هنا كردستان

فتح الله حسيني

كلام كثير ، ترهات شتى  – بين سلب ولا سلب – رافق عملية إعدام الطاغية المخلوع صدام حسين ، وكلام أكثر ، ودومع أكثر أنهماراً رافق إعدام البائدين رئيس محمة الثورة السابق عواد البندر والأخ غير الشقيق ، رئيس الاستخبارات العسكرية العراقية السابق برزان التكريتي ، وتلك التقولات أتت جزافاً من مسؤولي أوروبا الى مسؤولي الدول العربية الى خيم العزاء في بعض دول الجوار ، والى الأمم المتحدة فمفوضية الاتحاد الاوروبي ، ثم ما لبث أن خرس الجميع بعد يوم أو يومين من التنديد بحكم الاعدام الصادر بحق أولئك المعدومين ، وتناثرت القهوة العربية المرّة على خيم المعزين ، وعاد الجميع الى أعمالهم ، سالمين ، راضين ، طيعين الى يوم الدين .

كان إعدام واحدٌ بحق مجرم من طراز صدام قليلاً ، وكان أيضاً حكم الإعدام بنائبيه في ارتكاب وتخطيط الجرائم أيضاً قليلاً ، على الأقل أولئك المجرمون حوكموا ، وقفوا في المحاكم ، ودافعوا عن أنفسهم وجرائمهم وحرقهم للأبرياء بالجملة ، ووقفوا في قفص الاتهام ، في حضرة الادعاء العام وحاكم سيحكم بالنتيجة والأدلة ، ومُنحوا الحق في الترافع عنهم من قبل محامين ، وعلى الملأ لا بسرية ، وفي قاعة المحكمة لا في الشوارع والصحارى ، بينما هم أي صدام وبرزان وعواد البندر ، أحرقوا سرا وعلانية الأرض الكردية والعراقية واللاعراقية ، وأعدموا البشر والشجر والحجر دون أن يمنحوهم فرصة لأحد للدفاع عن نفسه ، وقتلوا الناس في عراء خالي ، و لم يوضعوا أحداً في قفص الاتهام ، ولم يدعوا أحداً ولا حتى الله أن يترافع عنهم وعّما ارتكبوه، ونفوا الألوف ومئات الألوف ، وشّردوا ، ودمروا ، وقتلوا  بالجملة وأعداموا الصغار والكبار هكذا بلا مبرر الهي أوعبادي ، والذي مازال يرضع منع ثديي أمه قُتل ، وكل ذلك فعله صدام وأزلامه واستخباراته  والمعدومَين التكريتي والبندر ، وعنده خرس الاتحاد الأوروبي ، وخرست الدول العربية ، وخرس المتحدث بأسم الاتحاد الأوروبي ، وخرس الأمين العام للامم المتحدة ، وخرّست الصحافة وكل قنوات الاعلام ، وهم كلهم يرَونَ بأمهات وآباء وحدقات عيونهم كَمْ ذاق الشعب الكردي الأمرين وعشرات وآلاف المرارات على يدي ثلة الحكم في بغداد ، والآن يأتون ويبتاهون بالكلام ، ويا للكلام ، عندما كانت الكلاب تأكل الجثث كوجبات ، وتدفن في الصحارى أو تباع الفتيات الكرد الى أرض الكنانة ” مصر ” ، المتباهية بعروبتها ، ويومياً يظهر فيها عشرات الأصوات الرنانة الطنانة المدافعة عن صدام والعروبة الوهمية .
كوردستان أُحرِقتْ على يدي أولئك بائسي المصير ، ولم تحترق بروكسيل وروما – التي أحرقت على يدي نيرون – لم تحرق بون على يدي عربي بون و لم تحرق طرابلس الغرب أو عواصم المشيخة العربية ، والكرد ماتوا أمام أعين البعثيين ، وأمام قهقهاتهم وهم يدخنون السيجار الكوبي ، وجلساء الطاولات المستديرة في العواصم الفارهة كانت تشرب نخب صدام ونكته الباهتة في أنه يبيد شعبه ويقولون عنه أنه طائش ، زعران ، زعران فقط ، الأوروبيون كانوا يرون الصور السوادء من بعيد ، وينددون من بعيد أيضاً بما يشاؤن  أو يغضون النظر وجل الحواس متى يشاؤون .
البعثيون الآن الى فناء ، ولينسى العالم تاريخ عربي مزور ، صممه صدام على مقاسه ، ومقاس فكره الشوفيني ، وكانه كان يغني على دلعونا في شوارع أوروبا ، لا في مدن الكورد المهجورة ، المدمرة ، المؤنفلة ، وحلبجة ليست أولى الشهداء .
كنت أحبذ ان يصفق الكردي طويلاً  لإعدام أولئك الغاثين بالأرض والعرض، ولكن حتى بعض الكرد تساءلوا لماذا ولماذا ولماذا ؟، وأين كان أولئك الكرد أيضاً أيام كان الجوع يأكل جسد طفل كردي على حدود دول قريبة لا غريبة ، وعندما كان الشيخ الكردي يبصق في وجه السماء ، وهو يحمل أطفاله ، وعويل بناته ، متسائلاً من تلك السماء : أهذه عدالتك أيها الرّب المبجل ؟ .
ما هذه الأمة الكردية التي لا تتفق حتى على إعدام مَنْ أعدم الكرد ،ومن كان يحتمل دموع الكرديات أيام كان يسقط الشهداء بالجملة ، وما هذه التفاهات التي يتفوه بها بعض الأفواه الكردية التي تولول كالنساء التكريتيات ،كتبة ولا كتبة ،ساذجون وسابحون ، ساذجات وسابحات في برك حبر عكرة دون أدنى تبجيل لدم مراق لم يجف بعد بعد غنائم الله ، خلاصصصص رتبوا ما لم يرتب بعد ،ولا تكتبوا بلغة لا تفقهونها ، وبتحاليل انشائية سخيفة ، ثم تخرسون وتنامون ملئ هدوءكم كأنكم حررتم وطناً ، ولكل الكرد ألا يلتفتوا الى ماض كانوا فيه موتى ، ومشردين على أبواب العواصم العربية والأوروبية ، هادا كان ناقصنا والله .
الاعدام ليس مخالفا للأعراف ، ولم يكن ارهاب دولة أو نملة ، بعد ان أنتهكت كل الأعراف عن بكرة أبيها ، في جريمة بل جرائم الأنفال التي لن تنسى ، بل هي الذاكرة الكردية السوداء ، الفجائعية ، حتى لو لم يشنق صدام من أجلها ، ما يهمنا أن صدام مات شنقاً ، ولن تدق طبول الخطر بعد ذلك على أراضي الله الحسنى واللا حسنى، شمال نسي جهته يوماً  جراء الجرائم .
شُنِقَ صدام لأنه كان يجب أن يُشنقْ .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…