وماذا عن صحافتنا ؟

  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم رئيس التحرير

معلوم ما تلعبه الصحافة الحقيقية في حياة المجتمعات سواء الدول أو الشعوب أو الأحزاب السياسية وحتى منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني من دور متميز في التقدم الثقافي والسياسي والاجتماعي ، وما تقدمه من عوامل التطور في مختلف المجالات الحياتية خاصة إذا كانت صادقة في نقل الخبر دقيقة في التحليل والتشخيص ، كما أنها الوعاء الذي تتفاعل بداخله الأفكار والآراء والمبادرات التي يطرحها الكتّاب والمثقفون والمفكرون والسياسيون ، ليتم عبرها استخلاص الأنسب والأهم ، كما لا يقل الدور النقدي للصحافة أهمية من أجل الارتقاء إلى التطور السياسي والوعي المعرفي وكذلك الدور الرقابي على مؤسسات الدولة و فعاليات الحكومة ونشاطاتها وكل النشاطات الاجتماعية والسياسية والثقافية الهادفة
 لأن الرقابة هي المجال البحثي لكشف المزيد من الحقائق وفضح بواطن الفساد وبؤر التخريب بغية استئصال ما يستحق وإصلاح ما يمكن إصلاحه ، وبعبارة أخرى فإن الصحافة الصادقة هي تلك التي تحمل هموم المجتمع وتجهد لمعالجتها ، كونها وكما قيل فيها (السلطة الرابعة ) بعد السلطات الثلاث الأخرى التشريعية والتنفيذية والقضائية ، لذا ينبغي أن تمارس دورها الفاعل حتى في أصعب الظروف والمراحل ..

من جانب آخر فإن الصحافة بما تحمل من المعاني والمضامين في كل بلد ، إنما تعبر عن مستوى التطور والتقدم في ذاك البلد ، كونها (الصحافة) هي المرآة العاكسة بشكل دقيق للحياة الاجتماعية ولمستوى الوعي الثقافي والسياسي ، كما تظهر من خلالها حقيقة النظام الحاكم وجوهره وطبيعة العلاقات السياسية بين القوى الفاعلة في المشهد السياسي ، وكذلك بين هذه القوى والنظام الحاكم أيضا ..

والصحافة الكردية عموما ، وبعد مرور مائة واثنتا عشر سنة على صدور أول صحيفة كردية باسم (كردستان) على يد رائد الصحافة الكردية الصحفي البارز مقداد مدحت بدرخان في القاهرة بجمهورية مصر في 22 نيسان من عام 1898 ، ورغم مرورها بمراحل ومنعطفات هامة ، فلا تزال في الحدود الدنيا من التعامل الإعلامي – باستثناء صحافة إقليم كردستان العراق – سواء كان ذلك من حيث الشكل أو في إطار بنيان العمل الفني وإلى حد ما المضمون ، ومرد ذلك عدة أسباب ، منها ذاتية تتعلق بالجانب المادي أو الاقتصادي ، وبمدى التقدم العام والتقني الخاص ومستوى الوعي والتطور والافتقار إلى الكادر الإعلامي المتخصص ، وأخرى موضوعية ترتبط بالعلاقة مع المحيط السياسي وظروف الاضطهاد والسياسات الشوفينية من لدن الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية المتعاقبة على دست السلطة في الدول التي تقتسم لكردستان وللشعب الكردي ، حيث التعسف والتنكيل وكم الأفواه ، ومنع اللغة والثقافة الكرديتين ، وغياب الحريات الديمقراطية ولاسيما حرية الكلمة وحرية التعبير والنشر ..الخ  والصحافة الكردية في بلدنا سوريا ، لا تخرج عن إطار العلاقات الحزبية الضيقة ، وتبقى دوريات شهرية في معظمها وهي أقرب إلى النشرات منها إلى الصحف ، وغالبيتها باللغة العربية ، وذلك للتفاعل مع المحيط العربي ولكونها اللغة الأكثر انتشارا في المجال الوطني ، باستثناء جريدة Deng (التي يصدرها الإعلام المركزي لحزبنا آزادي) وبعض المجلات المستقلة فهي بلغة الأم (الكردية) ذلك لنقص كادر اللغة الكردية نتيجة غياب المدارس والجامعات بهذه اللغة لا بل ومحاربتها بشكل رسمي ومنعها من التداول الثقافي ، ولتبقى صحافتنا أسيرة الحالة القائمة ، ودون المستوى المؤسساتي المطلوب ..

أما الصحافة الرسمية (صحافة النظام) سواء للحزب الحاكم أو الأحزاب المشاركة في الحكم ، فهي لا تعبر عن تعددية صحفية حقيقية كونها تمارس تكرار ذات المواضيع والأخبار المتماثلة وتغطيتها للحدث تنحصر في إطار ما يخدم النظام وأدواته ، وهي بعيدة عن النقد وعن رقابة الأداء الحكومي ورقابة التسيب و الرشوة والاختلاس وغيرها من قضايا الفساد..الخ ، ولا تحتوي سوى على ثقافة تنتمي في أصولها إلى عصر الحرب الباردة ، ولا تتفاعل مع المتغيرات الكونية الحاصلة ، بل على خلافها أو عكسها تماما أو حتى معاداتها في بعض الأوجه ، كما أنها لا توفر عوامل التقدم حتى للنظام الحاكم ذاته ، لأنها تعطي صورة غير مستمدة من الواقع ، بل هي وجدت أصلا لإخفاء عيوب النظام وتجميل صورته ، وترى أن من أولى مهامها كيل المديح للمسئول ، و لتعطي انطباعا فوقيا عنه على أنه خارج دائرة الخطأ أو النقد ، وفي هذا كل معاني المراوحة في المكان أو التخلف عن ركب التطور والتقدم ، ومن العيوب البارزة للصحافة في بلدنا سوريا غياب قانون عصري للمطبوعات ينظم العمل الصحفي وحركة النشر والتعبير عن الرأي ، لا بل هناك رقابة صارمة على الانترنيت وحجب المزيد من المواقع الالكترونية وكذلك على الصحف والمجلات التي تلامس الرأي الآخر من خارج البلاد ، أما الرقابة الأمنية على الرأي المخالف داخل البلاد ولاسيما المنشور فإن صاحبه يعاقب بالاعتقال عرفيا والسجن لآماد طويلة ، وخير مثال على ما نذهب إليه رفاقنا القياديون الثلاث : مصطفى جمعة وسعدون شيخو ومحمد سعيد العمر القابعون في سجن عذرا المركزي والمحكومون بثلاث سنوات بسبب المطبوعات الحزبية (جريدة آزادي لحزبنا)، وأسماء عديدة غيرهم من أطراف الحركة الكردية والوطنية السورية عامة ، بمعنى أن الصحافة المخالفة لتوجه النظام في بلدنا تبقى مقموعة ، والصحافة الرسميةهي الصورة الحقيقية  لطبيعة النظام وسياسته الاستبدادية ..

واليوم وفي عصر ثورة المعلوماتية والاتصالات ، عصر الفضائيات الواسعة عصر الهواتف النقالة والكومبيوتر والأنترنيت ..الخ هذه التقنية الحديثة التي خففت وطأة القصور والتدني الإعلامي عن كاهل الأوساط والشعوب المغلوبة على أمرها ومنها الكرد والحركة الكردية على الصعيدين السياسي والثقافي ، لكن ورغم ذلك لا زالت الحاجة تئن تحت طلب المزيد من العمل الصحفي والارتقاء بصحافتنا الكردية المحصورة في العمل الحزبي ومن حالة الدوريات الشهرية أو نصف الشهرية إلى مستوى إمكانية التفاعل السريع  والمستمر مع المرحلة التي تتعايشها الحركة السياسية ، وبما تحمل من أعباء ومسئوليات جمة تثقل كاهلها ، وأن نكون أوفياء لقيم الصحافة الواقعية ، التي تحمل هموم المجتمع ومعاناته ، بغية التأسيس لثقافة عصرية ولخطاب سياسي يساهم في توحيد الكلمة ورص صفوف الحركة الكردية ، والتفاعل مع الحدث و المحيط الوطني من أجل التفاهم والتعاون لتحقيق حياة سياسية جديدة تخدم المجتمع السوري بكل ألوان طيفه القومي والديني والسياسي ، وبناء دولته المدنية الحديثة التي تحقق العدل والمساواة ولينعم الجميع بحقوقه القومية والسياسية دون تمييز أو امتياز لأحد ..

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (420) نيسان 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…