إبراهيم درويش
Syria_kurds@yahoo.com
تمهيد:
منذ إلغاء السلطنة العثمانية رسمياً عام 1923 والتقسيم الذي فرض على كردستان بين أربعة كيانات حديثة، وكان القسم الأكبر من نصيب تركيا الكمالية الحديثة، والشعب الكردي يخوض ـ بما أوتي من قوة ـ معركة الوجود والدفاع عن الذات والهوية، في مواجهة دعوات عنصرية تذويبية إلحاقية إلغائية.
وكان على هذا الشعب البسيط أن يدفع في مواجهة الكمالية الطورانية ملايين من الضحايا طوال تسعة عقود، فضلاً عن تدمير مئات القرى وتهجير ملايين أخرى إلى غربي الأناضول
Syria_kurds@yahoo.com
تمهيد:
منذ إلغاء السلطنة العثمانية رسمياً عام 1923 والتقسيم الذي فرض على كردستان بين أربعة كيانات حديثة، وكان القسم الأكبر من نصيب تركيا الكمالية الحديثة، والشعب الكردي يخوض ـ بما أوتي من قوة ـ معركة الوجود والدفاع عن الذات والهوية، في مواجهة دعوات عنصرية تذويبية إلحاقية إلغائية.
وكان على هذا الشعب البسيط أن يدفع في مواجهة الكمالية الطورانية ملايين من الضحايا طوال تسعة عقود، فضلاً عن تدمير مئات القرى وتهجير ملايين أخرى إلى غربي الأناضول
وتدهور الاقتصاد التركي وتخلف قطاع التنمية في عموم تركيا، كل ذلك من أجل بناء دولة تركية حديثة منسجمة، لا وجود فيها لغير العنصر التركي! وماذا كانت النتيجة؟ النتيجة ببساطة أن الشعب الكردي ـ الذي يعدّ أقدم من الشعب التركي في هذه المنطقة ـ لم يتحول إلى أتراك كما أريد له، ولم ينس أنه ذو خصائص متميزة عن الشعوب الأخرى التركية والعربية والفارسية وغيرها، وأن له حق الحياة كباقي الشعوب.
ولتكريس الإلحاق والإذابة للشعب الكردي أكثر في البوتقة التركية فقد أصدر الانقلابيون الأتراك عام 1980 عدداً من القرارات، منها:
· منع استخدام اللغة الكردية في مؤسسات الدولة.
· تغيير أسماء القرى والبلدات الكردية.
· الإجبار على التسمي بأسماء تركية.
· حل الأحزاب ذات التوجه الكردي.
السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات لمن ينتهك هذه القوانين(1).
وكتطبيق عمليّ لهذه القرارات فقد سُجِنَ في مارس 1981 شرف الدين ألصي، الوزير في حكومة بولند أجاويد ثلاث سنوات، لأنه أعلن عن انتمائه االكردي.
كما تمت المتابعة القضائية للمغني التركي ذي الأصول الكردية إبراهيم تاتليسس عندما غنّى بكلمات كردية في حفل غنائي بباريس سنة 1988 (2).
استمرار هذه الحرب العبثية:
كردّ فعل كردي على هذه القرارات وأخواتها فقد قام حزب العمال الكردستاني، الذي استقطب أعداداً كبيرة من الشباب الكردي في تركيا والدول المجاورة، بشن حرب عصابات ضد القوات والمصالح التركية، أوقعت حتى الآن نحو أربعين ألف قتيل وأضعاف هذا الرقم من الجرحى والمشردين، كما تسببت هذه الحرب بتدمير أعداد كبيرة من القرى الكردية، وتوقف عجلة التنمية ـ التي كانت شبه معدومة في الأصل ـ في المناطق الكردية، وأنفقت المؤسسة العسكرية عشرات المليارات من الدولارات على المجهود الحربي العبثي، الشعب التركي بأمسّ الحاجة إلى كل قرش منها، ولكنّ شيئاً من الأهداف لم يتحقق؛ فلا الشعب الكردي انتهى وتنازل عن حقوقه، ولا الحركة المسلحة انتهت وعاش الناس في سلام، حتى بعد اعتقال زعيم الحركة عبدالله أوج آلان، ولا النزيف في الاقتصاد التركي توقّف!
والسؤال هو: إلى متى هذه الحرب التي تحفر أخاديد في العلاقات الأخوية بين الشعبين المسلمين الكردي والتركي، يصعب مع مرور الزمن ردمها وتجسيرها، إن بقيت الأمور هكذا ولم تفكر المؤسسات التركية الحاكمة بحل منطقي عقلاني يقوم على أساس الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية وغيرها للشعب الكردي في تركيا؟ هل الحل في اجتياح كردستان العراق، تحت ادّعاء ملاحقة حزب العمال الكردستاني هناك؟ كم من الاجتياحات قد تمّ خلال السنوات السابقة، لا سيّما خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، فماذا كانت النتيجة؟ لا شيء.
إذن على العقلاء البحث عن حلول أخرى أكثر منطقية وأوفر في التكاليف المادية والبشرية، وأدعى إلى الإبقاء على ما تبقى من علاقات الأخوة بين الكرد والترك.
الأمل الأخير في حزب العدالة والتنمية:
ما زلنا على قناعاتنا في أن الأمل في حل المعضلة الكردية في الشرق الأوسط معقود على الأحزاب والحركات الإسلامية، التي تراعي حق الأخوة الإسلامية، وتحسب حساب الوقوف بين يدي الله تعالى يوم العَرض الأكبر، بعدما فشلت كل المحاولات والحركات اليسارية والقومية ـ التي تنطلق من مصالحها الآنية الدنيوية ـ في إيجاد حل يرضي هذا الشعب الذي وقع ضحية مؤامرات دولية وإقليمية في ظل غياب الإسلام المخلّص.
فهل أملنا في محلّه؟ وهل سيكون أصحاب التوجّه الإسلامي عند حُسن ظنّ إخوانهم الكرد المضطهَدين؟
الدلائل الأولية حتى الآن تشير إلى أنهم الأفضل حتى الآن؛ فخلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بداية مايو/ أيار 2006 للمناطق الكردية في تركيا، تحدّث أردوغان في ديار بكر عن الكرد في تركيا ومعاناتهم، ووعد أن تعمل حكومته على إصلاح ما اعتبرها أخطاء الماضي، في إشارة منه إلى السياسة القسرية لإدماج الكرد في النسيج الاجتماعي والسياسي التركي التي استمرت أكثر من ثمانين سنة.
وهذه أول مرة يعترف فيها مسؤول تركي بوجود شعب كردي في تركيا، منذ عهد كمال أتاتورك، الذي عدّ الكرد “أتراك الجبال”، ولتحقيق هذه الكذبة الكبرى كانت هذه الأنهار من الدماء والدموع والأموال تجري طوال هذه العقود دونما نتيجة!!
والآن، وبعد أن اكتسح حزب العدالة والتنمية ـ ذو الجذور الإسلامية ـ الساحة السياسية التركية، وحقق فوزاً ساحقاً على خصومه المتربّصين، ولا ننس الأصوات الكردية التي رجحت كفته، هل ستشهد القضية الكردية هناك انفراجاً؟ وهل صار بالإمكان طيّ صفحة أخرى في تاريخ العلاقات الكردية ـ التركية الأخوية غطت الدماء والمظالم والأحزان والقهر والتذويب والإلحاق والإلغاء كل ملامحها الجميلة؟
إننا ندرك تماماً أن السيد أردوغان وحزبه لا يمتلكان عصا سحرية لحل المشكلات التركية المزمنة والشائكة، ولا الحرية المطلقة في التصرف، في ظل هيمنة المؤسسة التركية، التي تعدّ نفسَها الحارس الأمين لميراث أتاتورك العلماني والطوراني، ونعي أيضاً أن سيره في الأجواء التركية المشحونة والمتوجّسة يشبه سير الماشي في حقول ألغام…، ولكننا ندرك ونعي أيضاً أن ثقة المواطن التركي في الإصلاحات التي بدأها حزب العدالة والتنمية خلال الدورة الانتخابية الماضية قد شدّت من عزيمة هذا الحزب، وجعلت من السياسة التي ينتهجها على الصعيدين الداخلي والخارجي موضع رضا وقبول لدى أوسع قطاع من الشعب التركي بملايينه السبعين.
الأمر الذي ضاعف من شرعية هذا الحزب وقوته وصوابية رؤاه و معالجاته… لذلك كله نرى أن الوقت قد حان لأن يلتفت السيد أردوغان وحزبه إلى القضية الكردية في تركيا، ويثبت لإخوان العقيدة والتاريخ والمصير هناك أن ثمة عدالة لقضية شعب يكافح لنيل حقوقه التي وهبها الله إياه، وأن ثمة تنمية لمناطقهم بعد عقود من الإهمال والنسيان.
والتهديدات التركية باجتياح كردستان العراق:
أما التهديدات العسكرية التركية باجتياح كردستان العراق، بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني التركي هناك فنظنّ أن الآثار الكارثية لمثل هذا الاجتياح، على الجانبين الكردي والتركي، ستجعل أيّ عاقل يعدّ إلى المليون قبل أن يفكر بمثل هذا الاجتياح، ذلك أن الاجتياح ليس هدفاً بحدّ ذاته، فقد حصلت اجتياحات سابقة ـ كما ذكرنا ـ ولم تسفر عن شيء، والحل الوحيد يكمن في الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للكرد في تركيا، والتقدم بخطوات عملية على طريق التراجع عن سياسة التتريك، ورفع الغبن القومي عن الشعب الكردي في تركيا.
إن الشعب الكردي، كغيره من شعوب العالم، يريد أن يعيش في سلام وأمان ورخاء، ولا يحب الحروب وسفك الدماء لذاتها، فعلينا أن نعي هذا ونستثمره.
وما أجمل ما قاله خليفة أوج آلان ( باهوزر آردال القائد العام للجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني التركي) لمراسل قناة الجزيرة(أحمد الزاويتي) قبل نحو عام من الآن، قال: ” نحن أعلنا في فترة السنوات الست الماضية، ومن جانب واحد عن وقف القتال، وأخرجنا قواتنا المسلحة إلى خارج الأراضي التركية، واخترنا الشكل الديمقراطي كأساس لحل مشكلتنا، كل هذا لم يكن تكتيكاً، بل تقارباً جدّياً من قبلنا، وفرصة جدية لحل المشكلة الكردية، ومن أجل أن لا تتحول مشكلتنا إلى عقدة مستعصية على الحل بين شعوب المنطقة، وأن لا تكون هناك مواجهات بين هذه الشعوب، هذا مشروع استراتيجي بالنسبة لنا”.
هل قرأ هذا الكلام دعاة الحروب والاجتياحات؟ ماذا يريدون أكثر من هذا؟ أيّ حكمة في ركوب حدّ السيف؟
وإذا كنا نستبعد أن يثوب تجار الحروب إلى رشدهم، فإن الأمل معقود على السيد رجب طيب أردوغان وحزبه، الذي يستطيع التحرك بشرعية اكتسبها عبر صناديق الاقتراع، ليحلّ مشكلة مستعصية طال أمدها وكثرت ذيولها.
إن أنظار الكرد في كل مكان تتجه الآن صوب حزب العدالة والتنمية الذي فاز في الانتخابات في تركيا، ليرى ما ستسفر عنه الأيام القادمة، وبعد مرور أكثر من عام على زيارة أردوغان لديار بكر ووعوده ” بأن تعمل حكومته على إصلاح ما اعتبرها أخطاء الماضي”، لتصبح العلاقات بين الكرد والترك مثالاً يحتذى في المنطقة كلها، حقناً للدماء الإسلامية الزكية التي تراق، وترسيخاً لمعاني الأخوة الإسلامية وقيمها بين شعبين مهمين من شعوب الشرق الأوسط.
فهل ترانا نحلم أم نطلب المستحيل؟
ولتكريس الإلحاق والإذابة للشعب الكردي أكثر في البوتقة التركية فقد أصدر الانقلابيون الأتراك عام 1980 عدداً من القرارات، منها:
· منع استخدام اللغة الكردية في مؤسسات الدولة.
· تغيير أسماء القرى والبلدات الكردية.
· الإجبار على التسمي بأسماء تركية.
· حل الأحزاب ذات التوجه الكردي.
السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات لمن ينتهك هذه القوانين(1).
وكتطبيق عمليّ لهذه القرارات فقد سُجِنَ في مارس 1981 شرف الدين ألصي، الوزير في حكومة بولند أجاويد ثلاث سنوات، لأنه أعلن عن انتمائه االكردي.
كما تمت المتابعة القضائية للمغني التركي ذي الأصول الكردية إبراهيم تاتليسس عندما غنّى بكلمات كردية في حفل غنائي بباريس سنة 1988 (2).
استمرار هذه الحرب العبثية:
كردّ فعل كردي على هذه القرارات وأخواتها فقد قام حزب العمال الكردستاني، الذي استقطب أعداداً كبيرة من الشباب الكردي في تركيا والدول المجاورة، بشن حرب عصابات ضد القوات والمصالح التركية، أوقعت حتى الآن نحو أربعين ألف قتيل وأضعاف هذا الرقم من الجرحى والمشردين، كما تسببت هذه الحرب بتدمير أعداد كبيرة من القرى الكردية، وتوقف عجلة التنمية ـ التي كانت شبه معدومة في الأصل ـ في المناطق الكردية، وأنفقت المؤسسة العسكرية عشرات المليارات من الدولارات على المجهود الحربي العبثي، الشعب التركي بأمسّ الحاجة إلى كل قرش منها، ولكنّ شيئاً من الأهداف لم يتحقق؛ فلا الشعب الكردي انتهى وتنازل عن حقوقه، ولا الحركة المسلحة انتهت وعاش الناس في سلام، حتى بعد اعتقال زعيم الحركة عبدالله أوج آلان، ولا النزيف في الاقتصاد التركي توقّف!
والسؤال هو: إلى متى هذه الحرب التي تحفر أخاديد في العلاقات الأخوية بين الشعبين المسلمين الكردي والتركي، يصعب مع مرور الزمن ردمها وتجسيرها، إن بقيت الأمور هكذا ولم تفكر المؤسسات التركية الحاكمة بحل منطقي عقلاني يقوم على أساس الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية وغيرها للشعب الكردي في تركيا؟ هل الحل في اجتياح كردستان العراق، تحت ادّعاء ملاحقة حزب العمال الكردستاني هناك؟ كم من الاجتياحات قد تمّ خلال السنوات السابقة، لا سيّما خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، فماذا كانت النتيجة؟ لا شيء.
إذن على العقلاء البحث عن حلول أخرى أكثر منطقية وأوفر في التكاليف المادية والبشرية، وأدعى إلى الإبقاء على ما تبقى من علاقات الأخوة بين الكرد والترك.
الأمل الأخير في حزب العدالة والتنمية:
ما زلنا على قناعاتنا في أن الأمل في حل المعضلة الكردية في الشرق الأوسط معقود على الأحزاب والحركات الإسلامية، التي تراعي حق الأخوة الإسلامية، وتحسب حساب الوقوف بين يدي الله تعالى يوم العَرض الأكبر، بعدما فشلت كل المحاولات والحركات اليسارية والقومية ـ التي تنطلق من مصالحها الآنية الدنيوية ـ في إيجاد حل يرضي هذا الشعب الذي وقع ضحية مؤامرات دولية وإقليمية في ظل غياب الإسلام المخلّص.
فهل أملنا في محلّه؟ وهل سيكون أصحاب التوجّه الإسلامي عند حُسن ظنّ إخوانهم الكرد المضطهَدين؟
الدلائل الأولية حتى الآن تشير إلى أنهم الأفضل حتى الآن؛ فخلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بداية مايو/ أيار 2006 للمناطق الكردية في تركيا، تحدّث أردوغان في ديار بكر عن الكرد في تركيا ومعاناتهم، ووعد أن تعمل حكومته على إصلاح ما اعتبرها أخطاء الماضي، في إشارة منه إلى السياسة القسرية لإدماج الكرد في النسيج الاجتماعي والسياسي التركي التي استمرت أكثر من ثمانين سنة.
وهذه أول مرة يعترف فيها مسؤول تركي بوجود شعب كردي في تركيا، منذ عهد كمال أتاتورك، الذي عدّ الكرد “أتراك الجبال”، ولتحقيق هذه الكذبة الكبرى كانت هذه الأنهار من الدماء والدموع والأموال تجري طوال هذه العقود دونما نتيجة!!
والآن، وبعد أن اكتسح حزب العدالة والتنمية ـ ذو الجذور الإسلامية ـ الساحة السياسية التركية، وحقق فوزاً ساحقاً على خصومه المتربّصين، ولا ننس الأصوات الكردية التي رجحت كفته، هل ستشهد القضية الكردية هناك انفراجاً؟ وهل صار بالإمكان طيّ صفحة أخرى في تاريخ العلاقات الكردية ـ التركية الأخوية غطت الدماء والمظالم والأحزان والقهر والتذويب والإلحاق والإلغاء كل ملامحها الجميلة؟
إننا ندرك تماماً أن السيد أردوغان وحزبه لا يمتلكان عصا سحرية لحل المشكلات التركية المزمنة والشائكة، ولا الحرية المطلقة في التصرف، في ظل هيمنة المؤسسة التركية، التي تعدّ نفسَها الحارس الأمين لميراث أتاتورك العلماني والطوراني، ونعي أيضاً أن سيره في الأجواء التركية المشحونة والمتوجّسة يشبه سير الماشي في حقول ألغام…، ولكننا ندرك ونعي أيضاً أن ثقة المواطن التركي في الإصلاحات التي بدأها حزب العدالة والتنمية خلال الدورة الانتخابية الماضية قد شدّت من عزيمة هذا الحزب، وجعلت من السياسة التي ينتهجها على الصعيدين الداخلي والخارجي موضع رضا وقبول لدى أوسع قطاع من الشعب التركي بملايينه السبعين.
الأمر الذي ضاعف من شرعية هذا الحزب وقوته وصوابية رؤاه و معالجاته… لذلك كله نرى أن الوقت قد حان لأن يلتفت السيد أردوغان وحزبه إلى القضية الكردية في تركيا، ويثبت لإخوان العقيدة والتاريخ والمصير هناك أن ثمة عدالة لقضية شعب يكافح لنيل حقوقه التي وهبها الله إياه، وأن ثمة تنمية لمناطقهم بعد عقود من الإهمال والنسيان.
والتهديدات التركية باجتياح كردستان العراق:
أما التهديدات العسكرية التركية باجتياح كردستان العراق، بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني التركي هناك فنظنّ أن الآثار الكارثية لمثل هذا الاجتياح، على الجانبين الكردي والتركي، ستجعل أيّ عاقل يعدّ إلى المليون قبل أن يفكر بمثل هذا الاجتياح، ذلك أن الاجتياح ليس هدفاً بحدّ ذاته، فقد حصلت اجتياحات سابقة ـ كما ذكرنا ـ ولم تسفر عن شيء، والحل الوحيد يكمن في الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للكرد في تركيا، والتقدم بخطوات عملية على طريق التراجع عن سياسة التتريك، ورفع الغبن القومي عن الشعب الكردي في تركيا.
إن الشعب الكردي، كغيره من شعوب العالم، يريد أن يعيش في سلام وأمان ورخاء، ولا يحب الحروب وسفك الدماء لذاتها، فعلينا أن نعي هذا ونستثمره.
وما أجمل ما قاله خليفة أوج آلان ( باهوزر آردال القائد العام للجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني التركي) لمراسل قناة الجزيرة(أحمد الزاويتي) قبل نحو عام من الآن، قال: ” نحن أعلنا في فترة السنوات الست الماضية، ومن جانب واحد عن وقف القتال، وأخرجنا قواتنا المسلحة إلى خارج الأراضي التركية، واخترنا الشكل الديمقراطي كأساس لحل مشكلتنا، كل هذا لم يكن تكتيكاً، بل تقارباً جدّياً من قبلنا، وفرصة جدية لحل المشكلة الكردية، ومن أجل أن لا تتحول مشكلتنا إلى عقدة مستعصية على الحل بين شعوب المنطقة، وأن لا تكون هناك مواجهات بين هذه الشعوب، هذا مشروع استراتيجي بالنسبة لنا”.
هل قرأ هذا الكلام دعاة الحروب والاجتياحات؟ ماذا يريدون أكثر من هذا؟ أيّ حكمة في ركوب حدّ السيف؟
وإذا كنا نستبعد أن يثوب تجار الحروب إلى رشدهم، فإن الأمل معقود على السيد رجب طيب أردوغان وحزبه، الذي يستطيع التحرك بشرعية اكتسبها عبر صناديق الاقتراع، ليحلّ مشكلة مستعصية طال أمدها وكثرت ذيولها.
إن أنظار الكرد في كل مكان تتجه الآن صوب حزب العدالة والتنمية الذي فاز في الانتخابات في تركيا، ليرى ما ستسفر عنه الأيام القادمة، وبعد مرور أكثر من عام على زيارة أردوغان لديار بكر ووعوده ” بأن تعمل حكومته على إصلاح ما اعتبرها أخطاء الماضي”، لتصبح العلاقات بين الكرد والترك مثالاً يحتذى في المنطقة كلها، حقناً للدماء الإسلامية الزكية التي تراق، وترسيخاً لمعاني الأخوة الإسلامية وقيمها بين شعبين مهمين من شعوب الشرق الأوسط.
فهل ترانا نحلم أم نطلب المستحيل؟
الهوامش:
(1) ينظر: سيدي أحمد ولد أحمد سالم: مقال : من تكريس الذوبان إلى الاعتراف بالحقوق: الكرد والدمج في تركيا،مجلة المعرفة 23/5/2006.
(2) :المصدر السابق.