ما الذي يعيق حراكنا السياسي الحقيقي بعد انتفاضة 12 آذار

هوشنك درويش

ثمة تساؤلات طرحت ومازالت تطرح , ونراها تمثل في فحواها رؤيتنا حول القضية الكردية في كردستان سوريا , سيما بعد انتفاضة 12 آذار العظيمة , وهذه التساؤلات بحاجة ماسة الى الوقوف عندها , وتكثيف الاضواء عليها من كل الجوانب حتى نحصل في المحصلة على رؤية فاعلة وديناميكية

تعمل على تفعيل الحراك السياسي في الساحة الكردية في كردستان سورية , وتعمق من رؤانا التحليلية لاشكال النضال السياسي والاعلامي والثقافي والدبلوماسي.

ان انتفاضة 12آذار المقدسة لا شك فتحت للقضية الكردية آفاق سياسية جديدة , واتاحت لنا الظروف التي كنا نطمح اليها منذ زمن والتي نستطيع اختزالها في انمحاق حاجز الخوف والهلع بين الشعب الكردي والنظام , واحداث هزة وخلخلة في هيكل النظام ومؤسساته , وكذلك قوة ارادة الشعب واتقادها من خلال الوثبة العارمة في كل المدن الكردية وتقديم الدماء والشهداء , ناهيك عن بروز الوعي القومي في اعلى مراحله واوجه .

لا شك كل هذه العوامل مجتمعة احدثت فينا ايضا حالة من المراجعة لاجندتنا ورؤانا حول القضية الكردية , وجعلتنا نقف وجها لوجه أمام تحديات جديدة تثير فينا هذه التساؤلات: ماهية الخطاب السياسي الكردي بعد الانتفاضة ؟ وهل هذا الخطاب يتلائم مع طموحات وآمال الشعب الكردي والذي ضحى بالغالي والرخيص ؟ وهل هذا الشعب المضحي على استعداد لان يلتف حول من يطرح خطاب سياسي تدور في مدارات الحوار الوطني , والمطاليب الوطنية وعدم الاستقواء بالخارج ؟ هل لغتنا الاعلامية السياسية واكبت المتغيرات التي طرأت على الساحة الكردية بعد الانتفاضة , ولعبت دورها الرئيسي كأداة اعلامية تأثيرية على الشارع الكردي والعربي وحتى العالمي ؟ هل حاولت العقول السياسية الكردية الاستفادة من الطاقات والامكانيات الكردية داخل وخارج الوطن , وتسخيرها من اجل القضية وتشكيل لنقل بكلمة مختصرة لوبي كردي ؟ هل حققنا الدبلوماسية الكردية، في المعادلة السياسية ، وعملنا على تحريك دبلوماسي في المحافل الدولية والعالمية، والقادر ايضاً على قرع الأبواب التي كانت مغلقة في وجوهنا قبل الأنتفاضة؟ هل حاولنا اقامة علاقات مع بعض الأطراف المعارضة للنظام ولها وزنها وثقلها على الساحة العربية والأجنبية، اعتقد اننا في حالة مراوحة وثبات بعد الانتفاضة ، ولم نستطع الى الأن حتى رفع وتيرة الخطاب السياسي والمطاليب الكردية، ولم نتفهم بعد سيكولوجية الشارع الكردي المنكسر بسبب افول ثورة الفوران الشعبي فيه، وكذلك لغتنا الأعلامية مازالت تتأرجح بين الوطنية والعقلانية والحوار الوطني.

اننا نرى حتى نستطيع تحقيق السقف الأعلى للمطاليب الكردية في كردستان سوريا، يجب علينا اولاً واخيراً تلبية رغبة الشارع الكردي وتقبل نظرته الى واقع الحال والنظام، وعدم طرح شعارات بعيدة كل البعد عن الشارع ولو تحت اية ذريعة كانت، وكذلك يجب علينا بناء أداة اعلامية منتفضة , تشحذ الهمم ولاتخلو من روح الثورية , وتمارس أيضا دورها في كشف جرائم التظام ومجازره بحق شعبنا الكردي في كردستان سورية للرأي العام ولكن على أسس منهجية لا اعتباطية , ولا ننسى اعطاء المثقف الكردي دوره وعدم تهميشه في المشاركة السياسية وحتى في صنع القرار السياسي , فالمجتمعات بمثقفيها ونخبها الاكاديمية والمعرفية , وبهؤلاء تزهو وتغنى الحركات السياسية.

أما الدبلوماسية الكردية فيجب علينا اعطاء الاولوية لها وتسخير كل شى من أجل خلق مثل هذه الدبلوماسية الفعالة والقادرة على التأثير في مركز القرارات داخليا وخارجيا , وهنا يجب ان نسأل أنفسنا : لماذا المعارضة العربية قادرة على قرع الابواب واثبات وجودها في بعض المراكز الدولية الهامة والحيوية وحتى تسليط الاضواء على نفسها اعلاميا , وتنمية ذاتها اقتصاديا ؟ أعتقد ان الجواب بسيط جدا: المعارضة العربية حددت مصالحها على شبكة المصالح وتتحرك دون رقيب أو حسيب , وتفهمت السياسة العالمية الحالية ولا يهمها شى الا الحصول على ثقلها السياسي والدبلوماسي , وتجيد اللعب في بعض الاحايين من خلال موازين القوى , فالمعارضة تصافح كال معارض سوري وهي على استعداد ان تجلس مع عبد الحليم خدام وسعد الحريري و وليد جنبلاط والقوى الامريكية والاوربية , وهذه هي السياسة الحقيقية الاستفادة من الاوراق للضغط على النظام.

أما نحن على العكس تماما نبتعد عن هذه القوى القوية بطاقاتها وامكاناتها السياسية والاعلامية والاقتصادية , ونتحاشى حتى التحدث عنهم لاسباب كل منا له اسبابه وحججه.

اذا المسألة ليست بالشكل الذي يتصوره البعض , انما هي أعمق وأوسع لاننا أمام شبكة معقدة من المصالح , وكل جهة من الجهات تتحرك باتجاه هذه الشبكة , والقوي سياسيا واقتصاديا واعلاميا ودبلوماسيا هو القادر على التحكم بهذه الشبكة.

 

هذه رؤيتنا ولو بشكل تلميحي وخاطف حول القضية الكردية في كردستان سورية , وبهذه الرؤى يجب ان نتعامل مع واقعنا الجديد , ونراجع اجندتنا السياسية والاعلامية , ونفتح الابواب الموصدة منذ زمن , لننعتق من ما يكبلنا ويعيق حراكنا السياسي الحقيقي.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…