المهندس: زنار مصطفى
ليس في تركيا وحسب, بل في إيران و سوريا وحتى في العراق الفدرالي لا يمكن أن يسود السلام و الاستقرار ما لم تحل كافة القضايا الشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية “كردستان” منذ آلاف السنين و هو اليوم محروم من الحقوق السياسية و الثقافية و الاجتماعية و لا يتم الاعتراف بوجوده القومي و تمارس ضده أبشع أنواع السياسات من صهر قومي و تمييز عنصري و قمع و اضطهاد و تشريد
و كما يتم حرمانه من الاستفادة من خيرات وطنه ويزج مناضلوه في غياهب السجون ولا يتم الاهتمام بالمناطق الكردية في المجالات: (الصحية و العلمية و الصناعية و الزراعية ….
الخ).
هذه هي حصيلة عشرات السنين من السياسة العنصرية أو حتى الاستعمارية – الاستيطانية التي تمارسها الأنظمة الحاكمة في كردستان.
ولكن بالرغم من تلك الممارسات لم تتمكن تلك الأنظمة الاستبدادية من لي إرادة الشعب الكردي و إخضاعه لمشيئتها و ذلك لتشبثه بهويته القومية و صموده الأسطوري في الدفاع عن أرض وطنه “كردستان”.
و إذا كانت اتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916 بين المستعمرين ” الإنكليز و الفرنسيين والروس” قد جاءت بالضد من إرادة وطموحات الكرد و جزأت بلادهم بين الدول الأخرى, فان التغيرات الهائلة التي حدثت في العالم في نهاية الثمانيات و بداية التسعينات من القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وهزيمة نظام صدام حسين البعثي الفاشي في العراق أمام قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب تحرير الكويت عام 1991 وسقوطه نهائياً في عام 2003 قد جاءت لفائدة الكرد وأخذت قضيتهم تبرز بقوة على الساحة الدولية و ازداد تعاطف المجتمع الدولي معهم وخاصة تلك الشعوب المتحضرة في أوربا و الولايات المتحدة.
وحقق الشعب الكردي في العراق نجاحات ومكاسب عظيمة بتحرير الجزء الأكبر من الأراضي الكردية وشيدوا هناك إدارتهم الخاصة بهم.
وهم الآن ينعمون بالحرية والديمقراطية و التقدم و الأمان الغير متوفر في باقي مناطق العراق.
ولكن أحوال و أوضاع الشعب الكردي في الأجزاء الأخرى من كردستان لم تتغير نحو الأفضل– ففي تركيا التي يعيش فيها ما يزيد عن /20/ مليون كردي, وهم يشكلون أكثر من ثلث سكان البلد لا تزال اللغة الكردية محظورة ويمنع التعليم بها رسمياً , ولا مكان لكلمة كردي أو شعب كردي في قاموس الدولة و السياسة التركية في الوقت الذي يدعي فيه النظام التركي الديمقراطية ويسمي نفسه بـ:”دولة القانون”؟!.
وبالرجوع تاريخياً إلى الوراء: نجد إن الدولة التركية بقيادة مصطفى كمال(أتاتورك)
ومنذ بداية العشرينات من القرن الماضي قد ركزت نشاطها السياسي والعسكري على معاداة الشعب الكردي في تطلعاته التحررية لإقامة دولته “كردستان” وظهر ذلك جليا في مؤتمر “لوزان” بسويسرا عام 1923 حيث نجحت فيه تركيا من تحقيق هدفها وهو: إنهاء كل فكرة تؤدي إلى حكم ذاتي للكرد أو إلى تأسيس دولة كردية في المستقبل.
ومؤتمر لوزان هذا جاء ليلغي أو يدفن تلك البنود الإيجابية المدونة لمصلحة الكرد في معاهدة “سيفر” عام1920.
ولم يتوان الأتراك في حروبهم وحملاتهم على الشعب الكردي: ففي شباط عالم 1925 كانت المدافع التركية تقصف مدينة “ديار بكر” مركز الثورة الكردية وعاصمة كردستان.
وسقط نتيجة لذلك الهجوم الوحشي المئات من الشهداء والجرحى وفي طليعتهم زعيم الثورة الكردية الشهيد “الشيخ سعيد أفندي” طيب الله ثراه.
وبالرغم من الضحايا الكبيرة والخسائر المادية الكثيرة التي تعرض لها شعب كردستان, فان الثورات والانتفاضات الكردية لم تتوقف في كردستان الشمالية فقامت انتفاضة آكري عام 1930 بقيادة الجنرال شريف باشا.
واندلعت ثورة “دير سم” في الأعوام (1936-1938) بزعامة الشهيد سيد رضا رحمه الله.
وكما انتفض الأكراد في جبل صاصون في الفترة الزمنية ذاتها.
وهكذا لم يتقاعس الأكراد وظلوا يطالبون بحقوقهم المشروعة.
ونتيجة لتلك الحروب التي كان يفتعلها النظام التركي ضد الكرد وأيضا لسياسته الاقتصادية الفاشلة, تعرضت البلاد لازمة اقتصادية واجتماعية حاد في الأربعينيات مع العلم أن تركيا لم تشارك حينذاك في الحرب العالمية الثانية( 1941-1945 ).
وفشل حزب الشعب الجمهوري¹ CHP )) في إدارته للبلاد , مما أدى لفقدان ثقة الجماهير بنهجه السياسي والاقتصادي وعند توفر أول فرصة ممكنة لتأسيس حزب سياسي أخر في تركية قام السياسي البارز عدنان مندرس ومجموعة من رفاقه بتأسيس الحزب الديمقراطيDP ) ) الذي أزاح الحزب الشعب الجمهوري
برئاسة “عصمت إينونو” عن السلطة في الانتخابات البرلمانية التي جرت بشكل ديمقراطي في تركيا عام 1950 بعد 27 سنة من حكمه للبلاد.
أراد عدنان مندرس أن يصلح ما خربته إدارة حزب الشعب الجمهوري وإعادة بناء القاعدة الاقتصادية في البلاد التي كانت في وضع مهترئ تماماً.
وفي مجال السياسة الداخلية: سعى عدنان مندرس إلى توسيع الحريات السياسية والدينية ودعا بعض الشخصيات الكردية المغضوب عليها سابقا للمشاركة في الحياة السياسية ودخل بعضهم البرلمان التركي.
وتمكن الحزب الديمقراطي بزعامة مندرس من ترسيخ الهدوء والسلم الأهلي في البلد, وإلى حد ما تم تخفيف الاحتقان الاجتماعي في الشارع التركي وذلك بفضل سياسته المرنة التي كان يديربها دفة الحكم.
كل ذلك أثار سخط العسكر والقوميين الشوفينين الأتراك الذين فقدوا سيطرتهم ونفوذهم على مراكز القرار والحكم في تركيا.
فقاموا بتعبئة الجماهير الشعبية وطلبة الكليات الحربية وطلبة الجامعات ودفعوا بهم إلى شوارع استانبول وأنقرة للتشهير بسياسة عدنان مندرس وحزبه الديمقراطي مدعين: بأن الجمهورية العلمانية التركية في خطر, وإن مندرس يريد إقامة دولة دينية بدلا عنها.
بهذه الحجج الواهية والكاذبة استعد الجيش برضى وموافقة الحزب الجمهوري لإسقاط حكومة عدنان مندرس المنتخبة من قبل الشعب.
وفي صبيحة الـ 27 من مايو سنة 1960 كان الكولونيل “ألب أرسلان² توركش” يقرأ عبر موجات الراديو البلاغ الأول للانقلابيين برئاسة الجنرال جمال كورسيل, معلناً: بان القوات المسلحة وضعت يدها على مقاليد الحكم في البلاد.
وفي 26 أيلول من عام 1961 وبعد محاكمة صورية تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا برئيس الوزراء عدنان مندرس وبعدها بعدة أيام تم إعدام وزير الخارجية(فطين شدي زور لو) ووزير المالية الكردي(حسن بولا تقان).
بهذا الشكل المأساوي انتهت حقبة مهمة من تاريخ تركيا كان من الممكن إن تؤدي إلى تقارب كوردي – تركي لو بقي الرئيس مندرس على قيد الحياة.
ومرت الأيام والأشهر التالية بعد إعدام مندرس مخيفة وصعبة على الشعب التركي, فقد كانت سيطرة الجيش وأجهزة الأمن و القوميين الشوفينين شبه كاملة على جميع المراكز الحساسة في الدولة.
و بالنسبة للشعب الكردي ظهر في عام 1965 تنظيم سياسي جديد هو ” الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا ” غير أنه نشاطه التنظيمي وحراكه السياسي كان محدوداً بسبب الضغوطات الهائلة التي كان يتعرض لها الأكراد وكذلك الأمر لتفشي الأمية وتخلف الوعي السياسي بين أفراد الشعب في تلك الحقبة.
و لم تتمكن حكومة حزب الشعب الجمهوري برئاسة “اينونو” التي جاءت إلى السلطة عقب الانقلاب العسكري وحكومة حزب العدالة برئاسة “سليمان دمرئل” من إصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور فأزداد الفقر و العوز في البلاد وانخفض مستوى المعيشة إلى درجات خطيرة وتدهور الوضع الأمني و جرى الحديث حين ذاك عن محاولة انقلابية كان ينوي جنرالات شيوعيون القيام بها.
وفي 12 آذار من عام 1971 استولى الجيش من جديد على السلطة و استقال رئيس الوزراء “سليمان ديمرئل”.
و هذا كان الانقلاب الثاني في حياة الجمهورية التركية.
لم يكتف السياسيون و جنرالات العسكر من التلاعب بمشاعر الناس والاستخفاف بحياتهم بتحريك آلاتهم العسكرية في الداخل جيئةً و ذهاباً بل ذهبوا أبعد من ذلك بكثير: ففي شهر تموز من عام 1974قررت الحكومة التركية برئاسة ” بولنت اجويت” وبالاتفاق مع الجيش على غزو جزيرة قبرص بحجة الدفاع عن أمن ومصالح الجالية التركية التي تقطن الجزيرة.
أجل أنهم يعطون أنفسهم الحق في احتلال دول أخرى بحجة الدفاع عن امن فئة صغيرة من البشر ولكنهم في الوقت ذاته يقومون باضطهاد شعب مسلم جار يعيش إلى جانيهم منذ مئات السنين ألا وهو “الشعب الكردي”.
لم تساعد الحرب على قبرص السيد أجويت رئيس الحزب الشعب الجمهوري من الفوز بمفرده في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1977 فاضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة برئاسة “سليمان ديمرئل”.
لقد ازدادت في تلك الفترة أحوال الشعب المعيشية سوءا وتفاقم الوضع السياسي و الاقتصادي وعمت الفوضى البلاد وحصلت مواجهات واشتباكات دموية عنيفة بين التيارات اليمينية و الفاشية التي تعمل عادة في الخفاء بالتنسيق مع السلطات الأمنية وبين التيارات اليسارية والاشتراكية المعادية لها وفقدت الحكومة التي ترأسها فيما بعد “سيلمان ديمرئل” سيطرتها على الوضع, الأمر الذي أعطى جنرالات الجيش كل الذرائع والحجج وبحسب تعبيرهم الحق بالتدخل العسكري في الأحداث.
وفي صباح الـ12 من أيلول عام1980 كان الجنرال كنعان أيفرن يعلن عن تسلم الجيش للسلطة وحالة الطوارئ في البلاد.
وحلت الأحزاب السياسية والقي القبض على قادتها وغيرهم من الوزراء والبرلمانيين لتقديمهم للمحاكمة.
وهو حسب التسلسل الانقلاب الثالث في تركيا.
وخلال الفترة الماضية- أي في السبعينات – تحسن الأداء التنظيمي و السياسي الكردي في تركيا وتشكلت هناك تنظيمات سياسية جديدة منها (K.O.K) الذي انبثق من رحم الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا وبنفس الطريقة جاءت ولادة حزب (D.D.K.D) وكما ظهر إلى الوجود الحزب الاشتراكي الكردستاني بزعامة “كمال بورقاي”.
وأخيرا في عام 1979 تأسس حزب العمال الكردستاني (P.K.K) بزعامة “عبد الله أوجلان”.
وهي على الأغلب تنظيمات يسارية تلتزم الأفكار الماركسية ومتأثرة إلى حد بعيد باليسار التركي.
لقد تعرض الكثير من مناضلي هذه الأحزاب إلى الملاحقة والسجن والتعذيب والقتل على يد الجيش والمخابرات التركية, وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أفرين فر الكثير من هؤلاء إلى الدول الأخرى وخاصة إلى البلد المجاور – سوريا -.
أستمر العسكر في إدارة الدولة حتى عام 1983 حين جرت الانتخابات البرلمانية وأشترك فيها 3 ثلاثة أحزاب فقط وسطع نجم حزب الوطن الأم بزعامة” تور غوت أوزال”في تلك الانتخابات حيث حصل على أغلبية مقاعد البرلمان.
وحققت البلاد في عهد” أوزال” نجاحات كبيرة وحدث تطور هائل في مختلف القطاعات: فقد أنشئت المصانع والسدود الضخمة والطرق العامة والجسور الكبيرة والمدارس والجامعات في شتى أنحاء البلاد.
ولكن المسألة الكردية ظلت دون حلول, إذ لم يحصل أي تطور أو تغير في الفكر السياسي والأيديولوجي التركي تجاه هذه القضية الهامة والحساسة التي تهم حياة ومصير ملايين الناس من غير الأتراك الذين يعيشون على هذه الأرض, فلم يرغب أو يتجرأ أكثر السياسيين الأتراك مرونة واعتدالا مثل “أوزال” من طرق أبواب هذه القضية والبدء بمعالجتها, بل على العكس تماماً: فقد ازدادت شراسة الحملات العسكرية والأمنية التركية ضد الشعب الكردي.
وفي هذه الأثناء- في عام 1984- كان حزب العمال الكردستاني في تركيا قد بدأ نضاله العسكري لنيل الحقوق القومية المشروعة والعادلة للشعب الكردي واشتد الوطيس في المعارك بين المقاتلين الأكراد والجيش التركي المدجج بأحدث أنواع الأسلحة وراح نتيجة لتلك المعارك الكثير من القتلى والجرحى من الجانبين, ولم تفرق القوات التركية كثيراً بين المحاربين الأكراد والمدنيين منهم,فراحت تقتل وتفتك بهم بلا رحمة ولا شفقة وتم حرق وتدمير آلاف القرى الكردية على يد الجيش التركي مما أضطر ملايين الأكراد إلى مغادرة قراهم ومدنهم والتوجه صوب المدن البعيدة في الغرب التركي للنجاة بأرواحهم من تهلكة الموت.
وبالتوازي مع العمل العسكري, كان الرديف السياسي لحزب العمال الكردستاني (DEP) يعمل بنشاط في الميدان السياسي.
وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في تركيا سنة 1991 تمكن (21) نائب كردي تحت مظلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي برئاسة ” الدار أينونو” من الوصول إلى قبة البرلمان التركي.
ولكن الشوفينية التركية لم تحتمل وجود الصوت الكردي المستقل عن نفوذها وإرادتها والمنادي بحقوق الشعب الكردي في مجلس النواب, فراحت تدبر لممثلي الأكراد المكائد والحجج القانونية والدستورية لحظر نشاطهم السياسي والنيابي وهذا ما حصل بالفعل: فتم حظر حزب DEP)) من العمل السياسي فأسقطت العضوية البرلمانية عن النواب( أحمد ترك – ليلى زانا- أورهان دوغان – سليم صاداق – خطيب دجلة – محمود اليناق – سري ساقق …… وغيرهم) وزجوا في السجن لمدة طويلة.
واستمرت جميع الحكومات التي تعاقبت على الحكم في مرحلة التسعينيات ( حكومة سليمان دميرئل – حكومة تانسو جيلر – حكومة نجم الدين أربكان(³ وفيما بعد حكومة بولنت أجويت) على النهج الأنف الذكر الذي استمر على رفض وجود قوميات وشعوب أخرى في تركيا غير القومية التركية.
وازدادت الضغوطات على حزب العمال الكردستاني فتم اعتقال زعيمه ” عبد الله أوجلان ” عام 1999 وذلك بعد أن أبعده النظام السوري إلى خارج الأراضي السورية, حيث كان يقود من هناك نضال حزبه منذ سنوات طويلة.
لقد جاء اعتقال “آبو” ومن ثم المحاكمة الصورية التي أجريت له صدمة قاسية على أعضاء وجماهير حزب العمال فهو يعتبر القائد الملهم والرمز بالنسبة لهؤلاء.
وتعمق الاحتقان القومي بين الأكراد والأتراك ولم تهدا الأوضاع وأستمر الصراع العسكري بين الطرفيين وخلف ذلك الموت والدمار وبالتأكيد الحقد والكراهية في المجتمع وهذا ما كانت تبتغيه وتؤججه الدوائر الحاكمة في تركيا على الدوام.
و جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نهاية عام 2002 لتكون صفعه قوية لحكومة “بولنت أجويت” الائتلافية فقد نبذ الشعب التركي هذا الائتلاف بأكمله و سقطت جميع الأحزاب المساهمة في الائتلاف الحكومي في الامتحان الانتخابي عقوبة لها على ما اقترفته من أخطاء جسيمة إبان حكمها ولعدم تنفيذها للوعود بتحسين الوضع المعيشي للجماهير الفقيرة.
أما الطرف الفائز في الانتخابات فكان حزب العدالة والتنمية 4(AKP) ذو التوجيه الإسلامي برئاسة “رجب طيب اردوغان” وهي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي ينجح فيها حزب جذوره إسلامية من الوصول بمفرده إلى سدة الحكم.
ولكن بقيت حكومة أوردوغان كسابقاتها من الحكومات التركية أسيرة لهيبة وقوة الجيش في التحكم بزمام الأمور في البلاد وإن كان لديها بعض السياسات و المناهج المستقلة التي تميزها عن الحكومات السابقة.
وفي بداية الحكم العدالة والتنمية (AKP) لتركيا حصلت تغيرات هائلة في منطقة الشرق الأوسط: فقد أسقطت قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية نظام صدام حسين واحتلت العراق في9/4/2003/.
وأصبحت الولايات جارة جديدة لتركيا.
فأمريكا اليوم ليست هي أمريكا الأمس بالنسبة لتركيا عندما كانت هذه الأخيرة مركزاً رئيسياً لقواعد الصواريخ الأمريكية الموجهة إلى الاتحاد السوفيتي السابق أثناء الحرب الباردة.
وبعد انهيار” الاتحاد السوفيتي وحلف وارصو” لم تعد هناك أي قيمة استراتيجية لوجود تلك الصواريخ.
وتغيرت الأحوال: فتركيا التي كانت تفتح أبوابها على مصراعيها للولايات المتحدة إبان الحرب الباردة تخلت عن حليفتها السابقة بمنعها قوات الولايات المتحدة من التمركز على أراضيها والاستفادة من مجالها الجوي أثناء الحرب على نظام صدام حسين وهو أكبر خطأ ترتكبه حكومة تركية بحق الولايات المتحدة التي ساندت تركيا سياسياً وعسكرياًَ وغضت الطرف عن المظالم التي ارتكبتها الحكومات التركية المتعاقبة بحق شعوبها وخاصة الشعب الكردي.
وهنا يمكن تشبيه حال الدولة التركية بما حصل للرجل المقامر الذي لعب في البداية بشكل جيد وحالفه الحظ فكسب الكثير من المال.
ولكن حان وقت الخسارة فطمع الرجل وبالغ كثيراً في الأموال التي قامر بها وتعثر أداؤه في اللعب وأخطأ فخسر ما جناه من مال.
نعم لقد بدأت الدولة التركية تخسر: فهي من ناحية: في حالة عداء مع الشعب الكردي في الداخل.
ومن ناحية أخرى: بات الوضع العراقي الجديد وخاصة نشوء إقليم كردستان يشكلان مزيدا من القلق لتركيا وذلك خوفا من انتقال الحالة العراقية إلى هناك.
وفي السياسة الدولية: تصدعت العلاقة بينها وبين حليفتها السابقة( الولايات المتحدة).
أما على الصعيد الأوربي: لا يبدو هناك بصيص أمل لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي ولو على المدى البعيد نتيجة قمعها للحريات السياسية وخرقها لحقوق الإنسان واضطهادها للشعب الكردي.
إذن: فأن وضع الدولة التركية الحالي ليس على ما يرام وهذا ما يعرفه اشد الساسة الأتراك شوفينية وتطرفاً, فقد حان الوقت كي يتخلى هؤلاء وغيرهم من القادة الأتراك من تعنتهم وعنجهيتهم الفارغة التي لن تعود بالفائدة على بلدهم.
بل على العكس تماما: إن سياسة الاستعلاء القومي والجحود في إنكار حقوق الشعب الكردي ومعاداته والتهديدات المستمرة التي يوجهها الساسة والعسكريون الأتراك لحكومة إقليم كردستان العراق ورئيسها الأستاذ” مسعود بارزاني” بالتدخل العسكري في كردستان العراق بحجة قيام مقاتلي حزب العمال الكردستاني بعملياتهم في تركيا انطلاقا من أراضي (الإقليم) لن تجلب لتركيا إلا مزيدا من الضحايا واللااستقرار والدمار.
أن السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الكردي-التركي هو الاعتراف الصريح والرسمي من جانب الدولة التركية بوجود الشعب الكردي والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الممثلين الحقيقيين للشعب الكردي والبدء بعرض ومناقشة كافة القضايا- موضوعات الصراع- التي لن تستعصي على الحل إن توفرت الإرادة الطيبة والنوايا الحسنة لدى الطرفيين المتحاورين.
أن الحقيقة التاريخية والواقع الراهن يؤكدان على أن الأكراد هم الشركاء الأساسيين إلى جانب جيرانهم الأتراك والعرب والإيرانيين في هذه المنطقة ولا يمكن إلغاء تلك الثوابت مهما حاولت الأنظمة الحاكمة في كردستان العبث بذلك.
الخ).
هذه هي حصيلة عشرات السنين من السياسة العنصرية أو حتى الاستعمارية – الاستيطانية التي تمارسها الأنظمة الحاكمة في كردستان.
ولكن بالرغم من تلك الممارسات لم تتمكن تلك الأنظمة الاستبدادية من لي إرادة الشعب الكردي و إخضاعه لمشيئتها و ذلك لتشبثه بهويته القومية و صموده الأسطوري في الدفاع عن أرض وطنه “كردستان”.
و إذا كانت اتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916 بين المستعمرين ” الإنكليز و الفرنسيين والروس” قد جاءت بالضد من إرادة وطموحات الكرد و جزأت بلادهم بين الدول الأخرى, فان التغيرات الهائلة التي حدثت في العالم في نهاية الثمانيات و بداية التسعينات من القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وهزيمة نظام صدام حسين البعثي الفاشي في العراق أمام قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب تحرير الكويت عام 1991 وسقوطه نهائياً في عام 2003 قد جاءت لفائدة الكرد وأخذت قضيتهم تبرز بقوة على الساحة الدولية و ازداد تعاطف المجتمع الدولي معهم وخاصة تلك الشعوب المتحضرة في أوربا و الولايات المتحدة.
وحقق الشعب الكردي في العراق نجاحات ومكاسب عظيمة بتحرير الجزء الأكبر من الأراضي الكردية وشيدوا هناك إدارتهم الخاصة بهم.
وهم الآن ينعمون بالحرية والديمقراطية و التقدم و الأمان الغير متوفر في باقي مناطق العراق.
ولكن أحوال و أوضاع الشعب الكردي في الأجزاء الأخرى من كردستان لم تتغير نحو الأفضل– ففي تركيا التي يعيش فيها ما يزيد عن /20/ مليون كردي, وهم يشكلون أكثر من ثلث سكان البلد لا تزال اللغة الكردية محظورة ويمنع التعليم بها رسمياً , ولا مكان لكلمة كردي أو شعب كردي في قاموس الدولة و السياسة التركية في الوقت الذي يدعي فيه النظام التركي الديمقراطية ويسمي نفسه بـ:”دولة القانون”؟!.
وبالرجوع تاريخياً إلى الوراء: نجد إن الدولة التركية بقيادة مصطفى كمال(أتاتورك)
ومنذ بداية العشرينات من القرن الماضي قد ركزت نشاطها السياسي والعسكري على معاداة الشعب الكردي في تطلعاته التحررية لإقامة دولته “كردستان” وظهر ذلك جليا في مؤتمر “لوزان” بسويسرا عام 1923 حيث نجحت فيه تركيا من تحقيق هدفها وهو: إنهاء كل فكرة تؤدي إلى حكم ذاتي للكرد أو إلى تأسيس دولة كردية في المستقبل.
ومؤتمر لوزان هذا جاء ليلغي أو يدفن تلك البنود الإيجابية المدونة لمصلحة الكرد في معاهدة “سيفر” عام1920.
ولم يتوان الأتراك في حروبهم وحملاتهم على الشعب الكردي: ففي شباط عالم 1925 كانت المدافع التركية تقصف مدينة “ديار بكر” مركز الثورة الكردية وعاصمة كردستان.
وسقط نتيجة لذلك الهجوم الوحشي المئات من الشهداء والجرحى وفي طليعتهم زعيم الثورة الكردية الشهيد “الشيخ سعيد أفندي” طيب الله ثراه.
وبالرغم من الضحايا الكبيرة والخسائر المادية الكثيرة التي تعرض لها شعب كردستان, فان الثورات والانتفاضات الكردية لم تتوقف في كردستان الشمالية فقامت انتفاضة آكري عام 1930 بقيادة الجنرال شريف باشا.
واندلعت ثورة “دير سم” في الأعوام (1936-1938) بزعامة الشهيد سيد رضا رحمه الله.
وكما انتفض الأكراد في جبل صاصون في الفترة الزمنية ذاتها.
وهكذا لم يتقاعس الأكراد وظلوا يطالبون بحقوقهم المشروعة.
ونتيجة لتلك الحروب التي كان يفتعلها النظام التركي ضد الكرد وأيضا لسياسته الاقتصادية الفاشلة, تعرضت البلاد لازمة اقتصادية واجتماعية حاد في الأربعينيات مع العلم أن تركيا لم تشارك حينذاك في الحرب العالمية الثانية( 1941-1945 ).
وفشل حزب الشعب الجمهوري¹ CHP )) في إدارته للبلاد , مما أدى لفقدان ثقة الجماهير بنهجه السياسي والاقتصادي وعند توفر أول فرصة ممكنة لتأسيس حزب سياسي أخر في تركية قام السياسي البارز عدنان مندرس ومجموعة من رفاقه بتأسيس الحزب الديمقراطيDP ) ) الذي أزاح الحزب الشعب الجمهوري
برئاسة “عصمت إينونو” عن السلطة في الانتخابات البرلمانية التي جرت بشكل ديمقراطي في تركيا عام 1950 بعد 27 سنة من حكمه للبلاد.
أراد عدنان مندرس أن يصلح ما خربته إدارة حزب الشعب الجمهوري وإعادة بناء القاعدة الاقتصادية في البلاد التي كانت في وضع مهترئ تماماً.
وفي مجال السياسة الداخلية: سعى عدنان مندرس إلى توسيع الحريات السياسية والدينية ودعا بعض الشخصيات الكردية المغضوب عليها سابقا للمشاركة في الحياة السياسية ودخل بعضهم البرلمان التركي.
وتمكن الحزب الديمقراطي بزعامة مندرس من ترسيخ الهدوء والسلم الأهلي في البلد, وإلى حد ما تم تخفيف الاحتقان الاجتماعي في الشارع التركي وذلك بفضل سياسته المرنة التي كان يديربها دفة الحكم.
كل ذلك أثار سخط العسكر والقوميين الشوفينين الأتراك الذين فقدوا سيطرتهم ونفوذهم على مراكز القرار والحكم في تركيا.
فقاموا بتعبئة الجماهير الشعبية وطلبة الكليات الحربية وطلبة الجامعات ودفعوا بهم إلى شوارع استانبول وأنقرة للتشهير بسياسة عدنان مندرس وحزبه الديمقراطي مدعين: بأن الجمهورية العلمانية التركية في خطر, وإن مندرس يريد إقامة دولة دينية بدلا عنها.
بهذه الحجج الواهية والكاذبة استعد الجيش برضى وموافقة الحزب الجمهوري لإسقاط حكومة عدنان مندرس المنتخبة من قبل الشعب.
وفي صبيحة الـ 27 من مايو سنة 1960 كان الكولونيل “ألب أرسلان² توركش” يقرأ عبر موجات الراديو البلاغ الأول للانقلابيين برئاسة الجنرال جمال كورسيل, معلناً: بان القوات المسلحة وضعت يدها على مقاليد الحكم في البلاد.
وفي 26 أيلول من عام 1961 وبعد محاكمة صورية تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا برئيس الوزراء عدنان مندرس وبعدها بعدة أيام تم إعدام وزير الخارجية(فطين شدي زور لو) ووزير المالية الكردي(حسن بولا تقان).
بهذا الشكل المأساوي انتهت حقبة مهمة من تاريخ تركيا كان من الممكن إن تؤدي إلى تقارب كوردي – تركي لو بقي الرئيس مندرس على قيد الحياة.
ومرت الأيام والأشهر التالية بعد إعدام مندرس مخيفة وصعبة على الشعب التركي, فقد كانت سيطرة الجيش وأجهزة الأمن و القوميين الشوفينين شبه كاملة على جميع المراكز الحساسة في الدولة.
و بالنسبة للشعب الكردي ظهر في عام 1965 تنظيم سياسي جديد هو ” الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا ” غير أنه نشاطه التنظيمي وحراكه السياسي كان محدوداً بسبب الضغوطات الهائلة التي كان يتعرض لها الأكراد وكذلك الأمر لتفشي الأمية وتخلف الوعي السياسي بين أفراد الشعب في تلك الحقبة.
و لم تتمكن حكومة حزب الشعب الجمهوري برئاسة “اينونو” التي جاءت إلى السلطة عقب الانقلاب العسكري وحكومة حزب العدالة برئاسة “سليمان دمرئل” من إصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور فأزداد الفقر و العوز في البلاد وانخفض مستوى المعيشة إلى درجات خطيرة وتدهور الوضع الأمني و جرى الحديث حين ذاك عن محاولة انقلابية كان ينوي جنرالات شيوعيون القيام بها.
وفي 12 آذار من عام 1971 استولى الجيش من جديد على السلطة و استقال رئيس الوزراء “سليمان ديمرئل”.
و هذا كان الانقلاب الثاني في حياة الجمهورية التركية.
لم يكتف السياسيون و جنرالات العسكر من التلاعب بمشاعر الناس والاستخفاف بحياتهم بتحريك آلاتهم العسكرية في الداخل جيئةً و ذهاباً بل ذهبوا أبعد من ذلك بكثير: ففي شهر تموز من عام 1974قررت الحكومة التركية برئاسة ” بولنت اجويت” وبالاتفاق مع الجيش على غزو جزيرة قبرص بحجة الدفاع عن أمن ومصالح الجالية التركية التي تقطن الجزيرة.
أجل أنهم يعطون أنفسهم الحق في احتلال دول أخرى بحجة الدفاع عن امن فئة صغيرة من البشر ولكنهم في الوقت ذاته يقومون باضطهاد شعب مسلم جار يعيش إلى جانيهم منذ مئات السنين ألا وهو “الشعب الكردي”.
لم تساعد الحرب على قبرص السيد أجويت رئيس الحزب الشعب الجمهوري من الفوز بمفرده في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1977 فاضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة برئاسة “سليمان ديمرئل”.
لقد ازدادت في تلك الفترة أحوال الشعب المعيشية سوءا وتفاقم الوضع السياسي و الاقتصادي وعمت الفوضى البلاد وحصلت مواجهات واشتباكات دموية عنيفة بين التيارات اليمينية و الفاشية التي تعمل عادة في الخفاء بالتنسيق مع السلطات الأمنية وبين التيارات اليسارية والاشتراكية المعادية لها وفقدت الحكومة التي ترأسها فيما بعد “سيلمان ديمرئل” سيطرتها على الوضع, الأمر الذي أعطى جنرالات الجيش كل الذرائع والحجج وبحسب تعبيرهم الحق بالتدخل العسكري في الأحداث.
وفي صباح الـ12 من أيلول عام1980 كان الجنرال كنعان أيفرن يعلن عن تسلم الجيش للسلطة وحالة الطوارئ في البلاد.
وحلت الأحزاب السياسية والقي القبض على قادتها وغيرهم من الوزراء والبرلمانيين لتقديمهم للمحاكمة.
وهو حسب التسلسل الانقلاب الثالث في تركيا.
وخلال الفترة الماضية- أي في السبعينات – تحسن الأداء التنظيمي و السياسي الكردي في تركيا وتشكلت هناك تنظيمات سياسية جديدة منها (K.O.K) الذي انبثق من رحم الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا وبنفس الطريقة جاءت ولادة حزب (D.D.K.D) وكما ظهر إلى الوجود الحزب الاشتراكي الكردستاني بزعامة “كمال بورقاي”.
وأخيرا في عام 1979 تأسس حزب العمال الكردستاني (P.K.K) بزعامة “عبد الله أوجلان”.
وهي على الأغلب تنظيمات يسارية تلتزم الأفكار الماركسية ومتأثرة إلى حد بعيد باليسار التركي.
لقد تعرض الكثير من مناضلي هذه الأحزاب إلى الملاحقة والسجن والتعذيب والقتل على يد الجيش والمخابرات التركية, وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أفرين فر الكثير من هؤلاء إلى الدول الأخرى وخاصة إلى البلد المجاور – سوريا -.
أستمر العسكر في إدارة الدولة حتى عام 1983 حين جرت الانتخابات البرلمانية وأشترك فيها 3 ثلاثة أحزاب فقط وسطع نجم حزب الوطن الأم بزعامة” تور غوت أوزال”في تلك الانتخابات حيث حصل على أغلبية مقاعد البرلمان.
وحققت البلاد في عهد” أوزال” نجاحات كبيرة وحدث تطور هائل في مختلف القطاعات: فقد أنشئت المصانع والسدود الضخمة والطرق العامة والجسور الكبيرة والمدارس والجامعات في شتى أنحاء البلاد.
ولكن المسألة الكردية ظلت دون حلول, إذ لم يحصل أي تطور أو تغير في الفكر السياسي والأيديولوجي التركي تجاه هذه القضية الهامة والحساسة التي تهم حياة ومصير ملايين الناس من غير الأتراك الذين يعيشون على هذه الأرض, فلم يرغب أو يتجرأ أكثر السياسيين الأتراك مرونة واعتدالا مثل “أوزال” من طرق أبواب هذه القضية والبدء بمعالجتها, بل على العكس تماماً: فقد ازدادت شراسة الحملات العسكرية والأمنية التركية ضد الشعب الكردي.
وفي هذه الأثناء- في عام 1984- كان حزب العمال الكردستاني في تركيا قد بدأ نضاله العسكري لنيل الحقوق القومية المشروعة والعادلة للشعب الكردي واشتد الوطيس في المعارك بين المقاتلين الأكراد والجيش التركي المدجج بأحدث أنواع الأسلحة وراح نتيجة لتلك المعارك الكثير من القتلى والجرحى من الجانبين, ولم تفرق القوات التركية كثيراً بين المحاربين الأكراد والمدنيين منهم,فراحت تقتل وتفتك بهم بلا رحمة ولا شفقة وتم حرق وتدمير آلاف القرى الكردية على يد الجيش التركي مما أضطر ملايين الأكراد إلى مغادرة قراهم ومدنهم والتوجه صوب المدن البعيدة في الغرب التركي للنجاة بأرواحهم من تهلكة الموت.
وبالتوازي مع العمل العسكري, كان الرديف السياسي لحزب العمال الكردستاني (DEP) يعمل بنشاط في الميدان السياسي.
وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في تركيا سنة 1991 تمكن (21) نائب كردي تحت مظلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي برئاسة ” الدار أينونو” من الوصول إلى قبة البرلمان التركي.
ولكن الشوفينية التركية لم تحتمل وجود الصوت الكردي المستقل عن نفوذها وإرادتها والمنادي بحقوق الشعب الكردي في مجلس النواب, فراحت تدبر لممثلي الأكراد المكائد والحجج القانونية والدستورية لحظر نشاطهم السياسي والنيابي وهذا ما حصل بالفعل: فتم حظر حزب DEP)) من العمل السياسي فأسقطت العضوية البرلمانية عن النواب( أحمد ترك – ليلى زانا- أورهان دوغان – سليم صاداق – خطيب دجلة – محمود اليناق – سري ساقق …… وغيرهم) وزجوا في السجن لمدة طويلة.
واستمرت جميع الحكومات التي تعاقبت على الحكم في مرحلة التسعينيات ( حكومة سليمان دميرئل – حكومة تانسو جيلر – حكومة نجم الدين أربكان(³ وفيما بعد حكومة بولنت أجويت) على النهج الأنف الذكر الذي استمر على رفض وجود قوميات وشعوب أخرى في تركيا غير القومية التركية.
وازدادت الضغوطات على حزب العمال الكردستاني فتم اعتقال زعيمه ” عبد الله أوجلان ” عام 1999 وذلك بعد أن أبعده النظام السوري إلى خارج الأراضي السورية, حيث كان يقود من هناك نضال حزبه منذ سنوات طويلة.
لقد جاء اعتقال “آبو” ومن ثم المحاكمة الصورية التي أجريت له صدمة قاسية على أعضاء وجماهير حزب العمال فهو يعتبر القائد الملهم والرمز بالنسبة لهؤلاء.
وتعمق الاحتقان القومي بين الأكراد والأتراك ولم تهدا الأوضاع وأستمر الصراع العسكري بين الطرفيين وخلف ذلك الموت والدمار وبالتأكيد الحقد والكراهية في المجتمع وهذا ما كانت تبتغيه وتؤججه الدوائر الحاكمة في تركيا على الدوام.
و جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نهاية عام 2002 لتكون صفعه قوية لحكومة “بولنت أجويت” الائتلافية فقد نبذ الشعب التركي هذا الائتلاف بأكمله و سقطت جميع الأحزاب المساهمة في الائتلاف الحكومي في الامتحان الانتخابي عقوبة لها على ما اقترفته من أخطاء جسيمة إبان حكمها ولعدم تنفيذها للوعود بتحسين الوضع المعيشي للجماهير الفقيرة.
أما الطرف الفائز في الانتخابات فكان حزب العدالة والتنمية 4(AKP) ذو التوجيه الإسلامي برئاسة “رجب طيب اردوغان” وهي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي ينجح فيها حزب جذوره إسلامية من الوصول بمفرده إلى سدة الحكم.
ولكن بقيت حكومة أوردوغان كسابقاتها من الحكومات التركية أسيرة لهيبة وقوة الجيش في التحكم بزمام الأمور في البلاد وإن كان لديها بعض السياسات و المناهج المستقلة التي تميزها عن الحكومات السابقة.
وفي بداية الحكم العدالة والتنمية (AKP) لتركيا حصلت تغيرات هائلة في منطقة الشرق الأوسط: فقد أسقطت قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية نظام صدام حسين واحتلت العراق في9/4/2003/.
وأصبحت الولايات جارة جديدة لتركيا.
فأمريكا اليوم ليست هي أمريكا الأمس بالنسبة لتركيا عندما كانت هذه الأخيرة مركزاً رئيسياً لقواعد الصواريخ الأمريكية الموجهة إلى الاتحاد السوفيتي السابق أثناء الحرب الباردة.
وبعد انهيار” الاتحاد السوفيتي وحلف وارصو” لم تعد هناك أي قيمة استراتيجية لوجود تلك الصواريخ.
وتغيرت الأحوال: فتركيا التي كانت تفتح أبوابها على مصراعيها للولايات المتحدة إبان الحرب الباردة تخلت عن حليفتها السابقة بمنعها قوات الولايات المتحدة من التمركز على أراضيها والاستفادة من مجالها الجوي أثناء الحرب على نظام صدام حسين وهو أكبر خطأ ترتكبه حكومة تركية بحق الولايات المتحدة التي ساندت تركيا سياسياً وعسكرياًَ وغضت الطرف عن المظالم التي ارتكبتها الحكومات التركية المتعاقبة بحق شعوبها وخاصة الشعب الكردي.
وهنا يمكن تشبيه حال الدولة التركية بما حصل للرجل المقامر الذي لعب في البداية بشكل جيد وحالفه الحظ فكسب الكثير من المال.
ولكن حان وقت الخسارة فطمع الرجل وبالغ كثيراً في الأموال التي قامر بها وتعثر أداؤه في اللعب وأخطأ فخسر ما جناه من مال.
نعم لقد بدأت الدولة التركية تخسر: فهي من ناحية: في حالة عداء مع الشعب الكردي في الداخل.
ومن ناحية أخرى: بات الوضع العراقي الجديد وخاصة نشوء إقليم كردستان يشكلان مزيدا من القلق لتركيا وذلك خوفا من انتقال الحالة العراقية إلى هناك.
وفي السياسة الدولية: تصدعت العلاقة بينها وبين حليفتها السابقة( الولايات المتحدة).
أما على الصعيد الأوربي: لا يبدو هناك بصيص أمل لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي ولو على المدى البعيد نتيجة قمعها للحريات السياسية وخرقها لحقوق الإنسان واضطهادها للشعب الكردي.
إذن: فأن وضع الدولة التركية الحالي ليس على ما يرام وهذا ما يعرفه اشد الساسة الأتراك شوفينية وتطرفاً, فقد حان الوقت كي يتخلى هؤلاء وغيرهم من القادة الأتراك من تعنتهم وعنجهيتهم الفارغة التي لن تعود بالفائدة على بلدهم.
بل على العكس تماما: إن سياسة الاستعلاء القومي والجحود في إنكار حقوق الشعب الكردي ومعاداته والتهديدات المستمرة التي يوجهها الساسة والعسكريون الأتراك لحكومة إقليم كردستان العراق ورئيسها الأستاذ” مسعود بارزاني” بالتدخل العسكري في كردستان العراق بحجة قيام مقاتلي حزب العمال الكردستاني بعملياتهم في تركيا انطلاقا من أراضي (الإقليم) لن تجلب لتركيا إلا مزيدا من الضحايا واللااستقرار والدمار.
أن السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الكردي-التركي هو الاعتراف الصريح والرسمي من جانب الدولة التركية بوجود الشعب الكردي والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الممثلين الحقيقيين للشعب الكردي والبدء بعرض ومناقشة كافة القضايا- موضوعات الصراع- التي لن تستعصي على الحل إن توفرت الإرادة الطيبة والنوايا الحسنة لدى الطرفيين المتحاورين.
أن الحقيقة التاريخية والواقع الراهن يؤكدان على أن الأكراد هم الشركاء الأساسيين إلى جانب جيرانهم الأتراك والعرب والإيرانيين في هذه المنطقة ولا يمكن إلغاء تلك الثوابت مهما حاولت الأنظمة الحاكمة في كردستان العبث بذلك.
ملاحظة: سوف تجرى في الـ 22 من شهر تموز القادم الانتخابات البرلمانية في تركيا وسيشارك فيها الأكراد أساس فردي مستقل وليس على أساس القائمة الحزبية وذلك لصعوبة تخطي حاجز الـ 10% من أصوات الناخبين التي تسمح بنيل أهلية دخول البرلمان في الوقت الراهن.
¹ حزب الشعب الجمهوري (CHP) : هو حزب بناه أتاتورك على أسس قومية و عنصرية لا تعترف إلا بوجود قومية واحدة في تركيا هي القومية التركية.
² آلب أرسلان توركش : ضابط كولونيل وفيما بعد سياسي .
أسس في بداية السبعينات من القرن الماضي حزب الحركة القومية (MHP).
وهو حزب يميني – فاشي أشترك في كثير من الأعمال الإجرامية و الاغتيالات في صفوف اليساريين من الساسة و الطلبة الجامعيين .
ويعتبر حزب الحركة القومية نفسه من حماة الجمهورية التركية.
³ نجم الدين أربكان : سياسي إسلامي تركي و رئيس حزب الرفاه .
شكل حكومة
ائتلافية مع “حزب الطريق القويم” برئاسة “تانسو جيلير” في عام 1995.
غير أن تلك الحكومة لم تكن برضى الجيش و غيره من المؤسسات و الهيئات الآتاتوركية فأبعدت من الحكم وذلك بعد أن تقدمت القيادة العسكرية في مجلس الأمن القومي التركي يوم 28 شباط من عام 1997 بمجموعة من القرارات طلبت من الحكومة تنفيذها فوراً لمكافحة ما سمته الرجعية في البلاد وسد جميع الطرق أمام الحركات والتيارات الدينية.
كان ذلك انقلاباً غير اعتيادياً أدى إلى سقوط حكومة أربكان وحل حزب الرفاه و من بعده حزب الفضيلة و حظر على نجم الدين أربكان ممارسة النشاط السياسي و الترشيح للبرلمان وهو الانقلاب الرابع في تركيا.
وفي 27 نيسان من عام 2007 حدث ما يشبه الذي حصل لنجم الدين أربكان , فقد تحالف الآتاتوركيون (الجيش+حزب الشعب الجمهوري+ المحكمة الدستورية) على منع وصول مرشح حزب العدالة و التنمية “عبد الله غول” إلى كرسي رئاسة الجمهورية.
ومازال احتمال وقوع انقلاب آخر في تركيا قائماً .
4(حزب العدالة والتنمية – AKP ): تمخض هذا الحزب عن حزب الفضيلة المحظور الذي تشكل بدوره بعد حل حزب الرفاه من جانب المحكمة الدستورية في تركيا.
¹ حزب الشعب الجمهوري (CHP) : هو حزب بناه أتاتورك على أسس قومية و عنصرية لا تعترف إلا بوجود قومية واحدة في تركيا هي القومية التركية.
² آلب أرسلان توركش : ضابط كولونيل وفيما بعد سياسي .
أسس في بداية السبعينات من القرن الماضي حزب الحركة القومية (MHP).
وهو حزب يميني – فاشي أشترك في كثير من الأعمال الإجرامية و الاغتيالات في صفوف اليساريين من الساسة و الطلبة الجامعيين .
ويعتبر حزب الحركة القومية نفسه من حماة الجمهورية التركية.
³ نجم الدين أربكان : سياسي إسلامي تركي و رئيس حزب الرفاه .
شكل حكومة
ائتلافية مع “حزب الطريق القويم” برئاسة “تانسو جيلير” في عام 1995.
غير أن تلك الحكومة لم تكن برضى الجيش و غيره من المؤسسات و الهيئات الآتاتوركية فأبعدت من الحكم وذلك بعد أن تقدمت القيادة العسكرية في مجلس الأمن القومي التركي يوم 28 شباط من عام 1997 بمجموعة من القرارات طلبت من الحكومة تنفيذها فوراً لمكافحة ما سمته الرجعية في البلاد وسد جميع الطرق أمام الحركات والتيارات الدينية.
كان ذلك انقلاباً غير اعتيادياً أدى إلى سقوط حكومة أربكان وحل حزب الرفاه و من بعده حزب الفضيلة و حظر على نجم الدين أربكان ممارسة النشاط السياسي و الترشيح للبرلمان وهو الانقلاب الرابع في تركيا.
وفي 27 نيسان من عام 2007 حدث ما يشبه الذي حصل لنجم الدين أربكان , فقد تحالف الآتاتوركيون (الجيش+حزب الشعب الجمهوري+ المحكمة الدستورية) على منع وصول مرشح حزب العدالة و التنمية “عبد الله غول” إلى كرسي رئاسة الجمهورية.
ومازال احتمال وقوع انقلاب آخر في تركيا قائماً .
4(حزب العدالة والتنمية – AKP ): تمخض هذا الحزب عن حزب الفضيلة المحظور الذي تشكل بدوره بعد حل حزب الرفاه من جانب المحكمة الدستورية في تركيا.