حول الغارات الإسرائيلية على سوريا

صوت الأكراد *

في أوائل الشهر الجاري (أيلول) أذاعت العديد من وكالات الأنباء نبأ مفاده أن الطيران الإسرائيلي اخترق الأجواء السورية للتجسس ، ثم بعدها أكدت الحكومة السورية صحة النبأ وبعدها اتضح حسب وكالات الأنباء أن العمل الإسرائيلي لم يكن تجسسياً واستطلاعياً فقط بل تعرضت منطقة داخل الأراضي السورية لقصف إسرائيلي ، وقد أكدت بعض الأنباء تعرض أكثر من موقع للقصف الإسرائيلي ، وكان رد الحكومة السورية على لسان وليد المعلم (أن سوريا لا تفكر بالرد العسكري على الخرق الإسرائيلي) …

 

إن هذا الحادث يؤكد من جديد أن دائرة التضييق على سوريا تزداد يوماً بعد يوم ، فبعد الخلافات العميقة بين سوريا والعديد من الدول العربية وخاصة تلك الدول المؤثرة في العالم العربي والإسلامي (الحكومة السعودية) وتغيير الكثير من التحالفات الإقليمية والدولية باتت سوريا مستهدفة من أكثر من جهة عربية وإقليمية وفي ظل اختلال موازين القوى لصالح المعسكر الآخر بشكل كبير بعد أن افتقدت سوريا البعد العربي والإسلامي إلى درجة كبيرة (والذي كان يعتبر الرهان عليه منذ البداية خطأ جسيماً) وفي ظل المتغيرات العالمية الجديدة تبدو سوريا ضعيفة وعاجزة على الرد على أفضح عدوان يستهدف النيل من سيادة سوريا ويستبيح أجواءها وأراضيها (ورغم أن هذا العدوان الإسرائيلي مدان من قبلنا) ولكن لابد من التوضيح إن هذا الضعف ورغم وجود العديد من الظروف الموضوعية فإن العامل الذاتي لهذا الضعف تتحمل السلطة وحدها مسؤوليته بعد أن اتخذت قرارها بمواجهة ومعالجة كل التحديات بنفسها وأدواتها الخاصة بمنأى عن مشاركة غالبية الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية في هذه المواجهة وتحديد الخيارات المستقبلية فالشعب السوري الذي يئن تحت وطأة الأحكام العرفية وحالة الطوارئ منذ عقود من الزمن ، والذي أفقد المواطن قدرته على التعبير الحر بل حتى التفكير الحر ، كما أن غياب قانون عصري للأحزاب وآخر للصحافة قد حرم القوى الوطنية والديمقراطية السورية من التعبير عن آرائها وأفكارها وبالتالي قدرتها على تحقيق التوازن بين مطالبها المشروعة وبين ترسيخ الوحدة الوطنية كما أن استمرار جميع أشكال الاضطهاد ضد الشعب الكردي (القومي – السياسي – الاقتصادي – الثقافي) قد غيب هذا الشعب بشكل كامل من الحياة السياسية العامة للبلاد ، الأمر الذي أفرز تصدعات وشروخات في الوحدة الوطنية إلى درجة مخيفة وتنبئ بمخاطر جسيمة على الوحدة الوطنية إن استمرت الأوضاع بالسير على هذا النحو.
هناك واقع موضوعي في سوريا وهو أن (سوريا بلد متعدد القوميات والمذاهب والأديان) يجب احترامه بشدة ، ويجب السماح لكل مكون بالمحافظة على ذاته ، بل يجب على الدولة تعزيز هذا التنوع بصيغ دستورية وقانونية لتحقيق أعلى درجات الانسجام والتلاحم الداخلي لا أن تسعى إلى إلغاء جميع هذه الفسيفساء الرائعة والعمل على خلق مجتمع أحادي القومية والتفكير والآيديولوجيا من خلال صهر باقي المكونات في البوتقة العربية .
إن الغارة الإسرائيلية الأخيرة يجب أن ينظر إليها بمنتهى الجدية وهي قد تكون البداية والتمهيد لاستهداف مصيري ضد سوريا ، وإن مواجهة هذا الاستهداف يجب أن تتم بتحصين الأوضاع الداخلية والتي نعتقد أن السلطة في سباق مع الزمن ، وأن الأوضاع بحاجة إلى حلول عاجلة غير قابلة للتأجيل وهي :
1-    إلغاء الأحكام العرفية وحالة الطوارئ بعد انتهاء مبررات وجودها
2-    سن قانون عصري للأحزاب وآخر للصحافة ينظمان الحياة الفكرية والسياسية في البلاد
3-    رفع مستوى معيشة المواطن بشكل يتناسب وغلاء الأسعار
4-    إيجاد حل وطني ديمقراطي للقضية الكردية في سوريا عبر:
أ‌-       الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي كثاني أكبر قومية في البلاد وبنسبة سكانية تتجاوز الـ 15%
ب‌-  الاعتراف الدستوري باللغة والثقافة الكردية ،وإيجاد الآليات والسبل التي تكفل تطويرهما
ج- إلغاء المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية المطبقة بحق الشعب الكردي من حزام وإحصاء ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين منها .
د- الكف عن سياسات التعريب في المناطق الكردية وإعادة الأسماء الأصلية للمعربة منها
هـ – تطوير البنية التحتية للمناطق الكردية عن طريق إقامة العديد من المشاريع الصناعية حسب توفر المواد الأولية .
و- تطوير الخدمات العامة في المناطق الكردية برصد مبالغ إضافية من خزانة الدولة لتحسين مستوى الخدمات المتدني بشدة في المناطق الكردية .
ز- فتح الحوار مع الحركة الوطنية الكردية على أرضية الشراكة الكاملة في الحقوق والواجبات
ح- تمثيل الشعب الكردي في جميع مؤسسات ودوائر الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بنسبة تعادل واقعه السكاني
إن الشعب الكردي الذي ساهم في صناعة استقلال سوريا بكل قوة وقدم مئات الشهداء بل الآلاف في جميع معارك سوريا حتى الآن ، وكان دائماً يستعمل كمجرد وقود لهذه المعارك حيث يخرج منها ليس بدون امتيازات فحسب ، بل محروماً حتى من حق الاعتراف بوجوده.
إن شعبنا وهو لا يبحث عن امتيازات لنفسه على حساب باقي مكونات الشعب السوري بل يسعى إلى الشراكة الحقيقة والمساواة بين جميع المكونات كل وفق خصوصيته ، يرى من حقه أن يتمتع بخصوصيته القومية كاملة ضمن إطار وحدة وسيادة البلاد طالما أنه ساهم بقوة في حماية وصيانة استقلال وسيادة سوريا ، وإن استعداده وقدرته على الدفاع عن سوريا سيتعزز بمقدار ما توفر له من احترام لكرامته وخصوصيته القومية وهويته الثقافية ، وإن شعبنا لن يرضى أبداً أن يكون مجرد وقود في لعبة المصالح تحت شعارات قد ملّ منها واختبرها أكثر من مرة ، ولن نكون ( ثواراً تحت الطلب).
إن تحقيق الوحدة الوطنية تكون بتحقيق جملة القضايا الآنفة الذكر وإفساح المجال لجميع مكونات الشعب السوري ومختلف قواه الوطنية والديمقراطية برسم سياسات سوريا المختلفة وتحديد خياراتها المستقبلية كفيلة بزج الشعب السوري بكامل طاقاته في مواجهة أية تحديات تتعرض لها سوريا والتي لابد أن يكون النصر حليفها لأنها بالنتيجة ستدافع عن نفسها وكرامتها ومصالحها الحيوية وسيادة واستقلال بلدها لأنه سيكون بلد جميع السوريين .
—–
* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد (394) ايلول 2007


**  لتنزيل كامل صفحات العدد (394) انقر هنا  dengekurd_394

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…