مصطفى إسماعيل*
البديهيُّ, أنَّ السلطات السورية في ضوء إخفاقها الذريعِ, في ملفات التحديث والتنمية والإصلاح, لم تجدْ بداً من الاستمرار كسدٍّ مانعٍ في وجه كلِّ تعبيرٍ سلمي ديمقراطي حضاري, فسوريا التي تدركُ تخلفها المزمنَ, عن ركب الدول المتحضرة, اختارت رفعَ شعار ” لا صوتَ يعلو فوق صوت المعركة ” في أزقة قامشلو وكوباني, عصر يوم الجمعة 2 نوفمبر 2007 , وانهالت بفائض كلاشينكوفاتها من الحقد الأعمى, على صدور خيرة الشباب السوريين الكورد العزَّلْ, وكانَ المراقب للوضع في المدينتين الكورديتين السوريتين الشماليتين, يخمِّنُ منذ ساعات الصباح الأولى, من ذلك اليوم, وقوع كارثةٍ أخرى, في طبعةٍ مُعادٍ إنتاجها أمنياً عن قمع تظاهرات الشمال الكوردي عام 2004.
هل تريدُ السلطاتُ السوريَّةُ من قمع تظاهراتٍ سلميةٍ كوردية في قامشلو وكوباني, مُنددةٍ بالجمهورية التركية وتصعيدها العسكري على الحدودِ مع إقليم كوردستان العراق, الذي هوَ جزءٌ من جمهورية العراق الفيدرالي, والبطشِ بالمتظاهرينَ الكورد العُزَّلْ, في استعراضٍ للقوةِ مُفرطٍ, نيلَ شهادةِ حُسنِ سلوكٍ من تركيا, ونيلِ رضى أنقرة وجنرالاتها الكاسدين, وهمُ الذينَ هددوا سوريا مراراً وتكراراً بالاجتياح, ونتذكرُ من ماضي علاقات الدولتين حشدُ تركيا لجيوشها على الحدودِ معَ سوريا سنة 1958 الأمرُ الذي أسهمَ في جرِّ سوريا إلى وحدةٍ وبالٍ معَ مصر حينها, ثمَّ التهديدُ التركيُّ باجتياحِ سوريا عام 1998 , وكانَ مخططاً للجيوش التركية أنْ تصلَ إلى دمشق, كما يُصرِّحُ بذلك الجنرالُ المتقاعدُ وقائدُ القوى البرية التركية السابق ” آيتاج يالمان ” في لقاءٍ معَ صحيفة ” ملليت ” التركية نُشِرَ يومَ السبت 2 نوفمبر, فإذا كانت السلطاتُ السورية توَّدُ نيلَ بركاتِ أهل الحل والعقد في أنقرة, فإنَّ الأخيرةَ تقدمُ لهمْ مثالاً واضحاً في مقاربة كلِّ نشاطٍ ديمقراطي سلمي, فلمْ تشهد التظاهرةُ الجماهيريةُ الكوردية في بلدة ” سيلوبي ” الكوردية يومَ السبت 3 نوفمبر, وهي قريبةٌ من الحدود المتوترة, أيَّ تنكيلٍ وقمعٍ تركي, رغمَ أنَّ أعدادَ المشاركين في تلكم التظاهرة كانَ أضعافَ أعداد المشاركين في تظاهرتي قامشلو وكوباني في سوريا, وكلُّنا يعلمُ ما تشهدهُ تركيا من موجةِ احتقانٍ وتشنجٍ قوموية في الآناء الأخيرة, فلماذا تُصِرُّ سوريا أنْ تكونَ طورانيةً أكثرَ من الطورانيين وأتاتوركيةً أكثرَ من أتاتورك.
وماذا تستفيد السلطة السورية إذا ما كسبت ود دول الجوار وخسرت مواطنيها؟.
إنَّ السلطةَ السورية, المنبوذة لدى الأسرة الدولية ومجالها الحيوي العربي اليوم, هي أحوجُ ما تكون إلى علاقاتٍ أمتنَ مع داخلها الوطني وترميمِ علاقاتها مع مواطنيها والرفقَ بهم, أما اللجوءُ إلى العنف الأمني في التعامل معَ كل مِلف داخلي فلن يسهمَ سوى في تعميق الشرخ الداخلي الموجودِ سابقاً وتعميق التكسير المجتمعي, فإذا كانت الأجهزةُ الأمنيةُ السورية تعتقدُ أنها الحارسةُ الأمينةُ لاستقرار سوريا, فإنه لا مناصَ من القول أنَّ جميع مكونات سوريا, ومنهم الكورد حريصةٌ أكثرَ منها على استقرار سوريا ومنعتها, وإلا ما تفسيرُ صمت المواطنين السوريين, رغمَ أنَّ أيَّ تحسنٍ لم يطرأ على ظروفهم المعيشية, أو على الظروف السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي تكبلهم, يُضافُ إلى ذلك وجود ترسانةٍ من القوانين المُقيَّدة للحريات, وفي مُقَدِمها حريةُ الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي, إضافة إلى الجوانب العديدة الأخرى في منظومة حقوق الإنسان.
هذا الاعتداءُ الأمنيُّ الفظُّ الكاسحُ الأخير لا مبرر له ( والقمعُ لا يُبررُ مطلقاً ), فلم يكن المشاركونَ في التظاهرتين يريدونَ النيلَ من سوريا ومواقفها, ولا المشاركةَ في ” الهجمة العاتية ” التي تتعرضُ لها سوريا ( كما يخبرنا بذلك الإعلام الرسمي الذي لا إعلام إلاه في الداخل ), ولمْ يُدخلوا البلاد في دائرة الخطر, ولمْ يُشكلوا خطراً محتملاً على الأمن والاستقرار في البلاد, ولم يخونوا الوطن السوري, وكانت تظاهرة كوباني فعلاً رمزياً, إذْ أنَّ أعداد قوة حفظ النظام التابعة للداخلية وعناصر الأجهزة الأمنية العديدة المشاركة في مهرجان البطشِ كانت تفوقُ أعدادَ المتظاهرينَ المحدود بكثير, وهو أمرٌ اعتدنا عليه من حزب الاتحاد الديمقراطي, إذ يفوقُ صخبه الإعلامي المرافقُ للحدثِ الحدثَ بكثير, وغالباً ما يتمُ تقديمُ أرقامٍ فانتازية ومُهوِّلة لحجم الفعالية وأعداد المشاركين فيها, فلماذا إذنْ رفعَ الأمنُ السوريُّ كلاشينكوفَ التجريمِ في وجه المواطنين العُزَّلْ, فما تحتاجهُ سوريا في المرحلة الحالية هي اعتمادُ سياسة تكاتف داخلية وهدمُ الجدار العازل بينها وبين مواطنيها بدلاً من سياسة الإخراس المزمنة والعقيمة.
إذا كانت السلطات السورية, قدْ انطلقتْ في قمعها للتظاهرتين الكورديتين في قامشلو وكوباني منْ تقديمها مبدأ منعِ مواطنيها من الإساءة إلى دول الجوار على احترام الحريات وحقوق الإنسان المُغيَّبة أصلاً في البلاد, فلماذا غضَّتْ النظرَ عن التظاهرة الحاشدة من جموع المصلين التي قامتْ بإحراق بُضعِ سفاراتٍ غربية في دمشق العام المنصرم, على خلفية الاحتجاج على نشرِ صحيفة دانمركية لصورٍ مُسيئة للرسول.
ألا يُسيءُ هجومُ أولئكَ الغوغاء على تلكم السفارات إلى علاقات سورية بتلكم البلدان, ولمْ نسمعْ أو نقرأ حينها عن إطلاقِ رصاصٍ حي أو غازٍ مسيل للدموع أو قمعٍ أو تفريقْ.
الأمرُ الآخرْ, الذي يُمكننا استخلاصه من التظاهرتين الأخيرتين, ومنْ جُملة تظاهراتٍ واعتصاماتٍ كوردية أخرى سبقتها, أنَّ السلطات الأمنية السورية لا تحترمُ ولا تُراعي مشاعرَ مواطنيها الكورد, ولا الحسَّ العام المشترك بين الكورد في سوريا, وبينهم وأبناء جلدتهم في دولٍ أخرى, وهم المُقسَمون بينَ دولٍ أربع في المنطقة, فتمنعهم من التعاطفِ مع إخوتهم في مناطق أخرى, فيما لا تمنعُ العربي في سوريا من التعاطف مع إخوته في العراق أو فلسطين أو لبنان, بل يجري حينها تنظيمُ المسيرات والتظاهرات من قبل الأجهزة الأمنية نفسها أو بمباركتها, وهذا كيلٌ بمكيالين في طبعته السورية, فللعربي السوري مُطلقُ الحقِّ في الرنو إلى الخارج وأن يهجس بالوضع العربي من المحيط إلى الخليج, فيما لا يحقُّ للكوردي السوري أن يفتح النافذة على هم الكوردي الآخر خلف الحدود وإنْ عبرَ مسيرةٍ احتجاجية.
حالةُ الرعب الأخيرة, التي أنتجتها أجهزةُ الدولةِ في الشمال السوري, تعني أنَّ السلطة متماديةٌ في مسلسل إبقاء السوريين بلا قنواتِ تعبير, وتعني كذلكَ أنَّها متماديةٌ في مسلسل إبقاء السوريين بلا درعٍ حامٍ, وأنَّ الدولةَ هي أداةُ قمعٍ وتعسفٍ لا أداةُ رفقٍ بالمواطن وعاملُ حمايةٍ له, فهل سيخدمُ ذلكم القمعُ السلطة, أمْ أنَّ ذلكَ وانطلاقاً من آلية ردة الفعل سيعمقُ الانقسام الداخلي ويُقلص التفاهم الداخلي إلى أدنى مستوياته, ويُعمقَ الفُصامية السورية مع تكرار حلقاتٍ عديدة من هذا المسلسل السوري الطويل.
بعد كل ذلك يحقُّ لنا التساؤل, وهو تساؤلٌ مشروعٌ نحمله منذ آذار 2004 وربما نحملهُ قبلَ ذلك:
من الذي يُهددُ سوريا ؟.
المواطنون العُزَّل المسالمون مُمسكي أغصان الزيتون في سوريا / الصحراء, أم القوى الأمنية التي تُبقي على سوريا في عنق القارورة وتُحكم عليها ( فلينة ) الإظلام؟.
*كاتب وناشط كوردي سوري
وماذا تستفيد السلطة السورية إذا ما كسبت ود دول الجوار وخسرت مواطنيها؟.
إنَّ السلطةَ السورية, المنبوذة لدى الأسرة الدولية ومجالها الحيوي العربي اليوم, هي أحوجُ ما تكون إلى علاقاتٍ أمتنَ مع داخلها الوطني وترميمِ علاقاتها مع مواطنيها والرفقَ بهم, أما اللجوءُ إلى العنف الأمني في التعامل معَ كل مِلف داخلي فلن يسهمَ سوى في تعميق الشرخ الداخلي الموجودِ سابقاً وتعميق التكسير المجتمعي, فإذا كانت الأجهزةُ الأمنيةُ السورية تعتقدُ أنها الحارسةُ الأمينةُ لاستقرار سوريا, فإنه لا مناصَ من القول أنَّ جميع مكونات سوريا, ومنهم الكورد حريصةٌ أكثرَ منها على استقرار سوريا ومنعتها, وإلا ما تفسيرُ صمت المواطنين السوريين, رغمَ أنَّ أيَّ تحسنٍ لم يطرأ على ظروفهم المعيشية, أو على الظروف السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي تكبلهم, يُضافُ إلى ذلك وجود ترسانةٍ من القوانين المُقيَّدة للحريات, وفي مُقَدِمها حريةُ الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي, إضافة إلى الجوانب العديدة الأخرى في منظومة حقوق الإنسان.
هذا الاعتداءُ الأمنيُّ الفظُّ الكاسحُ الأخير لا مبرر له ( والقمعُ لا يُبررُ مطلقاً ), فلم يكن المشاركونَ في التظاهرتين يريدونَ النيلَ من سوريا ومواقفها, ولا المشاركةَ في ” الهجمة العاتية ” التي تتعرضُ لها سوريا ( كما يخبرنا بذلك الإعلام الرسمي الذي لا إعلام إلاه في الداخل ), ولمْ يُدخلوا البلاد في دائرة الخطر, ولمْ يُشكلوا خطراً محتملاً على الأمن والاستقرار في البلاد, ولم يخونوا الوطن السوري, وكانت تظاهرة كوباني فعلاً رمزياً, إذْ أنَّ أعداد قوة حفظ النظام التابعة للداخلية وعناصر الأجهزة الأمنية العديدة المشاركة في مهرجان البطشِ كانت تفوقُ أعدادَ المتظاهرينَ المحدود بكثير, وهو أمرٌ اعتدنا عليه من حزب الاتحاد الديمقراطي, إذ يفوقُ صخبه الإعلامي المرافقُ للحدثِ الحدثَ بكثير, وغالباً ما يتمُ تقديمُ أرقامٍ فانتازية ومُهوِّلة لحجم الفعالية وأعداد المشاركين فيها, فلماذا إذنْ رفعَ الأمنُ السوريُّ كلاشينكوفَ التجريمِ في وجه المواطنين العُزَّلْ, فما تحتاجهُ سوريا في المرحلة الحالية هي اعتمادُ سياسة تكاتف داخلية وهدمُ الجدار العازل بينها وبين مواطنيها بدلاً من سياسة الإخراس المزمنة والعقيمة.
إذا كانت السلطات السورية, قدْ انطلقتْ في قمعها للتظاهرتين الكورديتين في قامشلو وكوباني منْ تقديمها مبدأ منعِ مواطنيها من الإساءة إلى دول الجوار على احترام الحريات وحقوق الإنسان المُغيَّبة أصلاً في البلاد, فلماذا غضَّتْ النظرَ عن التظاهرة الحاشدة من جموع المصلين التي قامتْ بإحراق بُضعِ سفاراتٍ غربية في دمشق العام المنصرم, على خلفية الاحتجاج على نشرِ صحيفة دانمركية لصورٍ مُسيئة للرسول.
ألا يُسيءُ هجومُ أولئكَ الغوغاء على تلكم السفارات إلى علاقات سورية بتلكم البلدان, ولمْ نسمعْ أو نقرأ حينها عن إطلاقِ رصاصٍ حي أو غازٍ مسيل للدموع أو قمعٍ أو تفريقْ.
الأمرُ الآخرْ, الذي يُمكننا استخلاصه من التظاهرتين الأخيرتين, ومنْ جُملة تظاهراتٍ واعتصاماتٍ كوردية أخرى سبقتها, أنَّ السلطات الأمنية السورية لا تحترمُ ولا تُراعي مشاعرَ مواطنيها الكورد, ولا الحسَّ العام المشترك بين الكورد في سوريا, وبينهم وأبناء جلدتهم في دولٍ أخرى, وهم المُقسَمون بينَ دولٍ أربع في المنطقة, فتمنعهم من التعاطفِ مع إخوتهم في مناطق أخرى, فيما لا تمنعُ العربي في سوريا من التعاطف مع إخوته في العراق أو فلسطين أو لبنان, بل يجري حينها تنظيمُ المسيرات والتظاهرات من قبل الأجهزة الأمنية نفسها أو بمباركتها, وهذا كيلٌ بمكيالين في طبعته السورية, فللعربي السوري مُطلقُ الحقِّ في الرنو إلى الخارج وأن يهجس بالوضع العربي من المحيط إلى الخليج, فيما لا يحقُّ للكوردي السوري أن يفتح النافذة على هم الكوردي الآخر خلف الحدود وإنْ عبرَ مسيرةٍ احتجاجية.
حالةُ الرعب الأخيرة, التي أنتجتها أجهزةُ الدولةِ في الشمال السوري, تعني أنَّ السلطة متماديةٌ في مسلسل إبقاء السوريين بلا قنواتِ تعبير, وتعني كذلكَ أنَّها متماديةٌ في مسلسل إبقاء السوريين بلا درعٍ حامٍ, وأنَّ الدولةَ هي أداةُ قمعٍ وتعسفٍ لا أداةُ رفقٍ بالمواطن وعاملُ حمايةٍ له, فهل سيخدمُ ذلكم القمعُ السلطة, أمْ أنَّ ذلكَ وانطلاقاً من آلية ردة الفعل سيعمقُ الانقسام الداخلي ويُقلص التفاهم الداخلي إلى أدنى مستوياته, ويُعمقَ الفُصامية السورية مع تكرار حلقاتٍ عديدة من هذا المسلسل السوري الطويل.
بعد كل ذلك يحقُّ لنا التساؤل, وهو تساؤلٌ مشروعٌ نحمله منذ آذار 2004 وربما نحملهُ قبلَ ذلك:
من الذي يُهددُ سوريا ؟.
المواطنون العُزَّل المسالمون مُمسكي أغصان الزيتون في سوريا / الصحراء, أم القوى الأمنية التي تُبقي على سوريا في عنق القارورة وتُحكم عليها ( فلينة ) الإظلام؟.
*كاتب وناشط كوردي سوري