البعض يرى في قسم أو معظم أقسام الحركة الكردية السياسية في الجزء الغربي حجرة عثرة في طريق النضال، لذا يجب إزالتها.
وبالتاكيد يطالبون ببناء تكوين يلائم مناهجهم وآرائهم في نوعية الحركة، وآخرون يرون بإن بعض قادة هذه الحركة (إن لم يكن جمعيهم) أشكال ودمى مسيرة، فلا حاجة للحركة بهم، سيعوضون هؤلاء الشخصيات بشخصيات أسطورية من خارج المجتمع الكردي ليقودون أطراف الحركة ونضالها، وبإسلوب مغاير لما هو موجود.
لا أعلم إذا كان لهم خطط بيانية لنوعية النضال القادم، وهنا أقول وأنا في منتصف الحديث ربما لهؤلاء بعض من الحقيقة، لكن… الشمولية وتجاوز نطاق المنطق الواقعي يشوه أفكارهم ومتطلباتهم التي قد يكون لها الكثير من الواقعية.
بالتأكيد لم أنسَ ما ترغبه أطراف الحركة من بعضها البعض! مختصراً، أطراف التحالف ترغب بإزالة مجموعة المجلس السياسي، حتى ولو ضمنياً، وكذا أطراف المجلس السياسي ينادون بأطراف التحالف للانضمام إليهم، رغم إنهم بمثابة الند الذي لا يمكن الألتقاء به، حتى ولو في جنازة، وكلنا نعلم ذلك ولا أحتاج إلى توضيح، لهذا علينا اتباع آراء الجهتين ونقوم بإزالتهم.
أما جماعياً فهم على الجهة المقابلة لمنظومة المجتمع الكردستاني ولا يجدون أي مبرر لوجودهم فكرياً وأيديولوجياً وكذلك نشاطهم النضالي على الساحة الكردية أو في مواجهة العدو، وهكذا أطراف منظومة المجتمع الكردستاني ينظرون إلى الأحزاب الكردية بدون أعتبار وكقوى غير فاعلة، بل أحياناً نداً من حيث المنهج والنضال.
والتعامل ينطلق من منطق الأنا وإتباع منهجي منفرد في الفكر والنضال.
وهكذا أطراف متنوعة وعديدة تريد إزاحة الآخر والإبقاء على وجوده فقط، وعلينا مساعدة جميع الأطراف في تحقيق مراميهم وغاياتهم، فهم قوى وحركات كردية تناضل من أجل غاية مقدسة، ولكن… تحقيق هذه الغايات سيخلى الساحة من الجميع أو ستبقى الدكتاتورية الفردية للحزب الواحد.
أليست هذه المساعدات والتأييد لآراء وأفكار ورغبات الجميع تأييد لمنطق النقد الذي لا حدود له داخل الحركة الكردية وقادتها؟ وكما نعلم بعضهم يؤيدون السيد عبدالله أوجالان ويرفضون الآخرين وبعضهم يحبون السيد مسعود ويقدسون البرزاني الخالد ولا يجدون بديلاً عنهم وهناك من يجد السيد مام جلال القائد الذي لا ينافس بين الكرد ويرفض الاعتراف بالآخرين، وهناك في الأحزاب الكردية ضمن سوريا أفراد وجماعات لا تحبذ بعض القيادات من الأحزاب الأخرى.
والسؤال أي الجماعات علينا اتباعها؟ هل علينا رفض الجميع أم قبول الجميع؟ وفي النهاية جميعهم قادة ويقودون جماهير كردية غفيرة يأملون الوصول إلى بر الأمان والحرية.
المثقف والسياسي والناقد الكردي والأحزاب الكردية بإعلامها، يذمون بعضهم البعض انجراراً لآرائهم الأنانية، دون الانتباه إلى القضية الكردية بشكل عام، أيهما أعظم مكانة، الإيمان والإعتقادات الفكرية الفردية، أم قضية الأمة الكردية بإفرازاتها الفكرية والمنهجية والسياسية.
هذه الصراعات والانقسامات يدفعني إلى التساؤل، هل الشعب الكردي شعب واحد ؟ وإن كان كذلك فلماذا هذا التنوع الحاد والشاذ ولماذا هذه الأختلافات الفظيعة؟.
تنازلاً لرغبة هؤلاء جميعاً لنأتي بجينات من شعوب أخرى أو كواكب أخرى لخلق قياديين يلائم الجميع، ولا يعني هذا بأنني أتقبل سياسة هؤلاء أو أنهم الرجال الذين يملكون صفات القادة والذين لهم القدرات التامة بإيصال هذه الجماهير إلى بر الأمان والحرية، بل أؤمن ، كما ذكرت سابقاً، بإن الشعب الكردي لا يزال بدون قائد مثالي كاريزمي.
بعد هذا العرض والتأيد لجميع أطراف الحركة السياسية والثقافية في النقد والتهديم ومن ثم إعادة البناء نصل إلى أهمية الفكرة والاستنتاج، وهي أن هذا التشرذم في الحركة من حيث الفكر والمنهج وطرق النضال، وهذا العدد الهائل من القادة واشباه القادة المرغوبين والمرفوضين بين الجماهير الكردية، تجبرنا على أخذ قضايانا بديناميكيتها، عند النظر إليها كلوحة ساكنة حصيلة اللحظة، بل ما يحصل الآن هي نتيجة تطورات ومراحل متعددة ربما منذ بداية تكوين الحضارات، ولئلا نتعمق في الجذور الفلسفية لمراحل تكوين الخلق ونتائجه، سنقتصر على أنها حصيلة تاريخ مشوه لتكوينات غير سوية وصادقة مع مبادئ المجتمع الكردي منذ البداية، أعتمد على بنية هشة وأركان مهزوزة لبناء مهترأ، أدى إلى ما نحن عليه من تفكك في الفكرة والأحزاب والقادة والتنوع في نوعية الشرائح المثقفة.
فعلى هؤلاء جميعاً الأنتباه ومراجعة النفس وبروح وطنية، وعدم الاستهتار والاستخفاف بعقول الجماهير وبمصير الشعب.
ألا ترون معي بإن إحدى أهم مآزق المناهج الفكرية والسياسية الكردية يرجع أيضاً إلى هشاشة اسسها النظرية، وعدم خروج المثقف والسياسي وقادة الحركة الكردية من الأطر الكلاسيكية في التحليل والاستنتاج والتركيب، وتلك النظرة القاصرة الأحادية الجانب إلى تاريخ الحركة الكردية من جميع جوانبها، ومنها أسلوب أستعمال النقد، وذلك منذ بداية القرن الماضي إلى يومنا هذا.
عندما لا تكون هناك حدود للنقد بين الفصائل الكردية ومثقفيها.
ما الذي سيوقفهم عن عدم الخوض في الأقتتال الميداني، وكما نعلم كمثقفين، وقد ذكرت هذا سابقاً، المشادات الكلامية لا يقل وقعاً عن استعمال السلاح، بل هي التي تقود الحركات إلى الخوض في المعارك واستعمال السلاح، ونحن بهذا نحلل أقتتال الفصائل الكردية التي حدثت في الماضي، وهنا سيمتد بنا السجالات الكلامية إلى أن نزيل بعضنا البعض من على الساحة، وكل يدعي أحقيته بالسيطرة وأمتلاك المنطق الأصوب والطريق الأصح في النضال، وستخلى الساحة من الجميع، لأننا أصحاب قوى متوازنة ومتساوية القدرات، ولا يخفى على أحد قدرات السلطات الفاشية في الحفاظ على هذه الموازين، وفي النهاية سنجد أنفسنا أمة بلا مُدافع من حيث السياسيين والمثقفين والمناضلين والقادة، وسيكون سهلاً كما هو الآن لدى آئمة ولاية الفقيه بتعليق كرامتنا ونسائنا في ساحة جرجرا ولسلطة البعث بإراقة دماء أطفالنا وفتياتنا في ساحات مدننا بالذات ومن ثم ملئ أقبية سجون عدرا وتدمر والحسكة والرقة وحلب وغيرها بخيرة المثقفين والسياسيين المناضلين، وسوف لن يكون لهم رادع في هدر كرامة الإنسان الكردي وكرامة المرأة الكردية أمام أعيننا، نحن شهود على وجود الآلاف من النساء والرجال في أعماق سجون دياربكر وأنقرة وماردين وغيرها، وهكذا سوف تمثل بكرامة الأمة الكردية وبالتناوب ما بين ساحات المرجة وآزادي وجنقيا، ألا يستدعي هذا بأن ننقد بعضنا وبقوة وبدون مواربة، لكن علينا أن نبقي على الخطوط الحمر بيننا، متى ما تجاوزناه نكون قد حللنا الأقتتال وسوف لن يكون هناك رادع لو أمتلكنا السلاح الكافي، وتارخنا يشهد على ذلك، ولازالت دماء آلاف الشهداء من جراء أقتتال الأخوة لم تنشف بعد من على صخور جبال كردستان.
ولا زالت غبار الفتنة ما بين حركة التغيير والأتحاد الوطني متناثرة، ولولا حكمة السيد مسعود البرزاني رئيس أقليم كردستان، لسالت الدماء في شوارع سليمانية وغيرها من مدن الإقليم، من جراء اختلافات فكرية أو شخصية او مايدعيه كل طرف.
كما وأنني على ثقة بإنه لو كانت للأحزاب الكردية في سوريا القوة العملية لما تهاونوا في تصفية نقاد وكتاب تجاوزا في كثير من المرات الخطوط الحمر في مناوشاتهم الكلامية والتي لا أطلق عليها اسم النقد.
تعرضت ثانية إلى هذه الفكرة، وبحثت فيها آملاً من المثقف الكردي المشاركة والخوض بنوعية مختلفة عن النقد الكلاسيكي الدارج، الذي لا ثالث لديهم إما المدح أو الذم، مؤمناً بإن المثقف الكردي هو الذي ينشر سلطة الوعي والتوجيه العمومي القويم وهو السياسي الذي يدير صراع التحكم، خاصة وفي الظروف الذي يعيشه الشعب الكردي، آملاً الخوض في تحليلات نوعية لتاريخ الحركات والمنظمات الكردية منذ بدء القرن الماضي إلى يومنا هذا، البحث عن خلفيات خارج الآراء الكلاسيكية والتي تكررت دون أن نجد الجوانب السلبية أو الإيجابية التي تفيدنا في صراعنا وتنير الدرب كتجارب منطقية للمراحل القادمة، آملاً ان نبحث عن اسباب عدم ظهور القائد الكامل، الذي يملك الخصال الوافية وقوى المقدرة بالوصول بهذا الشعب إلى بر الحرية والأمان، أن نبحث عن القوى الخفية لدى هذا الشعب والتي مكنته من الحفاظ على هويته القومية كاملة من اللغة إلى التاريخ، رغم الاجتياحات العديدة والمدمرة والأهوال والويلات التي مرت به منذ مئات السنوات ولاتزال تمر به، لماذا لا يملك هذا الشعب تلك الجينات التي تخلق القائد الكامل؟ وما هي الظروف المخفية، وليست الكلاسيكية التي حفظناها ونرددها بين حين وآخر، التي تقف عائقاً في مسيرة تكوين دولة كردية؟ علماً بإنه هناك بعض من المثقفين الكرد الذين تعرضوا ولازالوا يتعرضون إلى مثل هذه الأبحاث ومنها كتابات وأبحاث ذات سوية فكرية وعلمية متقدمة (كدراسة الدكتور أحمد الخليل وخاصة الحلقة 15 من دراسات في الشخصية الكردية والتي تبحث في أسباب عدم تشكل دولة كردية مركزية…) لكن المشاركة والدعم لهؤلاء قليل بالنسبة لكمية عدد الكتاب والمثقفين الكرد الذين يكتبون.
الولايات المتحدة الأمريكية