إلى أين تتجه العاصفة الطائفية في الشرق؟؟

 

أوركيش إبراهيم*

من المؤكد تاريخياً أن جذور الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة هو ليس وليد الصراع الحالي بكل معطياته, وإنما يمكننا أن نرجع إشكالية هذا الصراع  إلى الخلاف الأول الذي نشب بين شيعة علي والآخرين الذين رأوا في بقية الصحابة أنهم أحق بالخلافة منه,  لقد سقتُ بعجالة هذه المقدمة بعد أن قرأنا عن  التقارير اليومية التي تصدر عن منظمات أهلية محايدة, وهي تصدر أرقاماً مخيفة في الصراع الطائفي المقيت, الأرقام في كل يوم تتراوح ما بين المائة والخمسمائة قتيل في مختلف أنحاء العراق ما عدا إقليم كردستان الآمن, أهذا هو عراق الحضارات والبلد الذي سن أعظم القوانين الإنسانية,  وهل  يكرر التاريخ نفسه و بأشكال عدة؟؟

 

فأولاً إن النظام الإيراني يلعب لعبة خطرة جداً في دعم الشيعة في سورية ولبنان والعراق, وإرسال مئات الجواسيس ورجالاته اللذين لهم باع طويل في التجسس إلى العراق وكردستان وما شاهدناه من قصة  الحرس الثوري في أربيل يؤكد أن النشاط الإيراني المشبوه له مخالب مزروعة في خاصرة العراقي بكل أطيافه, وبعد التحقيق في مقتل المناضل الكردي ( الدكتور عبد الرحمن قاسملو ) تبين فيما بعد أن قاتله  كان واحداً من جماعة الحرس الثوري من الذين قبضت السلطات الأمريكية عليهم في أربيل, إذ لا يزال الفكر التآمري يحكم السياسة الإيرانية, و إيران تتصرف كالجماعات الأصولية, حيث يقوي العاطفة المذهبية ويغذيها داخل المنطقة، ويحاول استغلال هذه العواطف لمحاصرة المنطقة برمتها, وإشعال فتيل الحرب في أي منطقة يريدها, إيران تعمل وتسعى لخلخلة المنطقة من الداخل ولتسهيل السيطرة على الناس ونشر ما يتوافق مع أجندتها  تقدم الدعم المادي لعملائها الذين يغرون الناس بالمال, وقد أصدرت منظمة (مجاهدي خلق ) الإيرانية المعارضة أسماء (72) ألف عميل عراقي من الذين تمدهم بالدعم المادي للتجسس وتهريب السلاح إلى العراق, أي أن التنظيمات الموالية لدول الجوار استطاعت في إدخال أتون النار إلى دار السلام التي سوف تحرق الأخضر واليابس في العراق؟؟
وقد يلقي الكثيرون من المحللين السياسيين اللوم على الاستعمار والاحتلال الأمريكي على العراق, صحيح أن هذا الاحتلال جثم على رقاب الشعب العراقي بكافة أطيافه ونهب من البلاد بما فيه الكفاية, لكنه ليس السبب الوحيد للتناحر في المنطقة, و دول الجوار أيضاً يسعون إلى المزيد من المشاكل وخاصة  النظام التركي الإسلامي السياسي ظاهرياً والعسكري ضمناً له مطامع قديمة أيضاً في ولاية (الموصل), وخاصة مدينة (كركوك) وليس بخافٍ على أحد الدور التركي في دعم التيار السني وإذكاء روح الطائفية في العراق للاستيلاء على منابع النفط في مدينة (كركوك) بحجة أنها تركمانية وتعتبرها أحد ولاياتها المهمة في العراق, من هم الذين صبوا الزيت على النار وبدأوا حملات التكفير على مختلف أشكالها أليست هي جميع الفرقاء السنية والشيعية على حد سواء, من هم فرق الموت, ومن يدعمهم؟
هل هم المسلمون الحقيقيون الوحيدون في الأرض ؟
 هل بات كلّ العراقيين كفرة وفرق الموت هو المسلم الأوحد؟؟!!
وهل الأطفال الذين مايزالون يرضعون في المهد ينطقون حروفهم الأولى بالكفر والفسق؟؟!!
إن المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط يصطدم بالحلم الإيراني في امتلاك القنبلة النووية وتحقيق الدولة الصفوية الكبرى, وكما يقولون يا سادة: إن الإرهاب لا دين له, ولا معايير توقف السفك والقتل وهتك الأعراض ومس المقدسات, والغزو لا يفرق بين طفل وامرأة وشيخ وكسيح, ومواطن آمنٍ باحثٍ عن لقمةٍ يسد بها رمق أطفاله الجياع, أجل وبكل بساطة إنها الحرب الطائفية التي تأكل الأخضر واليابس التي تحول النفوس والبشر إلى مخلوقات مشوهة, ويصبح كل من يصاب بهذا الداء إلى آكل للحوم البشر, وهذا الداء بدأ يتفشى بجسم ما يسمى بالشرق الأوسط  كله لأن المنطقة كلها مزيج من الطوائف المتعايشة مع بعضها البعض منذ آلاف السنين, إن من يحاول بث الروح الطائفية في المنطقة سيزلزل كيان الشرق برمته, وهذا هو الهدف الغربي  الذي أصاب مقتلاً من الشرقي بأيادي شرقية, ففي الأمس القريب جداً رأينا كيف تناحر الجيل المثقف الذي سيكون جيل الغد الآتي من الجامعيين اللبنانيين, وما آل إليه وضع لبنان الحضاري حيث الحرب الطائفية تطلق شرارتها الثانية بعد العراق, ولا نريد للجيل القادم أن يتربى على فكر وأخلاق العنصرية الطائفية,  فيجب علينا أن ننبذ التعصب الطائفي الكريه, وإذكاء روح المحبة والأخوة والتسامح ونتجنب هذه الطعنة المهلكة في خاصرة الشرق, وندع أحزان الماضي وآلامه للماضي, ولنفتح صفحة جديدة بعيداً عن الدم – والنحر, ولنفتح باباً كبيراً للحوار السياسي المنتج, ونتنبه للخطر المحدق بنا من كل حدب وصوب, فكلنا نعيش في الشرق أباً عن جد الكردي بمذاهبه وأديانه المختلفة, والعربي السني, الشيعي ,السرياني, الأرمني, الآشوري, والكلداني الماروني والكاثوليكي, لكن يجب علينا الأخذ بالحسبان   هبوب هذه العاصفة الطائفية على المنطقة برمتها فلن يسلم منها أحد, ولنكن حذرين من هذا المرض العضال الذي ينهش كل من يصاب به ومن حوله, ولنبني مستقبلاً زاهراً لأولادنا وأحفادنا هكذا تكتمل المعادلة الإنسانية الحقيقية بعيداً عن التعصب, ومطامع الطامعين في الشرق كثيرة وقديمة قدم الإنسانية, ولنكن حذرين من هذه العاصفة الهمجية الهوجاء التي لن تفرق بين أي مذهبٍ أو طائفةٍ كانت, فكاترينا وتسونامي لم تفرقا بين الطفل الرضيع والشيوخ والنسوة والشجر والحجر والطير, ولكن يا ترى أين ستطلق الشرارة الثالثة؟؟
من سيكون السباق هل ستوقف أمريكا المخطط الإيراني لاستكمال مشروعها, أم أن الإيرانيون سيحققون حلمهم بإطلاق القنبلة النووية التجريبية الأولى في الشرق؟
وما هو دور الشرق أوسطي في هذه المعادلة شبه المستحيلة الحل؟
الوقت وحده هو الكفيل بالإجابة على هذه الأسئلة!!
——
*كاتبة كردية سورية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…