افتتاحية جريدة البارتي *
وقد جاء الحاحنا على مبدأ التداولية في الحركة الكردية أمراً طبيعياً يتعلق بجملة عوامل أهمها:
1- المناخ العالمي العام , الداعي والمحرض الى نبش الكوامن , والبحث عن الطاقات والخبرات والقدرات , لتأخذ دورها في نطاق مجتمع مدني , يأخذ الطابع المؤسساتي الداعي الى اشراك أكبر قدر من القيم والمفاهيم المجسدين لها , والعاملين عليها , لنقلها الى واقع تطبيقي , ينسجم مع التطلعات الديمقراطية , وقيم الحرية الذاتية , ومفاهيم حقوق الانسان , ونقلها من الاطار النظري المشرق الى طابع عملي ميداني , يحرض على المبدع , ويحرك المخبوء , وينفتح على الحياة بمختلف جوانبها .
بحيث لا تكاد تقتصر على فئة محدودة ملكت كل الامتيازات والمصالح , والمواقع , وهمشت القوى والقدرات الساعية الى التغيير والدفاع عن القيم والمصالح القومية والانسانية والوطنية العليا , والتي يمكن أن تعود بالفائدة والموقع والامتياز على قطاعات عريضة من الشعب , بحيث تغدو ورشة عمل متكاملة منتجة , ومؤثرة في صنع القرار السياسي , بما يخدم القيمة العليا المشتركة ..
2- بروز ووضوح سلبيات التحكم في القرار السياسي في مختلف بقاع الأرض , حيث يبرز هذا في تراجع الاقتصاد , ونهب المال العام , وهدر الثروة الوطنية , وتخريب المؤسسات والدوائر ومراكز القرار , وغياب فظيع للتخطيط وبرامج التنمية على أثر ذلك , واستشراء ظاهرة الفساد الاداري والمحسوبية وتعطيل عجلة الانتاج , بغياب الكفاءات والقدرات وبروز ظاهرة التملق والنفاق السياسي والحزبية الضيقة , والتكتل في سبيل تعزيز المواقع المتردية والمهزوزة أصلاً , وهو ما بدا بوضوح في مجمل الحركة السياسية والحركة الكردية خاصة , مما أفرز مظاهر الانقسام والتشرذم والتمحور حول الذات والفردية واصطناع القرار المتحكم , مما أدى الى تراجع كبير في مجمل المنجزات والتطورات والمفاهيم السياسية , حيث تفرغ المستعلون والمتحكمون في تمتين مواقعهم بأي ثمن , حيث كان التراجع والتفتت والتهشم ظاهرة طبيعية نستتبع بالضرورة تحشيد الأنصار واستمالتهم , والنتصار لهم , وقمع الآخرين , وخاصة ممن يملكون الطاقات والتطلعات وقيما مشرقة وجديدة ..
3- تفرض التداولية نفسها مع تطور الحياة الفكرية والثقافية , وشيوع الثقافة الديمقراطية , واهتزاز النظم والمفاهيم والأفكار البائدة , وانتشار الثقافة الجماهيرية والتي أفرزت بدورها من صلب الحياة المدنية نخبة ثقافية جديدة , تؤمن بكل ما يأتي بالخير والازدهار والتطور من مناهج وبرامج ومؤسسات تنبثق عنها , بحيث تلبي الحاجات الجماهيرية , وتركز على الحياة بكل صعدها وشعبها وميادينها , ازدهاراً وتطويراً وغنىً وابداعاً , وانتقالاً من كل حالات الفقر والتخلف والعبودية ومفاهيم الأسطورة وعبادة الفرد ..
ليكون المفهوم التداولي بما يحمل من قيم ومفاهيم متطورة قادراً على كسر الحكر في القرار والادارة والتشريع والتوجيه ليكون القرار الجماعي المنتج والمبدع الأساس في تحريك الكامن والراكد والمعقد من جملة الأخطاء والأمراض الاجتماعية , والعقد السياسية المصطنعة , وهو ما يدفع بالفئة الجديدة في الحركة السياسية والحركة التحررية الكردية , والبارتي خاصة , أن يأخذ على عاتقه قيم المبادرة في توليد حالة جديدة , تفتت الجليد المتجمد والمتراكم , والهالات والمفاهيم والأطر التقليدية باتجاه بناء جديد يعتمد طابعاً حركياً تداولياً جديداً ..
4- ان جملة الدعوات والتجارب والقيم والقواعد في المفهوم التبادلي , وتداول المواقع , والخروج من اطار القيادة القادرة والفاعلة والمتكرر , والشخص المحور والفكر الملهم , يفترض حلاً جزرياً واقعياً مباشراً , يخرج من اطار الأمنيات والتوصيات والرؤى النظرية , ليكون المفهوم الجديد حلاً منطقياً لدجل سياسي دام طويلاً , وأثر بشكل كبير في زعزعة أي استقرار منهجي أو فكري أو تنظيمي , بل كان المساهم الأكبر في تداعي صرح الحركة وفقدان قيمتها وهيبتها والتأثير على مجمل برامجها وأطرها وآلية عملها ..
مما أوقع في كثير من المحسوبية والاهترام وسحب القدرات وقهر الطاقات , وتشويه شخصيات كان من الممكن أن تحتل مواقعها المتميزة في جسد الحركة لتنكفىء وتتوارى عن الأنظار وتجترح هموم القمع والتشويه ..
ان هذه العوامل وجملة أخرى من قيم المصلحة العامة , وضرورات الحياة , وتطوراتها , وآفاق الحركة , ومتطلبات واستحقاقات التطورات العالمية ..
تفترض مثل هذا المفهوم الحضاري الحي والمتقدم والذي يمكن أن يقدم عوامل انجاح الحركة ولم شملها واعادة اللحمة الى عديد من أطرافها .
——
* نشرة دورية تصدرها هيئة الإعلام في منظمات الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد (4)