محمد شمس الدين البريفكاني
الأنفال…كلمة عربية أصيلة، نعلم جميعا كمسلمين بأنها إسم لأحدى سور القرآن الكريم وتحديدا السورة الثامنة حسب تسلسل السور القرآنية، وهي سورة مدنية نزلت في شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة بعد إنتهاء غزوة بدر مباشرة.
الأنفال…كلمة عربية أصيلة، نعلم جميعا كمسلمين بأنها إسم لأحدى سور القرآن الكريم وتحديدا السورة الثامنة حسب تسلسل السور القرآنية، وهي سورة مدنية نزلت في شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة بعد إنتهاء غزوة بدر مباشرة.
لكن ما لايعلمه الكثيرون هو، ما معنى الأنفال ومتى وكيف إستخدمت هذه المفردة اللغوية كفعل وممارسة لأول مرة وما هي أسباب نزول هذه السورة.
ولماذا أطلق صدام حسين قائد الحملة الإيمانية وإبن عمه علي حسن المجيد الملقب بالكيمياوي إسم الأنفال على أبشع وأشنع عملية إبادة جماعية ضد أبناء شعبنا الكردي.
هذا ما سأحاول التطرق اليه في مقالي هذا معتمدا على شرح سورة الأنفال في القرآن الكريم من خلال تفسير الجلالين، والسيرة النبوية لأبن هشام وتأريخ الطبري كمصادر.
ولماذا أطلق صدام حسين قائد الحملة الإيمانية وإبن عمه علي حسن المجيد الملقب بالكيمياوي إسم الأنفال على أبشع وأشنع عملية إبادة جماعية ضد أبناء شعبنا الكردي.
هذا ما سأحاول التطرق اليه في مقالي هذا معتمدا على شرح سورة الأنفال في القرآن الكريم من خلال تفسير الجلالين، والسيرة النبوية لأبن هشام وتأريخ الطبري كمصادر.
الأنفال تعني الغنائم والأسلاب وتشمل الأموال والممتلكات والنساء والفتيان، وقد مارسها العرب قبل الإسلام حيث كانت الغزوات القبلية هي الطابع السائد في الجزيرة العربية آنذاك، فكانت القبائل تغزوا بعضها، تمارس القتل والنهب وسبي النساء، لكنهم لم يستخدموا كلمة الأنفال في غزواتهم تلك بل إستخدموا معناها الصريح الذي هو الغنائم والأسلاب.
أول من إستخدم كلمة الأنفال كان محمد رسول الله { ص } وحتى قبل نزول سورة الأنفال، فبعد سنتين من هجرته الى المدينة وبعد أن أصبح لديه جيش من المهاجرين والأنصار بدأ يتربص بقريش ويتتبع أخبارها، وعندما علم بأن قافلة تجارية فيها أموال قريش يقودها أبو سفيان قادمة من الشام متجهة الى مكة، ندب اليه رجاله أي جمعهم وقال لهم: هذه عير قريش { بكسر العين } فيها أموالهم وتجارتهم هلموا اليها لعل الله أن ينفلكموها أي يجعلها { أنفالا } غنائم لكم .
وبعد أن إنتهت المعركة بإنتصار جيش المسلمين على جيش الكافرين من رجال قريش وهربوا تاركين ورائهم سبعون قتيلا وسبعون أسيرا والكثير من الأسلحة والعدد الحربية، بدأ المسلمون بجمع كل ما وقعت عليه أيديهم من مخلفات العدو المهزوم فأمر رسول الله بإحضارها بين يديه لغرض توزيعها وكان قد قال { ص } قبل بدأ المعركة بالنص { من يقتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن يأسر أسيرا فله كذا وكذا }، وعندما بدأت المعركة إندفع الشباب الى القتال أما كبار السن فقد بقوا مع رسول الله أحاطوا به من أجل حمايته، وبما أنهم لم يشاركوا فعليا في القتال فقد رأى المقاتلون الشباب بأن الشيوخ بالرغم من إنهم هم الذين جمعوا الغنائم غير مشمولين بهذه المكرمة النبوية، وقالوا نحن قاتلنا ودفعنا عنكم العدو فتمكنتم من جمعها، أما الشيوخ فقالوا شاركونا في الغنائم فنحن أحق بها منكم مما أدى الى حدوث خلافات حادة كادت أن تؤدي الى إقتتال بين الصحابة أنفسهم من أجل الغنائم {الأنفال} لولا أن الله تدخل من عليائه ليعلمهم كيفية توزيع الأنفال، حيث أنزل في الوقت المناسب سورة الأنفال.
{ ويسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فإتقوا الله وإصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } الأنفال 1
وقال الصحابي عبدالله بن الصامت نزلت هذه الآية فينا أصحاب بدر حين إختلفنا وساءت أخلاقنا فنزع الله الأنفال من أيدينا وجعلها لرسول الله فقسمها على السواء.
لم تكن غزوة بدر هي أولى غزوات محمد { ص } بل كانت الغزوة الخامسة من حيث تسلسل غزواته التي بلغ عددها سبعة وعشرين غزوة، قاتل بنفسه في تسع منها وقال البعض إنه قاتل في أحدى عشرة غزوة، هذا بالإضافة الى الكثير من الغزوات التي قامت بها بعوثه وسراياه التي بلغ عددها خمسة وثلاثين بعثا وسرية منذ دخوله الى المدينة والى أن توفاه الله.
ولأن الأسلام كان في بداية إنتشاره فقد إنحصرت الغزوات كلها في منطقة الجزيرة العربية، وبسبب البعد الجغرافي لم تتمكن تلك السرايا من الوصول الى المناطق التي كان يسكنها الأكراد آنذاك من أجل غزوها وأنفلتها، لذلك لم يتعرض الأكراد الى أية عمليات أنفال من قبل محمد { ص } لكن الأنفال الأولى حدثت في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب { رض } عندما أرسل جيشا من المؤمنين على رأسهم سلمة بن قيس الأشجعي وقال له سر بسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله، فإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم الى الإسلام فإن أبوا فادعوهم إلى الخراج أي الجزية فإن أبوا فقاتلوهم فإن الله ناصركم عليهم.
قال سلمة فسرنا حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم الى ما أمرنا به أمير المؤمنين فأبوا الإسلام وأبوا الخراج فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم، فقتلنا مقاتلتهم أي رجالهم القادرين على القتال وسبينا ذراريهم أي نسائهم وأطفالهم وجمعنا الرثة أي أموالهم.
هنا سأتوقف عن الكتابة لبضعة دقائق وألوذ بالصمت، وأتمنى أن يشاركني القارئ الكريم بأن نغمض أعيننا قليلا ونعود بخيالنا الى زمن الأشجعي وهجومه على الكرد، ونحاول أن نرى بعيون العقل ومن خلال نظرة إنسانية ما كان يجري هناك، وأن نرسم صورة للواقع الأليم الذي كان يعيشه الكرد المؤنفلون في ذلك اليوم الرهيب.
بالتأكيد سنرى صورة مأساوية وعملية قتل وإبادة جماعية لاتقل في وحشيتها وبشاعتها ودمويتها عما حدث في مدينة حلبجة في زمننا المعاصر.
صراخ وعويل وأنين، جثث القتلى متناثرة في كل مكان، جرحى مخضبون بدمائهم يئنون من الألم يبكون كنمور جريحة حزنا على النساء والصبايا والفتيان الذين يجرجرهم مؤمنوا الأشجعي ويسوقوهم كسبايا ليباعوا في أسواق النخاسة والعبيد.
الفرق بين العمليتين هو إن الأولى وأستطيع أن أسميها غزوة الأشجعي كانت باسم الله ومن أجل نشر الدين الإسلامي أو فرض الجزية الخراج الذي كان يملأ بيت مال المسلمين والذي كان يشكل العامل الأقتصادي الرئيسي لحياة وديمومة الدولة الإسلامية الناشئة.
هنا أتسائل هل كانت هذه هي الطريقة الوحيدة أو المثلى لنشر الدين الإسلامي في ذلك الزمان؟ ألم يكن من الأفضل إعطاءهم فرصة لفهم وإستيعاب الدين الجديد خاصة وهم لم يكونوا عربا وبالتأكيد لم يكونوا يعرفوا اللغة العربية، فلربما كانوا سيقبلون الدين الإسلامي كما حدث لاحقا حيث آمن به الكثير من الكرد بإقتناع وبدون قتال،
أما عملية الأنفال الثانية والتي إبتدأت بما يمكن أن نسميها غزوة حلبجة { نظرا لأن صدام حسين أصبح قائد الحملة الإيمانية وكان يعتبر نفسه سليل الأسرة النبوية الشريفة حيث إختلق لنفسه شجرة عائلة مزورة أرجع فيها نسبه المجهول أصلا الى نسب النبي الكريم محمد { ص } فقد كانت من أجل القضاء على آمال وطموحات الشعب الكردي وإسكات صوته وإجهاض ثورته ونضاله الطويل من أجل نيل حقوقه القومية المشروعة ورغبته في الحياة الحرة الكريمة.
بل وصل الأمر بصدام وأركان نظامه البائد الى محاولة القضاء على الشعب الكردي من خلال عمليات جينوسايد منظمة ومبرمجة، وغاب عن أذهانهم المريضة بأن الشعوب الحية لايمكن القضاء عليها ولا حتى قهر إرادتها أو تغيير هويتها القومية، وقد قدم الشعب الكردي في العصر الحديث أروع الأمثلة في الدفاع الشريف عن قضيته من خلال تضحياته وصموده البطولي الذي حير الأعداء وأثار إعجاب الأصدقاء، حيث حمل السلاح بيد مكرها لا راغبا وتقدم الى الموت كمقاتل بيشمركة حاملا روحه على كفه غير آبه بالموت، وتعامل مع أعدائه في حالات الإنتصار وفق أرقى القيم الأخلاقية والإنسانية، وكلنا نذكر إنفاضة آذار 1991 حيث وقع في أسر القوات الكردية أكثر من 100000 عسكري عراقي من كل المراتب كانوا متواجدين على أرض كردستان، تم إطلاق سراحهم جميعا وسمح لهم بالعودة الى مدنهم وعوائلهم معززين مكرمين، لقد سجل الشعب الكردي على صفحات التأريخ وبأحرف من نور مكانة بارزة ومتميزة، حتى غدت قضيته مدرسة لتعليم الأسس الصحيحة للثورة والنضال ومقارعة الظلم والطغيان والإستبداد من أجل الحرية والحقوق القومية المشروعة لكل شعوب العالم، وما مركز دراسات مصطفى البرزاني للسلام في واشنطن إلا خير مثال على ذلك.
ومن جهة أخرى وصم جبين الطغاة بالخزي والعار الى الأبد.
قبل أن أضع نهاية لمقالي هذا سأذكر بعض الحالات التي تخللت عمليات الأنفال في صدر الإسلام من خلال بعض الغزوات وليس جميعها وسأنظر اليها من الناحية الإنسانية والإجتماعية مستخدما نظرية العقل والمنطق وليس نظرية العاطفة والإيمان، وإن كل ماسأذكره هي معلومات عامة موجودة وموثقة في جميع كتب السيرة النبوية والتي هي أمهات الكتب وتعتبر مصادر رئيسية للتأريخ الإسلامي يستطيع كل من يريد معرفة الحقيقة أن يطلع عليها.
ففي غزوة بدر وبعد تقسيم الأنفال أمر رسول الله بالنظر في أمر الأسرى فقال أبو بكر يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا، أما عمر بن الخطاب فقال لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر بل أرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه وتمكن حمزة من أخ له فيضرب عنقه وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، حتى يعلم الله إن ليس في قلوبنا هوادة للكفار.
أما عبدالله بن رواحة فكان أكثرهم قسوة حيث قال: يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا.
أخذ الرسول برأي أبو بكر وقال لايفلت من الأسرى أحد إلا بفدية أو ضرب عنق، وجعل ثمن الأسير أربعة آلاف درهم، وبعضهم أمروا بأن يعلموا المسلمين القراءة والكتابة ثمنا لحريتهم.
وكان بين الأسرى العباس بن عبدالمطلب عم النبي فقال له يا عباس إفد نفسك وإبني أخيك عقيل ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال، وكان رسول الله قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب كانت معه فقال العباس يا رسول الله إحسبها في فدائي، فقال لا ذاك شئ أعطاناه الله عز وجل.
وأمر رسول الله بقتل أحد الأسرى وهو عقبة بن أبي معيط فقال الرجل قبل أن يقتل فمن للصبية يا محمد أي من يهتم بأطفالي ويعيلهم بعد قتلي فقال الرسول ألنار، هذه هي نصوص قليلة ومختصرة مما حدث في غزوة بدر ولا تعليق لي عليها، لكن سؤالا واحدا يراود ذهني وهو إذا كانت هذه طريقة تعاملهم مع إخوتهم وأبناء عمومتهم وقوميتهم فكيف سيكون تعاملهم مع الآخرين؟
في غزوة يهود بني قينقاع حاصرهم الرسول خمسة عشر ليلة لايطلع منهم أحد، الى أن إستسلموا ونزلوا عند حكم رسول الله فكتفوهم وهو يريد قتلهم، فقام اليه عبدالله بن أبي بن سلول وكان من الخزرج وقال يا محمد أحسن في موالي أي أحسن إليهم فهم حلفائي فلم يرد عليه الرسول، فأدخل يده في جيب رسول الله فقال الرسول أرسلني أي أتركني وغضب الرسول حتى رأوا في وجهه ضلالا أي تلونا ثم قال ويحك أرسلني قال لا ولله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر تريد أن تحصدهم أي تقتلهم في غداة واحدة أي في ساعات قليلة وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر وكان في قوله ذلك تهديدا مبطنا فقال الرسول هم لك، ثم قال أتركوهم لعنهم الله ولعنه معهم، وأمر بإخراجهم من المدينة مع ذراريهم بعد أن غنم منهم سلاحا كثيرا وآلة صياغتهم فقد كانوا صياغا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا وجد عبدالله بن سلول في جيب رسول الله؟ أو ماذا أمسك حتى أوصل رسول الله الى حالة الغضب الشديد، وبالرغم من ذلك فلم يخرج يده من جيبه الى أن عفى عن مواليه، أعتقد بأن الأمر واضح لكل من يريد أن يفهم، لأن قتل سبعمائة شخص كان أسهل على الرسول مما أمسك عبدالله بن أبي في جيبه.
وبذلك التصرف أنقذ حياة حلفائه من موت محقق.
أما غزوة يهود بني قريضة فقد كانت بعد غزوة الخندق مباشرة حيث حاصرهم الرسول خمسة وعشرين ليلة الى أن أجهدهم الحصار فإستسلموا ونزلوا عند حكم رسول الله، فقام بعض الصحابة من الأوس وقالوا يارسول الله إنهم موالينا وحلفائنا فأحسن اليهم كما فعلت مع حلفاء الخزرج بني قينقاع، فقال لهم الرسول ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى، قال إنه سعد بن معاذ فقال له أصحابه يا سعد أحسن فيهم فهم حلفائنا وما ولاك رسول الله أمرهم إلا لتحسن فيهم لكن سعد لم يدخل يده في جيب رسول الله ولم يمسك بما أمسك به عبدالله بن أبي بل قال: آن لسعد أن لاتأخذه في الله لومة لائم ، فقال له رسول الله أحكم فيهم فقال : أحكم بأن تقتل الرجال وأن تقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء، فقال الرسول لقد حكمت بما يرضي الله ورسوله، وأمر الرسول بقتل كل من أنبت أي نبت الشعر على وجهه ويقال في منطقة العانة .
ثم خرج الى سوق المدينة وأمر بأن تحفر فيها خنادق ثم جلس وبدأت عملية ضرب أعناق بني قريضة أرسالا أي جماعات وتم رميهم في تلك الخنادق التي كانت بمثابة مقابر جماعية دفن فيها مابين سبعمائة الى ثمانمائة رجل، وتم أيضا توزيع أموال بني قريضة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين.
ثم بعث رسول الله سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من أنفال بني قريضة الى نجد فباعهم وإشترى بثمنهم خيلا وسلاحا.
السؤال هنا هو كيف وبأي حق يباع الأنسان في عهد النبوة؟ وأي إله يرضى عن ذلك؟ وهل يتقبل إنسان القرن الواحد والعشرين خاصة عندما يطبق نظرية العقل والمنطق مثل هذه الأمور؟ أترك أبواب الإجابة مفتوحة ليتمكن كل إنسان من التفكير على طريقته وقناعته وبما يمليه عليه ضميره أو عقله أو إيمانه، لأن المسألة كما يقال فيها وجهة نظر.
الشيماء أخت الرسول بالرضاعة وقعت هي أيضا ضحية لللأنفال ولم تنجو من السبي، وعندما أسرت عوملت بقسوة فقالت لجنود الرسول إني أخت صاحبكم فلم يصدقوها، وأخذوها الى الرسول فقالت له أنا أختك فقال لها وما علامتك فأثبتت له بأنها أخته، كذلك إبنة شيخ العرب وكريمها حاتم الطائي الذي لازال العرب الى اليوم يتغنون بكرمه وسخائه كانت أيضا ضمن الأنفال التي سيقت الى رسول الله من بلاد طي فوضعها في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبسن فيه.
خلاصة القول هو إن الأنفال كإسم وكفعل مورست وبشكل واسع ومكثف خلال جميع غزوات رسول الله، جرت خلالها كما أوضحت عمليات قتل وإبادة جماعية، وسلب ونهب أموال وسبي و بيع وإهداء نساء وذراري، وعمليات تعذيب من أجل المال، لو أردت أن اشرحها بالتفصيل وكما هو مذكور في كتبنا الإسلامية فسأحتاج الى كتاب بحجم كبير، كانت كل تلك العمليات موجهة ضد المشركين الذين لم يقبلوا دين الله وكانت تتم بإسم الله ومن أجل نشر دينه وتثبيت أركانه.
لذلك وبما أن صدام حسين وكما ذكرت كان قائد الحملة الإيمانية وسليل الأسرة النبوية الشريفة فقد أطلق إسم الأنفال على عملياته العسكرية الإجرامية القذرة ضد أبناء شعبنا الكردي، وبما أنه كان يعلم جيدا بأن رسول الله كان يحارب الكفار والمشركين، وإن ابناء الشعب الكردي ليسوا بكفرة ولا مشركين، بل مسلمين مؤمنين لذلك طلب من الكثير من علماء وأإمة المسلمين السنة والشيعة إصدار فتاوي دينية تكفيرية بحق االكرد وإباحة قتلهم وقراءة تلك الفتاوي في الجوامع والمساجد لتهيئة وتضليل الرأي العام العراقي والعربي والإسلامي لتفهم وتقبل الجرائم التي كان يخطط لها مع إبن عمه الكيمياوي وليجعلها إمتدادا دينيا لعمليات الأنفال التي جرت في صدر الإسلام .
وللأسف الشديد فقد حصل على تلك الفتاوي التكفيرية لكن ليس من الأئمة وعلماء الدين الأفاضل الشرفاء بل من الأئمة الذين كانوا رفاق بعثيين، وسمعت شخصيا وأخبرت بأن مثل تلك الفتاوي كانت فعلا تقرأ في بعض جوامع مدينة الموصل التي كنت أعيش فيها، وفعلا نفذ المجرمون مؤامرتهم المشبوهة القذرة بحق شعبنا المسالم والمناضل من أجل حريته وكرامته فشنوا غزوة حلبجة وعمليات الأنفال سيئة الصيت والتي أدت الى قتل الآلاف من المواطنين الأبرياء نساءا وأطفالا وشيوخ، ودمرت أكثر من خمسة آلاف قرية ونهبت الأموال والممتلكات وألقي القبض على 182000 مواطن كردي سيقوا الى السجون والمعتقلات ثم غيبتهم مئات القبور الجماعية في رمال الصحراء الغربية، إضافة إلى سبي الكثير من النساء والصبايا الكرديات اللاتي لم يختلف مصيرهن عن مصير أخواتهن في غزوة الأشجعي، حيث تم توزيع البعض منهن كهدايا على القادة والمسؤولين خاصة من رجال تكريت وبعض المسؤولين العرب وبيعت الأخريات كجواري في بعض دول الخليج، المؤسف هو إن الإعلام العربي والعرب والمسلمون في ذلك الوقت أصيبوا بالعمي والصم والبكم وتغاضوا عن كل تلك الجرائم الاإنسانية البشعة، بل إن أكثرهم صفقوا للقتلة ووقفوا الى جانبهم، وسمعت حينها بأن أحد الرؤساء العرب عندما قيل له إن صديقك صدام حسين قتل الأكراد بالغازات الكيمياوية السامة قال: { شو بدو يعمل فيهم، يرش عليهم ماي ورد }
نعم بإيمان شعبنا الكردي بعدالة قضيته، وبصموده الأسطوري، ونضاله الدؤوب من أجل حريته وكرامته وحقوقه القومية المشروعة، وعدم لجوءه الى سياسة العنف والإرهاب حتى مع أعداءه، ودعوته الدائمة الى السلام وحل المشاكل بالحوار والطرق السلمية ليس في العراق أو المنطقة فحسب بل في العالم كله، كسب شعبنا الكردي ثقة ومحبة وإحترام كل الدول والشعوب التي تحترم حقوق الإنسان وتؤمن بالحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير.
لكل هذه الأسباب وبفضل السياسة الحكيمة التي تنتهجها قيادة حكومة كردستان متمثلة في شخص الرئيس مسعود ببرزاني أصبح للشعب الكردي الكثير من الأصدقاء الذين يدعمون قضيته العادلة في كل المحافل الدولية ويرشونه بماء الورد.
ويأتي من كل دول العالم سياسيون ودبلوماسيون ومسؤولين كباروأناس عاديون أحرار ليس ليرشوا الشعب الكوردي بماء الورد فقط بل ليضعوا أكاليل الزهورعلى أضرحة شهداء حركتنا الكردية التحررية متمثلة بضريح الشهيدين الخالدين أبو الشعب الكردي البار وزعيم ثورته مصطفى البارزاني ومهندس ثورة أيلول إدريس البارزاني، في الوقت الذي ذهب فيه الطغاة وأصدقاءهم الى مزبلة التأريخ محملين بالخزي والعار .
فتحية إكبار وتقدير ومحبة لشهدائنا الأبرار الذين رسموا لنا بدمائهم الزكية طريق المجد والحرية والكرامة والحياة.
وتحية إلى كل إنسان كردي، وكل إنسان حر أينما كان غادر، هذه الحياة قبل أن يرى نهاية الطغاة، وكان يحلم ويتمنى أن يمتد به العمر ليرى هذا اليوم.
وتحية الى أهالي حلبجة وكل مواطن كردي رفع صوته عاليا رافضا إعدام الكيمياوي في مدينة حلبجة أو أية بقعة من أرض كردستان لكي لاتتدنس بأجسادهم النتنة العفنة بعد أن تطهرت من أردانهم الخبيثة، ولنعمل جميعا كل من موقعه وحسب إمكانياته على تثبيت تلك الجرائم لدى الرأي العام والمجتمع الدولي بكل هيئاته ومنظماته السياسية والإنسانية كحالات إبادة جماعية وتطهير عرقي بغية عدم تكرارها في أي مكان آخر من العالم.
المانيــــــــا
أول من إستخدم كلمة الأنفال كان محمد رسول الله { ص } وحتى قبل نزول سورة الأنفال، فبعد سنتين من هجرته الى المدينة وبعد أن أصبح لديه جيش من المهاجرين والأنصار بدأ يتربص بقريش ويتتبع أخبارها، وعندما علم بأن قافلة تجارية فيها أموال قريش يقودها أبو سفيان قادمة من الشام متجهة الى مكة، ندب اليه رجاله أي جمعهم وقال لهم: هذه عير قريش { بكسر العين } فيها أموالهم وتجارتهم هلموا اليها لعل الله أن ينفلكموها أي يجعلها { أنفالا } غنائم لكم .
وبعد أن إنتهت المعركة بإنتصار جيش المسلمين على جيش الكافرين من رجال قريش وهربوا تاركين ورائهم سبعون قتيلا وسبعون أسيرا والكثير من الأسلحة والعدد الحربية، بدأ المسلمون بجمع كل ما وقعت عليه أيديهم من مخلفات العدو المهزوم فأمر رسول الله بإحضارها بين يديه لغرض توزيعها وكان قد قال { ص } قبل بدأ المعركة بالنص { من يقتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن يأسر أسيرا فله كذا وكذا }، وعندما بدأت المعركة إندفع الشباب الى القتال أما كبار السن فقد بقوا مع رسول الله أحاطوا به من أجل حمايته، وبما أنهم لم يشاركوا فعليا في القتال فقد رأى المقاتلون الشباب بأن الشيوخ بالرغم من إنهم هم الذين جمعوا الغنائم غير مشمولين بهذه المكرمة النبوية، وقالوا نحن قاتلنا ودفعنا عنكم العدو فتمكنتم من جمعها، أما الشيوخ فقالوا شاركونا في الغنائم فنحن أحق بها منكم مما أدى الى حدوث خلافات حادة كادت أن تؤدي الى إقتتال بين الصحابة أنفسهم من أجل الغنائم {الأنفال} لولا أن الله تدخل من عليائه ليعلمهم كيفية توزيع الأنفال، حيث أنزل في الوقت المناسب سورة الأنفال.
{ ويسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فإتقوا الله وإصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } الأنفال 1
وقال الصحابي عبدالله بن الصامت نزلت هذه الآية فينا أصحاب بدر حين إختلفنا وساءت أخلاقنا فنزع الله الأنفال من أيدينا وجعلها لرسول الله فقسمها على السواء.
لم تكن غزوة بدر هي أولى غزوات محمد { ص } بل كانت الغزوة الخامسة من حيث تسلسل غزواته التي بلغ عددها سبعة وعشرين غزوة، قاتل بنفسه في تسع منها وقال البعض إنه قاتل في أحدى عشرة غزوة، هذا بالإضافة الى الكثير من الغزوات التي قامت بها بعوثه وسراياه التي بلغ عددها خمسة وثلاثين بعثا وسرية منذ دخوله الى المدينة والى أن توفاه الله.
ولأن الأسلام كان في بداية إنتشاره فقد إنحصرت الغزوات كلها في منطقة الجزيرة العربية، وبسبب البعد الجغرافي لم تتمكن تلك السرايا من الوصول الى المناطق التي كان يسكنها الأكراد آنذاك من أجل غزوها وأنفلتها، لذلك لم يتعرض الأكراد الى أية عمليات أنفال من قبل محمد { ص } لكن الأنفال الأولى حدثت في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب { رض } عندما أرسل جيشا من المؤمنين على رأسهم سلمة بن قيس الأشجعي وقال له سر بسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله، فإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم الى الإسلام فإن أبوا فادعوهم إلى الخراج أي الجزية فإن أبوا فقاتلوهم فإن الله ناصركم عليهم.
قال سلمة فسرنا حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم الى ما أمرنا به أمير المؤمنين فأبوا الإسلام وأبوا الخراج فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم، فقتلنا مقاتلتهم أي رجالهم القادرين على القتال وسبينا ذراريهم أي نسائهم وأطفالهم وجمعنا الرثة أي أموالهم.
هنا سأتوقف عن الكتابة لبضعة دقائق وألوذ بالصمت، وأتمنى أن يشاركني القارئ الكريم بأن نغمض أعيننا قليلا ونعود بخيالنا الى زمن الأشجعي وهجومه على الكرد، ونحاول أن نرى بعيون العقل ومن خلال نظرة إنسانية ما كان يجري هناك، وأن نرسم صورة للواقع الأليم الذي كان يعيشه الكرد المؤنفلون في ذلك اليوم الرهيب.
بالتأكيد سنرى صورة مأساوية وعملية قتل وإبادة جماعية لاتقل في وحشيتها وبشاعتها ودمويتها عما حدث في مدينة حلبجة في زمننا المعاصر.
صراخ وعويل وأنين، جثث القتلى متناثرة في كل مكان، جرحى مخضبون بدمائهم يئنون من الألم يبكون كنمور جريحة حزنا على النساء والصبايا والفتيان الذين يجرجرهم مؤمنوا الأشجعي ويسوقوهم كسبايا ليباعوا في أسواق النخاسة والعبيد.
الفرق بين العمليتين هو إن الأولى وأستطيع أن أسميها غزوة الأشجعي كانت باسم الله ومن أجل نشر الدين الإسلامي أو فرض الجزية الخراج الذي كان يملأ بيت مال المسلمين والذي كان يشكل العامل الأقتصادي الرئيسي لحياة وديمومة الدولة الإسلامية الناشئة.
هنا أتسائل هل كانت هذه هي الطريقة الوحيدة أو المثلى لنشر الدين الإسلامي في ذلك الزمان؟ ألم يكن من الأفضل إعطاءهم فرصة لفهم وإستيعاب الدين الجديد خاصة وهم لم يكونوا عربا وبالتأكيد لم يكونوا يعرفوا اللغة العربية، فلربما كانوا سيقبلون الدين الإسلامي كما حدث لاحقا حيث آمن به الكثير من الكرد بإقتناع وبدون قتال،
أما عملية الأنفال الثانية والتي إبتدأت بما يمكن أن نسميها غزوة حلبجة { نظرا لأن صدام حسين أصبح قائد الحملة الإيمانية وكان يعتبر نفسه سليل الأسرة النبوية الشريفة حيث إختلق لنفسه شجرة عائلة مزورة أرجع فيها نسبه المجهول أصلا الى نسب النبي الكريم محمد { ص } فقد كانت من أجل القضاء على آمال وطموحات الشعب الكردي وإسكات صوته وإجهاض ثورته ونضاله الطويل من أجل نيل حقوقه القومية المشروعة ورغبته في الحياة الحرة الكريمة.
بل وصل الأمر بصدام وأركان نظامه البائد الى محاولة القضاء على الشعب الكردي من خلال عمليات جينوسايد منظمة ومبرمجة، وغاب عن أذهانهم المريضة بأن الشعوب الحية لايمكن القضاء عليها ولا حتى قهر إرادتها أو تغيير هويتها القومية، وقد قدم الشعب الكردي في العصر الحديث أروع الأمثلة في الدفاع الشريف عن قضيته من خلال تضحياته وصموده البطولي الذي حير الأعداء وأثار إعجاب الأصدقاء، حيث حمل السلاح بيد مكرها لا راغبا وتقدم الى الموت كمقاتل بيشمركة حاملا روحه على كفه غير آبه بالموت، وتعامل مع أعدائه في حالات الإنتصار وفق أرقى القيم الأخلاقية والإنسانية، وكلنا نذكر إنفاضة آذار 1991 حيث وقع في أسر القوات الكردية أكثر من 100000 عسكري عراقي من كل المراتب كانوا متواجدين على أرض كردستان، تم إطلاق سراحهم جميعا وسمح لهم بالعودة الى مدنهم وعوائلهم معززين مكرمين، لقد سجل الشعب الكردي على صفحات التأريخ وبأحرف من نور مكانة بارزة ومتميزة، حتى غدت قضيته مدرسة لتعليم الأسس الصحيحة للثورة والنضال ومقارعة الظلم والطغيان والإستبداد من أجل الحرية والحقوق القومية المشروعة لكل شعوب العالم، وما مركز دراسات مصطفى البرزاني للسلام في واشنطن إلا خير مثال على ذلك.
ومن جهة أخرى وصم جبين الطغاة بالخزي والعار الى الأبد.
قبل أن أضع نهاية لمقالي هذا سأذكر بعض الحالات التي تخللت عمليات الأنفال في صدر الإسلام من خلال بعض الغزوات وليس جميعها وسأنظر اليها من الناحية الإنسانية والإجتماعية مستخدما نظرية العقل والمنطق وليس نظرية العاطفة والإيمان، وإن كل ماسأذكره هي معلومات عامة موجودة وموثقة في جميع كتب السيرة النبوية والتي هي أمهات الكتب وتعتبر مصادر رئيسية للتأريخ الإسلامي يستطيع كل من يريد معرفة الحقيقة أن يطلع عليها.
ففي غزوة بدر وبعد تقسيم الأنفال أمر رسول الله بالنظر في أمر الأسرى فقال أبو بكر يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا، أما عمر بن الخطاب فقال لا والله ما أرى الذي رأى أبو بكر بل أرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه وتمكن حمزة من أخ له فيضرب عنقه وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، حتى يعلم الله إن ليس في قلوبنا هوادة للكفار.
أما عبدالله بن رواحة فكان أكثرهم قسوة حيث قال: يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا.
أخذ الرسول برأي أبو بكر وقال لايفلت من الأسرى أحد إلا بفدية أو ضرب عنق، وجعل ثمن الأسير أربعة آلاف درهم، وبعضهم أمروا بأن يعلموا المسلمين القراءة والكتابة ثمنا لحريتهم.
وكان بين الأسرى العباس بن عبدالمطلب عم النبي فقال له يا عباس إفد نفسك وإبني أخيك عقيل ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال، وكان رسول الله قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب كانت معه فقال العباس يا رسول الله إحسبها في فدائي، فقال لا ذاك شئ أعطاناه الله عز وجل.
وأمر رسول الله بقتل أحد الأسرى وهو عقبة بن أبي معيط فقال الرجل قبل أن يقتل فمن للصبية يا محمد أي من يهتم بأطفالي ويعيلهم بعد قتلي فقال الرسول ألنار، هذه هي نصوص قليلة ومختصرة مما حدث في غزوة بدر ولا تعليق لي عليها، لكن سؤالا واحدا يراود ذهني وهو إذا كانت هذه طريقة تعاملهم مع إخوتهم وأبناء عمومتهم وقوميتهم فكيف سيكون تعاملهم مع الآخرين؟
في غزوة يهود بني قينقاع حاصرهم الرسول خمسة عشر ليلة لايطلع منهم أحد، الى أن إستسلموا ونزلوا عند حكم رسول الله فكتفوهم وهو يريد قتلهم، فقام اليه عبدالله بن أبي بن سلول وكان من الخزرج وقال يا محمد أحسن في موالي أي أحسن إليهم فهم حلفائي فلم يرد عليه الرسول، فأدخل يده في جيب رسول الله فقال الرسول أرسلني أي أتركني وغضب الرسول حتى رأوا في وجهه ضلالا أي تلونا ثم قال ويحك أرسلني قال لا ولله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر تريد أن تحصدهم أي تقتلهم في غداة واحدة أي في ساعات قليلة وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر وكان في قوله ذلك تهديدا مبطنا فقال الرسول هم لك، ثم قال أتركوهم لعنهم الله ولعنه معهم، وأمر بإخراجهم من المدينة مع ذراريهم بعد أن غنم منهم سلاحا كثيرا وآلة صياغتهم فقد كانوا صياغا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا وجد عبدالله بن سلول في جيب رسول الله؟ أو ماذا أمسك حتى أوصل رسول الله الى حالة الغضب الشديد، وبالرغم من ذلك فلم يخرج يده من جيبه الى أن عفى عن مواليه، أعتقد بأن الأمر واضح لكل من يريد أن يفهم، لأن قتل سبعمائة شخص كان أسهل على الرسول مما أمسك عبدالله بن أبي في جيبه.
وبذلك التصرف أنقذ حياة حلفائه من موت محقق.
أما غزوة يهود بني قريضة فقد كانت بعد غزوة الخندق مباشرة حيث حاصرهم الرسول خمسة وعشرين ليلة الى أن أجهدهم الحصار فإستسلموا ونزلوا عند حكم رسول الله، فقام بعض الصحابة من الأوس وقالوا يارسول الله إنهم موالينا وحلفائنا فأحسن اليهم كما فعلت مع حلفاء الخزرج بني قينقاع، فقال لهم الرسول ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى، قال إنه سعد بن معاذ فقال له أصحابه يا سعد أحسن فيهم فهم حلفائنا وما ولاك رسول الله أمرهم إلا لتحسن فيهم لكن سعد لم يدخل يده في جيب رسول الله ولم يمسك بما أمسك به عبدالله بن أبي بل قال: آن لسعد أن لاتأخذه في الله لومة لائم ، فقال له رسول الله أحكم فيهم فقال : أحكم بأن تقتل الرجال وأن تقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء، فقال الرسول لقد حكمت بما يرضي الله ورسوله، وأمر الرسول بقتل كل من أنبت أي نبت الشعر على وجهه ويقال في منطقة العانة .
ثم خرج الى سوق المدينة وأمر بأن تحفر فيها خنادق ثم جلس وبدأت عملية ضرب أعناق بني قريضة أرسالا أي جماعات وتم رميهم في تلك الخنادق التي كانت بمثابة مقابر جماعية دفن فيها مابين سبعمائة الى ثمانمائة رجل، وتم أيضا توزيع أموال بني قريضة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين.
ثم بعث رسول الله سعد بن زيد الأنصاري بسبايا من أنفال بني قريضة الى نجد فباعهم وإشترى بثمنهم خيلا وسلاحا.
السؤال هنا هو كيف وبأي حق يباع الأنسان في عهد النبوة؟ وأي إله يرضى عن ذلك؟ وهل يتقبل إنسان القرن الواحد والعشرين خاصة عندما يطبق نظرية العقل والمنطق مثل هذه الأمور؟ أترك أبواب الإجابة مفتوحة ليتمكن كل إنسان من التفكير على طريقته وقناعته وبما يمليه عليه ضميره أو عقله أو إيمانه، لأن المسألة كما يقال فيها وجهة نظر.
الشيماء أخت الرسول بالرضاعة وقعت هي أيضا ضحية لللأنفال ولم تنجو من السبي، وعندما أسرت عوملت بقسوة فقالت لجنود الرسول إني أخت صاحبكم فلم يصدقوها، وأخذوها الى الرسول فقالت له أنا أختك فقال لها وما علامتك فأثبتت له بأنها أخته، كذلك إبنة شيخ العرب وكريمها حاتم الطائي الذي لازال العرب الى اليوم يتغنون بكرمه وسخائه كانت أيضا ضمن الأنفال التي سيقت الى رسول الله من بلاد طي فوضعها في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبسن فيه.
خلاصة القول هو إن الأنفال كإسم وكفعل مورست وبشكل واسع ومكثف خلال جميع غزوات رسول الله، جرت خلالها كما أوضحت عمليات قتل وإبادة جماعية، وسلب ونهب أموال وسبي و بيع وإهداء نساء وذراري، وعمليات تعذيب من أجل المال، لو أردت أن اشرحها بالتفصيل وكما هو مذكور في كتبنا الإسلامية فسأحتاج الى كتاب بحجم كبير، كانت كل تلك العمليات موجهة ضد المشركين الذين لم يقبلوا دين الله وكانت تتم بإسم الله ومن أجل نشر دينه وتثبيت أركانه.
لذلك وبما أن صدام حسين وكما ذكرت كان قائد الحملة الإيمانية وسليل الأسرة النبوية الشريفة فقد أطلق إسم الأنفال على عملياته العسكرية الإجرامية القذرة ضد أبناء شعبنا الكردي، وبما أنه كان يعلم جيدا بأن رسول الله كان يحارب الكفار والمشركين، وإن ابناء الشعب الكردي ليسوا بكفرة ولا مشركين، بل مسلمين مؤمنين لذلك طلب من الكثير من علماء وأإمة المسلمين السنة والشيعة إصدار فتاوي دينية تكفيرية بحق االكرد وإباحة قتلهم وقراءة تلك الفتاوي في الجوامع والمساجد لتهيئة وتضليل الرأي العام العراقي والعربي والإسلامي لتفهم وتقبل الجرائم التي كان يخطط لها مع إبن عمه الكيمياوي وليجعلها إمتدادا دينيا لعمليات الأنفال التي جرت في صدر الإسلام .
وللأسف الشديد فقد حصل على تلك الفتاوي التكفيرية لكن ليس من الأئمة وعلماء الدين الأفاضل الشرفاء بل من الأئمة الذين كانوا رفاق بعثيين، وسمعت شخصيا وأخبرت بأن مثل تلك الفتاوي كانت فعلا تقرأ في بعض جوامع مدينة الموصل التي كنت أعيش فيها، وفعلا نفذ المجرمون مؤامرتهم المشبوهة القذرة بحق شعبنا المسالم والمناضل من أجل حريته وكرامته فشنوا غزوة حلبجة وعمليات الأنفال سيئة الصيت والتي أدت الى قتل الآلاف من المواطنين الأبرياء نساءا وأطفالا وشيوخ، ودمرت أكثر من خمسة آلاف قرية ونهبت الأموال والممتلكات وألقي القبض على 182000 مواطن كردي سيقوا الى السجون والمعتقلات ثم غيبتهم مئات القبور الجماعية في رمال الصحراء الغربية، إضافة إلى سبي الكثير من النساء والصبايا الكرديات اللاتي لم يختلف مصيرهن عن مصير أخواتهن في غزوة الأشجعي، حيث تم توزيع البعض منهن كهدايا على القادة والمسؤولين خاصة من رجال تكريت وبعض المسؤولين العرب وبيعت الأخريات كجواري في بعض دول الخليج، المؤسف هو إن الإعلام العربي والعرب والمسلمون في ذلك الوقت أصيبوا بالعمي والصم والبكم وتغاضوا عن كل تلك الجرائم الاإنسانية البشعة، بل إن أكثرهم صفقوا للقتلة ووقفوا الى جانبهم، وسمعت حينها بأن أحد الرؤساء العرب عندما قيل له إن صديقك صدام حسين قتل الأكراد بالغازات الكيمياوية السامة قال: { شو بدو يعمل فيهم، يرش عليهم ماي ورد }
نعم بإيمان شعبنا الكردي بعدالة قضيته، وبصموده الأسطوري، ونضاله الدؤوب من أجل حريته وكرامته وحقوقه القومية المشروعة، وعدم لجوءه الى سياسة العنف والإرهاب حتى مع أعداءه، ودعوته الدائمة الى السلام وحل المشاكل بالحوار والطرق السلمية ليس في العراق أو المنطقة فحسب بل في العالم كله، كسب شعبنا الكردي ثقة ومحبة وإحترام كل الدول والشعوب التي تحترم حقوق الإنسان وتؤمن بالحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير.
لكل هذه الأسباب وبفضل السياسة الحكيمة التي تنتهجها قيادة حكومة كردستان متمثلة في شخص الرئيس مسعود ببرزاني أصبح للشعب الكردي الكثير من الأصدقاء الذين يدعمون قضيته العادلة في كل المحافل الدولية ويرشونه بماء الورد.
ويأتي من كل دول العالم سياسيون ودبلوماسيون ومسؤولين كباروأناس عاديون أحرار ليس ليرشوا الشعب الكوردي بماء الورد فقط بل ليضعوا أكاليل الزهورعلى أضرحة شهداء حركتنا الكردية التحررية متمثلة بضريح الشهيدين الخالدين أبو الشعب الكردي البار وزعيم ثورته مصطفى البارزاني ومهندس ثورة أيلول إدريس البارزاني، في الوقت الذي ذهب فيه الطغاة وأصدقاءهم الى مزبلة التأريخ محملين بالخزي والعار .
فتحية إكبار وتقدير ومحبة لشهدائنا الأبرار الذين رسموا لنا بدمائهم الزكية طريق المجد والحرية والكرامة والحياة.
وتحية إلى كل إنسان كردي، وكل إنسان حر أينما كان غادر، هذه الحياة قبل أن يرى نهاية الطغاة، وكان يحلم ويتمنى أن يمتد به العمر ليرى هذا اليوم.
وتحية الى أهالي حلبجة وكل مواطن كردي رفع صوته عاليا رافضا إعدام الكيمياوي في مدينة حلبجة أو أية بقعة من أرض كردستان لكي لاتتدنس بأجسادهم النتنة العفنة بعد أن تطهرت من أردانهم الخبيثة، ولنعمل جميعا كل من موقعه وحسب إمكانياته على تثبيت تلك الجرائم لدى الرأي العام والمجتمع الدولي بكل هيئاته ومنظماته السياسية والإنسانية كحالات إبادة جماعية وتطهير عرقي بغية عدم تكرارها في أي مكان آخر من العالم.
المانيــــــــا