الأحزاب الكردية في سوريا وضرورات التغيير !!؟

  أحمد حيدر

لا نأتي بجديد عندما نؤكد بأن غياب الممارسة الديمقراطية ومتطلباتها الثقافية والاجتماعية والقانونية والمؤسساتية داخل الأحزاب الكردية في سوريا – بمختلف تياراتها – وعجز الهيئات التنظيمية من تقييم وتقويم برامجها وسياساتها وعدم التعاطي مع متطلبات التغيير والديمقراطية أسهمت في تعميق الأزمة – الفكرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية والقيادية-   التي تعاني منها وتفاقمت في العقود الأخيرة بسبب وجود اختلالات بين الرؤى التي تبنتها وبين التغييرات المتسارعة التي شهدها العالم  دون أن ترتكز على الوقائع الموضوعية والإمكانيات الفعلية – المحدودة – لهذه الأحزاب .
كانت نتيجة هذه الاختلالات تشويه العلاقة بين هذه الأحزاب والجماهير الواسعة والإساءة إلى دورها ومهماتها  وبالتالي زعزعة الثقة بين القاعدة والقيادة .
وأود أن أشير إلى أن ثمة إشكالية لازمت ممارسات قيادات الأحزاب الكردية  تكمن في عدم امتلاك الجرأة للاعتراف بوجود- الأزمة- أصلاُ والتفكير الجاد في طرق ووسائل وآليات معالجتها من هنا نرى أن البحث عن آفاق جديدة للخروج من مأزقها الراهن  تستوجب :
أولاُ  : استعادة قراءة البدايات قراءة نزيهة وبتفهم وانفتاح ونضج حضاري لاستخلاص الدروس والعبر للاستفادة من الأخطاء والنواقص لتعينها على  تجاوز حالة العجز والركود ومواجهة التحديات الجديدة .


بداية تأسيس أول تنظيم قومي كردي (كأداة عصرية منظمة ذات برنامج وكتنظيم قومي كردي هرمي على أساس مبادئ- المركزية الديمقراطية – ) في آب 1957 وتكاثره إلى أكثر من عشرين حزباُ كردياُ – والمنعطفات الخطيرة التي مرت بها  بدءاُ من كونفرانس آب 1965 بداية ظهور الخلافات السياسية والفكرية بين أكثر من نهج داخل الحزب الأم توقف عندها الأستاذ صلاح بدرالدين في كتابه (الحركة القومية الكردية في سوريا – رؤية نقدية من الداخل (1) حين يقول : ” عجزت قيادة الحزب عن حل أزمتها بالطريقة المناسبة ، وبعد مضي زهاء عقد على تأسيس الحزب لم تتمكن القيادة من التقدم خطوة نحو الأمام في مجال إجراء تعديلات على البرنامج السياسي والقيام بمبادرات جديدة حول القضية القومية والقضايا المطلبية والمسألة السياسية الوطنية وأوضاع الجماهير الكردية “
و” خرج الكونفرانس بصياغة مبادئ على شكل مقررات وتوصيات تمحورت حول رفض النهج السابق للقيادة السابقة وسياستها بشكل عام وإدانة جمودها وترددها في إصلاح الحزب وتحديد مسؤولية ماحصل على الاتجاه اليميني في القيادة ” مروراُ بتشكيل قيادة مرحلية والمواقف المتباينة من اعتقالات القيادة آنذاك والتحالفات القسرية التي أملتها الضغوطات الحزبية الداخلية والظروف الإقليمية فيما بعد  فضلاُ عن ( أحداث – فتنة – انتفاضة – هبة 12 آذار 2004 وازدواجية الخطاب السياسي الكردي حسب التوزع الجغرافي وانتهاء بالدعوات الأخيرة لإعلان مؤتمر وطني كردي ثم مجلس سياسي  …الخ وضرورة إجراء مراجعة شاملة على أفكار تجاوزها الزمن واستيعاب الوقائع الجديدة وانعكاساتها على المنطقة برمتها .


ثانياُ  : طرح القضايا الجوهرية للنقاش أمام جميع قوى الإنتاج المعرفي  – بدون أي  تحفظ  –  نقاش معرفي وجريء يتطلب التخلي عن أساليب التشهير وكيل الاتهامات ضد الخصوم والمخالفين بالرأي وبعيداُ عن الصياغات التقليدية الجاهزة ومن منطق المجاملات الذي يحول دون ممارسة نقد حقيقي للنواقص  وتشخيص الحالات المرضية  للوصول إلى بلورة رؤى مغايرة  تفتح الباب أمام آفاق مشرقة والخروج من النفق المظلم تحقق للخطاب السياسي الكردي ما خسره في العقود الماضية من تراجعات في جوانب كثيرة.
ثالثاُ  : أن تعترف القيادات الكردية وبصرف النظر عن مكانتها الحزبية ونفوذها العشائري : سكرتاريي الأحزاب ومكاتبها السياسية ولجانها المركزية دون تردد بعجزها عن استئناف دورها التجديدي خلال السنوات المنصرمة ، وتقر بمسؤوليتها التاريخية عن نزعات التشرذم والانحرافات والتكتلات والانشقاقات التي حدثت داخل هذه الأحزاب- ولم ينج حزب واحد منها – انعكست سلباُ  على سياساتها  ، وبث اليأس في نفوس الأعضاء والمؤازرين والجماهير المساندة أدى إلى عزوف المئات من الكوادر والكفاءات السياسية عن العمل الحزبي
رابعاُ : الانفتاح نحو دمقرطة حقيقية للمشروع السياسي وليست (شعاراتية) من خلال تنمية فكر سياسي ديموقراطي كقيمة إنسانية تلهم السلوك الفردي والجماعي وممارسة المزيد من الديمقراطية –  أفضل وسيلة لتدعيم الديمقراطية –  المؤسس على مشروعية التعددية ومبدأ الحق في الاختلاف للتخلص من التبعية والتهميش وإعادة إنتاج نظم قبلية رعوية عشائرية .


خامساُ  : إعادة النظر في مناهج العمل والنظم الداخلية وفق أسس جديدة تتضمن المبادئ الأساسية التي تعتمدها في نضالها  مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تأخذ بعين الاعتبار تطلعات جيل الشباب  وتكفل حقوق  المرأة والتخلص من الهرمية الصارمة للبنية الحزبية – المركزية الديمقراطية – التي تعيق الفكر والاجتهاد والممارسة  و ترفض أية مبادرة جديدة لصالح الديمقراطية  أو أي اجتهاد شخصي يتخذ موقفاُ مختلفاُ عن مواقف القيادة لمناقشتها داخل الهيئات بل تصطدم بحملة منتظمة لمحاربة تلك الشخصيات وتشويه مواقفهم  كانت نتيجتها نشوء صراعات حادة داخل القيادة وفيما بين القيادة والقاعدة وبين الحزب والجماهير غالبا ماكانت تقود إلى  تكتلات وانشقاقات  والإعلان عن أحزاب صغيرة غير فاعلة في المشهد السياسي  تعاني من ضعف ثقة الجماهير بها  وفي مصداقية برامجها غير المدروسة  لا تتعدى قيادييها وجماهيرها أصابع اليد الواحدة.
سادساُ :  تعميق الطابع المؤسساتي لنشاطها الداخلي وإيجاد علاقة شفافة بدلاُ من (علاقة الراعي بالرعية) من أجل ردم الهوة بين القيادة والقاعدة وبين القيادة والجماهير الواسعة .
هذه العلاقة غير السوية ساعدت على استفحال آفات مزمنة : الفساد السياسي والمالي والإداري  والفردية  والاستبداد وإصرار أمناء الأحزاب للبقاء في مراكزهم  (أمد الله في أعمارهم) ولم تشهد تاريخ هذه الأحزاب نموذجاُ ديمقراطياُ يحتذى به  ترك منصب الأمانة العامة بملء إرادته ؟؟
سابعاُ  : اعتماد مبدأ التعددية السياسية وتداول السلطة  على أساس المنافسة الحرة النزيهة في إطار النظام الداخلي وليس خارجاُ عنه أحد أبرز آليات الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية فالتعددية حسب رأي محمد عابد الجابري ” مظهر من مظاهر الحداثة السياسية ونقصد بها أولا وقبل كل شيء وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه ” الحرب ” بواسطة السياسة، أي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية … والتعددية هي وجود صوت أو أصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم “
ثامناُ  : إعادة الاعتبار للثقافة والتخلي عن (الغلو السياسي) من خلال مد جسور الثقة بينها وبين المثقفين  باعتبارهم : (أدق من يعكس تصور المصالح الطبقية والقوى السياسية في كل مجتمع) حسب تعبير لينين
وفك الحصار المفروض على المثقف الملتزم بقضايا الجماهير ومساعيه الرامية لإنتاج المشروع المجتمعي النهضوي بما يحقق طموحاتهم السياسية والاجتماعية  في تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والتغيير والديمقراطية ..
أخيراُ ، ثمة تساؤلات كثيرة تطرح نفسها :
هل تستطيع هذه الأحزاب البقاء على حالها والاستمرار في تقوقعها  دون إدخال إصلاحات وتغييرات جذرية في برامجها وسياساتها ؟ هل  تجاوزت رياح التغيير والديمقراطية التي هبت على العالم وسببت في انهيارات هائلة في الرؤى والخرائط  هذه الحالات الاستئنائية في تاريخ البشرية ؟ وهل ستتوقف حركة التاريخ أمام هذا (الوضع القائم)  ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…