درويش محمى
»عصر يوم 30 يوليو سنة 1962 كنا نجلس في ضيافة عمي ابراهيم, وفجأة سمعنا صوت انفجار قوي, ليقول عمي على الفور: لقد قتل لطيف, وبقي جثمان لطيف بين ضفتي الحدود المليئة بالالغام والعسكر, ولم نتمكن من العثور عليه وجلبه الا صباح اليوم التالي” هذا ماسرده لي الاخ الاصغر للطيف, السيد محمد امين شاكر عن يوم الحادث الاليم, يوم استشهاد لطيف.
»عصر يوم 30 يوليو سنة 1962 كنا نجلس في ضيافة عمي ابراهيم, وفجأة سمعنا صوت انفجار قوي, ليقول عمي على الفور: لقد قتل لطيف, وبقي جثمان لطيف بين ضفتي الحدود المليئة بالالغام والعسكر, ولم نتمكن من العثور عليه وجلبه الا صباح اليوم التالي” هذا ماسرده لي الاخ الاصغر للطيف, السيد محمد امين شاكر عن يوم الحادث الاليم, يوم استشهاد لطيف.
اعرفها جيداً, اعرف كل تفاصيل تضاريسها, كما اعرف ملامح وقسمات وجوه اهلها الطيبين المفعمين بالكردايتي الاصيلة النقية, لطيفيه قرية صغيرة على تخوم مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية, ولا تبعد عن الحدود التركية سوى مئتي متر, اختار اهلها بناءها على تلة قديمة قدم التاريخ وسط سهل منخفض, ولولا نسمات الشمال العليلة القادمة من جبال كردستان, لاختنقت القرية بين الحدود التركية القاتلة من شمالها, ومستوطنة ام فرسان جنوبها, والبرغث وحرارة الصيف الحارقة .
كما عرفت خليل الابن البكر للطيف, عرفته عن قرب, ولن انسى ماحييت عزة نفسه وكرمه وشجاعته, وطالما جلسنا معاً في اعلى التلة على بعد امتار من قبر والده الشهيد, وانظارنا متجهة صوب الحدود التركية المحصنة بانواع مختلفة من الالغام والجندرمة الترك, تلك الحدود الظالمة التي قسمت الاهل والاحبة على طرفي الحدود, والتي قتل فيها لطيف وهو يحاول بطريقته الخاصة التعبير عن رفضه للواقع المرير, ينزع الغامها واحدة بعد الاخرى, ليرسلها الى البارزانيين والثوار الكرد في الطرف الاخر من الحدود .
وكما رحل لطيف في ريعان العمر, رحل عنا خليل مبكراً كوالده الشهيد, والغريب رغم معرفتي الوثيقة به, لم يخبرني عن حقيقة رحيل والده, شأنه في ذلك شأن اخيه خوشناف الابن الاصغر للطيف, لم يفتخر ويعتز احدهما يوماً ما, ببطولة والدهما وتفانيه في خدمة الكرد, وهكذا هم الرجال ابناء الرجال يعملون بتفان وصمت ومن دون مقابل .
“عاد قبل يوم من استشهاده وكان منهكاً من السفر, فقد ترك ورفاقه حمولة من الالغام على ضفاف نهر الدجلة” وعن يوم رحيل لطيف واستشهاده تقول شقيقته ارملة السيد حسين حاجو طيب الله ثراه “رغم التعب والارهاق ذهب في اليوم التالي الى الحدود وبرفقته احد اصحابه, لينزع لغماً عصي عليه تفكيكه, ولطيف على مايبدو وهو يهم بتفكيك اللغم ادرك انه سينفجر فطلب من صاحبه الابتعاد عن المكان, ثم حصل ما حصل” وتستطرد في الحديث عن شجاعة اخيها لطيف ورباطة جأشه وتقول:” كلما شك الجندرمة الاتراك بوجود حركة غير طبيعية في الحدود, كانوا يحاصرون منزلنا, لكن لطيف كان يسبقهم الى البيت ويتظاهر بالنوم, فيمد احدهم يديه ليمررها على قلبه ويراقب نبضه, فيقول ان الرجل لم يتحرك من مكانه, وكان العدو قبل الصديق يحترم شجاعة لطيف وجرأته……ويوم استشهاده, كان الجاويش المعروف ب¯ »علي موتكي«, يصرخ بأعلى صوته منادياً اهل القرية, لن نعاقبكم ان دخلتم الحدود لجلب جثمان لطيف, فهو رجل شجاع لا يستحق ان يترك في العراء” .
لطيف واخوه محمد امين كانا “بارتيين”, ويوم اصاب البارتي المحنة الاولى من التصدع والتقسيم العام 1965 بعد استشهاد لطيف بثلاثة اعوام, توقف الاخ الصغير عن النشاط السياسي, ورفض رفضاً قاطعاً الانضمام الى الجديد كما ابتعد عن القديم, رغم العروض المغرية التي حلت عليه من هذا وذاك, فالكردايتي لاتقبل الفصل والتقسيم في منطق لطيف واخوته, ولابد لها ان تكون على الطريقة البارزانية المثلى, خليطا متجانسا من الشجاعة والتضحية والصبر وقبل كل شيئ الشهادة, فهي اسمى من انتماءات التحزب والتقوقع والخلاف .
في ذكرى استشهاد لطيف شاكر, شهيد الكرد وعاشق كردستان, لايسعني الا ان اقف باجلال وخشية امام روحه الطاهرة, ويشرفني انني كنت شاهداً على رحيل رجل عظيم قدم اغلى مالديه, وكنت حاضراً لحظة زفة استشهاده, وانا لم اولد بعد وفي احشاء والدتي, التي اغمي عليها وهي تودع ابن عمها الشهيد, الذي مازال شامخاً على تلة ستبقى شاهدا على بطولة رجل وشموخ امة, لاتعرف الاستسلام ولا الرضوخ
كما عرفت خليل الابن البكر للطيف, عرفته عن قرب, ولن انسى ماحييت عزة نفسه وكرمه وشجاعته, وطالما جلسنا معاً في اعلى التلة على بعد امتار من قبر والده الشهيد, وانظارنا متجهة صوب الحدود التركية المحصنة بانواع مختلفة من الالغام والجندرمة الترك, تلك الحدود الظالمة التي قسمت الاهل والاحبة على طرفي الحدود, والتي قتل فيها لطيف وهو يحاول بطريقته الخاصة التعبير عن رفضه للواقع المرير, ينزع الغامها واحدة بعد الاخرى, ليرسلها الى البارزانيين والثوار الكرد في الطرف الاخر من الحدود .
وكما رحل لطيف في ريعان العمر, رحل عنا خليل مبكراً كوالده الشهيد, والغريب رغم معرفتي الوثيقة به, لم يخبرني عن حقيقة رحيل والده, شأنه في ذلك شأن اخيه خوشناف الابن الاصغر للطيف, لم يفتخر ويعتز احدهما يوماً ما, ببطولة والدهما وتفانيه في خدمة الكرد, وهكذا هم الرجال ابناء الرجال يعملون بتفان وصمت ومن دون مقابل .
“عاد قبل يوم من استشهاده وكان منهكاً من السفر, فقد ترك ورفاقه حمولة من الالغام على ضفاف نهر الدجلة” وعن يوم رحيل لطيف واستشهاده تقول شقيقته ارملة السيد حسين حاجو طيب الله ثراه “رغم التعب والارهاق ذهب في اليوم التالي الى الحدود وبرفقته احد اصحابه, لينزع لغماً عصي عليه تفكيكه, ولطيف على مايبدو وهو يهم بتفكيك اللغم ادرك انه سينفجر فطلب من صاحبه الابتعاد عن المكان, ثم حصل ما حصل” وتستطرد في الحديث عن شجاعة اخيها لطيف ورباطة جأشه وتقول:” كلما شك الجندرمة الاتراك بوجود حركة غير طبيعية في الحدود, كانوا يحاصرون منزلنا, لكن لطيف كان يسبقهم الى البيت ويتظاهر بالنوم, فيمد احدهم يديه ليمررها على قلبه ويراقب نبضه, فيقول ان الرجل لم يتحرك من مكانه, وكان العدو قبل الصديق يحترم شجاعة لطيف وجرأته……ويوم استشهاده, كان الجاويش المعروف ب¯ »علي موتكي«, يصرخ بأعلى صوته منادياً اهل القرية, لن نعاقبكم ان دخلتم الحدود لجلب جثمان لطيف, فهو رجل شجاع لا يستحق ان يترك في العراء” .
لطيف واخوه محمد امين كانا “بارتيين”, ويوم اصاب البارتي المحنة الاولى من التصدع والتقسيم العام 1965 بعد استشهاد لطيف بثلاثة اعوام, توقف الاخ الصغير عن النشاط السياسي, ورفض رفضاً قاطعاً الانضمام الى الجديد كما ابتعد عن القديم, رغم العروض المغرية التي حلت عليه من هذا وذاك, فالكردايتي لاتقبل الفصل والتقسيم في منطق لطيف واخوته, ولابد لها ان تكون على الطريقة البارزانية المثلى, خليطا متجانسا من الشجاعة والتضحية والصبر وقبل كل شيئ الشهادة, فهي اسمى من انتماءات التحزب والتقوقع والخلاف .
في ذكرى استشهاد لطيف شاكر, شهيد الكرد وعاشق كردستان, لايسعني الا ان اقف باجلال وخشية امام روحه الطاهرة, ويشرفني انني كنت شاهداً على رحيل رجل عظيم قدم اغلى مالديه, وكنت حاضراً لحظة زفة استشهاده, وانا لم اولد بعد وفي احشاء والدتي, التي اغمي عليها وهي تودع ابن عمها الشهيد, الذي مازال شامخاً على تلة ستبقى شاهدا على بطولة رجل وشموخ امة, لاتعرف الاستسلام ولا الرضوخ
* كاتب كردي سوري
d.mehma@hotmail.com
d.mehma@hotmail.com