افتتاحية الوحدة (YEKÎTÎ)*
يتذكر السوريون في بداية هذا القرن حملة التبشير بالإصلاح الموعود التي أطلقتها آلة النظام الإعلامية، وانطلق على أثرها ما سمي بربيع دمشق الذي عبّر عن نفسه بإطلاق نشاط سياسي وحراك ديمقراطي، جسد في حينه أصالة إرادة التغيير المنشود وضروراته، لكن السلطة سرعان ما تراجعت بحكم طبيعتها تحت غطاء الأوهام المستندة إلى التغيير في المناخ الدولي الإقليمي الذي تزايد فيه النفوذ الإيراني في العراق واختراقه له عبر تجمعات وقوى سياسية وامتداده إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط، ثم تعميقه بفوز حماس في فلسطين، وارتفاع أسهم حزب الله في لبنان، ومن ثم تطوير التحالف الإيراني السوري.
في ظل هذه الظروف، عادت السلطة إلى سد الآذان أمام دعوات الإصلاح والتغيير، وتعمّدت الاستخفاف بها، وأقدمت على اعتقال العديد من رموز المعارضة، ومارست العنف ضد مختلف نشاطاتها، ومنها منع اجتماعات قوى إعلان دمشق و قمع اعتصامات ذكرى الإحصاء الاستثنائي و اليوم العالمي لحقوق الإنسان و ذكرى حالة الطوارئ.
وتزامن ذلك التراجع مع انكماش الوضع الاقتصادي وتراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، واتساع حجم البطالة ليصل إلى مليون عاطل ترفدهم السياسة الاقتصادية بأكثر من 200 ألف عاطل جديد سنويا،ً عدا ضحايا البطالة المقنعة والعمالة المهاجرة، مما أدت إلى تفاقم الاحتقانات الاجتماعية والتوترات العرقية والطائفية التي عبرت عنها أحداث السويداء ومصياف والقدموس وكذلك أحداث القامشلي التي فجرتها السياسة الشوفينية، وألحقت تلك الأحداث جميعها أضراراً بالغة بالنسيج الوطني.
وعلى الجانب الكردي، لم تعد الوعود المتكررة من جانب السلطة حول حلول مفترضة لمشكلة الإحصاء وإعادة الجنسية لضحاياه تجد رصيداً من المصداقية، بعد أن باتت أهدافها مكشوفة، لأنها تهدف دون طائل إلى تنفيس الاحتقان الذي تغذيه هذه المشكلة لمئات الآلاف من المواطنين الكرد الذين باتوا مقتنعين بأن السلطة تعرض حقهم في استعاد الجنسية في سوق المساومات، وتحاول أن تقبض ثمناً سياسياً لهذا الحق الطبيعي، لكنها فشلت في محاولة إرضاخ الحركة الوطنية الكردية للتخلي عن ثوابتها الوطنية القومية، كما فشلت في خلق البدائل الموازية لها.
لكن، مقابل الوعود المتلاشية للسلطة فإن العام الجديد يحمل معه آمالاً متجددة بأن التغيير الديمقراطي السلمي في البلاد قادم، لأن سوريا لا تقع خارج خارطة التطورات التي تجتاح العالم، وأن الشعب السوري بمختلف قومياته وفئاته الاجتماعية وأطيافه السياسية يستحق ما يلزم من انفراج ديمقراطي، وأن المراهنة على تراجع الضغوط الدولية وتعثر المشروع الأمريكي في العراق، والسعي لامتلاك أوراق إقليمية لمقايضتها في ضبط الوضع الداخلي والتذرع بالخطر الخارجي، لم تقلل من أهمية وضرورات هذا التغيير الذي تزداد الحاجة له مع تزايد مشاكل البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
——-
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (162) كانون ثاني 2007- 2618 ك