من أجل مشروع وطني كردي

آزاد برازي

   لعل القراءة النقدية لتاريخ الحركة الكردية السورية من الاحتياجات الضرورية لتطوير الرؤية السياسية ووضع معالم أكثر وضوحاً لملامح النضال الكردي السوري على مستوياته المختلفة التكتيكية والإستراتيجية ، فغياب الرؤية النقدية الموضوعية و إطلاق العنان لجموح الذاتية, أدى إلى إدعاء البعض بتوافرها من حيث القراءة و الممارسة و تصوير الأمر بأن المشكلة لا تكمن لديه، بل المشكلة عند الشركاء الآخرين في الحركة السياسية الكردية
و هنا تنطلق النزعة الإسقاطية و إلقاء اللوم على الآخرين بإعتبارهم عوائق و أحجار عثرة أمام تطور و تحقق المطالب الكردية و بعد ذلك يبدأ الكل يتقمص الصفة التطورية, أي القدرة على تقديم الشيء الجديد سواء من حيث الخطاب السياسي أو الممارسة النضالية, للظهور بصورة مباينة للآخر و أكثر لباقة أمام الشارع الكردي مع إظهار الآخر بأسوء مظهر، و كل ذلك لشرعنة و جوده فقط, و أكثر تجلياتها تظهر على صورة تنظيمات منشقة و جديدة من حيث النشأة، تحاول القطيعة مع الماضي بكافة الأشكال و الوسائل، بل تقتات أساساً على ضرورة رفض التعايش مع ماهو قديم و إنهائه بأي حال من الأحوال, فيبدأ الصراع على شكل قد نسميه (حرباً باردة بين تنظيماتنا السياسية) بمختلف الوسائل المشروعة و غيرالمشروعة (شائعات، تلفيقات، اتهامات….الخ) و ذلك بعد ظهور عناصر جديدة لتزيد من لهيب الصراع بعد أن تم قبولهم من قبل البعض، مما يمنع ظهور بعض المحاولات البنائية الجادة الهادفة إلى لم الشمل الكردي نتيجة انصراف طاقاتنا الفكرية و النضالية نحو الهدم لا البناء, و ذلك عن طريق طرق أبواب تلك الذهنية السلبية بأفكارها غير المنتجة لتكون بداية لإستبدالها بأفكار – تكون مقدمة لخلق أجواء فكرية سياسية ذات فاعلية ملموسة – غير مألوفة للبقية و تشذ عن ممارساتهم النضالية، لكن للأسف فان طغيان الذهنية السلبية تفرض اعتبارات مباشرة غيرايجابية لتأخذ هذه الأفكار شكلاً من أشكال الهرطقة السياسية، لتنشط لديهم نوعاً من النزعة الاتهامية بحق الهراطقة المجددين بغض النظر إن كان هذا الجديد ذو طابع ايجابي أو سلبي، فهناك خشية أن تأخذ هذه الأفكار و المحاولات الوجهة الصحيحة و هذا ما لايروق للبعض و مصالحهم .


  وباعتبارأننا نحيا في ظل غياب المصلحة القومية و تغليب المصلحة الفئوية و تكاثر الرؤى الضبابية فإن الأمر أدى إلى غياب رؤية استراتيجية واضحة، و لذلك أخذت كل سياساتنا و منطلقاتنا أبعاداً تكتيكية صرفة, و هذا ما تدلل عليه المواقف المتناقضة و المتغيرة  دون أية مقدمات منطقية تستدعيها .
  إن الثاني عشر من آذار يمكن أن يكون أكثر من حدث وقع في زمان ومكان محددين, ولكنه حمل دلالات عبرية تحتاج منا وقفة جادة لإدراكها, كإسقاط مفاهيم القوة والضعف التي عبرت عن نفسها بما سمي (مجموع الأحزاب الكردية) وهي إحدى دلالات العجز الذاتية في تحمل المسؤولية منفردا أوالقدرة على القيادة من دون العودة إلى الآخر, إذاً نحن في قلب عبثية لا تطاق وفوضى سياسية غير محسوبة العواقب, تارة الآخر هو المشكلة, وتارة هو الحل, إذاً غيوم ثقافة سلبية تخيم على سماء السياسة متسترة في لغة المجاملات والدبلوماسية, غير معبرة عما يجول في ضجة الخطابات السياسية الحزبية التي تخشى الكشف عن نفسها, محاولة إخفاء ذاتها في إطارات وهمية لا معنى لها جوهرياً وتأخذ طابعاً التفافياً على الوقائع السلبية, فالوقائع تحتاج إلى تشخيص لدقائقها لتوفر لنا إمكانية أكبر في معالجة ما يمكن معالجته بحسب القدرات والإمكانات المتوافرة, وقد يتطلب منا الأمر حشد الجهود كافة لنتمكن من مواجهة المعضلات وتوفير الأساليب والآلية المناسبة لتناولها, ولا شك أن المسألة ليست ذو خصوصية ذاتية متعلقة بحزب أو تنظيم أو فئة بل تحمل طابعاً جماعيا يتطلب منا مشاركة جماعية كما أشرنا سابقاً على سبيل المثال أحداث 12آذار وإن تمثلت هذه الحالة بعدم القدرة على توليد حالة سياسية واعية في ذهنية حركتنا الكوردية وطغيان الحالة التكتيكية, فبمجرد زوال الحدث عادت المياه إلى مجاريها وكأنه لم يحدث شيء, وهنا تكمن المشكلة التي تتجلى في غياب حالة الوعي والاعتماد على ردود الأفعال في الرؤية السياسية وليس ما هو واجب لتحقيق المصلحة الوطنية لشعبنا الكردي, فنحن أمام مسؤولية تاريخية وكل الأدوات والذهنيات والرؤى لا تخولنا لتحمل هذه المسؤولية, ولكن السؤال إلى متى سيبقى شعبنا يعيش دوامة الأنانيات الحزبية الضيقة التي أعمته عن مسيرته وضيقت أفق النضال حتى أصبحنا حركة الفرص الضائعة, لنسير في ركب المتحالمين اللاهثين وراء أضغاث حقوق وأوهامها0

 إنه من المفيد أن تتجلى الصراحة في رؤانا, فبغياب المصداقية لا يكون إلا ترسيخ السلبية والتخفي وراء أقنعة كاذبة غير فعالة, بل غير منتجة, فالمهمة تتطلب منا إعادة بناء مفاهيم قائمة على الاعتراف بالآخر والمكاشفة عما يدور في خلجات النفس حتى نصبح على بينة من الأمور وبالتالي تتحول هذه المصداقية كقاعدة للإنطلاق من أجل مشروع وطني كردي أو مرجعية أوأي تسمية نرتئيها خدمة لمصالحنا الوطنية و القومية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….