في الذكرى الحادية و الثلاثين لرحيل البارزاني مصطفى كان لابد من وقفة على أسرار عظمته, وهو يدخل التاريخ في العتبة السابعة بعد المئة منذ أبصر النور وفتح ناظريه على الدنيا..
فقد توقدت شعلة ذكائه الفطري,وتوهج ينبوع إيمانه, وتيقظت روحه التواقة إلى الكبرياء فرفض المهانة والذل والخنوع لشعبه , وأراد له العزة والشموخ , فكان رمزا للمحارب العظيم والمقاتل الشهم, ” لتكون قصة الثورة الكردية قصة مصطفى البارزاني, الزعيم المحارب..
” كما يقول المحلل العسكري البريطاني ” الميجر أدغار أوبالانس ” , متصدرا بحنكة عسكرية بالغة , وروح قتالية عالية, ونفس جلدة صابرة, جحافل المقاتلين في قوة عزيمة, ورباطة جأش,وهمة فائقة تنضح بإصرار القائد وتفانيه، وبأسه وفتوته..
يعكس” مظهره المهيب وطلعته البهية وعيناه المتقدتان النافذتان, وخطوط وجهه الصارم عمقه الداخلي وقوة شخصيته..” كما يقول جورج ف, آلان سفير أمريكا لدى أيران , والذي يتابع قائلا : ” تمکن منذ أيام شبابه من القبض علی ناصية الأمور ، والوصول إلی قلب القضية الکوردية ، وقد کشف خلال سنوات قيادته للحرکة الکوردية عن خبرة وذکاء ديبلوماسي وحنکة عسکرية في بلوغه أهداف الشعب الکوردي ..کان يملك خبرة حياتية متکاملة ، يدرك تماما أسس بناء المجتمع الکوردستاني ، معجبا بأولئك الأکراد الذين أهلتهم أدوارهم للقيام بالخدمات الکبری لقضيتهم ..
” فقد استطاع فعلا إدراك ضرورات ثورته ومقتضياتها, نافذا إلى أعماقها , مدركا بعمق القائد المحنك طبيعة المعركة وأهدافها واستراتيجيتها والظروف التاريخية المعقدة المحيطة بها, كما ألم إلمام الحاذق المجرب الذي خاض القتال في ريعان شبابه بالصعوبة البالغة التي زج نفسه وخيرة كوادره ومقاتليه في أتونها, مستهينا بكل الصعاب في سبيل الانعتاق والتحرر لشعب يأبى الذل والمهانة, يقول الصحفي البريطاني ديفيد أدامسن ” إن فضائله هي من طراز الشجاعة القديمة، حتى أن الإنسان ليعجب بسموها إلی درجة ما، عاش يقود ثورة بعد ثورة بأساليب زعيم محنك ، ولکن بلا غاية سوی الکبرياء والاستقلال .
إن الحروب التي نشأ فيها کانت مشوبة بالوطنية ، وفي مهاباد وجد نفسه قائدا لثلاثة آلاف مقاتل , منفيا في دولة لا جيش لها لحمايتها ، وبذلك جعلت منه الظروف قائدا في حرب وطنية ، وکانت حياته سلسلة من الحرب والنفي ، نموذج حياة کثير من الأکراد فيها قوة العزيمة وتعبر عن أقدارهم ومآسيهم ، کل هذه کانت صفات بارزة في مصطفى البرزاني .
لقد وهب نفسه وحياته لشعبه, كما نذر كل طاقاته ومواهبه الخارقة وقدرته القيادية الفائقة لأمة كتب لها أن تواجه مصاعب الحياة بصمود وإباء ومقارعة لا تعرف التردد لتجد في زعيمها الخالد ملاذها وموئلها ” قائدا تاريخيا, تواقا لرفع الظلم والجور عن كاهل شعبه ” كما يقول الزعيم اللبناني الوطني الراحل كمال جنبلاط… متحملا قساوة الحرمان وفظاظة النكد وشظف العيش, فوق قمم الجبال وفي أعماق المغاور والكهوف , مقاسما بيشمركته الأبطال مواجهة أعتى الأنظمة وأشدها بغيا وجورا وأكثرها دموية ووحشية, على الرغم من أولئك الذين يتطاولون اليوم على البيشمركة الأبطال ومآثرهم , ودورهم التاريخي الفذ في قيادة جحافل النصر , ورفع راياته بشرف قتال لا مجال فيه للإرهاب وسفك دماء الأبرياء من أبناء شعبنا العراقي العزل , في قتال له سننه وقواعده الدفاعية , محافظين على أنبل القيم القتالية وأرفعها دون تجاوز أو اعتداء على المدنيين , محققين بقيادة فذة القيم الوطنية الرفيعة في السلم والحرب والتفاوض, والحفاظ على العهد والبعد عن خرق أي اتفاق مبرم, في ثورة نبيلة ناصعة لم تتلطخ بدماء الأبرياء, ليرشح من بين ثلاثة وأربعين من قادة العالم وزعمائه رمزا للسلام والمدنية وليسجل باسمه مركز عالمي للسلام في واشنطن, فكان بحق قائدا وزعيما جمع بين القديم والحديث, متفانيا من أجل شعبه, بعيدا عن الفتك وإرهاب الآخرين كما يقول الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر, ليؤكد من أتى بعده على جلال قدره وروعة قيادته, وجدارة حياته الحافلة بالتتبع والقراءة والوقوف على معالمها المضيئة كما يقول الرئيس المصري حسني مبارك .
لقد أثبت البارزاني الخالد جدارته بحمل الأمانة التي أسندها إليه قائد ثورة مهاباد البيشوا قاضي محمد في الحفاظ على “آلا رنكين “والوصول بمكاسب الشعب الكردي إلى أول اعتراف رسمي بالشراكة التاريخية في العراق بين العرب والكرد في اتفاقية آذار التاريخية,كما يقول ” وليم توهي في صحيفة واشنطن بوست” , وبصماتها الكبرى في امتدادات ثورة أيلول في كولان والانتفاضة والتجربة الديمقراطية الفتية وماتلاها من مكاسب فريدة في التاريخ المعاصر ليكون بحق في نهجه وسلوكه وتراثه “أعظم شخصية سياسية وعسكرية منذ عهد البطل الكردي صلاح الدين ” كما يقول الكاتب الألماني د.
كونتر دوشنر , ليكون تراثه أمانة كبرى في أعناقالأجيال ممن صنعوا قيم السلام والديمقراطية والمصالحة في عراق يستعد لخوض انتخابات برلمانية جديدة في السابع من آذار لعام/2010, ولتأتي هذه التجربة في صيغة ترجمة عملية لنهجه الديمقراطي بعد ثلاثة عقود من رحيله , ليظل رمزا وطنيا و عالميا للسلام والديمقراطية والمدنية والقيم الرفيعة, حيث لم يجد بمثله الشرق الأوسط بعظمائه وقادته كما يقول الباحث الأمريكي “دانا شمدث” , وليكون القدوة الأمثل لحزبنا , والذي خلف تراثا غنيا , ونهجا واضح الملامح , شكل لنا عقيدة سياسية رائدة , حيث لا نزال نحتفي به وبذكرى رحيله إلى عالم الخلد , محيين هذه الذكرى السامية باحتفالات في مختلف منظمات البارتي وقواعدة التنظيمية , على الرغم من الظروف الأمنية القاهرة التي تحول دون احتفالات مركزية حاشدة كما كنا نفعل .
ألف تحية إلى روحك الطاهرة أيها المناضل العظيم , وعهدا أن نبذل جهدنا وطاقاتنا للحفاظ على نهجك الرفيع وقيمك العالية, وسمو تراثك ونبله.
مساء 1/3/2010