جان كورد، الثلاثاء، 10 آب، 2010
لا أريد بمقالي هذا الاستزادة من الشعور بالاحباط نتيجة ما نراه من ضباب كثيف يعلو الأمواج التي على البارتي (الكوردي السوري) الابحار فيها، حتى يصل إلى شاطىء الأمان، ولكن لنكن واقعيين، وننظر بعيون فاحصة ومدققة حولنا حتى لانترطم بالصخور التي قد تبحر بينها هذه السفينة العريقة في الابحار، منذ ستين عاماً أو ما يزيد…
وقد يتساءل بعضهم: “وما شأنك وشأن البارتي ووحدته؟ وأنت قابع في زاوية من بيتك في ألمانيا البعيدة عن تراب كوردستان، ولاعلاقة تنظيمية لك بالبارتي؟” فلا أجيب بقول الشاعر العربي:
لا أريد بمقالي هذا الاستزادة من الشعور بالاحباط نتيجة ما نراه من ضباب كثيف يعلو الأمواج التي على البارتي (الكوردي السوري) الابحار فيها، حتى يصل إلى شاطىء الأمان، ولكن لنكن واقعيين، وننظر بعيون فاحصة ومدققة حولنا حتى لانترطم بالصخور التي قد تبحر بينها هذه السفينة العريقة في الابحار، منذ ستين عاماً أو ما يزيد…
وقد يتساءل بعضهم: “وما شأنك وشأن البارتي ووحدته؟ وأنت قابع في زاوية من بيتك في ألمانيا البعيدة عن تراب كوردستان، ولاعلاقة تنظيمية لك بالبارتي؟” فلا أجيب بقول الشاعر العربي:
كم منزل يألفه الفتى وحنينه أبداً لأوّل منزلِ
فالسياسة عالم غير عالم العواطف الإنسانية والقلوب، بل تقترب بشدة من عالم الرياضيات والمنطق والعقول، وانما أقول: “هذا له علاقة حميمة بقضية شعبي الذي أريد له الانتصار على الاضطهاد والظلم والتمييز والاقصاء، وكما أنني أعطي نفسي الحق في الحديث عن الأوجلانية وتناقضاتها الفكرية – السياسية، فإنني أمنح نفسي الفرصة أيضاً للتطرّق إلى موضوع “تفتت البارتي“، وبخاصة في ظروف دولية وكوردستانية وسورية ملائمة بشكل لامثيل لها لأن يلعب دوره الريادي من جديد بين جماهير شعبنا الكوردي في غرب كوردستان.
وكنت قد آثرت عدم الخوض بامعان في مشاكل الحركة السياسية الكوردية “السورية” لأن بعض رموزه كانوا، ومنهم من لايزال يفهمني بشكل خاطىء، فأنا لا أطمح في اقتحام الصفوف أو انتزاع منصب أو التملّق لأحد للحصول على مقعد في هيئة من الهيئات التي ترى نفسها ممثلة لحزب أو تكتل أو مجموع الأحزاب الكوردية، وانما أردت ابداء رأيي في مختلف المسائل، حتى قال لي بعض الأصدقاء الطيبين:”- يبدو أنك تركض أسرع من بقية الصف، أو أنهم لايريدون لأحد تحريك المياه الآسنة، فدعهم يمرحون…” وقد لاحظ بعضهم أنني ما عدت أكتب عن مشاكلهم، فإذا بهم يتساءلون:”- عجباً، كيف يسكت إنسان كان ديدنه الحديث عن التغيير والإًصلاح السياسي في الحركة الكوردية والمعارضة الديموقراطية السورية؟ ألا يشعر مطلقاً بأنه يتحمّل قسطاً من المسؤولية باعتباره ممتشق قلم؟ أم أن نخوته القومية والوطنية خمدت بسرعة…إنها أوروبا التي تقتل إنساننا الكوردي، وتنتزع قلبه من صدره…!”
وقد شجّعني إخوة كورد أعزاء من قارتي أوروبا وأمريكا على أن أدلو بدلوي في هذا البئر العميق أيضاً، وأقول رأيي في الموضوع الذي حاورت حوله بعض معارفي وأصدقائي من قبل…ومنهم الأخ الأستاذ محمد سعيد آلوجي، الذي اتصل بي وذكّرني بأنني كنت أطالبه فيما مضى بعدم الخروج من هذه الساحة الهامة للنضال القومي، وشجّعني على كتابة شيء ما في موضوع “وحدة البارتي…ولما لا؟” وكذلك المساهمة في الحوارات والنقاشات التي تجري حول ذلك…وفي الحقيقة إنني قد كتبت منذ فترة مقالاً طالبت فيه الإخوة جميعاً أن يرفضوا بقاء البارتي ممزّقاً، لأن في وحدة البارتي قوّة لشعبنا وظفر للتيار الأشد التزاماً بالبارزانية كمنهج في الحياةالسياسية، والبارزانية هي عمود هام حقاً من أعمدة فكر “الكوردايتي” شاء أعداؤها أم أبوا… كما أنني أبذل جهوداً هنا وهناك لاقناع أصدقائي في البارتي وحوله بأننا نوّد رؤيتهم متحدين، وطالبت في مقالات أخرى فخامة الأخ الرئيس مسعود البارزاني بأن لايدّخر جهداً في سبيل مصالحة إخوته البارتيين البارزانيين، مثلما يسعى لمصالحة العراقيين، وظروفه الذاتية والموضوعية أفضل من ظروف أبيه، القائد الخالد مصطفى البارزاني، الذي اعتبر وحدة البارتي في غرب كوردستان ضرورة قومية وساهم عملياً وشخصياً من أجل توحيد البارتي من خلال دعوة طرفيه المنشقين على نفسهما إلى مؤتمر وطني كوردي سوري أوّل في ناوبردان بجنوب كوردستان عام 1970، ونجم عنه نشوءالقيادة المرحلية التي لم يمهلها النظام الأسدي – البعثي فرصة للحياة، فاعتقل خيرة رجالها لسنوات طويلة دون محاكمة عادلة، لأنه أدرك تماماً سلبيات وحدة كوردية ذاتية لنظامه الذي لا يمكن لأحد وصفه بالنظام الديموقراطي قطعاً…
طبعاً، هناك من الكورد – مع الأسف – من لا يرى مصلحته في توحيد فصائل البارتي المتنازعة على الشرعية، والشرعية هنا تستمد قوتها من اعتراف قيادة بارتي ديموقراطي كوردستاني بهذا الفصيل أو ذاك، وليس تلك الشرعية التي تنجم عن طريق انتخابات ديموقراطية نزيهة في الشارع الكوردي السوري لمعرفة حقيقة المكانة التي يتمتّع بها هذا الجزء من البارتي أو ذاك.
وهؤلاء الذين لايجدون مصلحتهم في توحيد صفوف البارتي، هم الذين يجدونها في تمزّقه وتشتت قواعده وانفلاشات صفه التنظيمي… ولذا تجدهم يتهرّبون من كل حوار جدي حول موضوع وحدة البارتي التنظيمية، في حين أنهم يركّزون بشدة على ضرورة “توضيح الخط السياسي” والذي هو في الواقع واضح كالشمس، إذ كل فصائل البارتي وتشعباته ترى نفسها ملتزمة بالبارزانية، ولو قولاً وبقليل من العمل، ولا يمكن اعتبار أي فصيل منه معادياً للبارزانية التي أراها أوسع من أن يشملها حزب واحد، فهي فكر قومي سياسي، تطوّر عبر مراحل من التاريخ الكوردي، وفي ظروف شاقة للغاية وعن طريق تضحيات عظيمة، وتحت قيادة حكيمة معتدلة وواقعية النظر ومخلصة للأمة الكوردية أشد الإخلاص…أي أنه فكر حرية القوم الكوردي، الذي مثّله بشكل أفضل، قائد الشعب الكوردي الشجاع، الملا مصطفى البارزاني، عبرالكفاح، وليس النوم على قارعة الطريق.
فماذا يعني الوضوح السياسي هنا؟
إنه يعني رفض السياسات العنصرية التي تعمل على اجتثاث الوجود القومي الكوردي، الواقعي والتاريخي، في غرب كوردستان (ونقصد بذلك شمال سوريا)، كما يعني العمل من أجل ازالة هذه المشاريع عن طريق نضال سلمي يرفض العنف وينبذ الإرهاب، ويؤمن بالحوار وبأن القضية الكوردية الوطنية في غرب كوردستان، هي قضية أرض وشعب، وليس مشكلة لاجئين أجانب “عليهم العودة إلى وطنهم الذي جاؤوا منه!” كما يزعم البعض، وطالما هي قضية شعب وأرض، فيجب حلها حسب الشرع الإلهي الداعي إلى العدل والإحسان وعدم غمط الناس حقوقهم وتحريم الغصب والإكراه، وكذلك حسب ما اتفق عليه البشر فيما بينهم على شكل اتفاقيات دولية بصدد حقوق الشعوب والأقوام، ومن ذلك قاعدة “حق تقريرالمصير للشعوب” المؤّكد عليها في ملحقات عام 1966 الخاصة بهذا الحق الدولي الشائع، وهذا يعني منح الشعب الكوردي شكلاً من أشكال ادارة نفسه بنفسه ضمن حدود الدولة السورية القائمة والمعترف بها دولياً… كما يعني هذا أن سائر القضايا المشتركة بين الكورد والعرب وغيرهم من مكونات المجتمع السوري لن تحل بشكل عادل وصحيح، دون وجود علاقات سياسية – اجتماعية بين هذه المكونات وممثلياتها السياسية الوطنية والدينية والطائفية والمذهبية…
الخلاف الحقيقي في مثلث “البارتي” هو في الزوايا والأضلاع، في الجوانب التنظيمية وليس في الأصل المتفق عليه مبدئياً، أي هل يكون هناك هرم سياسي كوردي سوري أم لا؟ فالإجابة انتهت عن هذا السؤال بتأسيس أول حزب سياسي كوردي سوري، في عام 1957م، ألا وهو بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا… ولا حاجة للدخول في جدال طويل العمر حول النقطة ذاتها بعد ستين عاماً من تلك الخطوة المباركة التي انبثق منها “البارتي”عبر الزمن.
فما هي العوائق التنظيمية؟
برأيي، مهما كانت هذه العوائق كبيرة، ومتشعبة، ومتأصلّة، في فصائل البارتي، فإنها تتلخص في هذه النقاط:
– كبر سن القيادات من حيث الشخوص القياديين، الذين كما يبدو لا يستطيعون التأقلم مع التطورات والتغيّرات السريعة والكبيرة في عالمنا الحديث، فتجدهم في جميع سلوكياتهم غير قادرين على متابعة السير بالشكل المطلوب، ولقد ساهمت الثورة التقنية، وبخاصة في عالم الاتصالات الالكترونية، في خلق أسس ومعطيات مختلفة،اقليمية ودولية، عما كانت عليه في مرحلة “الحرب الباردة”…وكذلك مراحل التعتيم الاعلامي والحصار الخانق على كوردستان عموما.ً
-عدم تخلّص العديد من كوادر البارتي “المحاربين القدماء” من النزعات العشائرية والمناطقية والمسلكية والأنانية المفرطة، وهذا سببه عدم وجود مدرسة لتربية كوادر حقيقية في البارتي، وترك الأمور تسير على مهل وبطء شديد، دون القيام بأي شيء يمكن أن يزعج المحيط الاجتماعي والالتزام بالتقليد والمحافظة المفرطة، خوفاً من تأثّر البارتي سلبياً بالجديد غير المعروف.
-المفاهيم الخاطئة عن الحراك الديموقراطي الصحيح، وهذه ذات أسباب اجتماعية متعلّقة بالمحيط السياسي العام في البلاد، وكذلك في البيت والمدرسة ودور العبادة بمختلف مسمياتها، وكذلك في الهيئة الحزبية، وفي الإعلام ذي الأهمية القصوى في هذا المجال، حيث لايمكن بناء شخصية ديموقراطية متوازنة دون تربية ديموقراطية صحيحة.
وساهمت في ذلك بقوة سياسة كبت الحريات السياسية والاعلامية في المجتمع السوري بشكل عام.
-الضعف المالي للتنظيم السياسي الكوردي، وعدم وجود “موازنة” مالية سنوية، مما يضعف فعاليات ونشاطات التنظيم ويعرقل كثيراً من جهود الكوادر والقياديين والأعضاء والأنصار جميعاً.
-عدم وجود خطة عمل سنوية أو نصف سنوية تنتخب بموجبها القيادة في المؤتمر، وانما تنتخب القيادة حسب معايير مناطقية أو تكتلية أو بدوافع أخرى، كالخوف من الانشقاق أوترضية الفارس الذي يرفض النزول عن صهوة جواده، أوالخوف من اثارة مشاكل تعود على مثيري الشغب التنظيمي بنتائج سلبية…
– وجود بعض الحشرات الضارة التي تعمل في صالح النظام في كل تنظيم من تنظيماتنا الكوردية، وعدم وجود “ضابط أمني” للبارتي، بمعنى عدم وجود وسائل للكشف عن هؤلاء وتصفيتهم حزبياً عن طريق تقديم الأدلة والثبوتيات أوالقرائن الدالة على ذلك، وتلعب القرابة والمحسوبيات والزعامات والقبضايات دورها في الستر على هذه الآفات الضارة جداً في الحزب…
– حاجة الأنظمة الداخلية للفصائل المتنازعة أو المختلفة إلى تجديد وتسهيل وتوضيح بما يتطابق حقاً مع الأصول الديموقراطية، وليس مع المركزية – الديموقراطية التي أخذناها من الأحزاب الشيوعية.
والافراط غير المبرر في الاعتماد على مبدأ (الأكثرية والأقلية) دون مبدأ التوافق الذي يجب تفضيله في بعض الأحيان وعدم تجاهله…كما في اقامة التحالفات مثلاً.
– ضرورة الانتقال من فكرة “الأمين العام” أو “الرئيس” إلى فكرة “القيادة المشتركة أو الأمانة العامة الدورية لكل الأعضاء” بما لاتتجاوز الفترةالسنة الواحدة لكل منهم…
– رفض أدلجة السياسة البارتية بشكل قاطع، مهما كانت الذرائع والحجج، ووضع مصلحة الشعب الكوردي في غرب كوردستان فوق كل اعتبار آخر، لأن قضية هذا الشعب هي مسؤولية البارتي الأساسية، وليس أي قضية كوردية أو سورية أخرى…
طبعاً، هناك عوائق ومقترحات متعددة، كان علي التطرّق إليها، ولكن لنفسح المجال لغيرنا أيضاً ليساهم في اثراء هذا الحوار…
وأملي هو أن يعتبر الإخوة في البارتي جميعاً ما عرضناه هنا مجرّد وجهة نظر شخصية من صديق مخلص ورفيق قديم…
مع فائق الاحترام والتقدير
أخوكم جانكورد
عضو نادي القلم الكوردي ورئيس تحرير موقع بيام الكردي
cankurd@email.com http://peyam.eu http://cankurd.wordpress.com
وكنت قد آثرت عدم الخوض بامعان في مشاكل الحركة السياسية الكوردية “السورية” لأن بعض رموزه كانوا، ومنهم من لايزال يفهمني بشكل خاطىء، فأنا لا أطمح في اقتحام الصفوف أو انتزاع منصب أو التملّق لأحد للحصول على مقعد في هيئة من الهيئات التي ترى نفسها ممثلة لحزب أو تكتل أو مجموع الأحزاب الكوردية، وانما أردت ابداء رأيي في مختلف المسائل، حتى قال لي بعض الأصدقاء الطيبين:”- يبدو أنك تركض أسرع من بقية الصف، أو أنهم لايريدون لأحد تحريك المياه الآسنة، فدعهم يمرحون…” وقد لاحظ بعضهم أنني ما عدت أكتب عن مشاكلهم، فإذا بهم يتساءلون:”- عجباً، كيف يسكت إنسان كان ديدنه الحديث عن التغيير والإًصلاح السياسي في الحركة الكوردية والمعارضة الديموقراطية السورية؟ ألا يشعر مطلقاً بأنه يتحمّل قسطاً من المسؤولية باعتباره ممتشق قلم؟ أم أن نخوته القومية والوطنية خمدت بسرعة…إنها أوروبا التي تقتل إنساننا الكوردي، وتنتزع قلبه من صدره…!”
وقد شجّعني إخوة كورد أعزاء من قارتي أوروبا وأمريكا على أن أدلو بدلوي في هذا البئر العميق أيضاً، وأقول رأيي في الموضوع الذي حاورت حوله بعض معارفي وأصدقائي من قبل…ومنهم الأخ الأستاذ محمد سعيد آلوجي، الذي اتصل بي وذكّرني بأنني كنت أطالبه فيما مضى بعدم الخروج من هذه الساحة الهامة للنضال القومي، وشجّعني على كتابة شيء ما في موضوع “وحدة البارتي…ولما لا؟” وكذلك المساهمة في الحوارات والنقاشات التي تجري حول ذلك…وفي الحقيقة إنني قد كتبت منذ فترة مقالاً طالبت فيه الإخوة جميعاً أن يرفضوا بقاء البارتي ممزّقاً، لأن في وحدة البارتي قوّة لشعبنا وظفر للتيار الأشد التزاماً بالبارزانية كمنهج في الحياةالسياسية، والبارزانية هي عمود هام حقاً من أعمدة فكر “الكوردايتي” شاء أعداؤها أم أبوا… كما أنني أبذل جهوداً هنا وهناك لاقناع أصدقائي في البارتي وحوله بأننا نوّد رؤيتهم متحدين، وطالبت في مقالات أخرى فخامة الأخ الرئيس مسعود البارزاني بأن لايدّخر جهداً في سبيل مصالحة إخوته البارتيين البارزانيين، مثلما يسعى لمصالحة العراقيين، وظروفه الذاتية والموضوعية أفضل من ظروف أبيه، القائد الخالد مصطفى البارزاني، الذي اعتبر وحدة البارتي في غرب كوردستان ضرورة قومية وساهم عملياً وشخصياً من أجل توحيد البارتي من خلال دعوة طرفيه المنشقين على نفسهما إلى مؤتمر وطني كوردي سوري أوّل في ناوبردان بجنوب كوردستان عام 1970، ونجم عنه نشوءالقيادة المرحلية التي لم يمهلها النظام الأسدي – البعثي فرصة للحياة، فاعتقل خيرة رجالها لسنوات طويلة دون محاكمة عادلة، لأنه أدرك تماماً سلبيات وحدة كوردية ذاتية لنظامه الذي لا يمكن لأحد وصفه بالنظام الديموقراطي قطعاً…
طبعاً، هناك من الكورد – مع الأسف – من لا يرى مصلحته في توحيد فصائل البارتي المتنازعة على الشرعية، والشرعية هنا تستمد قوتها من اعتراف قيادة بارتي ديموقراطي كوردستاني بهذا الفصيل أو ذاك، وليس تلك الشرعية التي تنجم عن طريق انتخابات ديموقراطية نزيهة في الشارع الكوردي السوري لمعرفة حقيقة المكانة التي يتمتّع بها هذا الجزء من البارتي أو ذاك.
وهؤلاء الذين لايجدون مصلحتهم في توحيد صفوف البارتي، هم الذين يجدونها في تمزّقه وتشتت قواعده وانفلاشات صفه التنظيمي… ولذا تجدهم يتهرّبون من كل حوار جدي حول موضوع وحدة البارتي التنظيمية، في حين أنهم يركّزون بشدة على ضرورة “توضيح الخط السياسي” والذي هو في الواقع واضح كالشمس، إذ كل فصائل البارتي وتشعباته ترى نفسها ملتزمة بالبارزانية، ولو قولاً وبقليل من العمل، ولا يمكن اعتبار أي فصيل منه معادياً للبارزانية التي أراها أوسع من أن يشملها حزب واحد، فهي فكر قومي سياسي، تطوّر عبر مراحل من التاريخ الكوردي، وفي ظروف شاقة للغاية وعن طريق تضحيات عظيمة، وتحت قيادة حكيمة معتدلة وواقعية النظر ومخلصة للأمة الكوردية أشد الإخلاص…أي أنه فكر حرية القوم الكوردي، الذي مثّله بشكل أفضل، قائد الشعب الكوردي الشجاع، الملا مصطفى البارزاني، عبرالكفاح، وليس النوم على قارعة الطريق.
فماذا يعني الوضوح السياسي هنا؟
إنه يعني رفض السياسات العنصرية التي تعمل على اجتثاث الوجود القومي الكوردي، الواقعي والتاريخي، في غرب كوردستان (ونقصد بذلك شمال سوريا)، كما يعني العمل من أجل ازالة هذه المشاريع عن طريق نضال سلمي يرفض العنف وينبذ الإرهاب، ويؤمن بالحوار وبأن القضية الكوردية الوطنية في غرب كوردستان، هي قضية أرض وشعب، وليس مشكلة لاجئين أجانب “عليهم العودة إلى وطنهم الذي جاؤوا منه!” كما يزعم البعض، وطالما هي قضية شعب وأرض، فيجب حلها حسب الشرع الإلهي الداعي إلى العدل والإحسان وعدم غمط الناس حقوقهم وتحريم الغصب والإكراه، وكذلك حسب ما اتفق عليه البشر فيما بينهم على شكل اتفاقيات دولية بصدد حقوق الشعوب والأقوام، ومن ذلك قاعدة “حق تقريرالمصير للشعوب” المؤّكد عليها في ملحقات عام 1966 الخاصة بهذا الحق الدولي الشائع، وهذا يعني منح الشعب الكوردي شكلاً من أشكال ادارة نفسه بنفسه ضمن حدود الدولة السورية القائمة والمعترف بها دولياً… كما يعني هذا أن سائر القضايا المشتركة بين الكورد والعرب وغيرهم من مكونات المجتمع السوري لن تحل بشكل عادل وصحيح، دون وجود علاقات سياسية – اجتماعية بين هذه المكونات وممثلياتها السياسية الوطنية والدينية والطائفية والمذهبية…
الخلاف الحقيقي في مثلث “البارتي” هو في الزوايا والأضلاع، في الجوانب التنظيمية وليس في الأصل المتفق عليه مبدئياً، أي هل يكون هناك هرم سياسي كوردي سوري أم لا؟ فالإجابة انتهت عن هذا السؤال بتأسيس أول حزب سياسي كوردي سوري، في عام 1957م، ألا وهو بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا… ولا حاجة للدخول في جدال طويل العمر حول النقطة ذاتها بعد ستين عاماً من تلك الخطوة المباركة التي انبثق منها “البارتي”عبر الزمن.
فما هي العوائق التنظيمية؟
برأيي، مهما كانت هذه العوائق كبيرة، ومتشعبة، ومتأصلّة، في فصائل البارتي، فإنها تتلخص في هذه النقاط:
– كبر سن القيادات من حيث الشخوص القياديين، الذين كما يبدو لا يستطيعون التأقلم مع التطورات والتغيّرات السريعة والكبيرة في عالمنا الحديث، فتجدهم في جميع سلوكياتهم غير قادرين على متابعة السير بالشكل المطلوب، ولقد ساهمت الثورة التقنية، وبخاصة في عالم الاتصالات الالكترونية، في خلق أسس ومعطيات مختلفة،اقليمية ودولية، عما كانت عليه في مرحلة “الحرب الباردة”…وكذلك مراحل التعتيم الاعلامي والحصار الخانق على كوردستان عموما.ً
-عدم تخلّص العديد من كوادر البارتي “المحاربين القدماء” من النزعات العشائرية والمناطقية والمسلكية والأنانية المفرطة، وهذا سببه عدم وجود مدرسة لتربية كوادر حقيقية في البارتي، وترك الأمور تسير على مهل وبطء شديد، دون القيام بأي شيء يمكن أن يزعج المحيط الاجتماعي والالتزام بالتقليد والمحافظة المفرطة، خوفاً من تأثّر البارتي سلبياً بالجديد غير المعروف.
-المفاهيم الخاطئة عن الحراك الديموقراطي الصحيح، وهذه ذات أسباب اجتماعية متعلّقة بالمحيط السياسي العام في البلاد، وكذلك في البيت والمدرسة ودور العبادة بمختلف مسمياتها، وكذلك في الهيئة الحزبية، وفي الإعلام ذي الأهمية القصوى في هذا المجال، حيث لايمكن بناء شخصية ديموقراطية متوازنة دون تربية ديموقراطية صحيحة.
وساهمت في ذلك بقوة سياسة كبت الحريات السياسية والاعلامية في المجتمع السوري بشكل عام.
-الضعف المالي للتنظيم السياسي الكوردي، وعدم وجود “موازنة” مالية سنوية، مما يضعف فعاليات ونشاطات التنظيم ويعرقل كثيراً من جهود الكوادر والقياديين والأعضاء والأنصار جميعاً.
-عدم وجود خطة عمل سنوية أو نصف سنوية تنتخب بموجبها القيادة في المؤتمر، وانما تنتخب القيادة حسب معايير مناطقية أو تكتلية أو بدوافع أخرى، كالخوف من الانشقاق أوترضية الفارس الذي يرفض النزول عن صهوة جواده، أوالخوف من اثارة مشاكل تعود على مثيري الشغب التنظيمي بنتائج سلبية…
– وجود بعض الحشرات الضارة التي تعمل في صالح النظام في كل تنظيم من تنظيماتنا الكوردية، وعدم وجود “ضابط أمني” للبارتي، بمعنى عدم وجود وسائل للكشف عن هؤلاء وتصفيتهم حزبياً عن طريق تقديم الأدلة والثبوتيات أوالقرائن الدالة على ذلك، وتلعب القرابة والمحسوبيات والزعامات والقبضايات دورها في الستر على هذه الآفات الضارة جداً في الحزب…
– حاجة الأنظمة الداخلية للفصائل المتنازعة أو المختلفة إلى تجديد وتسهيل وتوضيح بما يتطابق حقاً مع الأصول الديموقراطية، وليس مع المركزية – الديموقراطية التي أخذناها من الأحزاب الشيوعية.
والافراط غير المبرر في الاعتماد على مبدأ (الأكثرية والأقلية) دون مبدأ التوافق الذي يجب تفضيله في بعض الأحيان وعدم تجاهله…كما في اقامة التحالفات مثلاً.
– ضرورة الانتقال من فكرة “الأمين العام” أو “الرئيس” إلى فكرة “القيادة المشتركة أو الأمانة العامة الدورية لكل الأعضاء” بما لاتتجاوز الفترةالسنة الواحدة لكل منهم…
– رفض أدلجة السياسة البارتية بشكل قاطع، مهما كانت الذرائع والحجج، ووضع مصلحة الشعب الكوردي في غرب كوردستان فوق كل اعتبار آخر، لأن قضية هذا الشعب هي مسؤولية البارتي الأساسية، وليس أي قضية كوردية أو سورية أخرى…
طبعاً، هناك عوائق ومقترحات متعددة، كان علي التطرّق إليها، ولكن لنفسح المجال لغيرنا أيضاً ليساهم في اثراء هذا الحوار…
وأملي هو أن يعتبر الإخوة في البارتي جميعاً ما عرضناه هنا مجرّد وجهة نظر شخصية من صديق مخلص ورفيق قديم…
مع فائق الاحترام والتقدير
أخوكم جانكورد
عضو نادي القلم الكوردي ورئيس تحرير موقع بيام الكردي
cankurd@email.com http://peyam.eu http://cankurd.wordpress.com