مسالك الإصلاح

 دهام حسن
إن الإصلاح بركيزتيه الأساسيتين -السياسي والاقتصادي- أخذ يتصدر سلم الضرورات من بين المهام الوطنية الملحة في البلاد في ظل الظروف الراهنة على الصعيدين الداخلي والخارجي وتكاد تجمع على أهميته مختلف القوى من أصحاب الرأي والفعاليات السياسية والأوساط الشعبية.

والإصلاح ضرورة تستوجب الإسراع والمباشرة فيه بحزم دون تردد أو إرجاء أو تباطؤ .

بيد أن مسألة الإصلاح رغم وضوح العبارة إلا أنها كما يبدو غير واضحة المسالك على الأقل عند الذين في أيديهم زمام المبادرة وعلى صدق أقوالهم وحسن نواياهم تتوقف ترجمتها إلى واقع حي وملموس واقع سينبض بالحراك والحيوية لو حصل ذلك فعلا…

 لكن ما سبب هذا التوجس الذي يراود أحدنا من إن عملية الإصلاح قد لا تأخذ مسارها الصحيح المنشود؟ السبب هو أن ثمة متنفذين تميزوا بـ(حنكة سياسية) مافتئوا  يختلقون الأعذار والمبررات عند أي  منعطف نحو الانفتاح على القوى الداخلية لهذا نقول إن أية خطوة في طريق الإصلاح لابد من توفر قناعة كاملة بجدوى الإصلاح عند الداعين إليه في الحكم, والجدية والجرأة في السير به, وتفهم وإدراك ما قد يحمل من نتائج سوف تنعكس بالسلب في أحد جوانبه على مجموعةٍ تتضرر دون شك عند التناول والمعاجلة, وتلك ضريبةٌ طبيعيةٌ لأي تقدم على الصعيد الاجتماعي وهؤلاء المتضررون سوف يبدون مقاومة وسيحولون دون المضي في طريق الإصلاح, وسيعمدون إلى حرفه عن مساره وإفراغه من محتواه, لأن هؤلاء اعتادوا أن يغتذوا في مراتع الركود ويؤسسوا على خمود الشعب, فيفزعهم بالتالي تفعيل الحياة السياسية.

ففي عملية الإصلاح من الطبيعي أن تتباين الرؤى والمواقف وفقاً للمصالح الطبقية والمواقع التي تشغلها مختلف القوى في حياة البلاد, وما تحمل النخب البيروقراطية من مفاهيم تدخل في إطار العناصر المعوقة للإصلاح.

من المعلوم أن الإصلاح في أحد مقاصده يعني التحديث الاقتصادي لكن من الوهم الاعتقاد بأنه من الممكن لبدأ بالإصلاح الاقتصادي وإرجاء الإصلاح السياسي أو بالعكس فكلا طرفي الإصلاح يكمل أحدهما الآخر فإصلاح جانب يستلزم إصلاح الآخر.

وعلى العموم لا يمكن للإصلاح في أي بلد أن يتم على أيدي نخبٍ بيروقراطية مستبدة تتحكم في مفاصل الدولة, لأن الإصلاح مشروطٌ بإطلاق الحريات والانفتاح على طاقات الشعب وإفساح المجال أمام القوى كافةً للمساهمة في الحياة السياسية للبلاد.

ومن هنا تأتي أهمية إصدار قانون للأحزاب والجمعيات استناداً إلى الدستور والقوانين, وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وتطويرها وتوسيع العلنية وإتاحة الفرص أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم بحرية واعتماد الأسلوب الديمقراطي في التعامل بين سائر القوى دون وصاية أو قسر.

إن الحريات تعيد للفرد ذاكرته الوطنية وتقوي لديه روح الانتماء والشعور العالي بالمسؤولية تجاه وطنه وتميت فيه روح الاغتراب واللامبالاة.

في مثل هذه الأجواء سوف تنطلق الأحزاب والمؤسسات والأفراد مسلحة بالوعي والجرأة والروح الوطنية الوثابة, تسعى بقسطها للنهوض بالوطن والمساهمة في بنائه وتقويم الاعوجاج أنى وجد.

فتقوم بتشخيص الظواهر المرضية بغية معالجتها والتنبه لمواطن الضعف لتجاوزها, كما تقوم بمحاربة الفساد والمفسدين بهدف إقصائهم بالتالي.

إن الإصلاح سوف ينقل البلاد إلى مرحلة جديدة من التحول فلا بد من التحول إذا أردنا مجانية ما يحمله لنا المستقبل من محاذير, وأخطار التخلف عن الركب الحضاري الذي يغذ السير.

أما أن نظل في طاحونة الإصلاح بحيث نسمع جعجعة ولا نرى طحناً فتلك هي الطامة التي تحبط كل رجاء.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…