الاحتقان على أشده بالآونة الأخيرة في نفوس الكرد وشركائهم المفترضين وخصوصا في أوساط النخب السياسية والثقافية والاعلامية الكردية ومثيلتها العربية والتركية والفارسية وقد ظهرت معالمه أكثر جلاء منذ زوال الدكتاتورية ووضع اللبنات الأولى في صرح العراق الفدرالي الجديد الذي دشن الحل السلمي الديموقراطي التوافقي للقضية الكردية للمرة الأولى في تاريخ البلاد والشرق الأوسط على أساس ارادة الكرد في تقرير مصيرهم في اطار عراق فدرالي تعددي مما جسد سابقة حضارية عربية – كردية مشتركة في المصالحة والاتحاد الاختياري كاحدى ثمرات التحرر من الدكتاتورية الشوفينية وأثار في الوقت ذاته حفيظة القوى المتضررة من سقوط النظام السابق وبالأخص ذوي النزعة الآيديولوجية القومية العنصرية المعادية للكرد طوال التاريخ الحديث وجودا وحقوقا مضافا اليها ما أفرزتها الحالة العراقية في اطار ظاهرة أعم من تيارات الاسلام السياسي الطائفي والمنضوية برمتها في تحالف مشترك تحت راية – الممانعة – تمارس الارهاب بكل أشكاله وبينها المسلح وتهدف اعادة عقارب الساعة الى الوراء على حساب كل ماتحقق من تغيير وانجازات سياسية قيد الاكتمال ومن ضمنها بل في مقدمتها الحل الفدرالي لقضية كردستان العراق.
أمام هذا المشهد المقلق والمحزن في آن لمستقبل علاقات الكرد مع شركائهم من الشعوب والقوميات في ظل تسلط أنظمة الاستبداد الحاكمة في المنطقة يجدر بنا التمعن بروية الى ما آلت اليها الحالة والبحث بجدية عن مخرج لأزمتنا المشتركة عبر اعادة النظر بالعمق في ما نحن جميعا عليه الآن من مفاهيم ومفردات وما نعتبره ثوابت ومسلمات والانتقال الى مراجعة نقدية مسؤولة وقراءة واقعية جديدة لوجهي الحقيقة وقبولهما: بماهو قائم على الأرض وما أفرزه عصرنا الراهن من قبيل:
1 – الشعب الكردي الموزع في الدول الأربع من السكان الأصليين يقيم على أرضه وفي موطنه منذ الأزمنة الساحقة ليس وافدا أو متسسلا أو طارئا تعرض مثل بعض شعوب وقوميات المنطقة الى التجزئة دون ارادته ومازال يعاني من الاضطهاد والحرمان والتمييز لأسباب قومية مما دفع ذلك الى انبثاق حركته القومية التحررية منذ أكثر من قرن للدفاع بوسائل مشروعة متعددة عن وجوده من مخاطر الابادة واستعادة هويته وارادته في العيش بسلام متمتعا بحقوقه القومية الطبيعية كشعب والتي حددتها الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الانسان عبر النضال السياسي الديموقراطي في أطر الحركات الوطنية بالدول التي يتوزع فيها.
2 – لعوامل اقليمية ودولية ولأسباب ذاتية تأجل الاستحقاق الكردي لعقود حيث تشغل الحركة القومية الديموقراطية في المرحلة الراهنة مكانة مرموقة في ساحات وجودها بحركة التغيير الديموقراطي ومواجهة الارهاب والأصولية وتتبوأ موقعا متقدما في حركة المعارضة الوطنية وفي الحفاظ على التوازن الوطني أمام تحديات التيارات المذهبية الظلامية والقيام بدور بناء في تعزيز أسس الوحدة الوطنية وفي هذا المجال على شركائنا التحلي بسعة الصدر وقبول هذا التطورالايجابي لصالح الجميع بعيدا عن الشكوك والتفسيرات التآمرية كما عليهم عدم الانجرار الى أحابيل أنظمة الاستبداد والحركات الأصولية المعادية لأي تغيير في المنطقة بما فيه تغيير النظام الدكتاتوري في العراق والتنظير لقوى الردة والظلامية باعتبارها – مقاومة – والاستهانة بارادة ملايين العراقيين الذين صوتوا لصالح الوضع الجديد والدستور وفدرالية اقليم كردستان.
3 – أهداف ومطالب الحركة القومية الديموقراطية للشعب الكردي لاتتعارض مع ارادة ومصالح الشعوب العربية والتركية والفارسية وبرامج حركاتها الوطنية بل تتوافق سوية بشأن الحفاظ على وحدة البلدان وازالة الاستبداد واجراء التغييرات الديموقراطية وتحسين أحوال الشعوب على الصعد الاجتماعية والاقتصادية واعادة كتابة التاريخ وصياغة الدساتير وبرامج التربية والتعليم واجتثاث ثقافي لآيديولوجية الحركات الأصولية والارهابية وقطع الطريق على مخططات الحروب الأهلية والفتن الدينية والمذهبية والوصول الى انجاز بناء الدولة العصرية لكافة المكونات المتآخية وتعميم الأمن والاستقرار وضمان حقوق الجميع دون استثناء.
4 – على شركائنا التخلص من عقدة المواقف المسبقة حيال الكرد وقراءة تجربة كردستان العراق بعقل مفتوح ورؤية واقعية بل والاعتزاز بمضامينها الديموقراطية وآفاقها الحضارية المشجعة كونها حصيلة التوافق العربي – الكردي والفضل في ايجابياتها يعود للطرفين الشريكين الصديقين المتعايشين بسلام ووئام وقد حز في نفوسنا تشجيع البعض العلني من المؤسسات والأحزاب العربية اضافة الى نظام دمشق الاستبدادي للغزو العسكري التركي بهدف القضاء على تلك التجربة الفتية وسكوت البعض الآخر الذي صب في الاتجاه ذاته.
5 – من منطلق الايمان باالشراكة المصيرية بين شعوبنا فان التعايش السلمي الأخوي والتفاهم بين نخب الكرد السياسية والثقافية ونخب الشعوب التي تعيش معها وفي جميع الظروف والمواقع شرط لابد منه لانجاز الحل الديموقراطي للقضية الكردية وهنا على الجانب الكردي بشكل خاص تفهم وقبول هذه المعادلة والعمل لمراعاة متطلباتها من حوار وأطروحات عقلانية مقبولة في حدودها الدنيا من الطرف المقابل بعيدة عن ردود الفعل وانخراط جاد في حركات المعارضة الديموقراطية وفي العملية السياسية بما يتعلق بالعراق الجديد والتضامن مع قضايا الشعوب الأخرى العادلة مثل القضية الفلسطينية واحترام خصوصياتها ورموزها.
6 – من المخالف لحقائق التاريخ والمنطق السياسي أن تعمد تيارات أو أفراد وباسم الحركة الكردية الى اعتبار الشعوب العربية والتركية والفارسية قوى محتلة لكردستان أو استعمار كولونيالي لسبب بسيط وهو أن التقسيم الأول لكردستان الطبيعية أو التاريخية بين العثمانيين والصفويين وكذلك التقسيم الثاني بعد اتفاقية سايكس – بيكو لم يؤخذ فيهما رأي أي شعب في المنطقة بل تم فرضهما من الأوساط الحاكمة والدوائر الخارجية حسب مصالحها فقط كما أن مسألة توزيع الكرد بين امبراطوريات ودول لها خصوصيتها ليس بالضرورة أن تتشابه مع حالات شعوب أخرى تعرضت الى الاستعمار من خارج الحدود والى غزوات واحتلال عسكري أوروبي أو أمريكي كما حصل في التاريخ.