من أرطغرل إلى أردوغان

صبري رسول

( نرفض كياناً كردياً لدينا ونرفضه في أي مكانٍ آخر) هذا آخر موقفٍ لحكام تركيا الإسلاميين من الشعب الكردي في كلّ مكان، وبالدين الإسلامي يضحكون على ذقون المسلمين في كلّ مكان .

متناسين أنّ عجلة أرطغرل لا تجلب لهم عمامة العثمانيين ثانية .
 إنّ سياسة التمادي في العنف و القصف لن تسعف الحكومة التركية في الخروج من أزمتها السياسية مع العسكر، وفي مسألة الرئاسة التركية ، تلك الحكومة التي يحكمها حزب العدالة والتنمية الذي نظر إليه الكرد ، بعين الارتياح، تخميناً منهم بأنّه سيبدأ بحلّ القضية الكردية بدءاً من تخفيف التوتر في كردستان تركيا وتشجيع التنمية الاقتصادية ؛ لكن يبدو أنّ ثقافة أرطغرل ، وأتارك الكمالية ، والأطماع التوسعية، والقيم العثمانية البالية استحوذت عقول حكامها الملفحين بالعباءة الإسلامية ،فهم لا يملكون مشروعاً سياسياً في حلّ القضية الكردية في الداخل ،ومشاكل تركيا مع الآخرين .
فلغة المدفع والنار التي تستخدمها تركيا مع الشعب الكردي في كردستان منذ أكثر من ثلاث وعشرين سنة أثبتت فشلها ، فلا هي تمكنت من القضاء على العناصر الكردية المسلحة ، ولا استطاعت تأمين حياة عسكرها ، بل حصدت تلك اللغة العقيمة آلافاً من الأرواح الكردية والتركية ، ودمّرت آلاف القرى الآمنة في كردستان ، بل جعلت تركيا عائمةً على بحرٍ من المشاكل الاقتصادية والسياسية ، وشجّعت الاتجاهات القومية المتطرفة بين شعوبها ، وخلقت حالة عدم الاستقرار و القلق في كلّ مكان فيها.

 
أثبتت التجارب البشرية في الحرب والسلام ، أنّ استعمال القوة في فرض المنطق الأعوج – اسكات صوت الشعوب – لن تجدي نفعاً ، فلا بديل من طاولة المفاوضات والحوار السياسي في حل الخلافات والنزاعات .

فتحت حجة ملاحقة مسلّحي حزب العمال الكردستاني، تحاول الجندرمة اجتياح كردستان العراق لفرض شروطها ، وتمرير موقفها في التدخل في الشأن العراقي عامة ، وكركوك خاصّة ،ومن ثمّ عرقلة تطبيق المادة 140من الدستور العراقي الخاصّة بحلّ مشكلة كركوك ، وهي تدرك تماماً بأنّ القبض على قيادات (pik ) المتناثرين في جبال قنديل ضربٌ من الوهم ، وعبثٌ من الحماقة ، وستدفع تركيا قبل غيرها ثمن مغامرتها العسكرية غير المحسوبة .

 
وفي السياق ذاته بيّنت الأزمة التي تمرّ بها كردستان العراق ، مدى هشاشة المبدأ القيمي والأخلاقي لدى الدول المجاورة المتباكية ليل نهار على وحدة العراق واستقلاله وسيادته، فالذين احمرّت أجفانهم من البكاء على الاجتياح الأميركي للعراق واحتلاله، يباركون اليوم اجتياح جيش أرطغرل له وهي مفارقة عجيبة لا تفسير لها سوى الحقد على كردستان وشعبه .


واضحٌ تماماً ، أنّ دول جوار العراق ( تركيا – إيران – سوريا ) قلقةٌ للغاية من تنامي وانتعاش الوضع الاقتصادي والسياسي في كردستان العراق ، ولا بدّ من عمل شيءٍ يقوّض التجربة الوحيدة الناجحة في الشرق الأوسط ( تجربة الفيدرالية ) قبل أنْ تتسرّبَ قوتها الخفية المعنوية إلى ساحاتها .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….