الجزيرة السورية وحدها ( ودون أن يشمل الكلام المهاجرين في الدول العربية والأوروبية) فإنَّ الجزيرة وحدها باتت خليطاً من جنسيات متعددة ما كانت موجودة سابقاً , وهذا يغير الأحكام, وكما تقول القاعدة الأصولية ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان) .
يلتفت الكاتب التفاتةً جميلة مبيناً الطبيعة التي كانت تتسم بها علاقة الشاب بالفتاة في الماضي ويقول:( ويتم التعارف بين الفتيان والفتيات بصورة جيدة ويسبق الزواج عادةً حب متبادل بين الفتى والفتاة , ذلك أنَّ للمشاعر الرومنسية سيطرة واسعة على قلوب الكرد)
نعم , صحيح سنوافق على الحب وليس عيباً ولا حتى محرماً شرعاً مادام محمياً بضوابط وما دام الهدف النهائي منه هو الزواج الشرعي , إذاكان كذلك فنعمَّا به , ولكن هل ياترى ظلت الرومنسية في مجتمعاتنا محتفظة بطابعها الطاهر كما كان سابقاً , أو ليس تسمعون من قصص الخيانة كما نسمع , وهل كان هناك بين شبابنا الكرد المعروفين بنخوتهم وحرصهم الشديد على مشاعر بنات ملتهم من يسمح لنفسه حتى أن يفكر أن يخدع واحدة منهن, لكننا الآن بتنا نجد نماذج متعددة وإن لم تكن كثيرة حتى الآن ولكنها تظلَّ دليلاً على تغير صفات المجتمع ذلك لأنَّ المرأة في نظره لم تبق تلك الفتاة الخجولة التي تشكل سمعتها وحياءها الهاجس الأكبر في حياتها, وكانت حلماً له لا يحصل عليها إلا بعقد الزواج, بخلاف صورة المرأة الآن الذي دخلها التشويه , بحكم وسائل الاتصال , التي ما لبست أن أزالت القدسية عن كلِّ شئ , فتحولت المرأة في نظر الرجل إلى مادة رخيصة يمكنه أن يحصل عليها بأيّة هيئةٍ يشاء وفي أيّ وقتٍ يريد على شاشة التلفازأوالنت, أو حتى على أبواب المدارس والجامعات من الفتيات اللواتي تخرجنَّ من مدارس المغنيات وعارضات الأزياء أو ما يقال عنها ببرامج تلفزيون الواقع كالستار أكاديمي, فتصبح الفتاة التي تخلص معه وتكون ربما صادقة في مشاعرها الثمن لتكون ضحية ً لمئاتٍ من الفتيات الرخيصات ممن التقى بهن , وتركها بكل سهولة , لتمرسه في العلاقات السريعة التي باتت لا تغني ولا تسمن من جوع كالهمبركر والبيتزا!!
يضيف الكاتب قائلاً في الصفحة 170: ( بأنَّ آراء جميع الرحالة الأجانب مجتمعة على الإشادة بأخلاق المرأة الكردية , وما يجدر ذكره أنّه لا توجد في اللغة الكردية كلمة مرادفة لكلمة البغاء).
الكلام المكتوب جميلٌ جداً , يشعر المرء بالفخر كونه ينتمي إلى أمَّة يشهد الغرباء على نسائها بالشرف والأخلاق الفاضلة, فهل يا ترى لا زلنا محافظين حتى الآن على هذه القيم , إذا كان الجواب بنعم , فالضوابط الشرعية للاختلاط كالاستئذان وعدم الخلوة بالمرأة الأجنبية واستقبالها لأصدقاء زوجها وهي وحيدة في المنزل , لا لزوم لها , أمّا وأننا نجد عدة بقع من الواقع باتت مخالفة للصورة القديمة المشرفة وخاصة ً أنها في تزايد , هنا لا بدَّ أن يكون الأوان قد آن لنصرخ وبأعلى صوت رافضين أية تجاوزات أخلاقية أخرى في مجتمعاتنا , رافضين للجراثيم بالدخول إلى فكر أطفالنا ومراهقينا , وأنتم شهود عيان على ما يحصل في الرحلات المختلفة والأعراس والتي أصبحت وللأسف صورة طبق الأصل عما نشاهده في الفيديو كليبات والمسلسلات الأجنبية والعربية المنحطة أخلاقياً , فمنذ متى كانت عين ديوار بطابعها الكردي الأصيل جارة بوطان , التي تخرج منها جهابذة علماء الأكراد, والتي تفوح منها رائحة التراث الأصيل , أقول منذ متى كانت ساحاتٍ لرقصات الديسكو ومرتعاً لنساءٍ كاسيات ٍ عاريات , همهن الوحيد هو لفت أكثر عدد من الأنظار إلى تفننهن في التبذل والتعري وومجارات آخر صرعات الموضة , متقلداتٍ بذلك الزي الأوروبي , دون أدنى تأثر بالعلم والوعي الأوروبي , متبرئين من زي المراة الكردية الذي لا يرتدى غالباً إلا بندرة حتى في المناسبات الوطنية, مخلفاتٍ وراءهن قضية شعبٍ بأكمله, يرفض أن يؤد تراثه الأخلاقي , ويرفض أن تتغير صورة المراة التي كانت , ولا نريد إلا أن تكون دائماً رمزاً لكل مظاهر البراءة والعذرية.
لذا نحن أمام طريقين لا ثالث لهما :
إمَّا أن نعود إلى أزيائنا الفضفاضة ونخبز في التنور ونعيش بعفويتنا القديمة , ونمزق الصحف والمجلات ونشطب التلفاز من حياتنا, وبالتالي لا نكون بحاجة إلى تطبيق الأحكام الإسلامية في المجتمع لكون الكثير يضيق ذرعاً بها متحججين أنها ليست سوى سياسة تعريب ومحاولة لإزالة الهوية.