تركيا بين الدولة المدنية وتسلط العسكر

حسن جنكو

إن أسلوب التلويح بالقوة بين الحين والآخر, واختيار لهجة التهديد والوعيد لاجتياح أراضي الآخرين , وانتهاك حرمة الجوار من قبل الساسة الأتراك ,إنما يعود إلى العقلية الطورانية ومنطق الحكم إبان الإمبراطورية العثمانية.

حيث اللاشرعية وفقدان القانون الدولي وسيادة الفكر العنصري .

تلك النزعة البربرية التي ولت من غير رجعة .

وذلك بعد تشكيل الهيئات التابعة للأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية والتي تنظم العلاقات بين الدول وتنص على مبدأ حماية حقوق الانسان.
لقد كانت فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي المرحلة الذهبية في تاريخ الدولة التركية التي كانت تقوم على تسلط العسكر على مفاصل الحياة والمدعومة من حلف الناتو فكانت تبيح لنفسها ما تشاء.

وعلى هذا الأساس و هكذا عقلية حافظت الدولة التركية على النموذج والمستوى الذي استند على العقلية الشوفينية التي تمثلت في إنكار حقوق الآخرين وعدم الاعتراف بحقوق القوميات والشعوب التي تعيش معها كالشعب الكردي والأرمن وغيرهما , ولم تستطع المؤسسة العسكرية تجاوز تلك العقلية البالية.


اليوم وبعد انهيار المعسكر الشرقي المتمثل في حلف وارسو سابقا ً برزت وقائع ومتغيرات جديدة على الساحة الدولية.

فالمعادلة الجديدة والتي لا يمكن أن يتجاهلها الساسة الأتراك أو غيرهم تقوم على احترام  حقوق الإنسان, وحماية الأقليات والتوجه نحو بناء المنظومة المدنية للدول والمجتمعات ورفض منطق الاعتداء والتهديد بسرطان العسكر.


الفدرالية القائمة في العراق والتي أقرها الدستور العراقي الذي صوت عليه ملايين العراقيين وبملء إرادتهم  حق اكتسبه الشعب العراقي بدماء أبنائه وإذا كان البعض يرى في هذه التجربة تهديدا ً لمصالحهم أو مساساً بأمنهم كما يزعمون فهم بذلك يتهربون من الحقائق على الأرض ويصدرون أزماتهم إلى خارج حدود بلادهم ولا يملكون الشجاعة الكافية لمعالجة  قضاياهم بروح وطنية وإيجاد الحلول المناسبة لها .

أما أنهم يشرعون لأنفسهم قرارات تبيح لهم اجتياح حدود الدولة العراقية والقضاء على مكتسبات أبنائها إنما يعود فقط إلى الشرعية العثمانية التي قامت على التوسع والاحتلال.
بإمكان حكومة العدالة والتنمية أن تقوم بدور بناء في المنطقة لاسيما وأن الظروف مناسبة لها وتكتسب شرعيتها من ناخبيها , وأن تكون السباقة في هذا المجال خاصة وأن لديها رغبة وتوجه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولكي تنجح في هذا المسعى
وأن تكون فعلا ً جزءا ً من هذه المنظومة الأوربية يستوجب عليها القيام بجملة من الإصلاحات الدستورية وتكون البداية باستبعاد المؤسسة العسكرية عن القيادة وحكم البلاد.

وإيجاد حل عادل للقضية الكردية التي يتوقف عليها تحسين أوضاع الدولة التركية والمنطقة بشكل عام.

وهكذا يمكن أن تكون بحق وحقيقة بوابة الشرق نحو أوروبا وبناء الدولة المدنية التي تقوم على احترام حقوق الآخرين بعيدا َ تسلط المؤسسة العسكرية.

أما اللجوء إلى خيار العنف واستخدام القوة لحل القضايا العالقة التي تعاني منها الدولة التركية منذ سنين إنما يعود بها إلى سابق عهدها كما كانت قبل مئات السنين ما يعني خرق القوانين الدولية وبالتالي لن تحصد سوى المزيد من الخيبات والفشل .

كما أن تجربتها مع حزب العمال الكردستاني القديمة والجديدة ليست بالوصفة الناجحة والعملية لأنها خاضت جولات من القتال مع هذا الحزب ولم تتمكن من التأثير أو القضاء عليه.

وإن العودة إلى القتال كأسلوب للتعاطي مع الحدث سيتأزم الموقف أكثر َ فأكثر  وتزداد التعقيدات ما يعني دخول المنطقة في دوامة من العنف يصعب التكهن بنتائجها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…