افتتاحية صوت الأكراد *
لكن بعد ظهور الفكر الشمولي والحزب الواحد الذي طرح نفسه ممثلاً عن القومية السائدة، وليس عن الشعب السوري ، تم تجاهل هذا التاريخ المشترك ، وتراجع مفهوم الوطن والمواطن ، من خلال قيام السلطات الشوفينية بتنظيم حملة من الاتهامات الباطلة ، استهدفت اللوحة الوطنية الرائعة حينذاك وكان نصيب الشعب الكردي وحركته الوطنية من هذه الحملة مضاعفاً، وطنياً وقومياً خاصة عندما وضعت حركته الوطنية على عاتقها مهمة النضال السلمي الديمقراطي من أجل إزالة الاضطهاد القومي ، والتمييز العنصري عن كاهل شعبها ، وتأمين حقوقه القومية والديمقراطية في إطار وحدة البلاد، دون التفريط بمهامها الوطنية والديمقراطية ، واشتدت الحملة أكثر ظلماً عندما دأبت هذه السلطات بتشويه حقيقة القضية الكردية ، وتشككت في نوايا الشعب الكردي وأهداف حركته السياسية، وتشويه صورة هذا الشعب أمام الوسط الوطني ، وتصويره بشكل مخالف لحقيقته وواقعه ، وذلك لتمرير مشاريعها الشوفينية وفي مقدمتها الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام 1962، والحزام العربي السيئ الصيت فضلاً عن سياسة تعريب القرى والبلدات والمدن الكردية وغيرها من التدابير التمييزية ، ووصلت هذه الحملة الشوفينية ذروتها مطلع الستينيات من القرن الماضي ، عندما قام ضابط الأمن محمد طلب هلال رئيس شعبة الأمن السياسي في محافظة الحسكة ، بإثارة المخاوف من وجود ( الخطر ) الكردي على أمن البلاد ، من خلال قيامه بإعداد دراسة خطيرة عن الجزيرة ، من النواحي ( القومية والسياسية والاجتماعية ) تهدف إلى بناء حاجز بشري عربي يعزل الشعب الكردي في سوريا عن أشقائهم الكرد في كل من تركيا والعراق ، وسمي بالحزام العربي ، كما ويحذر فيه من سعي الكرد إلى الانفصال وتشكيل دولة كردية مستقلة ، وما إلى ذلك من مخاوف ، لتعبئة الجماهير العربية ، ضد أخوتهم الكرد ، ومن جهة أخرى توفير الذرائع للسلطات الشوفينية للمبادرة إلى تمرير هذا المخطط الشوفيني الظالم ، وتهجير المواطنين الكرد من مناطقهم الأصلية ، وإسكان العرب مكانهم ، بهدف تغيير التركيب الديمغرافي لهذه المناطق ، ومع الأسف الشديد ، فقد أخذت تلك المقترحات سبيلها إلى التطبيق ، عبر سلسلة من المشاريع الشوفينية والتدابير التمييزية ، وفي مقدمتها ، الإحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة عام 1962 ، الذي جرد بموجبه نحو مئة ألف مواطن كردي من جنسيتهم السورية ، وحتى هذه اللحظة ، فأن هؤلاء المواطنين محرومون من أبسط حقوقهم وواجباتهم الوطنية والإنسانية ، والحزام العربي ، الذي بدأت السلطات بتنفيذه منذ عام 1967، عندما قامت كمرحلة أولى بالاستيلاء على الأراضي الزراعية التي كانت يستثمرها الفلاحون الكرد على طول الشريط الحدودي مع تركيا والعراق ، بطول/375/ كم وعرض /10-15/ كم ، بحجة إقامة (مزارع الدولة ) ، وتم توزيعها فيما بعد عام 1974 ، على عرب ( الغمر ) ، وبنت السلطات لهم القرى النموذجية ، كما وفرت لهم كافة مستلزمات العيش الرغيد .
وفي العقدين الأخيرين من القرن الماضي ، تعمدت السلطات إلى نزع يد الفلاحين الكرد في قرى منطقة ديريك حتى من تلك المساحات الصغيرة من الأراضي الحجرية ، التي استصلحوها بعرق جبينهم، ومنحها لفلاحي ( الغمر ) بحجة استكمال حيازاتهم ، وذلك بهدف الضغط على المواطنين الكرد ، وحرمانهم من مصدر رزقهم وتفريغ قراهم ، وإرغامهم على الهجرة إلى كبريات المدن السورية أو إلى الخارج .
يظهران سلسلة المشاريع الشوفينية التي تستهدف الوجود الكردي لم تنته بعد ، ففي تاريخ 3 /2 /2007 ، أصدر وزير الزراعة والإصلاح الزراعي كتابا تحت الرقم 1682 / م د ، يقضي باستئناف عملية توزيع أراضي ( مزارع الدولة ) في منطقة ديريك ، وبناءا عليه فقد قامت مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بالحسكة بتاريخ 15/6/2007 على إبرام عقود منحت بموجبها حوالي /5600/ دونم من أراضي ( مزارع الدولة ) ، في إطار خمس قرى ، قرب مثلث الحدود السورية العراقية التركية لـ (151) عائلة عربية من منطقة الشدادي جنوب الحسكة ، بدلاً من توزيعها على فلاحي المنطقة الذين تعود ملكية هذه الأرض لهم أصلا ، وتم نزع يدهم منها ، بموجب مشروع الحزام العربي ، ويبدو أنها سوف تقدم على توزيع بقية الأراضي التابعة لمزارع الدولة الكائنة في منطقة الحزام العربي بمحافظة الحسكة على فلاحين وافدين من خارج المنطقة الكردية .
واضح أن هذا القرار يهدف إلى عرقلة التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع الكردي، وإجبار الفلاحين الكرد على الهجرة من أراضيهم ومن مناطقهم التاريخية ، وإلا كيف تبرر السلطة منح ما تبقى من أراضي منطقة الحزام العربي إلى عوائل تجلبهم مرة أخرى من خارج المنطقة الكردية ، في حين يعيش الآلاف من الفلاحين الكرد في نفس القرى المشمولة بمزارع الدولة بحالة حرمان من أراضيهم الزراعية أنه من الدهشة والاستغراب في هذا الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات داخلية ، وتتعرض لتهديدات خارجية ، أن تقدم القيادة القطرية لحزب البعث على توجيه وزير الزراعة والإصلاح الزراعي ، لإصدار هذا القرار الذي تفوح منها رائحة التفرقة والتمييز العنصري بين أبناء الوطن الواحد ، وتلحق أفدح الأضرار بالوحدة الوطنية ، وتسيء إلى سمعة سوريا ، وتزيد من حالة الاحتقان لدى أبناء شعبنا الكردي الذي لم يبخل بالتضحية والفداء من أجل استقلال بلاده وعزتها وكرامتها وازدهارها ، وتاريخ الثورات والانتفاضات السورية ما يزال يحتفظ بأسماء العديد من الأبطال الكرد الذين استرخصوا دماءهم في سبيل تحرير وطنهم من نير العبودية والاستغلال ، وبذلك كان تحقيق الاستقلال ثمرة من ثمار التلاحم الأخوي والوحدة الوطنية الحقيقية بين كافة أبناء الشعب السوري ، بعد كل هذا نتساءل هل يستحق شعبنا الكردي كل هذا الظلم والإجحاف ؟.
إننا في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) في الوقت الذي ندين ونستنكر فيه هذه القرارات الظالمة ، نطالب بالعدول عنها، وإنصاف الفلاحين الكرد ، وانتشالهم من براثن الفقر والجوع والحرمان، كما نهيب بكافة القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية والفعاليات المجتمعية والغيورين على المصلحة الوطنية العليا ، الوقوف بوجه هكذا قرارات وتوجهات ، لما تلحقه من ظلم وغبن بحق المواطنين الكرد ، ولما لها من أبعاد خطيرة تضر بالوحدة الوطنية الحقيقة التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم، والتي بها حققنا الاستقلال، وحافظنا على المكتسبات الوطنية للشعب السوري.
—-
* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) – العـدد ( 392 ) حزيـران 2007م