بقلم : م .
رشــيد
كي تعرف ماذا يعني اعدام صدام بالنسبة لك ، يجب أن تكون :
سوريا ً : لأنه عرف من صدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة عندما كان يرسلها ويفجرها في بلاده ( حادثة الأزبكية و …) ، وشاهد اغتيال رجال العلم والقانون والسياسة ( د.
محمد الفاضل و….
)، ومحاولات تدمير البنى التحتية وتفجير المشاريع الاقتصادية والانمائية ..( سد الفرات العظيم و… ) ، ومحاولات الغدر والانقلاب على النظام الحاكم ….الخ
كويتيا ً : لأنه ذاق المرارة على يد صدام أثناء غزوه لبلاده ، والذي يعني له الافناء والالغاء ، التهجير وسفك الدماء ، وفقدان الأهل والأبناء ، واستلاب الثروات ونهب الأموال ، وانتهاك الحرمات والأعراض ….
إيرانيا ً : لأنه زجً في حرب ضروس فرض عليه صدام ، فاستنزفت الطاقات والامكانات ، وجلبت له الكوارث والويلات ، وخلفت الآلاف من الضحايا والأسرى والمصابين والمفقودين ….
عراقيا ً : لأن الدكتاتور حوله إلى وقود في محارق حروبه القذرة والمدمرة ، وإلى ضحايا في معارك سياساته الرعناء والحمقاء … فالقمع والتشريد والتجويع والاعتقال والاغتيال من أهم عطاءات زعيم الأمة العربية المجيدة وحارس البوابة الشرقية وقائد القادسية المظفرة …!!، فالمقابر الجماعية من أهم انجازاته ، وكان نصيب المناوئين لنظامه وسلوكه ، الزيادة في الكمية والنوعية :
أ- فالقوى الديموقراطية والوطنية والتقدمية برموزها وأعلامها تعرضوا للانهاء والاقصاء ..
( عبد الكريم قاسم ، فهد ، …..القائمة طويلة )
ب- البعثيون الذين نصبوه زعيما ً ، هم أول من لاقوا على يديه الغدر و التصفية ..
ج- الدينيون عامة والشيعة خاصة ، فقد قتل مرجعياتهم ونسف مقاماتهم وحوزاتهم وحسينياتهم …
د- كل المعارضين لسطوته وبطشه ، هم خونة وعملاء يجب القضاء عليهم .
كورديا ً : * لأنه استنشق غازات الخردل والسارين والسيانيد … السامة والمميتة ،
والتي كانت ترش عليهم طائراته اللعينة من السوخوي والميغ ..
· لأنه ارتوى من نارالفراق و فقدان الأهل والأحبة والأعزاء في المنافي والزنازين والمقصلات والمقابر الجماعية ..
ولم يشعر بالراحة والهدوء والأمان في زمن صدام سوى القلق والألم والعذاب …
· لأنه اكتوى بحرقة وحدّة وسائل و أشكال الابادة البشرية المنظمة والمطبقة عليه .
· لأنه تجرع قسوة النزوح والاغتراب ..
حين اجتث عنوة من ارضه وشرد من بيته وقريته ، التي رآها بعينيه وهي تدمروتحرق بعنف وقسوة ووحشية بآلات حرب صدام .
· لأن صدام وطغمته نهبوا كامل ثروا ته وأمواله ، واغتصبوا أوطانه ودياره ، واستبياحوا أعراضه وحرماته ، ورموه في مصير مجهول ومرعب وخطير …
إن كل ما ذكرناه غيض من فيض مما ارتكبه السفاك صدام وجلاوزته من جرائم وانتهاكات وفضائح ضد الانسانية بكل معانيها ومقاييسها ، فلم يسلم من استبداده وبطشه وارهابه البعيد والغريب والقريب … فداء العظمة وهوس الزعامة قد صنعتا منه وحشا ً كاسرا ً دمويا ً ، فتارة يمتطي جواد القومية العربية ، وتارة أخرى يركب تيار الأمة الاسلامية ، فيدَعي الدفاع والمقاومة والتحرير ضد الغزاة والمحتلين ( وهم صانعوه ) ، فيستغلها لمآربه ونزواته الخاصة ولحماية غطرسته وادامتها ، ويرتكب باسمها وفي ظلها كل أنواع المنكرات والآثام والرذائل والفواحش والمحرمات وأعمال السوء … ويلحقها جميعها وبالا ً وذنوبا ً ( إرثا وذخرا ً ) بمضامين القومية العربية والمبادئ الاسلامية … والكل منه براء .
لإن نجح إلى حد ما في تعبئة الشارع العربي والاسلامي بديماغوجيته ونفاقه ، الذي كان يروجها عبر المرتزقة والمشتراة ذممهم وضمائرهم بحفنات من المال أو كوبانات نفطية ، عبر أعلام ومنظمات وأحزاب تسترشد باستخباراته وعملائه وجحوشه ..
، إلا أنه أخفق اخفاقا ً شديدا ً في انجاز أبسط شعار رفعه و بلوغ أصغر هدف ابتغاه ، طوال فترة حكمه من وحدة أو حرية أو اشتراكية … لا بل خلد في ذاكرة أيتامه ومرتزقته سفاحا ًو جلاداً متهورا ً و فاشلا ًوخائبا ً ….
لم يحقق لأمته سوى المزيد من النكسات والنكبات والويلات ، ولم يكسب لهم سوى العديد من الأعداء والحاقدين ، ولم يجر عليهم غير العزلة والفرقة والعار واليأس … وستظهر الأيام القادمة بما خبأتها من مفاجأات وخيمة وتداعيات مهلكة …
إن اعدام الطاغوت صدام وزبانيته ، وجميع أفراد عائلته ، وتقطيعهم إرباً إربا ً وسحقهم ثم تذويبهم في أحواض الأسيد ، كما كان يفعل بمعارضيه ، لا تعوض أصبع طفل هرست ، أو جديلة فتاة قطعت ، …..
، فكيف لآلاف الثكالى واليتامى والأرامل والمعاقين والمفجوعين والمشردين ، وكل من يعاني من آثار البطش والتنكيل والاجرام ، وكل من يئن من الفاقة والشقاء والبؤس والأسى …..
أن ينصفوا أو يعدلوا أو يعوضوا ؟؟!!
إلا أن صدام وبحكمه كان رئيس دولة ذات ثروة وبأس ، فمن باب القانون والأخلاق تتحمل الدولة العراقية ( الحالية وكل الحكومات التي ستأتي بعدها ) ملزمة و مسؤولة عن تحقيق العدالة واحقاق الحقوق وانصاف المظلومين قدر الامكان ، بالتعويض للمتضررين والمصابين والمنكوبين والمهجَرين والمرحَلين وذوي الشهداء ….
بتسوية أوضاعهم ، وإعادة ممتلاكاتهم المستولاة عليها سابقا ً ، وتأمين فرص ووسائل للعيش الكريم لهم ومساعدتهم للاستمرار في الحياة والعطاء والبناء بشرف وكرامة ..
لعل إعدام صدام يريح النفوس ويهدأ من الروع قليلا ً ، ويطيب الخواطر ويخفف الأسى والهموم إلى حين ، ولكن هيهات أن يعود كل شيء كما كان ، والأيام الآتية كفيلة في حسم الصراع والرهان ، والظروف القادمة راجحة لتفوق إرادة الضحايا وعزمهم والتغلب على نزعات الشر والثأروالاستبداد والقمع … التي غرزها الدكتاتور في النفوس وعززها أبان سطوته .
لقد أثار توقيت شنق صدام في أول أيام عيد الأضحى المبارك ، بعضا ً من السجال والجدال ، وخلقت شيئاً من اللبس واللغط ، استغلتها بعض وسائل الأعلام المأجورة والموجهة والمشبوهة ، وحاولت تصوير الحدث بشكل معاكس ومخالف لإرادة الشعب العراقي وقضائه وحكومته ، فبدأت أبواقه وأزلامه اليتامى المدحورين والمذعورين يخرجون من جحورهم بعد انطواء و انزواء عميقين ، ليعودوا للتطبيل والتهويل والتباكي والرثاء والتهديد والوعيد …… و ليحولوا الجلاد إلى ضحية ، و من مناسبة شنقه المفرحة إلى شؤم ونقمة ونكد ، ليستثمروه في استعطاف الشارع القوموي والاسلاموي ، وكذلك لإمالة بعض الأنظمة الديكتاتورية والمنظمات الأهلية للاستنكار والترحم عليه ، والسعي لتحريف قضية تنفيذ حكم عادل بمجرم آثم ، إلى خلفية انتقامية ( عنصرية ـ طائفية ) ، أو تصفية استعمارية لزعيم وطني عربي تحرري ..!؟ ، وأعتقد أن التوقيت كان محكوما ً بمجموعة عوامل :
1- رغبة الادارة الأمريكية بانهاء عاجل وحاسم لمرحلة من استراتيجيتها الغارقة في المستنقع العراقي ، خاصة بعد فوز الديموقراطيين في الانتخابات الأمريكية ، وصدور توصيات بيكر ـ هاملتون ، وذلك لدعم موقفها في الداخل الأمريكي ، ولدفن الكثير من الأسرار التي قد تكشف عنها أثناء محاكمته ، والتي من شأنها توريط العديد من الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن العراقي مما يزيد من خلط الأمور وتشابكها ..
2- رغبة الإدارة الأمريكية في التمهيد لاستقطاب قوى عراقية معارضة ( مقاومة ، مسلحة ، سياسية ، ..) إلى العملية السياسية من خلال مشروع المصالحة بازالة صدام كعفبة كأداء من أمامها ، عبر تفاهمات وصفقات مع دول الجوار العراقي ..
3- أما الحكومة العراقية فقد استعجلت في التنفيذ خوفا ً من تهريب صدام إلى خارج العراق في ضوء اشاعات عن وجود صفقات بين أمريكا وجهات أخرى للمقايضة ، وكذلك لتؤكد تمتعها بالاستقلالية والسيادة في إدارة العراق ..
كما أرادت أن تزيل آخر الأقنعة عن وجوه الصداميين تحت قبة البرلمان ..
4- الوضع العراقي المتأزم نتيجة الخلافات المتفاقمة بين الكتل السياسية المشتركة في الحكومة من جهة ، وضمن الكتلة الواحدة كالاتلاف الشيعي وتجميد التيار الصدري لمشاركته في العملية السياسية من جهة أخرى ، عجل المالكي في تنفيذ الحكم لقطع الطريق أمام الاجتهادات والتنافسات الحزبية والطائفية ..
5- أما الجانب الكوردي ، فقد نأى بنفسه ولو ظاهريا ً من الحضور والتوقيع على التنفيذ لاعتراضه على التوقيت ، لأن محاكمته لم تنته بعد في قضية المؤنفلين والبرزانيين والفيليين ….
وبالتالي اعتبروا اعدامه شكلا ً من التصفية الشكلية تنفرد جهة واحدة في الاعداد والاخراج لتنفيذ حكم صادر في قضية صغيرة واحدة ، لا ترتقي إلى مستوى وحجم القضايا الكبيرة والكثيرة التي ارتكبت بحق الكورد خاصة من العراقيين .
أما طريقة التنفيذ فكانت غير موفقة إلى حد ما ، لأن العراق الجديد الديموقراطي والمؤسساتي و الدستوري الحر والمستقل ، يجب أن يظهر بصورة أكثر حضارية ، طالما يثق بنزاهة قضائه ومصداقيته ، وبصحة أحكامه ، وكذلك بشرعية سلطته التنفيذية وصلاحيته وكفاءته في تطبيق القوانين الصادرة ، فلم التردد والاضطراب في تحديد الأسلوب والمكان المناسبين لذلك ؟ ، فكان من المفترض أن يكون علنيا ً ويتم بحضور كامل أركان هيئة الاشراف والتنفيذ إضافة إلى وسائل الأعلام والجهات ذات الصلة ، أو أن يكون سريا ً ، حينذاك الاعلان عن نبأ الاعدام كافٍ ووافٍ لايصال الرسالة المطلوبة إلى كافة المعنيين والمهتمين .
على أية حال فالكورد كسائر العراقيين ، بالرغم من فرحتهم وسعادتهم باعدام أعتى دكتاتو عرفته البشرية ، وقد سلطته الظروف الدولية والمصالح الاستعمارية على كوردستان ليصب جام غضبه وحقده عليها ، وينشر في ربوعها الخراب والدمار والابادة ..
إلا أنهم كانوا يتأملون في اتمام محاكمته في قضاياهم ومن ثم تنفيذ حكم الاعدام بحقه وأعوانه في حلبجة الضحية شهيدة كوردستان ، لتصبح عبرة ودرسا ً لكل من تسول لهم أنفسهم بارتكاب الحماقات والجرائم ضد شعب بريء ومسالم لا يبتغي سوى العيش بأمان وحرية وسلام ، ولتبقى ذكرى خالدة في ذهن الأجيال وضمائرها ، حافزا ً لهم للاستمرار في الكفاح من أجل البقاء والحياة والتقدم ، ولتصبح هدية وعزاء لأهالي الضحايا والمنكوبين ليتخطوا مرحلة قاسية ظلماء إلى أخرى مفعمة بالحب والتفاؤل والأمل والرخاء والضياء