وقائع مراسم العزاء برحيل الناشط الحقوقي الكردي المناضل أكرم كنعو في اليوم الثالث و الأخير

ما زالت الوفود الرسمية، والدينية، والشعبية، ومن قبل مختلف الطيف الفسيفسائي بمنطقة الجزيرة، تتقاطر ولليوم صوب خيمة العزاء بالراحل” أبي لقمان” في قرية معشوق، شمال شرق تربسبي-قبور البيض المعربة إلى” القحطانية”، لتقديم العزاء الحار، والصادق، برحيل هذه الشخصية الحقوقية، والوطنية،والاجتماعية المعروفة” وقدرت بالآلاف المؤلفة، بعد أن تمّ تشييعه إلى مثواه الأخير في أحد أكبر مواكب التشييع التي عرفتها منطقة الجزيرة حتى الآن، حيث شغل موكب الجنازة من مدينته إلى مسقط رأسه الكثير من الكيلومترات، من السيارات المختلفة السائرة وراء جثمانه الطاهر، في أقل تقدير، ولم يكن ذلك بسبب مال الرجل، ولا لسلطته، بل لعلو قامته، ومقامه، وشأنه لدى أبناء مجتمعه الجزري من كرد وعرب وسريان وآثوريين بل وإيزيديين كرد
هذا المجتمع الذي كرس حياته لأجله، وكأن لسان حاله وشعاره ” لا راحة للروح إن كانت هناك مشكلة يعاني منها أحدهم وأستطيع مؤازرته لحلّها” ويكفيه أن أجندته الشخصية كانت مليئة بالمهمات، من :مسؤولية إعلامية حزبية، إلى مسؤولية تنظيمية حقوقية، ورصد للانتهاكات التي تتم-ضمن دائرته- إلى مسؤولية اجتماعية، وكان أن تعرض لحادث مروري مؤسف، فهو القادم في ذاك الصباح النيساني الحزين من إحدى المحافظات لشأن نضالي، ولم يقم في بيته، بعد وصوله من السفر، وكأنه مضى على عجالة ليودع أكبر عدد ممكن من أحبته، يودعهم الوداع الأخير،فيما تبقى من ساعات يوم السبت، ليمتطي سيارته التي –المنسقة- التي لما يسدد ثمنها بعد من أحد أصدقائه، ليذهب إلى قريته ” معشوق- يقرب وجهات النظر بين أسرتين مختلفتين، يضع اللمسات الأخيرة على أمر المصالحة، فيطلق سراح من سجن على خلفية المشكلة، وتدخل الراحة إلى قلوب المختلفين، بعد طوال قلق، وخلاف، وكراهية، وحقد، وردود فعل، فإذا بهم أبناء أسرة واحدة، كما كانوا إلا أن محرّك سيارته –المنسقة- تخذله، وهو يحاول اجتياز الطريق صوب قريته، كي تصدمه سيارة مسرعة قادمة من الاتجاه الآخر، فترتطم سيارته بصخرة على حافة الطريق، فيلفظ أنفاسه الأخيرة، هناك، تماماً، و في ذلك المكان نفسه الذي تعرض فيه أخوه محمد لحادث سير مماثل، قبل سنوات، ودفع حياته ثمناً لذلك، ولطالما قال الراحل الكبير لمن كانوا معه وهو يصل إلى هذا المكان الأليم: هنا تعرض أخي محمد لحادث سير وتوفى، وكأني به اختار أن يصل إلى أخيه بعد طوال شوق إليه ومن البوابة التي رحل من خلالها نفسها..
 ولقد عاش الراحل ” أبو لقمان” فقيراً ، فها هو لا يملك في جيبه حتى ثمن وقود سيارته، وهو الذي كان – وظيفياً- في موقع مرموق، اتّخذه لمحاربة الفساد حين كان –مسؤولاً عن لجنة المشتريات- وكانت نافذة بيته- وتكاد لا تزال على الحال إلا قليلاً- تستعين بأكياس” النايلون- بدلاً من البللور، وسوى ذلك الكثير من سيرة هذا الرجل الفذ الفريد.
 ولكم كانت خيبته كبيرة عندما عاد منذ( أسابيع فحسب) من النقطة الحدودية بقامشلي،  وهو يقصد عزاء إحدى الأسر في الجانب الآخر من الحدود السورية التركية، ليقول له موظف الهجرة: أنت ممنوع من قبل أحد الفروع الأمنية!!!، وذلك ضمن مئات الأسماء الجديد،ة غير المعلنة،بعد-من أسماء أبناء الجزيرة – والتي يبدو أنها أدرجت للمنع من السفر، كأحد الانتهاكات لحقوق البشر، وكأحد القيود على أخيار المجتمع، لا مرتزقته، في الوقت الذي يتطلع أبناء سوريا بفارغ الصبر لرفع هذا الظلم عن كواهل غيارى الوطن، ولم يعلن الراحل الكبير عن ذلك،وصار يرويها بحسرة وانكسار أمل لدائرة ضيقة من حوله، كي يدرج اسمه ضمن قائمة الانتهاكات في موعدها، دون أن يثير الضجيج الذي كان من حقه في وقتها، بسبب ما تعرض له من انتهاك فظ.
من هذه الصفات والخصال القليلة التي أوردناها وغيرها من الصفات الكثيرة، كان الراحل شخصاً محبوباً لما يقوم به من دور كبير، وجلي، في خدمة غيره وعلى حسابه الشخصي، ومن جيبه، وهو الذي قال لأحد أولاده: سامحوني بني لأني أنفق من لقمتكم على الشأن العام الذي أعمل له، ولم يكن ليملك إلا راتبه التقاعدي، وقطعة أرض جدّ صغيرة في قريته”معشوق” التي احتضنت جسده ، الذي فتح فيها كلتا عينيه على النور لأول مرة في العام1950، وكانت الشاهد على أحلامه، وآلامه، وخيباته، وانكساراته، وأفراحه.
كان من أول ما قام به في الصيف الماضي، أن أصرّ على الالتقاء بكافة المنظمات الحقوقية السورية، بعد طوال لقاء بزملائه في المنظمات الحقوقية الكردية، لتجسير العلاقات بينها، وتوثيق العلاقات، وروح التعاون، وعرى المحبة.

و كان من بين جدول عمله في الوقت القريب مثل ذلك، بل كانت أمامه مهمتان، في يوم الأحد، الذي شيعت فيه جنازته، كل منهما في مدينة،ناهيك عن مواعد أخرى كثيرة في روزنامة” أبي لقمان”.
 ولقد كان الراحل من أوائل الذين تداعوا لترجمة أحلام وطموحات أولى منظمة حقوقية كردية،فكان من مؤسسيها، لتغدو –هكذا- إحدى المنظمات التي تحظى باحترام محلي، وعربي، وكردي، وعالمي، ومصدر ثقة، مشهوداً لها، في الوقت الذي كان الانخراط في هكذا تجربة حقوقية، مغامرة كبرى، محفوفة بالمخاطر،على أكثر من صعيد.
عشرات القصص، والمواقف، رويت تحت خيمة العزاء، عن خصال وصفات الراحل الكبير، رواها بسطاء، وشخصيات رسمية مرموقة، كلها كانت تشهد على مثره التي كان يضيق بذكر المزيد منها المكان والزمان، وطبيعة المناسبة.
نم قرير العين أبا لقمان!، فلقد تركت أثراً كبيراً من ورائك، وسيذكرك زملاؤك، ورفاقك، وأبناء مجتمعك، ومعارفك، لتصنف مع تلك القلة النادرة ذوات القلوب الكبيرة والأرواح الطاهرة الاستثنائية التي تعمل-بصمت- للشأن العام، وتحرق أصابعها، ووقتها، وروحها، كرمى لذلك، بعيداً عن ثرثرات البطولة التي تستهوي الصغار، وها كل هؤلاء يكرمونك، الآن، منذ أن سمعوا بنبأ الحادث المفجع الذي انتشر ليس في بين أبناء قريتك، أو مدينتك، أو منطقتك، أو بلدك، وإنما في كل مكان في الخريطة توزع فيه أهلك ومعارفك وأبناء مجتمعك والأسرة الحقوقية الكبيرة، وكان من ثم ذلك التشييع الكبير لجنازتك، بل كل تلك الوفود الهائلة المتوافدة لخيمة العزاء في قريتك تقول ذلك، تقدم واجب العزاء، ومنها من لم يكن أحد من المستقبلين ليعرفهم، أجل، كلهم جاء لتخفيف هول الصدمة، عن ذوي الراحل وزملائه ورفاقه.
-وداعاً أيها الحقوقي الجميل والنبيل
-وأيها السياسي الشريف الفذ
 -وأيها المناضل الاجتماعي ذو القلب الطافح بالحب ..!
لقد ترجمت حبك لوطنك وأبناء مجتمعك وإنسانك بل لكل إنسان، أية كانت هويته،وهواه، ورأيه، بأفضل ما يكون فنلت كل ذلك الحب الشّسيع، وهو لأكبر تقدير من كل هؤلاء أجمعين، تاركاً ذكرى عطرة لا يمكن أن تزول، أو تمحى.
من الأحزاب التي أمت الخيمة:
– الحزب الوطني الديمقراطي الكردي في سوريا- أ.

طاهر سعدون
– الاتحاد الديمقراطي
-الحزب الديمقراطي الكردي السوري – جمال شيخ باقي

 

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…