د.
آلان كيكاني أراكَ اليوم , مشكوراً , طرقتَ بابي بمقالين في (ولاتي مه) , وكانَ لابد من الرد وإيضاح بعض النقاط التي ذكرتَها والتعليق على البعض الآخر فكوني طبيباً فإن الموضوعين يمسانني حكماً.
آلان كيكاني أراكَ اليوم , مشكوراً , طرقتَ بابي بمقالين في (ولاتي مه) , وكانَ لابد من الرد وإيضاح بعض النقاط التي ذكرتَها والتعليق على البعض الآخر فكوني طبيباً فإن الموضوعين يمسانني حكماً.
وقد آثرتُ هذا العنوان لأسطري هذه كون القارئ في هذا المنبر الكريم سئم من عبارة ” رد هادئ ” وصار يمقته لأن الرد الهادئ في نظره بات يعني مزيجاً من القدح والذم والتجريح والتخوين , وردي عليك لا يأتي في سياق الدفاع عن الطب والأطباء في بلدنا , فكل ما تفضلت به صحيح بل أن ثمة الكثير من المظاهر السيئة التي تمارس في الطب لم تتفضل بذكرها , على أنني أخذت عليك أنك تكتب عن هذه المهنة وكأن كل شيء في البلد على ما يرام فيما عداها مع أن قليلا من التمحيص يرينا أنْ لا يمكن أن يكون الطب متقدما في ظل تخلف اقتصادي واجتماعي وسياسي , فكل هذه الأمور متداخلة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر.
لتَعلمَ , أستاذي الكريم , أن أمهر الناس مخالفة للقوانين هم القضاة والمحامون إن أرادوا , وأشد الناس كفرا هم من تعمقوا في أصول الدين ثم ألحدوا , لهذا كان أكثر الناس فظاظة وغلاظة في القلب هم الأطباء إن أفرغوا الطب من محتواه الإنساني واتخذوه تجارة مربحة للكسب والغنى السريع , هذه حقيقة لا يمكن إنكارها فكم من بطون فُتِحت دون داعٍ , وكم من المرضى أدخلوا إلى المشافي أياماً وأسابيعَ بغيةَ نهبِ جيوبهم دون أن يكون فيهم علة تحتاج إلى الاستشفاء ……أقول هذا وصورة زينب تلوح في مخيلتي وهي مريضتي التي راجعت عيادتي قبل دخول غرفة العمليات بساعتين ليجري لها أحدُ الأطباء عملية استئصال كيسة مائية في الكبد فلدى فحصها لم أر الكيسة بجهاز الإيكوغرافي , شككت بقدرتي على التشخيص بهذا الوسيلة فأرسلتها إلى طبيب أشعة لتعود بعد قليل بتقرير يقول أن الكبد خال من أية علة , وكنت بذلك اكتشفت الجريمة قبل وقوعها فقد كان زميلي سيشق جلد بطن زينو ثم يخيطه ليخرج من غرفة العمليات مزهوا نافشا ريشه مثل ديك رومي على أن العملية انتهت بنجاح في مدة قياسية ومن ثم سيسلب زينو موسم الزيتون كله , وزينو البريئة سترسل لهذا الطبيب العبقري أفواجا من المرضى وستمدحه في السر والعلن ما دامت حية.
ولكن إن كنا على إيمان أن هذه الحالة شاذة وأن أغلب الأطباء لا يزالون يتحلون بالقيم والمثل العليا , أليس من حق الطبيب أن يحيا حياة كريمة بعد سنوات من السهر والجهد المضني وقد ذكرتَ هذا في مقالك وحسبتَ عدد سنوات الدراسة بأكثر من عشرين سنة ؟
لا أحدٌ يُخلق فاسداً يا عزيزي وإنما الظروف هي التي تفسد الأخلاق وتتلف القيم .
أيّ طبيب هذا الذي يخدم المريض على أكمل وجه في المشافي العامة براتب شهري لا يكفيه خمسة أيام ؟
ثم , إذا كان الفساد مستشر في كل مكان أليس من حق الطبيب المشاركة ؟!!!
لماذا ينظر الناس إلى الطبيب على أنه يجب أن يكون آخر المخطئين ؟
تريد أن يكون فقط الطب في البلد مثل الطب في أوروبا ؟
أي شيء عندنا يشبه مثيله في الدول المتقدمة حتى نطلب أن يكون الطب كذلك ؟
اتفق معك على أن جل الأطباء باتوا قليلي الإحساس بآلام الآخرين .
وشر مهنة أن تعتمد على مصائب العباد , لعمري إنها تقسي القلب وتقلل الوجدان .
ولكن إن كنا على إيمان أن هذه الحالة شاذة وأن أغلب الأطباء لا يزالون يتحلون بالقيم والمثل العليا , أليس من حق الطبيب أن يحيا حياة كريمة بعد سنوات من السهر والجهد المضني وقد ذكرتَ هذا في مقالك وحسبتَ عدد سنوات الدراسة بأكثر من عشرين سنة ؟
لا أحدٌ يُخلق فاسداً يا عزيزي وإنما الظروف هي التي تفسد الأخلاق وتتلف القيم .
أيّ طبيب هذا الذي يخدم المريض على أكمل وجه في المشافي العامة براتب شهري لا يكفيه خمسة أيام ؟
ثم , إذا كان الفساد مستشر في كل مكان أليس من حق الطبيب المشاركة ؟!!!
لماذا ينظر الناس إلى الطبيب على أنه يجب أن يكون آخر المخطئين ؟
تريد أن يكون فقط الطب في البلد مثل الطب في أوروبا ؟
أي شيء عندنا يشبه مثيله في الدول المتقدمة حتى نطلب أن يكون الطب كذلك ؟
اتفق معك على أن جل الأطباء باتوا قليلي الإحساس بآلام الآخرين .
وشر مهنة أن تعتمد على مصائب العباد , لعمري إنها تقسي القلب وتقلل الوجدان .
أستاذي الفاضل :
بذكرك الدكتور رشيد ألقيت جمرة في قلبي .
الدكتور رشيد , رحمه الله , ظاهرة قلما تتكرر , أنا لم أقابله يوما , ولكن الصدفة شاءت أن تكون قرية بعدينا ( بيت عدين في سجلات الدولة) أول قرية أمارس فيها مهنتي كطبيب عام بعد تخرجي من الجامعة مباشرة في أواخر التسعينات , وقضى القدر أن تكون عيادتي لصق بيت والديه العجوزين , ففي اليوم الثاني من تواجدي في عيادتي تلك دخلت عليَ عجوز طاعنة في السن تروم قياس ضغطها وبعد تقديمي لها هذه الخدمة طلبت مني أن تقبل رأسي ثم أجهشت في البكاء بمرارة وانصرفت على هذه الحالة مستعينة بعكازها , لأعلم فيما بعد أنها أم الدكتور رشيد , وفي ذلك الوقت لم أكن سمعت عنه شيئا , ومع الأيام تحدث إلي أهل القرية بإسهاب عن مزايا الدكتور رشيد ومناقبه التي أظنك سترويها للقراء في مقالاتك القادمة كما ذكرت.
وإني لأشكرك على كل كلمة تقولها بحق هذا الشخص المحترم الذي ظلت أمه على مدار عام كامل تناديني يا رشيدي ولا يعلم إلا الله كم مرة احتضنتني وقبلتني والدموع تنزل على خديها البيضاويين المجعدين بمحاريث الزمن القاسي , كانت تذوب أم رشيد بحزنها مثل شمعة تذوب بنارها , كنت أحسها أمي الحقيقية لما كانت تغمرني بحنانها وكرمها , أرجو من الله أن تكون حية ترزق حتى الآن وبصحة جيدة .
بذكرك الدكتور رشيد ألقيت جمرة في قلبي .
الدكتور رشيد , رحمه الله , ظاهرة قلما تتكرر , أنا لم أقابله يوما , ولكن الصدفة شاءت أن تكون قرية بعدينا ( بيت عدين في سجلات الدولة) أول قرية أمارس فيها مهنتي كطبيب عام بعد تخرجي من الجامعة مباشرة في أواخر التسعينات , وقضى القدر أن تكون عيادتي لصق بيت والديه العجوزين , ففي اليوم الثاني من تواجدي في عيادتي تلك دخلت عليَ عجوز طاعنة في السن تروم قياس ضغطها وبعد تقديمي لها هذه الخدمة طلبت مني أن تقبل رأسي ثم أجهشت في البكاء بمرارة وانصرفت على هذه الحالة مستعينة بعكازها , لأعلم فيما بعد أنها أم الدكتور رشيد , وفي ذلك الوقت لم أكن سمعت عنه شيئا , ومع الأيام تحدث إلي أهل القرية بإسهاب عن مزايا الدكتور رشيد ومناقبه التي أظنك سترويها للقراء في مقالاتك القادمة كما ذكرت.
وإني لأشكرك على كل كلمة تقولها بحق هذا الشخص المحترم الذي ظلت أمه على مدار عام كامل تناديني يا رشيدي ولا يعلم إلا الله كم مرة احتضنتني وقبلتني والدموع تنزل على خديها البيضاويين المجعدين بمحاريث الزمن القاسي , كانت تذوب أم رشيد بحزنها مثل شمعة تذوب بنارها , كنت أحسها أمي الحقيقية لما كانت تغمرني بحنانها وكرمها , أرجو من الله أن تكون حية ترزق حتى الآن وبصحة جيدة .
تقبل تحياتي